Skip to main content

Full text of "01830 كتاب Pdf علم النفس الإنساني فرانك سيفيرين"

See other formats


علم النفس الإنساني 


2425 
فرانك سيقيرين 


ترجمة 


طاعت منصور عادل عزالدين 
أستاذ الصحة النسية أستاذ الصحة النضسية 
كلية التربية جامعة عين شمس كلية التربية جامعة عين شمس 
فيولا البيلاوي 
أستاذ الصحة النئسية 
كلية التربية جامعتي بنها والكويت 


الطبعة الثانية 


طبعة جديدة ومنقحة 


A 


مكتبة الأنجلو المصرية 


هذه ترجمة لكتاب: 
Frank T. Severin: Humanistic Viewpoints in Psychology:‏ 
A book of readings.‏ 
New York, St, Louis, San Francisco, Toronto, London,‏ 
Sydney: Mc Graw-Hill Book Company.‏ 
Library of Congress Catalog Card Number: 65-17395.‏ 


الطبعة الأولى 
۱4۷۸ 
الطبعة الثانية 
طبعة جديدة ومنقحة 
Y‏ 


تقديم الترجمة 

لقد خرج ale‏ النفس إلى الإنسانية بحشد هائل من النظريات والتصورات: 
والتقنيات والفنيات. والبيانات والحقائق.. كان من نتيجتها طرح «نماذج» 
GLU‏ متعددة. متناقضة في بعض الحالات أو في كثيرها. 

الإنسانء كما تبدى من منجزات علم النفسء نعرفه بصور وبأشكال 
مختلفة ومتباينة أو حتى متضادة.. وفقاً للمنظور الذي ارتأه منه عالم النفس 
بخلفيته وبثقافة عصره.. فمن يقرأ كتاباً فى التحليل النفسى. وينتقل إلى 
كتاب آخر من وجهة النظر السلوكيةء أو من منطلق مجالي أو ظاهري أو 
وجودي» ليجد نفسه يتنقل أمام نماذج مختلفة للإنسان.. إنسان التحليل 
النفسى يختلف» بل ويتناقض» بدرجة أو بأخرى. عن إنسان السلوكية؛ وعن 
إنسان المجالية والوجودية وغير ذلك من التعدد والتناقض الذي يصعب معه 
جمع أشتات وأضداد الإنسانء كما تناولتها مدارس علم النفس ونظرياته 
بالتفتيت وبالتحليل.. الأمر الذي قد يصعب معه الخروج بصورة كلية AGES‏ 
عن ماهية الإنسان وجوه ره الحقيقي.. 

وارتباطا بهذه النماذج وبفروعها المتعددةء ارتسم الإنسان بصور مختلفة 
في عقول الناس وفي مختلف مجالات الحياة.. بل ولقد سيطرت هذه الصور 
على فهم طبيعة الإنسان في أماكن وفترات مختلفة.. فهو الإنسان «المضطرب» 
في التحليل النفسيء وهو الانسان «الآلي» في السلوكيةء وهو الإنسان «الموقفي» 
في المجاليةء الخ؛ إن صح هذا التجريد. 

«إنسانات» متباينة للإنسان.. وما لهذا من مردود ناقص الإيجابية على 
الحياة الإنسانية ذاتهاء لأن فهم الإنسان بتصور معين يحدد ويفرض «التوقعات» 
المنتظرة من الانسان, والتي بناء عليها تتحدد المسالك والإجراءات » وتخطط 
الجهود والمناشط.. 

وهل يغيب عن أذهاننا التشنج الذي قد يبديه بعض أصحاب ele‏ النفس 
ممن ينتمون إلى مدرسة دون الأخرىء إذا خرج أحد عن «عرينهم» أو خالف 
«طقوسهم» أو لم يلف لهم؛ فهو ليس agia‏ خارج agile‏ يستحق أن يقذة 
بحجارة اللافهم واللا عملية!! 











i —‏ اسمس ئلم التثقس الإنسائي — 


وتبقى التساؤلات: أين الإنسان من كل هذا؟ أين الإنسان الحقيقي الذي 
ينبغي أن يكون بحق موضوعا لعلم النفس؟ إلى أين نحن سائرون في دراساقا 
للانسان؟ 

أين الجوهر الأصيل للإنسان في دراسات علم النفس.. إنسان الخير.. 
إنسان الحرية.. إنسان الإرادة.. إنسان المسئولية.. إنسان الايجابية والفاعلية 
والإنتاجية والعقلانية والإبداعية.. الإنسان المتوازن البناء.. الإنسان الكلي .. 
i tpa all call‏ 


وهل يعكس أصحاب علم النفس أنفسهم في دراستهم للنفس هذا 
الجوهر؟ أغلب الظن أن الكثير من الشوائب التي علقت بصورة الإنسان 
وشوهت وجهه المشرق؛ كانت تنضح من داخل نفس علماء النفس ومن طبيعة 
عصرهم الذي عاشوه! 

ضيق البصيرة بحقيقة النفس هى الحاجز.. والتجزئية هي الفاصل.. 
حاجز وفاصل يفضيان دائماً إلى إقامة الحدود والجدرانء وتشييد الجبهات, 
والتشبث بها والعمل على تقويتها.. علامة الفكر الواعي المميزة هي أنه يعبر 
الحدود ويجتاز الفواصل.. يصل بين الناس» ويحفظ الأمل ual a‏ في 
الصدور. 


ee 


لقد غير العلم» بالميادين التي تطررق لها وبحثهاء وجه العالم Lape‏ 
وسيحدد العلم أيضا كل تطور قادم . ولذلك فالناس لا ينتظرون من العلماء 
أن يقدموا لهم الإجابة فقط عنى السؤال الوجودي: كيف ستجرى الأمور بعدة 
وذلك إذا ما كان تطور الأرض والبشر يسير إلى تحقيق الخير لا اجتلاب 
الضون. 

إننا نيش بق عضر adi‏ ميتس ال المدرء عن مستغيل 
الإنسان. ما الذي ينتظره» وما الذي سيحدث له إذا ما أمكن التدخل في 
العوامل الوراثية؛ وأمكن قبول ذلك SL SET‏ ما الذي سيحدث إذا ما أصبح 
من الممكن تغيير ساوكه الاجتماعي بإحداث تغيرات وظيفية في SRL‏ وإذا 
ما أصبح من الممكن توجيه إرادته وعقله ومس cdd gt‏ باس تخدام العقاقير 











— 80 ممح‎ E 


السيكولوجية؟ وباختصارء إذا ما أصبح من الممكن التحكم في شخصية 


الإنسان وتوجيهها؟ تلك إمكانيات للعلم تطرح تساؤلات جادة بشأن إنسانية 
الإنسان وإيجابيته ومس تقبله! 


ويكافح الإنسان بالفعل الآن ضد عدد كبير من الأضرار الحضارية 
المرتبطة بالتقدم التكنولوجي. فالمجال الحيوى للإنسان مهدد: الأرض منهكة. 
والمياه ملوثة, والطاقة تتناقص.. ويقف الإنسان من الطبيعة موقفاً يكاد أن 
يصبح بديهياً في عصر التكنولوجيا المتطورة. لقد نظر الإنسان إلى الطبيعة 
حتى الآن على أنها مخزن هائل للمواد الخام التي يستخدمها الإنسان لمصلحته 
وفائدته فقط.. واستغلت الطبيعة استغلالاً سيئا. لقد ظن المرء أن ما بها من 
مخزون طبيعي سيكفي إلى الأبد. وها نحن اليوم نواجه نتيجة عملناء لنرى 
Lal‏ قد خلقنا بيئة تنافي الإنسان ويزداد عداؤها له باستمرار.. الإنسان لن 
يستطيع أن يضمن لأبنائه وأحفاده الحياة إلا إذا نجح في أن يعيد - بالعلم 
وتقنياته - إلى الدورة الطبيعية توازنها السليم.. لابد من إعادة التوازن إلى 
الدورة البيعية للتربة والهواء والماء وعالمي النبات والحيوان. ولكنء مع وقبل كل 
ذلك» توازن الإنسان نفسه. 

ومن ثم إذا كان الإنسان الآن يعيش عصر علم فريد» فلابد وأن يتسق 
ويتناغم das‏ اتجاه إنسانى يؤكد على الإنسان بالدرجة الأولى» وعلى ما يكتنزه 
من طاقات إيجابية وابداعية متنامية.. وعلى تقدمه ورفاهته ورفعته.. الأمر 
الذي يجعلنا نقرر أن هذا العصر ينبغي أن يكون عصر العلم الانساني. 


اا 


إن «علم النفس الإنساني» توجه جديد في الفكر السيكولوجى المعاضر .. 
وقفة لإعادة النظرفي منجزات علم النفس وفي مناحى ومسارات دراسته. وهو 
لا يمثل نظرية أو مدرسة مستقلة في علم النفس؛ ولكنه فلسفة جديدة .. أسلوب 
جديد.. منحى جديد .. غايته ترشيد التقاول العلمى للانسان كموضوع لعلم النفس 
من منظوزأصالة انسائيته. لذا Fa jo‏ الأتجاه بمفاهيم جديدة Ulo‏ أغفلها 
علم النفس واعتبرها خارج نطاق اهتماماته.. وهى مفاهيم تنح و صوب الجانب 
الايجابي الخلاق في الإنسان.. وهو الجوهل الأصيل لطبيعته البشرية. 


see 











— 1 ملل ل د طلم التقس الإنساني 

هذا الاتجاه الجديدء فلسفة وأسلوباء ينبغي أن يأخذ طريقه إلى بحوقا 
ودراساتنا النفسية وممارساتنا المهنية المدروسة والمحسويةء لكى يجد صداه 
ومردوده فى حياة «انسانية» أفضل لنا ولأبنائنا من بعدنا. ألسنا بحاجة إلى 
علم نفس جديد .. علم نفس الإنسانية JS‏ قسماتها المميزة لها من الإيجابية 
والإنتاجية والإبداعية والقيمية .. وعلماء نفس إنسانيين يتصفون بالصدق 
النفسي مع الذات والآخر.. وفي أدائهم الأكاديمي والمهني.. وفي حضور فعال 
في كافة مجالات حياتهم الشخصية والعلمية والعملية .. وليكونوا Wale‏ مؤثراً 
في كل الجبهات التي يعملون فيها .. وما أكثر تلك الجبهات بطول الحياة 
وعرض الحياة. 

eke 

من أجل ذلك ia IS‏ كان الهدف من نقل هذا المجلد إلى العربية؛ رغم 
الجهد والوقت الذي استغرقته الترجمة. ونجد فيما سيسديه لدارسي علم 
النفس» من عون وبصيرة في مجالات وميادين متعددة من العلوم النفسيةء 
خير جزاء. 

وفقنا الله جميعاً لما فيه خير الانسان العربي. 

الترجمة 


القاهرة: مصر الجديدة 














محتويات الكتاب 


























الفصل الأول: الكل أعظم من مجموع الأجزاء. Y‏ 

Yo . النفس الإنساني: آفاق جديدة متفتحة‎ le (Y) 
(جف. بوجينتال)‎ 

ES فلسفة علم النفس : الحاجة إلى علم ناضج عن الطبيعة البشرية‎ (Y) 
(ابراهام ماسلو)‎ 

(؟) الشخص في علم النفس عم DE‏ 
(جوردون أولبورت) 

M استكشافات في الشخصية‎ (t) 
(هنرى موراي)‎ 

الفصل الثانى: الحياة: اختيار ai‏ إجبار .. حياة مُعاشة أم معيشة vv o.‏ 

)0( الآراء المتعارضة في طبيعة الإنسان الأساسية .... wo‏ 
(جيمس كولمان) 

)( اللاشعور والحرية — Ab ce‏ 
(جوزيف نوتان) 

AY us i الاختيار والمسئولية فى العلاج النفسي الإنساني‎ (V) 
(م.ك. تيمبرلين)‎ 

الفصل الثالث: الحيوان الفريد 








(A)‏ ميلاد الفكر 
(بيير تييلارد دى تشاردين) 
)8( من ردود الأفعال الحيوانية إلى الاستجابات الإنسانية .. 


NYY e 





(إرنست كاسيرر) 


— بإ مم نكمم النفس y)‏ —— 


wA 


)٠١(‏ نظرية التعلم المعاصرة والتعلم الإنساني 
abs)‏ كوبلر) 
الفصل الرابع: تعقيل البدن 
)9( نموذج جديد لعلاقة العقل - اليدن 

(ج. ويزدوم) 
(Y)‏ الدماغ والعقل ٠‏ 
(جيرارد فون بونين) 














الجزء الثاني yyy‏ 
العلم ودراسة الانسان 
الفصل الخامس: الأبعاد الإتسائية للعلم YVA mee‏ 





(1Y)‏ أشخاص Sele af‏ (كارل روجرز) 
)١5(‏ العلم والسلوك الإنساني (جيمس كونانت) 
)10( الافتراضات في علم النفس (أدريان كآم) 
)11( الافتراضات القبلية العلمية (روللو ماى) . 
(YV)‏ العلم وفهم السوك (لويس ليفين) 
(1A)‏ الحاجة إلى نظرية (دونالد هب)..... 
الفصل السادس : تأثير الفيزياء على علم النفس .. 
)14( دور «le‏ الفيزياء الحديث في تقدم الفكر الإنساني مس تت NN‏ 
(فرنر هيزنبرج) 
(روبرت أو بنهايمر) 
)11( هل ele‏ النفس الإكلينيكي nein iiis Sale‏ جك 
(كارلتون بيرندا) 
الفصل السابع: الإجرائية Mad‏ 
(جوستاف برجمان) 


Vas 
vag 




















as المحتويات‎ 





. ملاحظات حول الإجرائية‎ (YY) 


(ب . بردجمان) 
عت Yos‏ 

















Yo) 
(فلويد ماتسون)‎ 

الفصل الثامن: توسيع آفاق المنهج العلمي s‏ حب TOD.‏ 

10000 الوعى والسلوك والشخصية‎ (YV) 
(جوزيف نوتان)‎ 

YN ann إلى سيكولوجية المحتوى العقلي‎ 536 (TY) 
(دافيد ما كليلاند)‎ 


3 ٠ الوعي والذات الواعية‎ (YA) 

(ه .ج ماك كيردى) 

YAY nmn بعض المقاربات التجربية في دراسة الأهداف الأساسية في الحياة‎ (YA) 
(شارلوت بولر)‎ 

)+( الإنسانيات في عصر العلم 
(و. هارمان) 

...... العلم والإنسانية والإنسان‎ (Y) 








يلض 








( ه. کانتریل. ت. بومستيد) 


الجزء الثائث ملع 
علم النفس والقيم الإنسانية 
الفصل التاسع: الخرائط المعرفية vores‏ 
ale (TY)‏ النفس - الصيرورة واللاصيرورة 
(ج. تيرنر) 
(YY)‏ نحو مسئولية عامية ومهنية mam‏ 


s sg)‏ سميث) 








Yy. 





— ۳إ عم التقس الإنساني 
































الفصل العاشر: الشخصية الحكيمة ver‏ 

ven نحو مفهوم للشخصية السوية‎ (YE) 
(أ.ج. شوبان)‎ 

(Y0)‏ الإحساس بالذات 
(ك. موستا كاس) 

الفصل الحادى عشر: التوجه القيمي في الارشاد النفسي ^ YS‏ 

YVY ...... التوجه القيمي في الارشاد النفسي..‎ (Y) 
(آ.ج. ويليامسون)‎ 

YAY Lu ... النفس والدين والقيم عند المرشد النفسي‎ ele (TV) 
فرين)‎ c) 

الفصل الثائى عشر: إنسان المستقيل ...... vaa‏ 

(YA)‏ مكانة الشخص في alle‏ جديد للعلوم السلوكية 
(كارل روجرز) 

EY uas .... العالم الغائي‎ (YA) 
(بيير تييلارد دى تشاردين)‎ 

قراءات مقترحة: ... De‏ 


١٣۳ ot تقديم‎ 


تقديمالمحرر 

لقد اعتبر الإنسان نفسه سيد هذه الأرض منذ وجوده عليها. وبعد أن 
طفق يواجه أسرار الطبيعة «بالمزيد» من الصبر والعبقرية إبتداءً من التركيب 
الجزئي الذري Subatomic‏ للمادة إلى ديناميات المجرات الفلكية galaxies‏ 
وبعد تحليل تكوين النجوم كلها واللامتناهية في بعدها؛ وبعد خلق عالم من 
الراحة والدعة لم يحلم به في القصص الخيالية: يبدو من المتناقض مع ذلك 
أن الإنسان لا يزال يتساءل: «من أنا5». 

ومشاعر عدم الأمنء المقلقة للإنسان العادي غير المتخصصء تمثل سبب 
الاهتمام غير المحدود من جانب العالم السلوكي. ويبدي الكثير من علماء 
النفس. الذين يسألون أنفسهم «من هو الإنسان؟» بعضا من عدم الارتياح 
حيال الصورة الإنسانية التي خلقها علمهم. فهي تبدو جزئية للغايةء جامدة 
للغاية؛ وتعوزها الوحدة والفردية لكي تعكس بدرجة كافية الاستقلالية الذاتية 
والتلقائية والإبداعية للإنسان الحقيقي الذي يتناولونه. ويعتقدون: على وجه 
الخصوص, أننا محتاجون إلى أن نولي اهتماماً أكبر بالجوانب غير الآلية 
nonmechanical‏ للشخصية: وإلى أن نعيد الخبرة الواعية conscious‏ 
experience‏ إلى مكانة الشرف في علم النفس. 

فثمة اتجاه إنساني جديد ealag‏ إيجابي وإبداعي؛ يفرض نفسه في اتجاه 
تقدم ale‏ النفس» يهدف إلى استكمال النظريات الموجودة laa,‏ لهذه الخطوط. 
ويحاول المجلد الحالي أن يجمع Les‏ وجهات النظر المختلفة كما عبر عنها 
أصحابها . ويتضمن أيضاً مقتبسات عن مؤلفين في مجالات أخري حينما 
وجدنا أنها تطور الفكرة العامة ولم يكن J‏ دى المجررء عند انتقاء مادة هذا 
المجلد: موجهات واضحة يمكن أن يتبعها طالما أن مدى ونطاق هذه الحركة 
الجديدة قد صارت تجد سبيلها في حركة تقدم علم النفس وفي الأفاق 
المرجوة منها. ويمكن القول بأن هذه الطائفة من القراءات تمثل المفهوم الجديد 
لبزوغ التوجه الإنساني Humanistic orientation‏ في علم النفس. 

ونوصي بهذه القراءات للطلاب والدارسين فى أساسيات علم النفس: 
والشخصية: وعلم النفس التريويء وعلم النفس الاجتماعىء والصحة النفسية, 

















«xí —‏ لمم سم تكلم النفس الإنساتئي —— 
وعلم النفس الفلسفىء وعلم النفس التجريبى. وإذ لا تتوفر مصادر علمية 
كافية عن هذا اليمدان سريع التقدم في علم النفس الإنساني Humanistic‏ 
psychology‏ يعتبر المجلد الحالي نقطة إنطلاق هائلة في هذا الصددء وفي 
تقدم علم النفس صوب الإيجابية والإنتاجية والإبداعية. 

وقد عمدناء في بداية كل ual ja‏ إلى التعريف بالمؤلف وبالمصدر العلمي. 
واكتفينا فقط بالمراجع والحواشي الأساسية, ووضعنا المراجع في الحواشي 
بالرغم من أنها كانت فى المصدر الأصلى مثبتة كقائمة فى نهاية الدراسة. 

والمحرر مدين بال شكر للمؤلفين الذين أسهموا بأعمالهم الأصيلة في 
توفير dale‏ هذا المجلدء ولزملائه «تيودور بورسل» Theodore V. Purcell‏ الذي 
قام بقراءة النص الأصليء و «يوجين جيرارد» Eugene O. Gerard‏ و«ريتشارد 
نيكسون» Richard C. Nickeson‏ على مقتراحاتهما السديدة. 


فرانك ت. سيفيرين 











مقدمة 


عادة ما يتوقع الدارسون لعلم النفس أن يدرسوا الناس كما يدركونهم في 
اتصالاتهم اليومية العادية. وحينما يمضون في برنامج الدراسة يصير بعض 
الطلاب في حالة من الحيرة والارتباك إزاء الموضوعات التي يتناولها البرنامج. 
فهم يدرسون» بتفصيل file‏ الإحساس والإدراك والتعلم والدوافع والانفعالات 
وغير ذلك من الأنشطة الإنسانيةء ولكن لا يحدث أن تتكامل هذه الموضوعات 
في صورة تمثل الإنسان. 

تبدو «الذات» (Self)‏ التى يدركها أي فرد كنقطة بؤرية؛ مُجِرَأة إلى عدد 
من العمليات. ويتعرض وجود ال «أنا» الحقيقية ) ”1“ (real‏ بالرغم من عدم 
إنكارهاء للإغفال والغياب. ومن الأفضل أن نتجنب الكلام عن «الذات» خشية 
أن نخطىء ونعتبرها «إنساناً صغيراً داخلنا». بل إن تناول الشخصية يهتم 
بالسمات وبقياسها أكثر من اهتمامه بنظرية تولي اعتبارأ كافياً لخصائص Sie‏ 
الإبداع؛ والاستقلال الذاتي؛ والمعنى؛ والتسامي. والمرونة وتنوع من الجوانب 
الأخرى غير الآلية للسلوك. 

ويقدم العلماء- المعلمون إيضاحات مختلفة لتحييد المشاعر السلبية لدى 
طلابهم. يقولون» على سبيل JÈN‏ أن البرنامج الأول في أي علم يعمل فحسب 
على مجرد مسح الميدان ولا يراعي أنه يحيط به ويستوعبه. ويوع زون إلى 
الطالب بأن يتذكر أن الإنسان أعظم كيان معقد في الطبيعة. وبأنه قبل 
محاولة تقديم بنية مركبة كلية عنه. علينا أن نتحقق من ملايين الحقائق 
الصغيرة وأن نوائمها Les‏ وربما يتمكن علماء النفس في المستقبل من التنبؤ 
بالسلوك بدقة: إلا أنه في الوقت الحاضر ينبغي أن يتعلم الطالب جيد التوافق 
أن يتحمل قدراً معيناً من الفغموض. وعلى أية حال؛ إذا كان ينشد أن يجعل من 
علم النفس عمله في الحياة: فإنه ينبغي أن يهتم بغرس اتجاهات علمية أكثر 
من اهتمامه بمشاعر غامضة عن «الاهتمام بالناس». 

وبالرغم من أن إيضاحات كهذه تكون مفيدة داخل قاعات الفصل» لكن لا 
يقتنع كل السيكولوجيين بدرجة متساوية بأنهم هكذا يقدمون حلولاً للمشكلة. 
لقد تصاعدت صيحات تؤكد الحاجة إلى إعادة النظر في الفروض الأساسية 
التي تقوم عليها السلوكية والتحليل النفسي - القوتان الهائلتان في علم النفس 





—- ١إ‏ طم التقس الإنساني 


الأمريكيء اللتان قدمتا لعلم الإنسان إسهامات هائلة: أحدهما بتطويره لطرق 
موضوعية دقيقة للبحث» والآخر باقتراح نظرية كلية عن الديناميات الإنسانية. 
ولكنهما لم يحققا كلية ما ننشده من علم النفس. فالمدرسة السلوكية تعزلء 
على نحو سطحي.ء الأنشطة العقلية كسلوك مشروط بالتواصل اللفظيء أو 
تتجاهلها كأنشطة غير ALLS‏ للمعرفة بأي طريقة دقيقة بالرغم من أن الحياة 
بدون خبرة واعية تفقد كل معنى. 

أما مدرسة التحليل النفسي التقليدية برغم ما تبدو عليه من أنها تتناول 
جوانب معينة من التوظيف العُصابي؛ تخفق في أن تفيد الشخصية السوية 
وتكشف عنها. فالدور المبالغ فيه ل (ID) « gh»‏ بوساوسها القهرية العمياء 
المتمركزة حول الذات حيال اللذة الجسمية - يبدو غير ملائم لتفسير الاجتهاد 
أو السعي المتصل الموجه إلى الخارج؛ خارج الذات» لدى الشخص السوي. 

إن ale‏ النفس الإنساني هو حركة جديدة. أشاروا إليها في بعض الأحيان 
على أنها «القوة الثالثة» (Third Force)‏ بين السلوكية والتحليل النفسيء وهو 
يهدف إلى تقديم «توجه جديد» لعلم النفس أكثر من أن يهدف إلى تقديم علم 
نفسي جديد . وينشد» من خلال النقد البناء والبحوث الرصينة:؛ أن يصل بعلم 
النفس باخت لاف نظرياته إلى ارتباط أوثق بإدرا كاتنا اليومية للإنسان. وتحدد 
دراسات «الجمعية الأمريكية لعلم النفس 3b ay)‏ 0999 على النحو التالى: 

«يمشل علم النفس الإنساني بالدرجة الأولى اتجاها نحو «كلية أو وحدة 
علم النفس» (whole of psychology)‏ أكثر من أن يمثل ميدانا أو مدرسة 
محددة. وهو يناصر احترام القيمة الذاتية للأشخاص. واحترام الاختلافات في 
الاتجاهات» وتفتح العقل للأساليب العقلانية: والميل إلى الكشف عن الجوانب 
الجديدة للسلوك الإنساني. ويهتم «كقوة ثالثة» في علم النفس المعاصرء 
بالموضوعات التي تحتل مكانة ضئيلة في النظريات والنظم القائمة: مثل: 
aol‏ والإبداع؛ وا mm‏ لنمو والكيان العضوي (الأورجانزم)؛ وإشباع الحاجات 
الأساسية؛ وتحقيق الذات» والقيم العلياء والوجود؛ والصيرورة والتلقائية 
واللعب» والمرح؛ والبهجة:؛ والسجية الطبيعية؛ والدفءء» والتسامي؛ والموضوعية, 


(1) AJ. Sutich: American Association for humanistic psychology. Articles of Associ- 
ations. Palo Alto, California, August 28, 1963. 





— ف3‎ — LÀ dia 


والاستقالال الذاتي؛ والمسئولية: وبناء المعنى ومعنى الحياة؛ والعقلانية وتفتح 
العقل؛ والتجلي والاستنارة؛ والعدالة في اللعبء والخبرة المتسامية؛ وقمة الخبرة 
e Lo itg‏ والسعادة: والرفاهة؛ وما يرتبط بهذه الموضوعات من مفاهيم وآفاق 
للبحث والعمل والتطبيق. 


(يتضح هذا المنحى في كتابات ألبورت» أنجوالء آخ: بوهلرء فروم» 
جولدشتين: هورني» ماسلوء موستا کاس» روج رزء فرتيمرء وإلى حد ما في 
كتابات يونجء وآدلرء وعلماء النفس التحليليين المهتمين بالأنا psychoanalytic‏ 
15 50 وعلماء النفس الوجوديين والفينومينولوجيين). 


وتتمثل المجالات الثلاث الأساسية في علم النفس الإنساني في الأقسام 
المتضمنة في المجلد الحالي: يتناول الجزء الأول تطور مفهوم عن الطبيعة 
البشرية يضع في الاعتبار وحدة الشخصية unity of personality‏ والعزم 
الذاتي self determination‏ وأولية الذات primacy of self‏ .. ويقدم الجزء 
الثاني إعادة نظر نقدية للافتراضات الأساسية للمنهج السيكولوجي في 
محاولة لاكتشاف الطرائق المناسبة لتناول الخبرة المباشرة؛ وتعتبر العمليات 
الواعية بيانات صادقة للبحث السيكولوجي. أما الجزء الثالث؛ فيهتم بالقيم 
والاجتهادات أو المساعي الداخلية inner strivings‏ وبالإبداع: وتحقيق الذات» 
وغير ذلك من النشاطات الإنسانية المميزة. 

ومما تجدر ملاحظته منذ البداية أن مؤلفي هذه الكتابات لا يتكلمون 
بصوت واحد . وإذ يواصل علم النفس الإنساني تقدمه» يبدي بعض العلماء 
إهتماماً بحانب معين من هذه الحركة أكثر من الجوانب الأخرى. وقد يكون 
مصطلح «علم النفس الإنساني» كذلك مصطلحا SL Ls‏ فعادة ما يعيد 
«المذهب الإنساني» (Humanism)‏ إلى ذاكرتنا العلماء الكلاسيكيين القدامي 
أو الكتابات الأدبية بصفة عامة. ولكن ينطوي هذا المجلد على اتجاه نحو علم 
النفس يؤكد على الصفة أكثر من الإسم في الحيوان الإنساني؛ كما يحدده 
تقريباً «جوزيف وود كروتش» في دراسته عن «معنى المذهب الإنساني» 2 


(1) Joseph Wood Krutch. Human Nature and the Human Condition. Random House, 
Inc., 1959. 











À —‏ لاس عم النفس y)‏ —— 


«لقد جرى استخدام «المذهب الإنساني» ليعني أشياء كثيرة جداً لكي 
يؤلف مصطلحا يلقى قبولاً. ومع ذلك» ومع عدم توفر كلمة أفضلء سوذ 
أستخدمه هنا لكي أقف على مجموعة الاتجاهات التي تتولى هذه المناقشة 
الدفاع عنها». 

«وبهذا المعنى يكون العالم الإنساني Humanist‏ هو أي شخص يرفقض 
محاولة وصف الإنسان أو تناوله على أساس علم الطبيعة والكيمياء والسلوك 
الحيواني. هو أي شخص يعتقد أن الإرادة والعقل والهدف والمعنى حقيقية 
وهامة؛ وأن القيمة والعدالة جوانب للواقع معروفة بالخير والشر وتقوم على 
أساس معين أكثر من أن تقوم على العرف أو العادة؛ وأن الوعي أبعد من 
أن يكون مجرد ظاهرة مضافة epiphenomenon‏ وإنما يمثل أعظم الحقائق 
الواقعية؛ وأن ما هو غير قابل للقياس قد يكون ذات قيمة؛ أو باختصار. تعتبر 
تلك الحقائق الإنسانية التي تبدو في بعض الأحيان متوفرة فحسب في العقل 
الإنساني هي من إدراكات ذلك العقلء أكثر من أن تكون من مجرد خلق ذلك 
العقل. وبقول آخرء العالم الإنساني هو أي شخص يقرر أن هناك أشياء في 
السماء والأرض أكثر مما يُحلم به في الفلسفة الوضعية». 

خلافاً للإنسان البدائي الذي التفت إلى كل شىء متحرك, أو الإغريق 
الأوائل الذين مجدوا كل جوانب وقوى الطبيعة: يبدي الإنسان المعاصر 
قلقه إزاء إغفال شخصيته depersonalization‏ (أو الإقلال من تضمينها 
1 في كل ما يعجب به ويقدره للغاية. ويرجع هذا الميل 
إلى سببين: الأول هو التحليلء تلك الأداة العجيبة للبحث العلمي التي بفضلها 
يدين بكل تقدم ولكنها - بإسقاطها لتركيب synthesis‏ بعد الآخر - تدفع بعقل 
وراء الآخر إلى yall‏ تاركة إيانا نواجه كومة من الماكينات المفككة والذرات 
المتحللة. أما السبب الثانى: فيكمن في اكتشاف دنيا الفلك التي باتساعها 
تبدو وكأنها تعمل بعيداً بكل تناسق بين وجودنا وأبعاد الفضاء المحيط بنا» D‏ 


(1) Pierre Teilhard de Chardin: The Phenomenon of man. Harper & Brothers, New 
York, 1959, pp. 257-258. 








pot‏ الأول 
طبيعة الانسان 


الفصل الأول ا ب يبنا ١١س‏ 


المصل الأول 
الكل أعظم من مجموع الأجزاء © 

نعتقد. في بعض الأحيانء كقضية للاقتناع والموافقةء أن الشخصية تتألف 
من عدد هائل من السمات المنتظمة والعمليات الجزئية. لكن المحور الأساسي 
للشخصية يتمركز في وحدتها وتفردها . فمن الصعب أن نقارن ما يتصف 
به الناس من شخصيات غنية غير متشابهة . ومن المنظور التجريدي» يمكن 
اختزال الصور الفرديةء بصرف النظر عن اختلافهاء إلى خط متموج بسيط 
على مبيان نفسي. لكن هذا الاتجاهء برغم فائدتهء يخفق في أن يعكس الطبيعة 
الخاصة الأصيلة idiosyncratic‏ للشخصية. ويس تطيع أي فرد أن يقول بحق: 
«ليس هناك أبداً من شخص آخر يشبهني. فسماتي هي سمات متمشخصة 
personalized traits‏ منسوجة على نسق 5 S‏ فالكائنات الحية الإنسانية 
لا تتألف من أجزاء متبادلة مثل المنقاء أو الصمام الثنائي في (أجهزة التنقية) 
lak, diodes‏ 65 (في بعض الأجهزة الآلية). ويبدو من المستحيل؛ 
حتى في الخيال» أن نجمع من «لنكولن» أو «غاندي» سمات مقننة جاهزة على 
الرف لأن «النماذج الكلية» وكذلك «الأجزاء الفردية» تكون متفردة وهامة. 


وإذا تجاهل عالم النفس هذا الجانب. الباعث على القلق والإزعاج» من 
الحقيقة الواقعية؛ تكون مهمته متناهية في البساطة. فما قد يستخدمه من 
طرق علمية. في هذه الحالةء يوجه إلى اكتشاف ما في الطبيعة من تجانس 
وتلازم. ويكون هدفها الأول هو تحليل ما هو عام بالنسبة ual ld‏ وليس ما 
هو فريد بالنسبة للأفراد. 


ويبدو أن الإلحاح على «التفرد الإنساني» (human uniqueness)‏ إلى 
الحد الذي تختلف معه العشرة ة أو gus sociability i‏ شخص عن الآخرء 
يفرض حملاً صعباً بطريقة متعسفة على عالم النفس» ومن ثم قد يبدى ميلا 
إلى تقبل ذلك الحد. ولكن تظل الحقيقة بان طرق الدراسة ينبغي أن تخضع 


(1) The Whole is Greater than the Parts 





٣ —‏ سس سس سس لم التقس الإنساني 


للانتقاء لأنها ملائمة للموضوع: وليس لأنها موافقة ومُقنعة. فقي الشخصية 
الإنسانيةء كما في أي شىء آخرء لا تتبع الطبيعة الخطة الأبسط. ويواجه 
علماء الفلك مش AIS‏ مشابهة في دراسة المجرات الفلكية. 


وحتى حينما تعتبر سمات الشخصية نسقاً متسقاً تقريباً في سائر النوع 
الإنسانىء يبقى قياس الشخصية أمراً بالغ الصعوبة. وتكون المعرفة بأية عملية 
جزئية منعزلة أقل فاعلية في فهم السلوك والتنبؤٌ به من المعرفة بالنموذج 
الكلي الذي تتحد فيه. فسمة القهرية «Compulsiveness‏ على سبيل المثالء 
قد تدفع شخصا إلى أعلى مستويات التقدم الدراسيء في حين أن أخيه الذي 
يتصف بنفس السمة وبدرجة متساوية تتبدد طاقاته في أفعال قسرية طقوسية 
غير ذات معنى. ومن الواضح أن «النموذج الكلي» يحدد الفصل بينهماء وهنا 
تكمن دلالته وأهميته. 


إن سمات الشخصية أشبه بخيوط ملونة في طنفسة . ويفقد النسيج إذا 
حيك بطريقة عشوائية؛ الخاصية المميزة. أما إذا جُمع بطريقة ذات معنى؛ فإن 
الخيوط تكتسب تحديداً كجزء من نموذج. وعلى العالم الذي ينشد دراسة 
هذه الطنفسة» وربما لكي يفهم خصائصها A dleat‏ أن يبدأ بفرز الخيوط 
L3,‏ للون لكي يحدد طولها وعددها وسمكها. ومثل هذه المقاييس تكون مفيدة 
بالنسبة لمقارنات معينة. لكن من المشكوك فيه ما إذا كان الانتباه الانتقائي 
لهذه العناصر التركيبية سوف يسهم بطريقة ذات معنى في فهم الطنفسة 


وإذا كنا نفصل بين الطرق الجزئية للعملية part-process methods‏ 
والطرق الأكثر كلية لأغراض المناقشة: فإنها لحسن الحظ لا تناقض بعضها 
الآخر. فكل من هذين النوعين يضيف شيئاً إلى دراسة الفردء كما أن لكل 
منهما مزالقه الخاصة. ومن المحتمل أن محاولة قياس الشخصية على أساس 
واسع للغايةء وبدون ما اهتمام كاف بالعناصر الأساسية: يتمخض عن عموميات 
غامضة. ومن ناحية أخرى. لا تلصق الصورة التخطيطية للسمات (بروفيل 
السمات (trait profile‏ بش خصء» وتضاف إليه أو تُمَصّل عليه. فهي تهيء أساساً 
معيناًء مثل اللقطات التصويرية لشخص في حالة العمل والنشاط؛ للتبصر 























الفصل الآول يلمت ا YY‏ — 
بالسلوك والبنية النفسية بدون الكشف عما وراءهما من نظام الدوافع. 


وحتى في طبيعة الجوامد, لا يوجد شىء في عزلة: كل جزء يعتمد على أي 
جزء آخر. ووفقا لأحد نظريات الفضاءء يتأثر وزن الأشياء على سطح الأرض 
بدرجة هائلة بتلاشي مجموعة صغيرة من النجوم البعيدة. وإذا كان هذا يصدق 
على القوى اللاشخصية للجاذبية والجاذبية الكهربية الاستاتيكية: فإنه نادرأ ما 
نستطيع تبرئة عالم النفس إذا تجاهل «القوى الشخصية» (personal strengths)‏ 
مثل الاجتهادات أو المساعي القصدية Intententional Strivings‏ المتعلقة بالإبداع 
وتحقيق الذات. ويعتبر التعريف الإجرائى الخالص ل «الشخص ككل» غير واقعي» 
لا يعفي العالم من الحاجة إلى البحث عن تعريف عامل working definition‏ 
يبعث على الارتياح والإقتناع. 


فجوانب الشخصية التي يستطيع الباحث دراستها بدقة في المختبرات 
ليست بالضرورة هي أكثرها LESS‏ أو أكثرها ملاءمة بالنسبة لذلك البحث. 
كذلك يبدو من الصعب للغاية أن نكتب وصفاً مقنعاً للإنسان بدون إضافة 
تكوينات أخرى مما نجده في كتب علم النفس. 


فعلم ypu ail!‏ وفقاً للعالم «أ. ماسلو» ينبغي أن يكون أكثر جرأة وإقداماً. 
وحتى إذا كان الاتجاه الجزئي في البحث في الشخصية هو الاتجاه العملي 
الوحيد. لكن هذا التحديد أو التقييد ينبغي ألا يكون فضيلة. خفي سعينا 
إلى فهم طبيعية الجزء والكل؛ وطبيعة ما بينهما من علاقات متبادلةء ينبغي 
ألا تصير الحيطة والحرص وجلاً Lalas‏ فبعض من البصيرة القائمة على 
الحدسء أو حتى بعض الغموضء ينبفي تحمله في كل ما يتعلق بما هو غير 
معروف لكي نسمح بتكوين فروض جديدة باستمرار. 


يثير وصف «بوجينتال» للتطورات الإنسانية الجديدة في علم النفس 
الإكلينيكى عددا من القضايا الهامة. هل من غير المجدي أن يحاول علماء 
النفس دراسة الفرد ككل؟ وإذا كانت النتائج المشتقة من الإحصاء صادقة 
فحسب بالنسبة للناس في جماعات وليس بالنسبة للأفرادء فكيف يختلف 
علم النفس إذن عن علم الاجتماع؟ الإنسان أكبر وأعظم من مجرد المجموع 

















—— y) النفس‎ ale سم‎ eee — 


الكلي لملاحظاتنا الإمبيريقية. ما الذي ينبغي أن يضاف إليها لكي نجعل منه 
إنساناً بصورة محددة؟ هل من الضروري أن يجيب عالم النفس التجريبي 
وعالم النفس الإكلينيكي على هذا السؤال بطرق مختلفة5 ما هى جوانب 
ال «أنا» الحقيقية (real T’)‏ التي تخضع «للضبط من الخارج» في التجريب 
الموضوعي؟ وطالما أن أي فرد يكون متفرداًء فهل يحق لنا أن نعتبر المفحوصين 
البشر في تجربة كوحدات متبادلة5. 


أما علاقة علم الفيزياء بعلم النفس التي يشير إليها «بوجينتال» فتعالّج 
بتفصيل أكبر في الفصل السادس. 














st) ect‏ زجحت 
(Y)‏ علم النفس الانساني: آفاق جديدة متفتحة O‏ 
ج. ف. بوجينتال 
(رابطة الخدمة النفسية: لوس انجليس) 


أود أن أقدم Lines‏ عن مدخل آخذ في التطور والتقدم في ele‏ النفس. 
فهوء كفيره من التغيرات الأخرى والتي تتناول الإنسان: يكون من الصعب على 
أولئك الذين ينغم رون بعمق في الاهتمامات اليومية أن يتعرفوا على وضعه 
وإمكاناته: ولكن قناعاتي بأن ما أقتبسه من متشابهات ومقارنات لا يصدر 
عن مبالغة أو زهو. وأعتقد LAT‏ مقبلون على حقبة جديدة في اهتمام الانسان 
بالإنسان قد تَفْضي - إذا قدرلها أن تمضي في مسارها - إلى تفيرات 
عميقة في الموقف الانساني أشبه بالتغيرات التي شهدتها العلوم الطبيعية. 
وفحوى هذا التغيرء كما أعتقد» هو تلاشي بعض التوجهات المعروفة في العلوم 
النفسية, وبزوغ ثقل جديد للقيمة الأساسية للخبرة الإنسانية. 


إن علم النفسء كأي نظام اجتماعي» هو مجموعة متشعبة من الافتراضات 
والمعلومات والتأملات. وكما يحدث مع أي نظام تتأتى له فترات من الثبات 
وأخرى من التغير السريع. وقد نؤرخ للتغير بوضوح في بعض الأحيان إرتباطاً 
بحدث معين» مثل الإنطلاقة السلوكية بعد أعمال واطسون. وفي بعض الأحيانء 
قد تكون القوى المؤدية إلى التغير أكثر تشعباًء مثلما حدث في ظهور موجة 
الاختبارات العقلية. ,3 كلتا الحالتين. تكشف خلفيتهما عن عديد من الجهود 
قبل أن تضبح عملية ail‏ ر واضحة بعلا وهذ ملايتطيق بلا شك cele‏ 
الاتجاه الحالي. فقد هيأت كتابات الكثيرين من العلماء الاجتماعيين الطريق 
إلى ذلك الاتجاه الآخذ في التطور (وخاصة:؛ جيمس أولبورت» وكانتريل؛ وماي 
وماسلوء وفروم: وروجرزء وآخرين كثيرين). وقد نتناول بالمناقشة ما الذي دفع 
بهذا التطور إلى مكانة الصدارة. لكن لا شك أن ثمة مؤثرات معينة قد أدت 
إلى ذلك. مما يمكن تحديده فيما يلى: اهتمام عدد هائل من السيكولوجيين 


(*) J. F. Bugental: Humanistic Psychology: A new break - through. 











Se —‏ تم الققس الإنساني — 
بممارسة العلاج النفسىء واخفاق الكثير من الاتجاهات في التوصل إلى نظرية 
ملائمة شاملة بحق عن الشخصية الإنسانية انطلاقاً من اتجاهاتنا القائمةء 
وتزايد الاهتمام العام بالعلوم والخدمات النفسية والحاجة إليها. وقد نتمعن 
النظر أيضا أنه حينما يتعرض الكائن الحي إلى تهديد يعترض بقاءه في 
aL‏ فإنه يستدعي قوى مضادة gl)‏ أجساماً مضادة)؛ ولذا قد يكون هذا 
التطور جانبا من استجابة تطورية للقوى البيولوجية المهددة المرتبطة بالتدمير 
النووي. 
البارامترات النفسية: 

ولنتناول ثماني بارامترات (وحدات متغيرة) كانت تلقى قبولا بش كل تقليدي 
كما قدمت في علم النفس ولكنها موضع تساؤل بش كل متزايد كنتيجة لموجة 
التطور الحادث في علم النفس. وهذه البارامترات النفسية هي: 
.١‏ نموذج الإنسان كبناء مركب من وظائف جزئية. 
۲. نموذج العلم» مأخوذ عن cle‏ الفيزياء. 
-Y‏ نموذج الممارس» مأخوذ عن الطب. 


4. نموذج التقسيم الفرعي لمؤسسات وبرامج دراسي علم النفس كوسيلة 
ملائمة لإعداد الطلاب للمهن النفسية. 


0 محك التردد الإحصائي كمؤشر للحقيقة. 
1 الوهم بأن البحث يسبق الممارسة. 
۷. خرافة «الفريق الإكلينيكي». 
۸. المغالطة gly‏ التشخيص أساسي للعلاج. 
وما أود طرحه الآن هو تفحص كل نموذج من هذه النماذج بنظرة تهدف 
إلى التعرف على ماهية التغيرات التي تتعلق بها . 





nS Yer 
نموذج الإنسان كبناء مركب من وظائف جزئية‎ (1) 


يوضح ما سبق في فهم وجهة نظرنا ob‏ هذا التطور الأساسي لطبيعة 
الانسان يكمن في عملية التغير وآفاق التقدم. فما دمنا نبحث عن عناصر 
a le‏ في أي شكل تبدو وبأي سفسطة من التسمية تأخذه. فإننا بذلك 
نستند إلى أن الكيان الانساني الكلي يمكن فهمه تماما إذا كان لدينا فحسب 
قائمة شاملة بأجزائه. يمثل هذا في الأصل تصوراً (structuralistic) «si»‏ 
بالضرورة. والآن نقر LG‏ في حاجة إلى تصور للعملية التي يتشكل بها ذلك 
الكيان الانساني. وأشعر بأن هذا الاختلاف أساسي للغاية بحيث يمكننا أن 
نذهب إلى أن دراسة «الوظائف الجزئية» part functions‏ للسلوك الانساني 
تمثل في الحقيقة Lele‏ مختلفاً عن دراسة الكائن الإنسانى «الكلي». ويبدو ذلك 
الاختلاف أيضاً في هذا النوع من التقسيم بين علم النفس وعلم الفسيولوجيا. 
ولعل الوظائف الجزئية لما درجنا بالتقليد على اعتباره ele‏ النفس- هي تلك 
الشذرات مثل السلوك والعادات والاتجاهات: ودرجات الاختبارء والمدركات 
AU all‏ والبنود المتعلمة- إنما تختلف عن «التوظيف الكلي للشخص» fully)‏ 
(functioning person‏ . 


وأعتقد of‏ المفهوم المحدد للإنسان 335 لهذه الحركة الإنسانية الجديدة 
في علم النفسء هو أن الإنسان عملية بنائية وظيفية وليس مجرد المجموع 


الكلي لوظائفه الجزئية. 
(Y)‏ نموذج العلم مأخوذ عن علم الفيزياء 


وما دمنا تقبانا نموذج الإنسان كبناء مركب من وظائفه الجزئية؛ يكون 
من الملائم البحث عن الوحدات القصوى ultimate units‏ للسلوك. وقد تبدو 
المحاولات في ذلك بتتبع الخطين الأساسيين للبحث عن العناصر العقلية في 
هذا البناء أو عن الوثاق البسيط للمثير- الاستجابة في ضوء السلوكيين. أو 
من جانب آخر البحث عن الغرائز الأساسية أو الحوافز الأولية تحت راية 
التحليل النفسي التقليدي. لقد كشف علم الفيزياء عن تعددية هائلة في 
زيادة معرفتنا بالعالم الفيزيقي بواسطة الطرق التحليلية. ولكن علم الفيزياء 





— ۳۸ سس سس سلسم نكمم النفس | qii‏ — 


قد بنى سجله على أساس القابلية لتبادل الوحدات التي يدرسها. اما علم 
النفس الحقيقي للإنسان فهو علم نفس الوحدات غير القابلة للتغيير البيني 


-noninterchangeable units 


فإذا كان علم النفس هو علم دراسة الكائن الإنسانى الكلي؛ وهذا كما 
أعتقد هو رسالته الأولىء فإن النتائج التي تصدق فقط على الناس في 
جماعات لا تكون في الحقيقة سيكولوجية وإنما اجتماعية بدرجة أكبر. وبقدر 
ài ete 3) La‏ س is‏ م محدد يُعَنَى بدراسة الوظائف الجزئية: فإنه يميز 
نفسه عن دراسة الظاهرات الجماعية. 


وقبل أن نترك التعليق على نموذج للعلم مأخوذ عن علم الفيزياءء تجدر 
الاشارة إلى أن علم الفيزياء ذاته قد وجد أنه ينبغي أن يتحرك إلى ما هو 
أبعد من الوضعية المنطقية والعملية الآلية اللتين طالما كانت دلائله التي تهديه 
على الطريق. وما جرى من الاهتمام بالعمليات الوظيفية وبارتباط المجرب 
الوثيق بالتجربة قد اعتبر شروطاً أساسية لاضطراد تطور علم الفيزياء. وكم 
يكون ذلك أكثر صلاحية وملاءمة لعلم النفس! 


(V)‏ نموذج الممارس مأخوذ عن الطب 


للنموذج الطبي الخاص بالممارس تاريخ طويل يرجع» بالطبعء» إلى الكاهن 
«الشاماني» ورجل الطب والكاهن الساحر. وقد أخذ الممارسون النفسيون 
هذا النموذج كقضية مسلمة بأنهم ينبغي أن يضطلعوا بمهمتهم بطرقة مشابهة. 
ولكنه قد تبين على نحو متزايد بأن هذا الافتراض زائف. ويجد الكثير من 
الممارسين للعلاج النفسي. في الحقيقة؛ أن هذا النموذج قد يلقى قبولاً بالفعل 
من المرضى ds‏ كخدم كمقاومة لتحمل المسئولية في حياتهم الذاتية. ثمة 
مفهوم جديد للممارس قد يصعب معه أن نعطيه تسمية ملائمة. يقترح «لوويل 
كيلي» Lowell Kelley‏ )141( على سبيل JÈL‏ مصطاح «الاستشاريون في 
الحياة» (Consultants in living)‏ الذي يتميز بالكثير مما يجعلنا نوحي بقبوله: 
بالرغم مما قد يبدو به المصطلح في بعض الأحيان من ادعائية. القضية 
بلا شك أننا لا نستطيع أن نتبع نموذجاً للتشخيص بطريقة سرية للصعوبات 























— 44 "fs الفصل‎ 

التى تواجه مرضانا ولكتابة الوصفات باللغة الخاصة والتدوين الغامضء الذي 
يحمله المريض عن طاعة وإذعان إلى الصيدلي لكي يعطيه الدواء ثم يتناوله 
بجهل تام عن ماهيته أو عن تأثيراته المقصودة. ولكننا نعترف أكثر وأكث 
بأن الشرط الأساسي اللازم للعملية العلاجية النفسية هو مشاركة المريض 
(E)‏ نموذج التقسيم الفرعي لمؤسسات وبرامج دراسي ele‏ النفس كوسيلة ملائمة 
لإعداد الطلاب للمهن النفسية 

يواجه علم النفس من داخله نوعاً من عدم استقرار في معاهد 
وكليات إعداد السيكولوجيين: يتعلق بتجزئته إلى تخصصات مختلفة . وقد 
يصل الأمر في بعض الأحيان إلى عدد هائل من «العلوم النفسية الفرعية» 
 Subpsychologies)‏ والنتيجة شيوع اتجاه جزئي في ميداننا يخلق نوعا من 
الارتباك لطلاب ele‏ النفس. ومع US‏ ثمة دلائل كثيرة للتغير الإيجابي في 
هذا الميدان وكذلك في بعض الميادين الأخرى ذات العلاقة؛ ومع ذلك هناك 
تيارات تعترف بأن نموذجنا الخاص بالكثير من التخصصات - في ميادين علم 
النفس الاكلينيكيء والارشاديء والصناعي» والنمو - يتطلب العمل على مزيد 
من التطوير. ويتحدد شعوري الذاتي بأننا ينبغي أن نتحرك نحو الاعتراف 
بثلاثة أقسام فرعية أساسية لعلم النفس: قسم خاص بالوظائف الجزئية 
part functions‏ وقسم خاص بالوظائف الجماعية group functions‏ وقسم 
خاص بالشخص الكلى total person‏ كوحدة. ومن المحتمل Gus‏ بالنسبة لكل 
من هذه الأقسام الثلاثة أنها تشمل جانب البحث. وجانب التجريب» وجانب 
الممارسة. وتستخدم هذه الأقسام الثلاثة بشكل متزايد في حل مشكلات 
عملية. بقدر ما تؤدى أيضا إلى تزايد عدد الممارسين. ويأخذ الكثير من نقد 
واستياء التجريبيين من الممارسين هكذا في التلاشي كلما توغل التجريبيون 
أنفسهم في الوظاف الإرشادية. لقد تنبأ «تريون )١1977( Tryon‏ بأن البرج 
العاجي الأكاديمي هو شيء من الماضيء وأن التجريبيين سوف يتوغلون بعمق 
في أدوار الممارسين. وممما لا شك فيه أن هذا التوجه سوف يكون له تأثير 
عميق على فلسفاتنا التربوية الخاصة بإعداد السيكولوجيين. 








— ۳ سب طلم التقس y)‏ — 
)0( محك التردد الإحصائي كمؤشر للحقيقة 


يبدو محك التردد الإحصائيء إذا تكلمنا بشكل مجرد. محكاً ممتازاً. قلا 
شك أن تلك الأشياء التي تقع بشكل منظم ومتسق تبدو كعينات واضحة بذاتها 
لطبيعة الواقع. لكن الواقع العملي ليس كذلك. فبالرغم من الإتقان المتزايد 
للمناهج الإحصائية: وبالرغم من التزايد المضطرد في بلورة الإجراءات المعملية 
وتشذيبهاء فإن نتاج سنوات الجهد الواعي لم توفر مع ذلك الثقة الكافية 
بأننا سوف نصل في النهاية إلى فهم أصيل للس لوك الإنساني عن طريق هذا 
التوجه. وهذا ممالا يثير الدهشة إذا رجعنا إلى النموذج الذي قامت عليه 
هذه الجهود. 


عبثاً كان الجهد الذي ينشد التوصل إلى الوحدة الأساسية للسلوك المتعلقة 
بالشخص 221 15 ssubperson unit‏ فالإنسان الكلي هو الوحدة الأساسية. 
وفقط حينما نجد llo‏ لفهم الإنسان فى سياق السلوك (behaving man)‏ 
فإننا نستطيع فهم سلوكه. وقد يبدو من المستحيل مع الطرق الفنية الحالية أن 
نضبط كل العوامل المتضمنة في أي تتابع سلوكي ينخرط فيه الانسان بطريقة 
عادية. كذلك لا يبدو هذا ببساطة كقضية تتعلق بتطوير المزيد من الاختبارات 
وباستخدام العديد من الحاسبات الآلية. فتعريفنا للكائن الإنساني على أنه 
العملية التي تفوق المجموع الكلي لعواملهاء يوضح أنه لازال هناك جانب غير 
قابل للقياس.. فلا يزال «يبقى الشخصء 14315 


وثمة طريقة أخرى لتصور المشكلة قد تلقي ضوءاً عليها : علينا أن نعترف 
بأن اتجاهنا العلمي التقليديء كما يتمثل في الدراسات والبحوث المنشورة 
في المجلات المختلفة ورسائل الماجستير والدكتوراه؛ يقوم على تصورات عامة 
متناهية. ويعني ذلك التسليم ضمناً بأن الكون نظام مغلق يوجد فيه كم ثابت 
من المعرفة المتاحة. ويميل العلم بصفة عامة - سواء العلوم الفيزيائية أو 
البيولوجية أو الاجتماعية - إلى الإقرار بأن المعرفة غير متناهية: كما أن الكون 
غير متناه. وإذ نقوم بدراسة أي ارتباط منعزل بين متغيرين نفسيين على أمل أن 
ذلك الارتباط في النهاية سوف يتصل copio‏ فإن مثل هذه الدراسات المنعزلة 
وما يتعلق بها من تنظيم معين سوف تطرح بطريقة استدلالية. علينا أن نعترف 


gts الفصل‎ 


بأن الأمر ليس كذلك. فقي داخل الكون اللامتناهي og gill‏ نستطيع أن نستمر 
بطريقة لا متناهية في جمع بنود منعزلة من البيانات: ومن الارتباطات والتنوع: 
وبالتالي سوف لا تكون هناك ضرورة لمثل هذا الترابط. ولا يستطيع الباحثون 
الذين يجرون التجارب التي اضطلع بها باحثون آخرون أن يؤكدوا نتائجهم من 
الناحية الشكلية بسبب التنوع اللا متناهي للمتغيرات: وبس بب لا نهائية المعرفة 
الكامنة. 


(1) الوهم ob‏ البحث يسيق الممارسة 


طا ما شاعت بيننا الخرافة التي تذهب إلى أن العالِم يطور المعرفة 
والمهندس يطبقها. بقول آخرء الباحث يطور المعرفة والممارس يطبقها. والأمر 
ليس كذلك في ele‏ النفس. كما أنه ليس كذلك سواءً في الفيزياء أو الهندسة. 
ويعترف الكثير من المبرزين في العلوم الفيزيائية أن الفيزياء قد تلقت المزيد 
من الإسهامات من الهندسة أكثر مما أعطته للهندسة. ونجد نفس الشىء 
بالنسبة لعلم النفس الإكلينيكي الذي حقق إسهامات لنظام المعرفة السيكولوجية 
بواسطة الممارس الإكلينيكي أكثر مما يتلقاه من الباحثين. ونح تاج بصعوبة إلى 
إيضاح هذه النقطة أبعد من مجرد اقتباس أعمال فروید كمثل بارز. وريما 
يكون المثل الآخر الهام للغاية هو إعادة تقديم التوجه الإنساني في ale‏ النفس. 
وترجع إعادة التقديم هذه - وهى إعادة إحياء لعلم النفس - بدرجة كبيرة 
إلى إسهامات الممارسة الاكلينيكية. ويعزى ذلك في جانبه الأكبر وبصفة أخص 
إلى خبرة السيكولوجيين الذين ينخرطون في ممارسات العلاج النفسي. وما 
يتردد في هذا الميدان من أسماء القادة الذين يتصدرون طليعة هذا التطور 
هو أسماء العلماء الذين انفمسوا بعمق في أعمال العلاج النفسي» مثل: كارل 
روجرز. وأبراهام ماسلوء وروللوماىء وايريك فروم» وغيرهم. 


ومرة أخرىء يمكن أن نشير إلى تأثير نموذج الكون المتناهي الذي يمكن 
أن تتجمع فيه المعرفة بطريقة عشوائية وتتكامل في النهاية وتصيح ميسورة 
للممارس. وإذ ننفي هذا النموذج: ونعترف بأنه غير متسق مع الكون: ينبغي 
أن نعترف إذن بحاجتنا إلى اسهامات الممارسين في تلك المجالات ذات الأهمية 
القضوى من الناسية الاجتماعية: تمن Aa Ley‏ إتى اختيار امار ين للنتائج 

















— لبج ل اس سد طم الثقس —À qi)‏ 


لإقرار صلاحيتها وإمكانية تطبيقها؛ Ui]‏ محتاجون إلى إسهامات الممارسين 
لاقتراح أسئلة وقضايا للبحث العلمي. 


(Y)‏ خرافة الفريق الإكلينيكي 


وهنا نكون واضحين منذ البداية بأن الفريق الاكلينيكي في بعض الحالات 
قد أثبت أنه مفهوم نافع وفعال للغاية: ولكني مقتنع بنفس الدرجة بأنه ليس 
كذلك في معظم Lol‏ حيث أنه في الكثير من الأمثلة هو غطاء لأجل 
سيطرة الفريق بواسطة واحد أو آخر من المتخصصين. 


لكن ما هو eal‏ أن الفريق الإكلينيكي يقوم مرة ثانية على نظرة جزئية 
لالإنسان. وتكون الهيئة الرئاسية الثلاثية للفريق الإكلينيكي غير قادرةء 
بطبيعتهاء على مواجهة المريض في علاقة iin‏ خصية صادقة. وقد يكون 
الفريق الإكلينيكي وسيلة ممتازة لجمع المعلومات عن الناس» وهي المعلومات 
التي تتناول الناس أساس أ كممثلين لطبقات مختلفة أو تجمعات للمجتمع. وقد 
يكون أداة إدارية نافعة للقيام بتحويل الحالة أو تحديد استعدادهاء ولكنه ليس 
أداة نافعة علاجيا. ويقيني أن العلاج النفسي.ء الذي هو بحق العلاج النفسي 
Goel!‏ يتطلب مواجهة قائمة على الثقة بين شخصين. ولكن المسثولية المجرّأة 
والعلاقات التي يفترضها الفريق الإكلينيكي تخالف تلك المواجهة. 


وقد يلاحظ أيضاً أن الفريق الإكلينيكي يتسم بحيوية اجتماعية:؛ وهذا 
موضع شك. فحينما يفوق عدد الأشخاص الذين يتطلبون علاجاً عدد 
الممارسين بدرجة زائدة لمواجهة هذه الحاجة: تكون مضاعفة الأشخاص 
العاملين مع مريض بعينه ذات فائدة مشكوك فيها . وإن بعض ما يجرى الآن 
من استخدام اشخاص عاديين قادرين على العلاقات البينش خصية الصادقة 
قد يفترض أن هناك طرقاً أفضل لمواجهة هذه المشكلة. يتمثل ذلك في أعمال 
«مارجريت ريوش» (M. Rioch)‏ بالمعهد القومى للصحة النفسية في تدريب 
بعض السيدات الناضجات ليعملن كمرشدين نفسيين بدون أن يُتطلب منهن 
التوغل في المنهج المهني العادي. حقيقة: يحتاج ه e$‏ الناس إشرافاً وعوناًء 
ولكنهم يذهبون إلى أنهم يس تطيعون القيام بإسهامة خلاقة. 











et‏ الإو د 
وما قام به «فیلمور سانفورد» Fillmore Sanford‏ يعتبر دراسات cals‏ 
قيمة في هذا الصدد . فهو يقرر أنه قد أرسل فريقاً من الباحثين إلى مجتمع 
من المجتمعات وسأل مواطنيه بطريقة عشوائية: «مع من تتحدث إذا كانت 
لديك مشكلة شخصية هامة5» بهذه الطريقة كانوا قادرين على تعيين مجموعة 
صغيرة من أشخاص ناضجين يستطيعون تقديم مساعدة ذات بال إلى زملاثهم. 
وإذا قدمت لهؤلاء الأشخاص مساعدة من مصادر متخصصة ولا يتعرض ما 
يقومون به لأي خلل أو تحريف» فإنهم يستطيعون أيضاً أن يشبعوا الحاجة 
الإنسانية إلى التغير والنمو. 


(A)‏ المغالطة بأن التشخيص أساس العلاج 


لقد درجنا بالتقليد على الاعتقاد بأننا نستطيع مساعدة الشخص حينما 
نعمد إلى تجميع قدر هائل من المعلومات عنه. في فترة ما أجرينا دراسات 
تشخيصية متقنة لكل ملتمس للعلاج النفسي. واليوم نعلم أن تجميع معلومات 
تشخيصية بالنسبة لمعظم الأشخاص تسهم قليلا في العمل العلاجي الحقيقي» 
حينما يكون ذلك العمل العلاجي من خارج المريضء أقرب إلى نمط المقابلة . 
فالمعرفة التشخيصية ذات وظيفة جزئية بالضرورةء في حين أن العلاج النفسي 
الأكثر فاعلية هو الشخص - الكل (Whole - person)‏ والمتمركز على العلاقة 
معه (relationship centered)‏ . فالمعرفة التشخيصية هى «معرفة عن المريض»» 
في حين يتطلب العلاج النفسى الأكثر فاعلية «معرفة بالمريضء. هذا الاختلاف 
أكثر من مجرد كونه لعبا بالكلمات. فالمعرفة عن المريض تتناوله كموضوع 
أو كشىء يُتناول بالدراسة. أما المعرفة بالمريض فتقر بالإنسانية والفردية 
الجوهريتين له. وهى تتضمن بذلك تعرفاً بالمريض وإقامة علاقة مهنية معهء 
ol;‏ نكون معه. كما يختلف ذلك عن التناول للمريض. والمعرفة التشخيصية 
مفيدة حينما تكون الحاجة إلى تناول الناس كموضوعات» كممثلين لطبقات 
أو فثاتء أكثر من أن يكونوا كأشخاص . وبالنسبة للوظائف الإدارية: غالبا 
ما تكون ضرورية. أما النسبة لأغراض البحث قد تكون حاسمة وحيويةء 
ولكن بالنسبة لأغراض العلاج النفسي ذاته لا يكون التشخيص مهما في تلك 
الحالات التي تستحكم فيها الاضطرابات بصورة قاسية. 











e xi o —‏ الثقس الإنساني 
الخلاصة: 


لقد حاولنا أن نمعن النظر في ذلك التطور المثير للاهتمام بدرجة alla‏ 
في ميدانناء ele‏ النفس. وإذا كنت أراه صحيحاء فإننا GIRS‏ وراءنا مرحلة 
الاهتمام بالوظائف الجزئية ونعود إلى ما قد بدى به علم النفسلمعظمنا من 
معنى حينما دخلنا الميدان منذ البداية. L3]‏ نعود إلى ما يزال علم النفس يعنيه 
بالنسبة لمعظمناء وهو الوظيفية والخيّريّة والإيجابية للكائن الإنساني «الكلي». 


إن علم النفس يجتاز مرحلة للمراهقة. فهوء كالمراهقء يُقَيّم بصورة ضئيلة 
ما يقدمه الوالدانء بينما يرتب نفسه على ما هو خارجي فاتن» على الفيزياء . 
والآن يحدوني الأمل أن علم النفس سوف ينضج وفي النهاية يصل إلى مرحلة 
الرشد. وكما هو الحال بالنسبة لمعظم المراهقين الذين حينما يصلون إلى 
quell‏ يعودون بنظرهم إلى الوراء ليتأملوا في الناس القدامى ببعض التقدير. 


ريما يكون الأمر كذلك بالنسبة لعلم النفسء وأن علم النفس قد يعود مرة 
ثانية إلى والديه» الإنسانيات والفلسفة: ومنهما يستمد قوة جديدة لمواجهة 
تحديات عالمنا. 


ثمة تقارب يحدث بين تقليدين إنسانيين هائلينء ومن تقاربهما قد 
نتوقع تدفقا هائلا لوعي جديد عن أنفسنا في Lille‏ أحدهما ell‏ والآخر 
الإنسانيات. وهذا كما لو أننا قد أصبحنا فجأة ورثة لمخزون هائل من المعرفة 
لم تستخدم من قبل إلا استخداماً ضئيلاً أو - بتشبيه آخر - كما لو أن lai‏ 
جديداً تماما من الكرة الأرضية قد اكتشفه كولوميس جديد آخر. 


لا شك أن الكثير من الاستكشاف والتطور ينبغى تحقيقه؛ ولكننا مسوف 
نصل إلى شواطته. 








الفصل Fs‏ 
(Y)‏ فلسفة علم النقس 
الحاجة إلى ele‏ ناضج عن الطبيعة البشرية 
أبراهام ماسلو 


(جامعة برانديس) 


أود أن أبدأ ملاحظاتي بتبنى عقيدة شخصية: يتردد صداها بخيلاء 
ولكن بضرورة ملحة. 


أعتقد أن علماء النفس يحتلون الموقع الأكثر أهمية ومركزية في عالم 
اليوم. أقول ذلك لأن كل المشكلات الملحة للإنسانية - الحرب والسلام 
الاستغلال والتآخيء الكراهية والحبء المرض والصحةء سوء الفهم والفهم» 
السعادة والشقاء - سوف تؤول إلى فهم أفضل للطبيعة البشرية؛ وهنا فحسب 
يلقي علم النفس بثقله كلية. لذا أعتقد أن الطب والفيزياءء القانون والحكومة, 
والتربية.ء والاقتصاد.ء والهندسة:؛ والتجارة, والأعمال والصناعة - ليست إلا 
أدوات ققط برغم ما لها من قوة معترف بها . إنها وسائل وليست غايات؛أما 
الغاية فهي «الترقي أو التقدم الإنساني. „(Human Betterment)‏ 


إن الغاية القصوى التي ينبغي أن تتبناها كل هذه العلوم؛ إذن؛ هي التحقيق 
الكامل للإنسان ونموه وسعادته؛ لكن هذه الوسائل أو الأدوات تأتي بتلك النتائج 
الطيبة والمرغوبة فحسب حينما يستخدمها أناس طيبون على نحو سليم. أما 
استخدامها بجهالة وحماقة بواسطة أناس أشرارء لا يأتي بشىء إلا بالكوارث 
والخطوب. فما هو خاطىء وشرير إنما يكمن في الناس» وليس في الأدوات. 
والوسيلة الوحية لمغالبة المرض الذي يبدو بذاته كشر من الشرورء هي إعداد 
أناس طيبين بواسطة فهم أسباب المرض والبحث عن الشفاء. ومن i$‏ فإن 
اكتشاف طبيعة الإنسان الطيبة والشريرةء أي الصحة النفسية والمرض النفسي» 
هي المهمة التي يحاول عالم النفس أن يؤهل نفسه لها . 


لذا يتملكني شعورء كمالم نفس بالأهمية والحَظية لإسهامي في مثل 
هذا العمل. فعلماء النفس ينبغي اعتبارهم أناساً محظوظين لأسباب متعددة. 








۳ طلم التقس الإنساني 


فهم يتعاملون مع أكثر المواد سحراً وفتنة في العالم - الإنسان. فهي تمثل ما 
يقومون به من دراسات» وما يضطلعون به من عمل علمي؛ ولذا ييستطيعون 
حل مشكلاتهم الشخصية الخاصة بطريقة أكشر فاعلية وكفاية. ولكن لا يزال 
ما هو أكثر أهميةء فأي شيء قد نكتشفه خلال البحث السيكولوجي سوة 
a Sey e ad‏ لمليون مرة. فبقدر ما نعلم أكثر عن الطبيعة البشرية: بقدر ما 
نكتشف بطريقة آلية في العلوم الأخرىء وكذلك في القانون والتاريخ والفلسفة 
والفن والصناعة: UUs‏ أن هذه العلوم كلها هي بالضرورة نواتج إنسانية. ينبغي 
أن يكون من أساسيات الدراسة في القانون أو التربية أو الاقتصاد أو التاريخ 
دراسات متقدمة عن الكائنات الحية الإنسانية التي تصنع القانون وتصنع 
التاريخ. ويعبر «بول فاليرى» (Paul Valery)‏ عن ذلك بحق: «حينما يكون 
العقل موضع البحث؛ يكون كل شىء موضع البحث كذلك». 


وينبغي أن يكون واضحا تماما من الآن أني أعبر عن تصور خاص Ail‏ 
عالم النفس. يبدو لي أن علم النفس يفرض قواعد ومسئوليات محددة على 
ممارسيه. وتنبع المشكلات, الأكثر ضغطا وإلحاحا التي تواجهنا اليوم من 
النقائص الإنسانية أو الضعف الإنساني Human weakness‏ : الكآبة والغم. 
الطمع والجشع. الاستغلالء التعصب. الازدراءء الكراهية: الجبنء الغباء 
الحقد. والأنانية. ونعلم: مع ذلك» أن هذه أمراض يمكن علاجها بشكل جذري. 
فالتحليل النفسيء على سبيل المثال: عملية للعلاج المتعمق الذي يمكن أن 
يتناول تلك المشكلات إذا توفر الوقت والمهارة الكافيتان. 


وسوف يستمر الموت والدمار من كل بد في حروب ضاربة أخرىء أو 
الوجود القلق العصابي المتوتر في حروب باردة ممتدة إذا كان للكائنات الإنسانية 
أن تستمر في سوء فهم نفسها وبعضها البعض. وإذا كنا نسعى إلى تحسين 
الطبيعة البشرية وحسن توظيفهاء إنما نسعى هكذا إلى تحسين كل شىء في 
الوجود, لأننا بذلك نزيل الأسباب الرئيسية للاضطراب العالمي. 

لكن الإصلاح والتقدم الإنساني يتوقف على فهم الطبيعة البشرية؛ 
فالحقيقة البسيطة التي لا يمكن إغفالها هي أننا لازلنا لا نعرف الناس 
بدرجة كافية. لهذا السبب يحتاج العالم إلى بصيرة بأن علم النفس يستطيع 











— Yy gt الفصل‎ 


مع الوقت أن يحقق الكثير في هذا الصدد. إننا نحتاجء أكثر من القنابل أو 
التيارات الدينية الجديدة أو السياسة أو المصانع» وأكثر من الصحة البدنية 
والعقاقير الجديدة التي توفرها- نحتاج أكثر إلى «طبيعة إنسانية (ALLS‏ 


(Improved human nature) 


لهذه الأسباب أشعر بإحساس الضمير التاريخي» وكذلك بوعي متزايد 
لمسئولية عالم النفس. فهي مسئولية حيال الجنس البشريء ينبغي أن تعطي 
عالم النفس إحساسا بأنه صاحب رسالة وثقل بالواجب أعظم مما لدى 
العلماء الآخرين. 


ثمة نقطة هامة أود أن أؤكد عليهاء مع ذلك. أن تعريفي qe Md‏ النفس 
هو تعريف واسع ولكن محدد . أعنى بذلك ليس فحسب أساتذة علم النفس 
ولكن أكثر من كل أولئك - وفقط آولئك - الذين يهتمون ببناء وإزكاء تصور 
للطبيعة البشرية أكثر صدقاً ووضوحا وإمبيريقية. وقد يستبعد ذلك الكثير 
من أساتذة علم النفس والكثير من الأطباء النفسيين؛ ولكن قد يتضمن بعض 
علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا والتربية والفلسفة والدين والإعلام واللغة 
والعمل وغير ذلك. 


Ling‏ جانب آخر أكثر خطورةء فإذا كان علم النفس لايزال في طفولته 
eas‏ وأن ما نعرفه لذلك بالمقارنة إلى ما نحتاج معرفته يعد ضئيلا بدرجة 
تبعث على Aaa àl‏ فإن عالم النفس الناجح ينبفي أن يكون إنساناً متواضعاً. 
فبشعوره بمسئوليته؛ ينبغي أن يكون واعياً جدأ بمقدار ما ينبغي أن يعرفه. 
وكيف أن هلا يعرف إلا الغليل هي Aide‏ الأمر. ولسوء الحظ أن الكثيرمن 
علماء النفس ليسوا بمتواضعين: ولكنهم» بدلاً من ذلك» منتفخون بمعرفة 
ضئيلة. ولا يوجد»في الواقع؛ ما هوأعظم la.‏ من عالم النفس المتعجرف أو 
الطبيب النفسي المتعالي. 


بهذه المقدمة» سوف أستعرض عدداً من «الينيغيات» (musts)‏ التي أشعر 


بضروتها إذا كان لعلم النفس أن ينضج كعلم وينهض بمسئوليته الكاملة 
الإنسانية والإيجابية والإرتقائية: 











— ۳۸ عم النفس الإنسساتي س 
)69( 
علم النفس ينبغي آن يكون أكثر إنسانية بأن يهتم أكثر بمشكلات الإنسان» 


وأقل بمشكلات المهنة 


قد يبدو من المحزن أن معظم الطلاب يُقَبلون على ele.‏ النفس باهتمامات 
إنسانية؛ فهم يودون أن يكتشفوا الإنسان؛ ويريدون فهم الحب والكراهية والأمل 
والخوف والوجدان والسعادة ومعنى الحياة. لكن ما الذي يتحقق غالباً من أجل 
هذه الآمال والتشوقات العظام؟ فمعظم ما يتلقاه الطلاب يتحول جانباً عن هذه 
الموضوعات التي توصف بالس طحية واللاعلمية والسذاجة والسحرية. Y)‏ أجد 
كثيرأ كلمة «حب» يفرد لها جزء خاص في أي من كتب علم النفس على رفوة 
مكتبتي» حتى تلك الكتب المتعلقة بالزواج). وبدلا من ذلك a Sy‏ للطالب العظام 
الجافة والطرق الفنية والدقة danill g‏ وجبالاً شاهقة من الحقائق التي ترتبط 
ارتباطا ضئيلاً باهتمامات الطالب التي وجهته للإقبال على علم النفس. 


وأسواً من ذلك» أنهم يحاولونء وغالباً بنجاح » أن يجعلوا الطالب في خجل 
من اهتماماته بأنها غير علمية بشكل معين. لذا غالبا ما تتبدد الحوافز الرفيعة 
Gat‏ الشبابء ومعها تضيع الإبداعية والجرأة والإقدام والتحررية والإحساس 
برسالة مقدسة وبالتكريس الإنساني. ويتملك الطالب شعور بالاستخفاف أشبه 
بالمزاج الساخر والمتشائم (كالفلاسفة المتشككين) CYNICISM‏ ويستقر كعضو في 
مهنة بكل تعصباتها وتزمتها. ويتملكني تخوف بأن أقرر أن طلاب الدراسات 
العليا في علم النفس يتكلمون بحذر عن درجة الدكتوراه على أنها «بطاقة 
الاتحاد» union card‏ أو بطاقة الهوية: ويميلون إلى اعتبار رسائلهم العلمية 
ليست كميزة أو كفرصة: ولكن كجانب غير سار ينبغي عمله يؤهلهم إلى 
الحصول على مهنة. 

ما الذي زرعه الإنسان في عقله السديد لكي يؤهله لقراءة رسالة 
للدكتوراه أو Lats‏ أولياً في ele‏ النفس؟ إن ما توفر من كتب علم النفس التي 
يستحسنها علماء النفس المقتدرون بما يجعلنا نوصى بهاء يعتبر قليلا ؛ وكتب 
علم النفس الوحيدة التي تساعدك على فهم الإنسان بصورة أفضل غير دقيقة 

















الفصل الأول ب ب سب سيب قي — 


وغير ale‏ فهى تأتي من تقليد العلاج النفسي أكثر من أن يكون مصدرها 
«علم النفس العلمي». فمثلاء أوصيك بقراءة أعمال فرويد والفرويديين الجددء 
لكني أشك أن فرويد يمكنه اليوم الحصول على درجة الدكتوراه. في كلمة 
افتتاحية لأحد المجلات المرموقة في علم النفس قورن فرويد بعلم فراسة 
الدماغ والقوى العقلية phrenology‏ وهذا التقرير بالنسبة لعالم نفسي قد لا 
يصدر في خاتمة المطاف إلا من وجهة نظر أشخاص غير أعضاء في المهنة. 


بعد فرويد» قدم آدلر ويونج وفروم وهورني تجارب فذة ودقيقة: لم تفعل 
شيئا - على الأقل في نصف الحالات - بالنسبة للمشكلات الإنسانية المزمنة؛ 
فهي قد كتبت أساسا لأعضاء آخرين في المهنة. ويذكرنا كل ذلك بتلك السيدة 
التي كانت في حديقة الحيوان وسألت الحارس بما إذا كان فرس البحر ذكراً 
al‏ أنشى. فأجاب «يا سيدتى» يبدو لي أن هذا يبعث على الاهتمام فحسب 
بالنسبة لفرس بحر آخر». 


إن علماء النفس هم سلاح للجنس البشريء ومناصرون للإنسان 
وللإنسانية أو ينبغي أن يكونوا كذلك؛ بقدر ما يحمل علماء النفس التزامات 
ومسئوليات بالنسبة لكل فرد يعيش الآنء وبالنسبة للمستقبل؛ لكنهم لا يوفون 

(n 
علم النفس مطالب بأن يتحول أكثر إلى دراسة الفلسفة والعلم والجمال؛‎ 
وخاصة الأخلاق والقيم‎ 

تعني الحقيقة ele ob‏ النفس قد قطع نفسه رسمياً عن الفلسفة ليس أكثر 
من أنه يتخلى عن الفلسفة الجيدة لتحل أخرى دريئة. فلكل شخص فلس Ai‏ حتى 
ولو كانت غير ممحصة وغير واعية وغير سليمة. وإذا كان لها أن تصبح أكثر 


واقعية وأكشر فائدة وأكثر جدوى» ينبغي أن يعمل صاحبها بوعي على تحسينها . 


تتضمن فلسفة علم النفسء بالمعنى الذي أستخدم به المصطلح: دراسة 
القيم. ينبغي أن تبحث فلس AA‏ العلم في المعنى والهدف من العلم: كيف يعمل 














— بي عم النفس الإنسسائي سم 


علم النفس على إثرائنا؟ ينبغي أن تتضمن فلس فة ele‏ النفس كذلك فلس فة 
الجمال والإبداعية والإيجابية والخبرات الأرقى والأعمق التي يقدر عليها 
الإنسانء وهو ما أطلق عليه «قمة الخبرات» أو الخبرات peak-) Sag all‏ 
(experience‏ ذلك هو الطريق الذي نتجنب به Ayla Lal‏ ونقر فيه بمستوى 
عال من الطموح بطريقة مناسبة. 


لقد بحث الكثيرون من علماء النفس عن فلس فتهم في مفاهيم علم 
الفيزياء لمجرد أن هذه العلوم كانت ناجحة بشكل واضح. لكن علم النفس 
وهو في مرحلة طفولته كعلم» ينبغي أن يسعى لبناء فلس فته الخاصة ومنهجه 
الخاص في Le eet!‏ يتلاءم مع طبيعته ومشكلاته وأهدافه. 


ولا أقصد بذلك إيعازاً بأن أساتذة الفلسفة أفضل أو أرداً من علماء 
النفس أو الفيزياء أو الكيمياء. فهناك مجالات عقيمة كثيرة سواء في الفلسفة 
أو في اي ميدان آخر. ولكن الفلسفة تذخر كذلك بنقاط كثيرة من الفراهة 
والنظرة الواعية الثاقبة والتقدم في الفكر الإنساني. وإذا لم يقف علماء النفس 
على قمم الفكر الفلسفيء فهم بذلك ينزعون إلى أن يظلوا متكبرين بدلا من 
أن يكونوا متواضعين. وسطحيين بدلا من أن يكونوا عميقين؛ مرددين بدلا من 
ان يكونوا مبتكرين. 


ويقنع كثير من علماء النفس بالعمل مع الكائن الحي الإنساني ولكن مع 
جانب منه - جانب i in‏ وإن كانوا قد حققوا في الواقع مأثرة خارج تلك 
الحدود . لقد نسوا أن غاية مهمتهم أن يقدموا Lil‏ مفهوما موحداً قائماً على 
أساس إمبيريقي «للإنسان الكلي» أي فلسفة لطبيعة الإنسان. وهذا يستلزم 
Aele à‏ ويتطلب إرادة وتصحيحا للخروج من الحلبة الضيقة لليقين. ذلك 
اليقين بالضرورة ضيقء للسبب الذى ذكرناه بأن معرفتنا غير كافية حتى 
تسمح لنا بأن نكون متأكدين من أي شىء ولكن فحسب من شذرات ضئيلة 
للمشكلة الإنسانية المركبة. 


لكل فردء حتى للطفل الذي يبلغ Late‏ واحداً من العمرء تصور عن 
الطبيعة البشرية: لأنه يستحيل العيش بدون نظرية عن الكيفية التي سوف 

















igs الفصل‎ 


يسلك بها الناس. وتتملك كل عالم نفس» سواء كان وضعياً أو معادياً للنظريةء 
فلسفة معينة عن الطبيعة البشرية تكمن في أعماقه؛ فهو كما لو كان يُوَجِّه 
نفسه بخريطة معروفة جزئياء ينكرها ويتشكك فيهاء وتكون لذلك مستبعدة 
من التعرض للخبرة المتجددة والتصحيح بواسطة معرفة مكتسبة حديثاً. هذه 
الخريطة أو النظرية اللاواعية توجه استجاباته إلى ما هو أكثر من معرفته 
التجريبية المكتسبة بمثابرة واجتهاد. 


القضية إذا ليست في أن نأخذ أم لا نأخذ بفلسفة لعلم النفس» ولكن أن 
نأخذ بفلسفة واعية أو غير واعية. 


وثمة حقيقة أخرى يمكن أن نتعلمها من الفلسفة. وهى أنه ينبغي أن 
تكون لدينا خريطة إذا كنا ننشد ألا نضل الطريق أو يضيع الوقت سدى. 
وقد يكون من الأجدى أن نقرر أنه كلما قامت المعرفة على حقائقء وإذا قمنا 
بتجميع حقائق من كل الأنواع لمجرد التحقق من صدقهاء يعني ذلك أننا سوف 
نقترب ببطء من اللامعلوم. ليس ثمة حاجة حقيقة إلى نظريات. لكننا نعلم 
الآن أن معظم الحقائق - وربما كلها - هي تعبير عن نظرية. لقد أثبت علماء 
à Las Logd M‏ غلفاء AAD‏ إن Alas La‏ من Aye ed‏ على eget‏ من 
الأشياء بأنه «كرسي» أو «طاولة» مثلاء هو تعبير عن منظور عالمي ينبغي أن 
يؤخن في الاعتبار إذا كان لنا أن نفهم هذا التقرير على نحو صحيح. 


ويعتبر هذا احتجاجاً Lille‏ ضد العمل بشكل تفصيلي. ويؤدي أي 
اصطدام للقضايا في النهاية إلى تجارب حاسمة صغيرة ينبغي أن تُجرى بدقة 
وعناية بقدر الإمكان. حيث أن المجرب في النهاية يمثل المحكمة العليا التي 
تختبر أمامها كل النظريات. 


LAY ios‏ نعرف القليل عن الإنسنان Gut ly‏ والخبرة والحكمة والبصيرة 
فإنها تصبح كلها مهمة للغاية. وحتى الشخص الأحمق يمكن أن يفهم فكرة 
متجسدة بدرجة كافية فى حقائقء ولكن حينما توجد حقائق قليلة مترابطة 
إنما يستطيع الشخص الفطن أن يعرفها فحسب. لقد قدم علماء الدين 
والشعراء والكتاب والفتانون والسياسيون ورجال الصناعة وغيرهم قلسفات 











— مي اح تكلم النفس الإنساني 


عن الطبيعة البشرية. وعلينا أن نحترم هذه النظرياتء شأنها في ذلك شأن 
نظريات عالم النفس غالباء ونس تخدمها كأطر مرجعية بهدف النقد واستثارة 
البحث والتجريب. ويتمثل انتصار العلم في أنه يستطيع أن يأخذ الحكمة 
الفطرية التي قال بها الحكماء al Baal‏ ويصحههاء ويختبرهاء ويقيّمهاء ليصل 
إلى معرفة أكثر Uus‏ وثباتاً. وحينما يصل العلماء؛ بعد سنوات من التنظير 
والجدل والتجريب؛ إلى نفس النتائج التي وصل إليها «روسوء أو «شكسبير» على 
سبيل المثال؛ لا تكون في الحقيقة هي ذاتها. لقد كانت إذن نظرية؛ والآن هى 
معرفة جديدة. وأذكركم بأننا في حاجة إلى مبدأ نختار على أساسه النظرية 
السليمة من بين النظريات المتناقضة المختلفة. ومن يقوم باختبارها والتحقق 
منها إلا qe TUE‏ وعلى أي أساس إن لم يكن على أساس البحث الإمبيريقي؟ 


لذا ينبغي أن نولي إهتماماً خاصا إلى المفكرين المتقاربين أصحاب النظريات 
المتمركزة على «الإنسان الكليء (Whole Man)‏ في العالم الكلي «(whole world)‏ 
من السهل Lalas‏ تطوير نظرية سليمة عن تعلم المقاطع غير ذات المعنى» أو عن 
الفيران التي تجرى في متاهات. أو عن الفعل المنعكس الشرطي الخاص بسيلان 
اللعاب لدى الكلب. أما العمل على توحيد هذه النظريات المصغرة في النسيج 
الكلي لعلم النفس. فتعبر أمرأً آخر. فربطها بالحب والكراهية: النمو والنكوص» 
السعادة والألم؛ الشجاعة والقلقء يكشف عن مدى التباعد عن شواطىء الحقيقةء 
بدلاً من جعل الارتياد يحلق عليها كلها . 


(n 


علم النفس الأمريكي ينبغي أن يكون أكثر شجاعة: وأكثر إبداعا ؛وأنيحاول أن يكتشفه 
وليس فحسبأن يكون حذرأودقيقا في تجن ب الأخطاء 


لماذا لم يكن هناك أبداً عالم نفس أمريكي مبدع وعظيم؟ لقد كان أفضل 
علماؤنا مدرسيين Scholars‏ ومنظمين أو متمذهبين SyStematizers‏ ومجربين 
experimenters‏ لكنهم لم يكونوا مكتشفين عظام. لقد أتت الاكتشافات العظيمة 
من أوربا؛ كل أنواع التحليل النفسى - فرويد. آدلرء Gig‏ رانك فروم» هورنى؛ 
وكل علماء النفس الجش culla‏ - فرتيمرء كوفكاء كيولرء وليفين؛ وعلم النفس 
الحيوي Organismic Psychology‏ عند جولدشتين؛ وحتى الس ASL‏ بالرغم من 








gt الفصل‎ 


أنها أمريكية بصفة خاصة فقد بدأت مع بافلوف في روسيا . 


وربما حدث نفس الشىء بالنسبة للعلوم الأخرى. فقي الفيزياء النووية, 
على سبيل JUI‏ كان أينشتين وبوهر وفيرمى وزبلارد كلهم أوربيين. 


لماذا يعتبر العلم الأمريكي هكذا في الأساس علما تقليدياًء معادياً 
للإبداع وللإختراع؛ وللاتقليدية: وللأفكار الجديدة5 ISU‏ يعتبر علماء النفس 
الأمريكيون بصفة مميزة مطبقين لأفكار غيرهم من الشعوب؟ (SUL‏ يستخفون 
بالمخترع ويهاجمونه لستوات» ثم يتمسكون بآرائه في النهاية حينما تصبح PST‏ 
ألفةء ويجعلونها آراء اصطلاحيةء ويستخدمونها في مئات التجارب. وكما يقول 
«بيكاسوه: «في البداية أنت تخترع Had‏ ليجعلوا متها بعد ذلك شيئا جميلاً». 


لعلي أتذكر كيف تملكني الحزن والغضب من تقرير رسمى للجنة عليا 
«بالجمعية الأمريكية لعلم النفس» (APA)‏ عن مستقبل العلوم النفسية. لقد 
كانت التوصيات منهجية أساسا: كيف تكون حذرأء كيف تراجع وتتأكد» كيف 
تكتشف الأخطاء. كيف تتحقق من صدق البيانات» كيف تكون دقيقاً ومتقناً. 
ومن الصعب أن تجد كلمة عن الحاجة إلى الإبداع؛ وإنتاج أفكار جديدة: وإلى 
الارتياد وأخذ المبادرة والمخاطرة؛ وإلى تشجيع الشك والاستشكاف. 


لقد كانت هذه التوصيات أشبه بدرجة كبيرة من خرائط الطريق الموجودة 
بمحطة للبنزين: تخبرنا كيف نتخذ طريقنا من مكان معروف إلى آخر. وليست 
هناك كلمة عن الأراضي التي لم يرتادها الشخص حيث لا توجد علامات 
للشوارع والطرق الممهدة؛ ليست هناك كلمة عن الارتياد والاجتياز للدروب بما 
يمثل ضرورة قبل إعداد الخرائط. 


وقد يتملكنا الخوف من أنه حينما نعترف بالإبداع» Leif‏ ندخل أنفسنا مع 
كل أنواع الشعراء والفنانين والموسيقيين وغيرهم من الأش خاص المشكوك فيهم 
ممن لم يحصلوا على دكتوراه الفلسفة في علم النفس؛ ولذلك قد نعتبرهم 
متسلقين اجتماعيين بدون أي حق أو أهلية ولا يعرفون شيئاً عن الطبيعة 
البشرية. i‏ 








يي لل د e‏ الققس الإنسساتئي — 
)8( 
ينبغي أن يكون علم النفس متمركزاً أكثر على المشكلات» 
ومستغرّقا Jai‏ في الطرائق أو الفنيات 


في الفصل الثاني من كتابي «الدافعي 4 والشخصية» Motivation)‏ 
Personality‏ &(. تناولت هذه المشكلة باستفاضة. لذا سوف أكتفي فقط 
بالإشارة إلى الفكرة العامة: إذا كنت تهتم بصفة أولية بالاضطلاع بما تستطيع 
القيام به حيال المشكلات الهامة. تصبح الطرق الفنية ثانوية. فمثلاء إذا أردت 
تناول المشكلة «ما هو الحب؟» فإنك سوف تصطدم بالمشكلة بالرغم من أنك 
مضطر للإرتجال. في المراحل الأولى من الاستكشاف. عليك أن ترضى بعدم 
الاكتمال وباللايقين. وإذا كنت تنشد الاتقان والكمال والاتساق والثبات» فإن 
هذه المشكلة تكون غير ALLS‏ للتتاول GY‏ الطرق الفنية الميسورة الآن ذات قيمة 
ضثيلة. وأولئك الذين يصرون على الدقة والاتقان منذ البدايةء لا يستطيعون 
لذلك أن يبدأوا أبدا. وكل ما يستطيعون عمله يأتى في المراحل الأخيرة من 
تطور المشكلة: 


لذاء إذا كان العلم يتحدد بالدقة وبالوصف الكمي وبالمتفيرات المحددة 
بإحكام بما يحقق ضبطا جيدأء فإن المراحل الأولى من العمل مع المشكلة, 
حيث يسود الإلهام والملاحظات الطبيعية والتأملات والنظريات» ينبغي رفضها 
كمراحل Yo‏ علمية». وإذا حددنا العلم بشكل أولي على أنه طريقة:؛ فإن هذا 
ما يجعله لعبة أو طقوسا غير ذات معنى. لأجل ماذا تكون الطريقة8 فإذا كان 
الصواب والهدف والقيمة موضع al etal‏ والهدف المقابل هو الصدق والثبات: 
يكون هذا أقرب إلى الزهو: «لا أعلم بما أعمل ولا أهتم به. ولكن أنظر إلى 
الكيفية التي أعمل بها بدقة». 


إن الموقف في ele‏ النفس الأمريكي» حيث يركز معظم الباحثين على عمل 
ما يستطيعونه على نحو جيد بدلا من البحث عما يحتاجون إلى عملهء يرجع 
بدرجة كبيرة- كما أعتقد - لهذه النظرة الخاطئة إلى العلم. 











الفصل الأول سم to‏ س 
)9( 


ينبغى أن يكون علم النفس أكثر إيجابية وأقل سلبية؛ وعلم النفس مطالب بأن 
تكون لديه مستويات آعلی» وألا يكون وجلا أو مترددا إزاء 
الإمكانات الأسمى للكائن الحي الإنساني 


فأحد نقائص البحث في علم النفس وكذلك في الطب النفسيء تتمثل 
في تصوره المتشائم والسلبي والمحدود للمستوى الأقصى الذي يمكن أن يصل 
الإنسان إليه وأن يحققه. وبسبب هذه القصور BN‏ فإن علم النفس قد 
كشف عن الكثير من نقائص الإنسان وضعفه وآلامه» وعن القليل من مآثره 
أو إمكاناته أو مطامحه الأعلى. وقد قدمت في الكتاب المشار إليه عدداً من 
المقترحات الإيجابية لما نحتاجه من بحوث. 


وهذا ليس دعوة للتفاؤل؛ وإنما هو مطلب للواقعية في أفضل ما تحمله 
هذه AIS‏ مدن معنى فن aie all‏ أن كوك الواقفية بالظلعة )—Àlls‏ 
والكراهية والتعاسة والمرض والانهيار كما يفعل الكثير من الروائيين المعاصرين. 
فالسعادة حقيقة واقعة كالتعاسة؛ والإشباع حقيقة واقعة كالإحباط؛ والحب 


حقيقة واقعة كالكراهية. 


ومع ذلك أود أن أؤكد على المثال الوحيد الأكثر أهمية لهذا الخطأ. ألا 
وهو التناقض بين معرفتنا عن المرض النفسي واهتمامنا غير الكافي تماما 
بالصحة النفسية. وأستطيع فهم هذا التباين» OW‏ جهودي لدراسة الأشخاص 
الأصحاء قد علمتني مدى صعوبة المهمة التي تختلط مع المنعطفات الفلسفية 
المتعددةء وخاصة في مجال نظرية القيم. 


أضف إلى ذلك توجد مشكلات ثقافية ومنهجية وإكلينيكية: ولكنها 
تدعو بوضوح إلى العمل. فينبغي أن نعرف من هم الأشخاص الذين يحققون 
غاية ما يستطيعون الوصول إليه؛ ليس فحسب ما هم عليهء ولكن أيضا ما 
يمكن أن يصبحوا عليه. إن التوصل إلى مثل هذه المعرفة ينطوي على قيمة 
بالغة الأهمية. واعتقادي أن علم نفس الصحة أو علم السواء النفسي health‏ 
psychology‏ سوف يغير حتما من تصوراتنا الأعمق عن الطبيعة البشرية؛ 





— ي e‏ الققس الإتسسائي — 


سوف يجعلنا نكف عن عادتنا الشائعة غالبا في اعتبار «السوية» (normality)‏ 
كحالة خاصة من اللاسوية؛ وتعلمنا بدلا من ذلك بآن اللاسوية حالة خاصة 
من السويةء وأن المرض النفسى مكابدة حيال الصحة النفسية. 


وثمة جانب آخر لنفس هذا التورط الخاطىء فيما هو سابي؛ يتمثل 
في مقدار الوقت الذي يستغرق في العمليات الدفاعية . وقي حماية الذات 
«Self protectiveness‏ وذ ي السلام والأم انء وفي عمليات استعادة الاتزان 
homeostatic processes‏ . والتطبيق السهل في هذا التوجه»ء هو أن الحياة 
عملية تجنب للألم ومحاربة للتعاسة. وفي المقابل؛ ثمة مجموعة أخرى من 
الدافعيات» وهى «الدافعيات الإيجابية». فالكائن الحي الإنساني ينزع أيضاً إلى 
أن ينمو بدرجة أقوى؛ وعلى نحو أكثر حكمة وصحة: وإلى أن يحقق إمكاناته» 
وإلى أن يكون متطلعا وباحثا ومستكشفاء وأن يبدى الميل والاهتمام؛ والدهشة: وأن 
يتعجب ويتفلسفه وأن يكون مبدعا؛ وأن يستمتع. وهو لا يتكيف فحسب» ولكن 


يتمرد أيضا. 


وفي الحقيقة تماماء Lit‏ نفوص وننكمش في أعماق أنفسنا حينما يهددنا 
شىء نحاول تجنب الألم؛ وهناك الكثير من الألم في حياة معظم الناس. 
ولكن إذا كانت الحياة ببساطة مجرد تجنب للألم؛ فلماذا لا نجني على أنفسنا 
وبالتالي نتجنب الألم إلى الأبد؟ ومن الواضح أن الحياة تذخر بالمزيد مما 
تقدمه» وعلينا أن ندرس هذا «الشىء الأكثر». 


C) 
وإذا كان الأمركذلك؛ ينبغي أن يخرج العلاج من الحجرات؛ وينتشرفي المجالات‎ 
الأخرى الكثيرة من الحياة.وأكثر من ذلك يبنغي ألا يتسع نطاق استخدامه بدرجة‎ 
أكبرفحسب» ولكن أن يتوجه أيضا بطريقة أكثر طموحا ليتضمن أساليب وفنيات‎ 
(Growht fostering techniques) والإنماء‎ git! 


فبعض طرق العلاج النفسي الأكثر أولية يمكن تعليمها في شكل مبسط 


للمعلمين والآباء والوزراء والأطباء وغيرهم من الأشخاص العاديين غير المتخصصين. 
فالسند والدعم وإعادة التأكيد والتقبل والمحبة والاحترام - كل هذه طرق علاجية. 

















الفصل الأول سس ياشو iy‏ — 


ونعلم أيضا أن الكثير من الخبرات الحياتية الطيبة تكون ذاتها خبرات علاجية. 
fie‏ الزواج الناجع: والتربية السليمة: والنجاح في foal‏ والأصدقاءء والقدرة على 
مساعدة الآخرين: والعمل المبدع» وغير ذلك. تمثل كل هذه توجهآ إيجابياً أساسياً 
ينبغي دراسته بعناية. كما ينبغي التوسع في تعليم المعرفة 35521 في هذا المجال. 


ومن ثم» يعتبر تصور العلاج على أنه محو للأعراض والمرض تصوراً محدوداً 
للغاية. ينبغي أن نتعلم أن نعتبره أكثر كطريقة فنية (تكنيك) لدفع النمو العام 
ولتشجيع تحقيق الذات. يعني ذلك أن الكثير من الطرق الفنية الأخرى التي لا 
تنضوي OM‏ تحت العلاج النفسي» سوف يتبين أنها تنتمي إليه. فمعنى العلاج 
ينبغي أن يتسع ليتضمن كل طرق النمو والتنمية؛ وخاصة الطرق التريوية؛ وبصفة 
أخص التريبة الإبداعية في الفن واللعب؛وفي كل أشكال التعبير التي تشجع الإبداعية 
والتلقائية والإقدام والتكامل. 


(vy) 


وعلم النفس مطالب بدراسة أعماق الطبيعة البشرية وكذلك السلوك السطحي؛ 
ودراسة اللاشعور وكذلك الوعي 


وإني لعلى بينة بأن هذا قد يبدو خيالياً. لكن الحقيقة أن علم النفس 
التجريبي الأكاديمي لا يدرس الأعماق كما ينبغي أن يكون؛ ويركز فيما يستطيع أن 
يراه ويلمسه ويسمعه. ولعل الاكتشاف السيكولوجي الوحيد الأعظم هو اكتشاف 
الدافعيات اللاشعورية: ولكن ما هو لاشعوري لا يزال في غير Jol tie‏ الكثير من 
الباحثين في ele‏ النفس. فدراسته حتى الآن مهمة أصحاب التحليل النفسي 
والمعالجين والأطباء النفسيين. 


والعاقبة: كما تتبدى من النصوص التقليدية في علم النفس العام؛ هي نوع 
من «نصف ole‏ نفسء أو «علم نفس جزئي» (half- psychology)‏ حيث ينطلقون 
في تناول الطبيعة البشرية «من وسط الطريق». وهذا أشبه بتعريف جبل 
الجليد بأنه فقط ذاك الجزء الذى يمكن رؤيته فقط على سطح الماء. والنتيجة 
ele»‏ نفس رسمي» (official psychology)‏ يتقاول العقلانية rationality‏ وليس 
اللاعقلانية؛ ويتناول العملية المعرفية بدرجة أكبر بكثير من العملية النزوعية 

















e ۸ —‏ النفس الإتسسائي سم 


والوجدانية؛ ويتناول التوافق للواقع الخارجي بدرجة أكبر بكثير من التوافق 
مع الواقع الداخلي؛ ويتناول العمليات اللفظية والرياضية والمنطقية والفيزيقية 
بدرجة أكبر بكثير من العمليات التاريخية والعمليات المتعلقة بالأمشال المأثورة 
والعمليات الرمزية واللامنطقية والحدسية والشعرية الخيالية - وكل هذا ما 
يعرف ب «العملية الأولية» لدى أصحاب التحليل النفسي.ولا يؤدى a‏ & 
النفاذ إلى أعماق الظاهرة النفسية إلى إحداث صعود أت أو مشكلات لنا؛ 
بل من هذا أيضا تتأتى متعتنا وبهجتنا. أما إذا كنا ننطلق في هذا العالم 
بدون معرفة لما يجرى في داخل أنفسناء بدون بصيرة بما نبحث edie‏ بدون 
وعي بالقوى التي تحدد سلوكنا بدرجة كبيرة: إنما نغفل بذلك مصادر Lille‏ 
ومسراتنا على حد سواء. 


ويعنى هذا النقص في الفهم axi‏ في التحكم في مصيرنا. 


(A) 
علم النفس الأكاديمي علم غربي بصورة احتكارية للغاية: لذا يحتاج إلى أن يتجه‎ 
كذلك نحو المصادر الشرقية‎ 


وإذا كان علم النفس قد تحول بدرجة هائلة إلى ما هو موضوعي وعام 
وخارجي وسلوكي. لكنه ينبغي أن يعرف أكثر عما هو ذاتي وخاص وداخلي 
وتأملي. والحقيقة أن oua ut‏ الذي رُفض كطريقة: ينبغى أن يعود مرة 
أخرى إلى البحث السيكولوجي. 


علم النفس الأمريكي علم سلوكي بصفة خاصة: يهتم بالأفعال والأداءات 
الظاهرية. ويتولد عن هذا جهد. يستحق الثناء والتقدير. لكي يكون «علميأ». 
ومن الطبيعى أن يكون أمل وهدف العلماء أن يوضحواء وأن يثبتواء وأن يكرروا 
التجربة في مختبرات أخرى. إلا UST‏ ينبغي أن نواجه الحقيقة الصعبة بأن هذا 
هو الغاية القصوى أكثر من يكون هو الغاية المباشرة. 


وإذا كان لنا أن نقصر أنفسنا على ملاحظة السلوك الخارجيء إنما نغفل 
كل انواع النشاطات الانسانية التي لا تكشف عن نفسها خارجيا في شكل 
بسيط . 

















الفصل !955 _.ى ىا 4۹س 
لقد تمخص عن السلوكية رد فعل el‏ ضد التشبه بعلم النفس الحيواني» 
لكن البندول قد تأرجح بعيداً للغاية»وعمد بدلا من ذلك إلى «حَيْوكَة» ele‏ 
النفس الانسانيء إلى دراسة الشخص كما لو أنه مجرد فأر أبيض معقد. 
حقيقة: إنه لخطأ مبين أن نستكشف الدوافع الانسانية من الحيوانات المعملية؛ 
ولكن هل من الخطا أن نعزو الدوافع الإنسانية إلى الإنسان؟ 
وأود لو نستعيد الاستبطان لسبب آخر. إننا نكتشف أكثر وأكثرء حينما 
ندرس الشخصية في «العمق» مقابل «السطح» بأنه بقدر ما ننفذ أعمقء 
بقدر ما نجد عمومية أكثر. ففي المستويات الأعمق لدى الناس» فإنهم يبدون 
متشابهين أكثر مما هم مختلفين. ولذاء إذا استطاع الفرد أن يصل إلى هذه 
الأعماق داخل نفسه» وقد يكون ذلك بمساعدة ILM‏ فإنه يكتشف ليس ذاته 
فحسب ولكن يكتشف أيضاً الروح الإنسانية الكاملة. وهذا ما يعرفه غالبا 
علماء النفس غير الأكاديميين في الشرق؛ ونحن في الغرب ينبغي أن نتعلمه 
كذ لك . 


(a) 


وينبغي أن يسعى علماء النفس إلى دراسة «الخبرات الغائية» «end experiences)‏ 
وكذلك الوسائل إلى الغايات - العملية والنفعية والغرضية 


ما الذي يعيش الإنسان من Salad‏ ما الذى يجعل المعيشة مس تحقة وجديرة 
بالقيم ة3 أي الخبرات في الحياة تُزكي آلام ago ll‏ ونعلم أثنا نصل إلى أسمى 
مستويات العيش في لحظات الخلق والإبداع والبصيرة والابتهاج وخبرة الحب 
والخبرة الجمالية والخبرة الباطنية Mystical‏ - أي «قمة الخبرات» أو «الخبرات 
(peak experiences) il‏ وبدون هذه الخبرات لا يكون للحياة معنى. 


وينبغي أن نتذكر كذلكء أن الخبرات الغائية تستلزم ألا تكون فحسب 
قمة الخبرات في الحياة. فنحن نحقق أيضا إثابات أرق وألطف في اللذة 
البسيطة للمعشيةء في الدعابة والمرح» في كل الأنشطة التي نؤديها من أجل 
ذلك. فالكيان الإنساني الحيوي يستمتع بالوجود . إلا أن ele‏ النفس المبالغ في 
اتجاهه العملي يغفل كل ذلك. 

















—- بن فط udi‏ الإتسائي — 
Q9‏ 
وينبغي أن يسعى علم النفس إلى دراسة الكائن الحي الانساني: ليس كمجرد طينة 
طيعة سلبية تحدده القوى الخارجية وهو في حالة من العجزوقلة الحيلة. فالإنسان 
يعتبر, أوينبغي أن يكون ؛ نشطأ وفعالاً ومستقلاً؛ ومتحركا بالتحكم الذاتي؛ ويحسن 
الاختيار: والتركيزعلى حياته ذاتها 


لقد أوجد ما يعرف بعلم نفس المثير- الاستجابة stimulus - response‏ 
psychology‏ عن غير قصدء ما يمكن أن نطلق عليه إنسان المثير - الاستجابة 
«Stimulus - response man‏ وه إنسان سلبي مستسلم متشكلء متوافقء 
متعلم. ويتناقض معه الإنسان المبدع» النشطء الذي يخترع ويبتكر. ويتخذ 
القرارات: ويتقبل بعض المثيرات ويرفض الأخرى. والذى 335 - في الحقيقة 
- مثيراته الذاتية. وقد يساعد إقرار هذا النقيض في فهم السبب الذي يؤدي 
إلى تزايد قلق علماء النفس أكثر وأكثر حيال مفهوم «التوافق». فالتوافق. 
سواء للثقافة أو للأشخاص الآخرين أو للطبيعةء قد يعني أن يكون الإنسان 
سلبياًء يدع نفسه تتشكل من الخارج. فهو مشروع محاولة لأن يكون ما يبتغيه 
الآخرون. بدلا من بحث الفرد عن ذاته الحقيقية. ومن وجهة النظر هذه 
az‏ يبدي علماء النفس نقدهم بشكل متزايد لتصور التعلم كعملية سلبية. 


)1( 
يميل أصحاب الاتجاه العقلاني (intellectualism)‏ إلى أن يصيروا مغمورين أو 
متورطين داخل عالم من التجريدات والكلمات والمفاهيم» وإلى أن يُغفلوا الخبرة 
الحقيقية الأصيلة التي هي البداية لكل العلم. 
ويمثل هذا في علم النفس خطورة بالغة 


يتضمن تصحيح هذا الاتجاه جانبين: الأولء الوعي بإسهامات علماء 
دلالات اللفة (السيمانطيقيين) الذين يكرسون أنفسهم بصفة خاصة لهذه 
المشكلة؛ والثاني» النظر إلى أصحاب الفن الذين تتحدد مهمتهم الخاصة بأن 
يَحْبروا بحداثة وجدة, وبأن يروا- وأن يساعدونا على أن نرى - العالم كما هو 
حقيقة: وليس متواريا وراء نسيج من المفاهيم واللفظيات والتجريدات والفثات 
والنظريات. 














الفصل الأول ٠٠٠ب Y‏ س 
OY)‏ 


الم تندمج تماما دروس علم النفس الجشطالتي Gestalt Psychology‏ والنظرية 
الحيوية Organismic theory‏ في علم النفس. فالكائن الحي الانساني وحدة 
متكاملة لا تنفصم» على الأقل بقدرما يهتم به البحث السيكولوجى ؛ فأي شىء 
في الانسان يرتبط؛ بدرجة أكبر أو آقل» بأي شىء آخر 


ليس لهذا نتيجة مهمة. فليس هناك فرد في جوهره الأساسي يمكن 
مقارنته بأي شخص آخر. ولذا فإن مُثله الشافة وطابغه الخاص» كسار 
نموه ينبغي أن يكون فريداً كذلك. هدفه ينبغي أن ينشاً من طبيعته الخاصة» 
ولا يختار بالمقارنة أو المنافسة مع الآخرين. ومهمة كل إنسان أن يصير على 
أفضل صورة تؤهله لها ذاته. فينبغي ألا يحاول «شخص» أن يكون مثل «أبراهام 
لنكولن» أو «توماس جيفرسون» أو أي نموذج أو بطل آخر. وإنما ينبغى أن يكون 
هذا الشخص أفضل ما عليه في العالم. وذلك ما أن يفعله. وبقدر ماهو 
ضرورى وممکن» هنا لا يوجد منافسون له. 

(v) 

ينبغى أن يركز علماء النفس أكثر على الدراسة المتعمقة للشخص الفريد الواحد 


(علم نفس الشخص الواحد (One person psychology‏ حتى يتوازن فهمهم 
للإنسان مع انغمار تصوراتهم في الإنسان Oa!‏ والقدرات A GAL‏ والمجردة 


ثمة فارق عظيم واحد بين الدراسات النفسية والدراسات التي تجري في 
العلوم الأخري. ففي الواقع أن العلوم الأخرى تدرس المتشابهات» وهي تعني 
التجريد: ففأر أبيض يصلح كفأر آخرء 55 تشبه الأخرى. وعنصر كيميائي 
يشبه الآخر. فالفروق ليست ذات دلالة. وعلم النفس كذلك ينبغي أن يسعى 
لى التجريد في فهم الظاهرات؛ ولكن له مهمته الخاصة التي لا تنتتسب إلى 
أي علم آخر عدا علم الأجناس- وهي دراسة «التفردية». 





le oy —‏ النفس tty)‏ 
26050 
وأخيراً: كلما بدآنا نعرف أكثر عن المطالب والحاجات الحقيقة اللازمة للنمو 
الشخصي وتحقيق الذات» أي الحاجات اللازمة للصحة النفسية؛ إنما نحدد بذلك 
لأنفسا مهمة خلق «الثقافة الصحية الإنمائية «(Health fostering culture)‏ 


وهذاء كما أعتقدء ليس بمهمة أصعب من حيث المبدأ من عمل القنبلة 
الذرية الأولى. ومن الطبيعي أننا قد لا نعرف بدرجة كافية أن نحقق الآن تلك 
المهمة. ولكن ينبغي أن يكون Lala‏ من المهمة القصوى هو اكتساب المعرفة 
اللازمة: وليس في هذا اعتراضات من الناحية النظرية. 

ومشروع هذا شأنه. حينما يبدأء سوف يكون هناك الإثيات بأن ele‏ 
النفس قد نضج بدرجة كافية ليكون Lele‏ مفيداً. ليس من المنظور الفردي 
وحده. ولكن أيضاً من منظور التقدم الاجتماعي. 














الفصل الآول | of‏ — 


يشير «جوردون ألبورت» إلى أن كل الكتب الخاصة بسيكولوجية 
الشخصية هي أيضا كتب عن «فلسفة الشخص» Philosophy of person‏ . 
والسبب في هذا واضح؛ فلا توجد نظرية في علم النفس تتسع للبيانات 
المتجمعة في المختبرات؛ فالنظريات هي تكوينات ينبغي استخلاصها خطوة 
بخطوة بطريقة تأملية. وفي هذه العملية. سوف يعتمد عالم النفس» سواء 
يقصد ذلك أم لاء على تصوراته عن الطبيعة البشرية. 


وقد يرغب طالب ya dill ele‏ حينما يقرأ النظريات التي تستعرضها 
الدراسة الحالية؛ أنه يمكن ترتيبها Laag‏ لمقدار الحرية التي تسمح بها 
هذه النظريات للفرد في أن يصير نوع الشخص كما يرغب في أن يكون 
عليه . 





ب يا ب سافن وسقي ——À‏ 
(q‏ 
الشخص في علم التنفس 
جوردون أولبورت 
(جامعة هارفارد) 


يتساءل الناس اليوم بدرجة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى: أي نوع من 
المخلوقات يكون الإنسان؟ هل لديه الإمكانية للتطور والنمو الممستمرين حتى 

تطيع السيطرة على المشكلات المفجعة التي تواجهه - الصراع الأيديولوجيء 
وكثرة السكان؛ والكوارث الذرية» وعدم الاحترام الشائع من دولة لدولة ومن 
جنس Spain‏ 


وبالرغم من أن المشكلة تخص غالبا الفلاسفة ورجال الدين, والمؤرخين 
والشعراء» إلا أن الباحث يتحول وهو يحدوه أمل خالص: إلى العلوم البيولوجية 
والنفسية والاجتماعية. ففي عصر العلم والمعرفة يريد أن يسمع ما الذي 
تقرره نتائج الدراسات في تلك العلوم عن هذه المشكلات. 


وكلما يهتم علم النفس» يكون هناك إتفاق أقل مما ننشده. ويقدم slale‏ 
ya dill‏ مثل غيرهم من العلماء والفلاسفة؛ أنواعا مختلفة من الإجابات - 
غالباً ما تكون مجرد تلميحات مكشوفة للإجابات. وشبه متوارية في شبكة من 
csl aal yz‏ غير ار Uxegag. gie.‏ لذلك هي أن نستبين بعض الإجابات 
السيكولوجية الأساسية: 


التصور الوضعي: 


نستخدم مصطلح «الوضعية» للإشارة إلى التيار الأساسي التقليدي لعلم 
النفس كما يوجد في الدول الغربية اعتباراً من «لوك» و «كانت». ويتمثل ذلك 
في التقليد الإمبيريقي؛ التجرييي» الترابطي أساساء والكمي بشكل متزايد. 

ريما تكون أبسط طريقة لتوصيف النظرة الوضعية للإنسان أن نقرر 
أن الإنسان هو OLS»‏ رد فعلي» (reactive being)‏ يستجيب بردود الأفعال. 





gt الفصل‎ 


فما يقوم به تحكمه القوى الخارجية أو الحفزات الداخلية. ويرى علم النفس 
الوضعيء كالعلم الطبيعي التقليدي» الحركة على أنها نتاج الضغوط ومحتومة 
بها. ويشبه الإنسان هذه الموضوعات غير الحية (متضمنة الآلات) والكائنات 
الحية الأولية. 

ونادراً ما تتقرر وجهة النظر الوضعية عن الإنسان بشكل واضح وصريح. 
فعلماء النفس مشغولون بدرجة كبيرة في دراسة هذا أو ذاك من رد الفعلء 
لدى الإنسان أو الفيران» لكي يتوصلوا إلى تضمينات نهائية من عملهم. وهم 
في ذلك يفترضون فحسب» في خط واحد مع إجرئاتهم» أن الشخص الإنسان 
كائن رد فعلي بشكل خالص. وحتى النظرة السطحية للمصطلحات اللفظية 
التي يستخدمها علماء النفس» تبين أن مصطلحات fie‏ الفعل المنعكس reflex‏ 
ورد الفعل reaction‏ والاستجابة response‏ والاستدعاء retention‏ هي أكثر 
عمومية للغاية من المصطلحات التي تتضمن البادئة «prO»‏ (وتفيد معنى التقدم 
أو السبق) „propriate, proceeding, promise, proactive, programming Sis‏ 
وتشير هكذا المصطلحات التي تبدأ Te»‏ إلى المعاودة والتكرار والسلبية. 
والخضوع للدفع والضغط, أو للمناورة والمداورة. Lat‏ المصطلحات التي تبدأ 
ب a prO‏ فتفترض المستقبلية والقصد والدفع إلى الأمام. وينظر ele.‏ النفس 
غالبا إلى الإنسان ليس في ضوء الفعل الإيجابي proaction‏ ولكن في ضوء 
رد الفعل .reaction‏ 


ولا تدعي المدرسة الوضعية أنها تنظر إلى الإنسان نظرة إجمالية: بقدر 
ما تركز مهمتها في أن تجد حقائق صغيرة تحت شروط مضبوطة. وتتقيد 
«الحقيقة» بأن تكون صغيرةء طالما أن الثبات يمكن الحصول عليه فقط حينما 
يتناول الفرد قطاعاً جزئياً محدوداً من السلوك. فكليات السلوك غير حقيقية 
بحيث أن العالِم الوضعي يعمد إلى إغفالها . 

Lai‏ الجزئية أو الشذرية fragmentation‏ فتؤدى إلى نتائج أكشر ثباتاً 
ورسوخاً. ولذا a Ses‏ الاهتمام إلى الجوانب الجزئية والفيزيقية وشبه الآلية 
والمنظمة والمنطقية OY‏ هذه الجوانب يمكن ضبطها . ويتقلص الاهتمام: ارتباطا 











— ن ple‏ النفس الإتسسائي سم 


بذلك. بعيداً عن الجوانب الرمزية وغير المنطقية وغير المقننة أو غير المصنفة 
لأنه لا يمكن ضبطها بثبات. 


ومن ثم تعلمنا المدرسة الوضعية كيف نكون حذرين ومحافظين. وكيف 
نختبر ونراجع ونتحقق من صدق موضوعات الدراسة والبحث؛ وكيف نكون 
مدققين ومنضبطين. والكثير من المعلومات العامة المفصلة التي تدخل في 
سيكولوجية الشخصية تتأتى وتتجمع بواسطة تتبع قوانين البحث التجريبي. 
وهذا الإجراء من شأنه أن يستهوينا لأنه يقدم أفضل الوسائل للتحقق من 
اكتشافاتنا. والثمن الذي ندفعه هو تقييد اهتمامنا وشغفنا بجانب فقط من 
الكائن الحي الإنساني؛ ومن ثم» قمع الاهتمام بالنمط الكلي للإنسان. 


وإذ تبحث الوضعية عن التعميمات الناموسية nomothetic‏ (أى الكشف 
عن القواعد والقوانين العامة) للسلوك الإنسانيء فإنها تعتبر الاهتمام والشغف 
بالنظام الداخلي لعمل العقل بصفة خاصة على أنه اتجاه ذاتي و «غير علمي». 
وفي المقابل» قد يبدو أكثر علمية أن نطلق شرذمة من الفيران البيضاء خلال 
متاهة من أن ننشغل بالتنظيم والبناء المركب لشخصية معينة. وقد يبدو 
أكثر مدعاة للاحترام أن نوجد المتوسطات والاحتمالات للعينة من أن ندرس 
أسلوب حياة شخص معين . وتفضيل هذا شأنه لا يصعب تفسيره في حضارة 
تكنولوجية ومتمركزة حول الآلة. 


وما يثير الاهتمام أن نستعيد إلى الأذهان أن مؤسسي علم النفس 
التجريبى - فونت i‏ جيمسء وتيتشنر - قد اعترفوا بالشخص الفرد على أنه 
المحور الرئيسي في تعريفاتهم لعلم النفس. كتب الأول (فونت): يبحث ele)‏ 
النفس) في المضمون الكلي للخبرة في علاقاتها بالفرد. والثانى (جيمس): 
علم النفس هو ذلك العلم الخاص بالعقول الفردية المتناهية finite individual‏ 
minds‏ أما الثالث (تيتشنر): علم النفس هو علم دراسة الخبرة المتمركزة على 

لكن ليس أحداً من هؤلاء العلماء الأفذاذ قد طور اهتمامه بالحياة 
العقلية حتى يتفق مع تعريفه. فكلهم كانوا منهمكين بالجوانب المنتظمة من 
العقل. لقد منعهم التقليد الذي عملوا به من تتبع تعريفاتهم بطريقة متسقة 





الفصل gt)‏ س 


حتى النهاية. وقد عمدواء كخلفائهم. إلى تجريد الشخص من كل تفصيلاته 
الدقيقة المزعجةء وسعوا إلى إقرار ele»‏ المتوسطات» بالنسبة للجانب الأعظم . 


وتتمثل المشكلة الحقيقية الوحيدة مع تصور العالم الوضعي في أنه لا 
يعرف gf)‏ نادراً ما يعرف) أنه حبيس نظرة فلس فية معينةء وكذلك حبيس فترة 
ضارية معينةء وحبيس تعريف ضيق «للعلم». ونادراً ما تدافع الوضعية عن 
نظريتها الحتمية وشبه الميكانيكية للشخص الإنساني» وإنما تأخذها كمجرد 
قضية مسلم بها . أي أن غيبياتها لم تخضع للاختبار والتمحيصء «ولا يوجد 
علم - كما يقول الفيلسوف هوايتهد - يمكن أن يكون أكثر أماناً من الغيبيات 
اللاواعية التي يفترضها تكتيكيا». 


ولا شك أنه من غير الإنصاف توجيه اللوم إلى النظرة الوضعية للعلوم 
النفسية والاجتماعية على الورطة الحالية للإنسانية: بالرغم من أن الكثير من 
النقد يتخذ ذلك الموقف. فالوضعية إنعكاس أكثر من أن تكون سبباً للنظرة 
الجزئية الذرية للشخصية. وأسوأ ما يمكن أن يقال أن الوضعية» لكونها تقصر 
نفسها على «التمركز حول الطريقة» (method - centered)‏ أكثر من «التمركز 
حول المشكلة» (problem - centered)‏ قد أوجدت حشداً من الحقائق المتفرقة 
الجزئية على حساب النظرة المترابطة للشخص ككل. ومن الإنصاف. مع ذلك 
أن نشكر الوضعية على الضمانات السليمة التي تضعها على التأمل غير المنظم: 
ونقدرها على الكثير من النتائج الطيبة وإن كانت غير مترابطة. 


تصور التحليل النفسي: 


هناك الكثير مما كتب عن صورة الإنسان في التلحيل النفسي . وهذه 
الصورة معروفة جيداً. 


تشبه الصورةء في بعض الجوانب. ما ذهبت إليه المدرسة الوضعية. 
فالإنسان كائن شبه - آلي رد فعلي quasi - mechenical reactor‏ محكوم 
بشلاث قوى طاغية: البيئةء والهيء والأنا العليا. ويتوافق الإنسان بقدر ما 
يستطيع داخل هذا المثلث من القوى. وفيه يكون لتعقله المتعاظم اعتبار ضيل. 
وطالما أنه منغمر بالدفاعات وينزع إلى التبريرء يكون مآل سعيه إلى الحقيقة 




















— ۸ه ple‏ النفس الإتسسائي — 


القصوى منوطا بالفش ل. وإذا أراد أن يجد الحقيقة في الدين: فإنه قد يعتبر 
هذا الكشف وهماً حتى يصل به إلى العٌصاب. 


ثمة تشاؤم كبير في النظرية التقليدية للتحليل النفسي (النهج الفرويدي) . 
فالانسان محكوم بكل عنف بالقوى اللاشعورية للأنا بحيث أنه لا يستطيع 
أن يتخلص أبداً AUS‏ من الاستيحاش والقساوة والشهوة في طبيعته. وفي 
ذلك يكون الإعلاء هو أفضل ما يمكن أن نأمله. فليس ثمة تصريف إيجابي 
للدوافع. 

ولا تستطيع أي نظرية عن الإنسانء ارتباطاً بهذه الصورة المتجهمة عن 
oL‏ أن تتخطى بسلام عناصرها الخاصة بالحقيقة: كيف يمكن أن نأمل 
أن نرى الإنسان ASH‏ بدون أن نضع في الاعتبار ذلك الجانب المظلم لطبيعته؟ 
ومع wil TD‏ فإن الكثير من علماء التحليل النفسي يشعرون أن الصورة أعظم من 
دور القوى اللاشعورية والليبيدية في الشخصية. 


وتعمد الفرويدية الجديدة المعروفة ب len‏ نفس الأنا» (Ego - psychology)‏ 


إلى توسيع آفاق تلك الصورة؛ وتتفق في كثير من النواحى مع المدارس الفكرية 
التي سوف نتناولها فيما يلي. 
التصور الشخصاني: 

الفكر الشخصاني personalistic‏ هو فكر متعدد الأشكال. وهذه الأشكال 
تتفق جميعها على أن الشخص الفرد ككيان أنموذجي نمطي ينبغي أن يكون مركز 
الجاذبية لعلم النفس. وغاية المراد عند المدرسة الشخصانية (Personalism)‏ 
إعادة كتابة علم الحياة النفسية AS‏ حول هذه البؤرة. 

لماذا قُرضت هذه الحاجة إلى إعادة البناء الجذري لعلم النفس على 
المدرسة الشخصانية؟ والأسباب التي يقدمونها متعددة للغاية. ويكفي أن نقدم 
مناقشة موجزة لها: 


من المستحيل» بدون مفهوم تنسيقي عن الشخص gf)‏ مفاهيم مكافئة 
مشل الذات أو الأنا) أن نتفاول التفاعل بين العمليات النفسية: الذاكرة تؤثر 








Ft الفصل‎ 


في bal‏ والرغبة في المعنىء والمعنى يحدد الأداءء والأداء يشكل الذاكرة؛ 
وهكذا بلا حدود . ويقع هذا التفاعل المستمر داخل إطار معين: وهو الشخص» 
ويعدث لفرض معین. والفرض يمكن تحديده على أساس ما يَخْبّرهِ الشخص. 


ولا يكون لتنظيم التفكير أو السلوك أية دلالة إلا إذا نُظر إليه على أنه 
يقع داخل إطار محدد. فالحالات النفسية لا تنظم نفسها أو يكون لها وجود 
مستقل؛ فنظامها يؤلف فقط جانبا من نظام أكبر - وهو الحياة الشخصية. 


إن مفاهيم مثل الوظيفة والمواءمة والفائدة؛ تكون غير ذات دلالة بدون 
الرجوع إلى الشخص. وإذا كان ثمة توافق يحدث, ينبغى أن يكون توافقاً 
«خاصا» بشىء ما Toc‏ شىء ماء «من أجل» شىء ما. والشخصء مرة أخرى. هو 
المركز لهذا التوافق. 


ويرتبط بهذا كل البيانات - الاستبطانية أو غيرها - التي تفرض على ele‏ 
النفس أن يضع «الذات» موضع الاعتبار. على الرغم مما تتصف به من التملصية 
الزائدة. يقرر «وليم جيمس» أنه لكي ندرك الذات AUS‏ في الوعىء فإن ذلك 
أشبه بمحاولة الفرد الخطو على ظله. ومع ATS‏ فالذات هي أساس الخبرة 
كلها. وبالرغم من Gal‏ نادراً ما تكون بارزة بذاتهاء فإنها تهىء القاعدة لكل 
الخبرات الأخرى, ولا نستطيع أن نتكلم عن «طبقات الشخصية» personality)‏ 
(Strata‏ بدون الإشارة إلى الوحدة الأسمى التي تجمعها وهي الذات. 


إننا نفترض وجود الشخص المبدع فيما يبتكره. وحتى العالم ذو الاتجاه 
الوضعي يحدد اهتمامه عن قصدء ويصمم تجاربهء ويفسر النتائج. ولا نستطيع 
أن نخرج بأي معنى من كل هذا بدون الافتراض بأن الإنسان Shad!‏ ذاته هو 
الوحدة المبدعة الأولى. 


ذلك بعض من الجدل الفلسفي حيث يقرر علماء النفس الش خصانيون 
(وعلماء نفس الذات) وجهات نظرهم بغية إعادة بناء علم النفس» ويسلمون عن 
قناعة إلى العلوم اللاشخصية impersonal sciences‏ (الطبيعية والبيولوجية) 
مهمة استكشاف إطار معين للمشكلات. إلا أنهم يصرون على أن علم النفس» 
الذي تكون مهمته تناول aul‏ السلوك» لا يستطيع أن يفي بواجيه بدون أن 














به فط adi‏ الإنساني 


يربط الحالات والعمليات التي يدرسها بالشخص الذي هو صاحبها Lara sag‏ 
ومُنظمها . فليس ثمة توافق بدون أن يكون هناك شخص يتوافق. ولا تنظيم 
بدون منظم» ولا إدراك بدون مدرك» ولا ذاكرة بدون استمرار وتواصل ANS‏ 
self - continuity‏ ولا تعلم بدون تغير في الشخصء ولا تقييم أو تقدير يدون 
شخص يتمتع برغبات ومقدرة على التقييم. علم النفس مطالب بأن يأخذ 
بجدية القول المأثور لجيمس: أن كل عملية عقلية تحدث في «شكل شخصي» 
‘(personal form)‏ وينبغي أن يأخذ علم النفس بهذا التوجه على نحو أكثر 
جدية مما فعل جيمس نفسه. 


ليس من غير الشائع في كتب علم النفس العام أن نجد في الفصل 
الأخير معالجة منفصلة ومقتضبة للشخصية: كما لو أننا نثيب القارئ الذي 
توغل خلال أكوام من التجريدات المتعلقة بالعقل الإنساني المعمم. ويسعى pele‏ 
النفس الشخصاني إلى أن يقلب الإجراء؛ فالشخص ينبغي أن يؤلف نقطة 
الانطلاق في كل ما ندرسه ونفهمه عن الإنسان. 


يوضح هذه النقطة تناول «شترن» للإدراك المكاني. يتكلم علم النفس 
التقليدي عن «المجال البصري» أو «المجال السمعي» ويعالجهما على أنهما 
منفصلان كلية. وإجراء كهذا كما يقرر شترن. ينطوي على تضليل: فهو تجريد 
معملي فقط. هناك فحسب مجال واحد: مجالي أنا. فالأصوت والأشياء 
واللمسات كلها «مرتبطة بي وتعزى "ell‏ 


ولا يستطيع علم نفس لا شخصي أن يضع في الاعتبار الحقيقة بأن 
جليسي في القطار أو الطائرة بعيد عني بينما يكون صديقي الذي أسافر إليه 
(بالرغم من أنه يبعد عني آلاف الأميال) «قريب GI]‏ بالفعل». فمعنى المكان» 
سيكولوجياء هو ارتباطه أو تعلقه الشخصي. فالأحداث تكون بعيدة حينما 
يعوزها ذلك الارتباط أو التعلق» بينما تكون قريبة حينما يتوفر لها ذلك. 


الزمانء أيضاً مسألة شخصية ولي ت زمنية. فشريحة من الحياة تستغرق 


عشر سنوات منصرمة قد تكون أقرب Sty‏ ذاتياً» من فترة عامين ماضيين؛ 
وقد يبدو عمل معين قد زاولته بالأمس على أنه غير معقول بالنسبة لي» 























الفصل !955 ىا ا١س‏ 
كعنصر غريب تماماً في ماضيّ. 
المكان والزمانء من الناحية الذاتيةء مختلطان. فنحن ندرك الخبرات 
على أنها Lian‏ والآن»» أو على أنها «بعيدة وآنذاك». هذا الخلط الشخصي لا 
يشبه تماما التجريدات العادية التي يقوم بها عالم النفس في تصنيف كل من 
الإدراك المكاني والإدراك الزماني على حدة. 


والخلاصة:؛ تقوم وجهة النظر الشخصانية من جانب على الجدل 
الفلسفيء ومن جانب آخر على الاستناد إلى الخبرة الشخصية (الظاهرية 
(phenomenology‏ وهي في جوهرها ثورة ضد العلم الوضعي الذي يميل 
إلى اعتبار الفرد كحدث عارض. وتقدم الاتجاهات المختلفة في المدرسة 
الشخصانية إجابات مختلفة إلى حد ما على السؤال: أي نوع من المخلوقات 
يكون الإنسان؟ لكن يتفقون جميعا بأن الإجابة النهائية سوف تكشف عن 
وحدة aa‏ عن الشخص الغرضي النامي- وليس ككيان منعزل رد فعلي 
كما تصوره المدرسة الوضعية. وسوف لا يتكشف سر الإنسان بواسطة التحليل 
المختزل لوجوده» لكن فحسب بواسطة التتبع لسار صيرورته بطريقة متكاملة. 


التصورالوجودي: 


لا تقدم «الوجودية» Jie (Existentialism)‏ الشخصانية: إجابة واحدة 
لسؤالنا الخاص بطبيعة الإنسان. حقيقةء نستطيع أن نجد في هذه الحركة 
إجابات تكون في بعض الحالات متعارضة مع بعضها البعض. يقر أحد 
الوجوديين أن «الإنسان شغف useless passion « | lb‏ وآخر gis‏ «الإنسان 
كيان يوجد في علاقة مع الله». فالوجودية دينية والحادية. ALE‏ ومُؤٌمّلة 
إمبيريقية وباطنية- كل منها يعتمد على التصور الذي يتشيعون له. 


لكن ثمة معالم معينة تشترك فيها التصورات الوجودية المختلفة. أحد 
هذه المعالم هو الاقتناع بأن العلم الوضعي وحده لا يستطيع أن يكتشف طبيعة 
الإنسان ككيان متميز في العالم. فأي عالم خاص يكون ضيقا للغاية. ولا 
يوجد واحد من العلوم تتوفر فيه النظرة الإجمالية إلى الكون. وتميل طرق 
العلم الوضعي إلى إستتبعاد أكثر أدوات البحث ملاءمة:؛ وهي: الفينومينولوجية 














— النفس الإتسسائي‎ e ty — 


(الظاهرياتية). فلا يكفي أن نعرف كيف يستجيب الإنسان: ينبغي أن نعرة 
كيف يشعرء كيف يرى the‏ ما هو الزمان والمكان بالنسبة له (وليس بالنسبة 
للعالم الفيزيائي). BLA‏ يعيشء وما الذي يخافه. ما الذي يدفعه إلى التضحية 
والموت عن إرادة. ومثل هذه الاسئلة الخاصة بالوجود ينبغي ربطها بالإنسان 
مباشرة؛ وليس بشخص ملاحظ خارجي. 


ومن المعالم العامة أيضاً للوجودية الألم والمعاناة اللذان لا ينبغي إغفالهما 
بحماقة في طبيعة الإنسان. فإذا كانت الصورة الفيكتورية للإنسان وردية للغاية, 
OLS‏ الصورة الفرويدية قد تكون قاتمة للغاية. ولكن سواء كانت الصورة وردية 
al‏ قائمةء ينبغي مواجهة كل المعرفة المتعلقة بالإنسانء واستيعابها وتوظيفها . 
إن نتائج البحث في البيولوجيا وعلم النفس وعلم الانثروبولوجيا مهمة؛ ولكن 
أيضا نتائج علم التاريخ والفن والفلسفة تتمتع بنفس الأهمية. إننا نسعى إلى 
معرفة الإنسان بجملته وكليته. وتتطلب الحياة أن نعرف ما هو أسواً وأن نحقق 
ما هو أفضل في الإنسان. 


وقد يحق لنا أن نقرر أن كل أشكال الوجودية تأمل في إقامة نوع جديد 
من علم yu dill‏ - «علم نفس الانسانية» JS yng. (Psychology of mankind)‏ 
محور هذا العلم السيكولوجي في الموضوعات والأزمات المستمرة في الحياة 
الإنسانية. ويميل مجرد معرقتنا بتتابعات LAM‏ - الاستجابة والحوافز والعادات 
والتكرار إلى إغفال تأثير المأساة في الحياة. ele‏ النفس مطالب بإلحاح Ob‏ 
يكون أكثر إنسانية مما هو عليه. 


ماذا عن بعض الموضوعات والأزمات المستمرةة يولد الإنسان على شريطة 
أن يعتمد على الآخرين ويول عليهم؛ ويتربى بطريقة عادية في الحب وينمي 
قاعدة للثقة في الآخرين أو الاعتماد على الآخرين. وبالتدريح يتواتر الإحساس 
المؤلم بالذاتية الشخصية selfhood‏ والتفردية اللتين لا يستطيع أن يتخلي 
Legie‏ أبداً؛ ويربط نفسه بالحياة من خلال إهتماماتهء ويسعى دائما إلى 
ترقية «خبرات القيم» (value - experiences)‏ التي يتمتع بها عبر مدى الحياة؛ 
ويقع في الحب. ويتزوج» ويربي ذريتهء ويعاني من GLEN‏ الأساسي (الخوف من 
الموت» مشاعر الذنب» والفزع من اللامعنى (meaninglessness‏ ويبحث دائما 








igs الفصل‎ 


عن ه«لماذا» الوجود؛ ويموت وحده. وإذا لم ينتظم علم النفس كعلم حول هذه 
الموضوعات الأساسية Lay dda‏ فإن هذا يعني أنه لم يتناول بعد AUS‏ الوجود 
الإنساني. 


وللوجودية أشكال عديدة للغاية توضع في الاعتبار من مؤلف لآخر. 
لقد قدم الكثير من الكتاب- مثل كيير كيجارد Kierkegaard‏ هييد جر 
Heidegger‏ جاسبر Jaspar‏ سارتر Sartre‏ بيرديايف Berdyaev‏ مارسيل 
Marcel‏ بشفانجر Binswanger‏ فرانکل Frankl‏ تيليش Tillich‏ وآخرين - 
إسهامات هامة. ولكن سوف نوجه اهتمامنا لهذا الفيض من الفكر الوجودي 
وفقا لأسئلة معينة تنتسب إلى هذه الحركة ككل: 


» هل الوجودية a‏ بالمنحى الإكلينيكي الفردي (Idiographic)‏ أو بالمنحى 
الناموسي أو المعياري s(Nomothetic)‏ كل فرد مشغول elin‏ صورة خاصة عن 
علاقات الأنا - العالم؛ دوافعه تنتسب إليه ذاتهء تأخذ دائما شكل «المشروعات 
الشخصية»؛ وراثيته فريدة: بيئته كما يخبرها فريدة؛ كل علاقاته بين الأنا 
والعالم فريدة. الوجود لا يستقر في أي مكان إلا في وجهة نظر الفرد. 


ولا شك أن المرشد النفسي أو المعالج لا ينجح إلا إذا استطاع فهم معضلة 
المريض من وجهة نظر المريض. وسوف يخبر ملايين البشر معضلاتهم الخاصة 
بعلاقات الأنا - العالم بمليون طريقة. 


ومن ثم» يعتبر الاتجاه الوجودي لالإنسان في جوهره إتجاهاً متفرداً 
إكلينيكي ا بالضوروة. إلا أنه. مع ذلك. لا يقدم أية طرق خاصة تمثل البنية 
الفريدة للأشخاص. وتمثل الظاهرية (الفينومينولوجية). بالطبع» الطريقة 
المقبولةء ولكن من الصعب أن نحدد كيف يمكن اس تخدامها من أجل فهم 
تشكلي كلي (جشطلتي) ملائم. وفي ذلك تستخدم الأسطورة والدراما 
(كاموس» سارتر) ودراسات الحالة (مينكوفسكيء بنشفانجر). لكن هذه الحركة 
للوجودية صوب علم النفس لم تطور بعد طرقاً مس تحدثة بأصالة لكي تمثل 
تلك الفردية. 


» ماهو الهدف الأساسي عند الإنسان؟ يتفق كل العلماء الوجوديين أن 




















— ي ple‏ الثقس الإتسسائي سم 


الوجود بالضرورة مشوب بالقلق والاضطراب والضجر restlessness‏ ولكن هل 
هى حالة قلق باطلة. متصدعة: عمياء؟ 


وإذ يقرر ذلك حفنة ضئيلة فقط من الوجوديينء يجد معظم الكتاب 
مشروعاً أكثر ثياتاً a‏ ي محور الحياة. وقد تختلف الصياغات. لكنها تتفق 
جميعاً في أن هناك تجاوزاً مقلقاء وجوعاً ضاغطاً في الوجود يتعدى الحوافز 
الحيوانية والاستجابية الخالصة. يؤكد العالم النيورولوجي «جولدشتين» 
1 أن المرضى من الناس فقط في المستشفيات العقلية هم الذين 
ينحدرون كلية إلى مستوى الضغوط البيولوجية المتعلقة بالجنس والعطش 
والجوع» والحاجة إلى الطعام والأكس جين والنوم وغير ذلك. أما غالبية البشرء 
كما يلاحظ جولدشتين؛ فينخرطون في أنشطة أبعد من هذه الحوافز الأولية. 
وتصل هذه الأنشطة إلى حد السعي من أجل تحقيق الذات. ويصيغ مؤلفون 
آخرون محور الدافع بطريقة مختلفة: ولكنهم يتفقون جميعا على أن النظرة 
شبه الآلية للدافعية غير كافية بالنسبة لديناميات الحياة الإنسانية. 


ريما تكون مصطلحات. مثل القلق anxiety‏ والفزع dread‏ والاغتراب 
102 أكثر استخداماً وشيوعاً لدى الوجوديين. ويجد الإنسان نفسه 
منكفئا في alle‏ غير مفهوم. ونادراً ما يستطيع أن يتجنب التيارات التحتية 
للخوف مع دوامات الهلع الحاد. فهو يعيش في دوامة اللا إستقرار والعزلة 
والاستياء والمعاناة ويتملكه شبح الموت والعدم. وقد يرغب في الهرب من وطأة 
القلقء لكنه يود أيضاً أن يعرف معناه. ويعتبر اللامعنى meaninglessness‏ 
أكشر إيلاماً من القلق؛ لأنه حينما يوجد هدف واضح في الحياة يتلاشى القلق 
والفزع. ولقد كان «نيتشه» هو الذى قال «أن من لديه سبباً ليعيش من أجله 
يرتقي غالبا كيفما كان». 


الإنسان: إذن ليس مخلوق ا متوازناً homeostatic‏ فهو لا ينشد التوازن داخل 
نفسه ومع البيئة. ويعتبر قلقه واضطرابه متأصلينء ويضربان بشدة في أعماق 
نفسه بحيث لا يس تطيع التخفف منهما بالإرضاءات الوقتية. فهو ينشد معادلة 
أكثر ملاءمة للحياة A tally‏ وهو شىء سوف يمكنه من أن يرقى على الاغتراب 
والمعاناة. وينظوي «الإتزان» (homeostasis)‏ لذلك على فقدان الحيوية: فهو يساعد 














الفصل )59 
على التراخي والكسل وينكر ما يميزنا من مقدرة إنسانية تتجلي بها ذواتنا . 
ومن حسن الحظ أن لدينا المقدرة على التسليم والمخاطرة. نس تطيع. إذا 
رغبناء أن نغامر بحياتنا في سبيل «مشروع شخصي» حتى ولو لم نستطع 
أن نثبت جدواه أو نتأكد من نجاحه. وربما يكون إيماننا بالمشروع يستند إلى 
بعض cn 2l‏ ولكن ذلك لا يعني أننا نحتاج إلى أن نكون ضعيفي الهمة. 3338 
القدرة لدى الإنسان أن يتمكن من جعل الحياة مُجزية ومُستحقة. لقد شعر 
أعضاء حركة المقاومة السرية من الفرنسيين والنرويجيين ضد النازية وأوروبا 
الهتلرية أن أمامهم فرصة ضئيلة للنجاح. لكن الهدف كان شيئاً يستحق الحياة 
من أجلهء ويستحق الموت من أجله. فالمعاناة والفزع يخبوان إذا كان لدينا مثل 
أعلى لهذا التعاظم. 


حينما يسأل الناس Lee‏ إذا كان لديهم مشروعات أو خط ط يموتون من 
أجلها عن إرادة ajeg‏ يجيب معظمهم بالإيجاب. قد يحددون صالح الوطن» 
أو مستقبل أبنائهم» أو العمل من أجل السلم والاستقرارء أو الإيمان بالدين. 
فالأسباب قد تختلف» لكنها موجودة لدى الغالبية من البشر. 


حتى أولئك الذين يعانون من التثبيط والاكتثاب يمكن دفعهم غالبا إلى 
تجديد أهدافهم بواسطة توجيه ذلك السؤال الأحمق والاستفزازي إليهم: «لماذا 
لم تنتحرة» بالإجابة على هذا السؤال يكشف المريض عن قيمه وآثامه شبه 
المنسيةء والتي فيها يكمن الأساس الوطيد للعلاج والشفاء. 


وفي ضوء ذلك تكون أحد الإجابات لسؤالنا الخاص بطبيعة الإنسان أنه 
مخلوق ينطوي على ترقية وتعظيم للخصائص القيمية لخبراته. في كل يوم 
يبني كل فرد منا الكثير من علاقات الأنا- العالم. بعض هذه العلاقات يصير 
أكثر معنىء أكثر ملاءمةء وأكثر إلحاحاً. وذلك Le‏ يجعل الحياة مستحقة. 


ويشعر بعض العلماءء ومنهم فرويد. أن قلقية واضطرابية الإنسان قد 
تؤول به إلى أن يطلب السلام الأقصى 259 لنزعات الإبادة والإفناء. وتميل 
أديان الشرق إلى هذه النظرةء كما يعبر عنها شاعر ياباني غير معروف: 














لاا ااا لل د طم التقس الإنساني 


نفور من بحار الحياة والموت سواءً 
كيف أتشوق بعمق 
إلى ربوة النيرفانا 
ألتي لم يمسها مد التغير 
وفي الغرب يتضح الفكر الدينى. يقول «القديس أوغسطين»: «قلبي 
مضطرب حتى أجد راحته في aill‏ 


يؤكد كتاب كثيرون: إنطلاقاً من هذا الهدف الغائي وتركيزاً على المسار 
الحالي Laeli‏ على الإبداعية المتأصلة في OL SY!‏ مثلما يقرر «بوبر»: كل 
شخص يولد في هذا العالم يمثل شیئا جديداًء شيئا لم يوجد أبداً من da‏ 
شيئاً أصيلا وفريداً . ومن واجب كل شخص أن يعرف.. أنه لم يوجد أبداً 
شخص يشبهه في العالم؛ لأنه إذا كان هناك شخص age ty‏ فلن تكون هناك 
حاجة له ليكون في العالم. فكل إنسان بمفرده شىء جديد في العالم وؤجد 
ليحقق خاصيته - إنسانيته في هذا العالم. 


وهنا يتحول الاهتمام إلى مسئولية الإنسانء فلا يكفي للانسان أن يتساءل 
عن الحياة من حيث معناها وهدفها. والأهم هو الأسئلة التي تضعها الحياة 
أمام كل شخص منا. ما الأفعال المبدعة التي سوف تمارسها؟ ما المسئولية التي 
سوف تضطلع بها من أجل وجودك الآن؟ أى حاجات العالم (وليس حاجاتك 
فقط) سوف تحققهاة 


هذا الجانب من الفكر الوجودي يذهب إلى ما هو أبعد من هدف «تحقيق 
الذات». وسيب ذلك أنه يسأل بحق: أي إمكانات سوف تختارها مما لديك من 
إمكانات كثيرة لكى تقوم بتحقيقها؟ فالإنسان ينبغي أن يسمو بذاتهء وأن يتخذ 
نظرة خارجية إلى قدراته ورغباته داخل سياق للمعنى يكون موضوعياً بل 
وكَوْنياً. ومن وجهة النظر هذه تصير وتتعاظم المقدرة على «التسامي بالذات» 
(self - transcendence)‏ و«المسئولية» على أنهما المحور الهام بحق للطبيعة 
البشرية. 


(1) Puber, Martin. Hasidism and Modern Man. Horizon Press, Inc., New Yourk, 1958. 





الفصل AY ios‏ — 
والخلاصة: ثمة ميل بين العلماء الوجوديين للبحث عن فكرة قصدية 
أساسية واحدة في الحياة الإنسانية. والنتيجة حشد هائل من المقترحات - 
بل وتبدو المقترحات المتنوعة في معظمها متتامة ومؤتلفةء وليست متعارضة 
في الحقيقة. الإنسان بالفطرة مضط رب وقلقء ينشد الأمن والحرية على 
حد السواء. وهو يسعى إلى مغالبة ظروف الاغتراب عن طريق البحث عن 
معنى للوجود يغطي المثلث المفجع: المعاناةء الذنب. الموت. ويجد أن الحياة 
تصبح مستحقة عندما يعمد إلى التسليم والإذعان. وعلى طول طريق الحياة 
يسعى إلى ترقية خبراته القيمية الخاصة. وإذا كان من الضروري أن يضحي 
بحياته» إنما يتم ذلك بهدف استمرار قيمة أولية معينة. وهو قادر على تحمل 
المسئولية. وعلى أن يجيب بأفعاله على الأسئلة التي تفرضها الحياة عليه. 
وعلى هذا النحوء يرقى فوق ما يلح عليه من حفزات عضوية وروحية ذاتية, 
ويصل إلى التسامي الحقيقي بالذات. وبالرغم من تركيز العلماء المختلفين 
على جوانب مختلفة من هذه المعادلةء إلا أن الصورة متسقة. 

















۸ ىل لل د طلم النفس الإنسسائي — 


في أى مجال من مجالات المعرفة يمكن أن نرجع عادة بالتطورات 
الجديدة, التي قد تبدو أنها تنشاً من لا شىء: إلى المناخ الفكرى الذي 
أبدعه قلة من الأفراد. من بين العلماء الذين قدموا الكثير لتهيئة الطريق 
إلى علم النفس الإنساني - جوردون أولبورت وهنرى موراي. وما اخترناه 
فيما يلي من كتاب مواري عن «استكاشافات في الشخصية» يبين أن هذا 
الكتاب يحتاج إلى تعديل قليل لكى يقدم مرجعاً حديثاً في علم النفس 
الإنساني. 


الفصل )5 


)£( 
استكاشافات في الشخصية 


هنرى موراي 
(جامعة هارفارد) 


الإنسان مشكلة كبيرة. ما الذي يمكن أن نعرفه عنه؟ وكيف يمكن أن 
نصوغه في كلمات تكون واضحة المعنى5 ما الذي يدفعه ويُسيّره؟ مع أي 
الموضوعات والمؤسسات يتفاعل SR Sy‏ وما هي أكثر الأحداث التي تُحدث في 
جسده SL SE‏ أي عمليات تابعة بالتبادل تسهم في تمايزه ونموه؟ أي الأحداث 
تحدد مسراته وآلامه؟ Lud Ty‏ بأية وسيلة يمكنه أن يتغير بقصد؟ تلك أسثلة 
تقليدية تبعث على الاهتمام في كل العصورء لكنها تتطلب حلا بشكل أكثر 
إلحاحاً وتلقى اهتماماً لدى أكثر الناس. فهناك تحمس أكبر وبشائر أعظم 
على طريق الوصول إلى الحل. 


وجهة النظر التي نتبناها أن الشخصية تؤلف موضوع علم النفس؛ وهذا 
النظام من المعرفة عليه أن يتناول تاريخ الحياة لإنسان بعينه كوحدة. وليس في 
الإمكان دراسة كل الكائنات الإنسانية أو كل خبرات كائن إنساني بعينه. وأفضل 
مايمكن alec‏ هو انتقاء أحداث أو وقائع ممثلة أو ذات دلالة بصفة خاصة 
بهدف التحليل والتفسير. وقد يفضل بعض علماء النفس تحديد أنفسهم بدراسة 
نوع واحد من الأحداث أو الوقائع. فقد يدرسون: على سبيل المثالء استجابات 
عدد كبير من الأفراد لموقف معين. وقد يحاولون اكتشاف أي التغيرات في 
الموقف تحدث تغيرات هامة في الاستجابة. ولكن؛ Ue‏ أن أي استجابة محكومة 
جزئيا بالتأثيرات اللاحقة للخيرات الماضيةء فإن علم النفس سوف لا يفهم AUS‏ 
الحدث إذا كان يجرده من التاريخ التطوري للفرد (Ontogeny)‏ . بل وقد يوضع 
في الاعتبار أيضاً التاريخ التطوري البشري -(Philogeny)‏ 


فما يسمود في علم النفس هو دراسة وظيفة واحدة أو جانب واحد 
لحدث معين في وقت معين - الإدراكء أو الانفعالء أو النشاط العقليء أو 
السلوك- وهذا كما ينبغي أن يكون. وحدود هذا المجال من الاهتمام تمليه 











ve", —‏ تم الققس الإنسسائي سم 


الحاجة إلى معلومات مفصلة. لكن عالم النفس الذي يفعل ذلك عليه أن 
يعترف أنه يلاحظ فحسب جزءاً من كلية إجرائية operating totality‏ وأن 


هذه الكلية بدروها ليست إلا شريحة وقتية صغيرة من الشخصية. 


وعلم النفس مطالب لذلك بيناء نظام من المفاهيم لتصوير المسار الكلي 
للنمو الفرديء وبالتالي يقدم إطاراً قد يتلاءم فيه أي حدث مفرد - طبيعي 
أو تجريبي. 


ويمكن أن نطلق على ذلك الفرع من علم النفس الذى يكرس ذاته لدراسة 
الحياة الإنسانية JS‏ أشكالها والعوامل التي تؤثر في مسارهاء والذى يبحث في 
الفروق الفردية وأنماط الشخصيةء مصطلح «علم الشخصية» (Personolgy)‏ 
بدلا من «علم نفس الشخصية» الذي هو تعبير فج يستند إلى تكرارية المعاني. 


علم الشخصية؛ إذنء هو علم البشر كوحدات كبيرة للإستكشاف والفهم؛ 
وهو بهذا التحديد يطوق التحليل النفسي )2095( وعلم النفس التحليلي 
(يونج). وعلم النفس الفردي (آدلر) وغير ذلك من المصطلحات التي تتصدى 
لطرق البحث أو النظريات أكثر من مجرد المعرفة. 


ولقد كان سعينا في مقاصده Le gala‏ للغاية. ومن أجل ذلك لم نقترح شيا 
أقل من (Y)‏ أن نبني نظرية للش خصية تستند إلى الطرق المستخدمة؛ و(؟) أن نبتدع 
طرقا فنية (تقنيات) للوقوف على الخصائص الأكثر أهمية في الشخصية؛ و(؟) أن 
نتكشف الحقائق الأساسية للشخصية بواسطة دراسة Blin‏ الكثير من الأفراد . فما 
يوجه فكرنا أن «الشخصية كل زمني» (Temporal Whole)‏ وأنه لكي نفهم Late‏ 
منها ينبغي أن يكون لدينا إأحساسء حتى ولو كان غامضاء بالكلية- كلية الشخصية. 
ومن أجل هذا كان سعينا إلى الشموليةء بالرغم من الخطر المتمثل في أنه بمحاولة 
فهم كل شىء قد نخرج منها بلا شىء يستحق الاعتبار. 







لقد حان الوقت للقيام بدراسات منظمةء مستفيضة عن الأفراد نخرج 
منها بنتائج طيبة. وأكثر من هذاء حقيقةء يبدو القيام بذلك شيئاً ضرورياً. 
وإذا كانت العمليات المكُونة للشخصية تعتمد على بعضها البعض بطريقة 
متغيرة. فإنه ينبغي علينا إذن أن نعرف قدراً لكي نفهم القليل؛ وأنه لكي 














الفصل الآول — VY‏ — 
نعرف قدراً قد يستخدم egal‏ ينبغي أن نسخدم طرقا جيدة بطريقة منظمة. 
وفي محاولتنا لتصوير ورسم المسار العام لحياة uade M‏ قد اخترنا للتحليل 
أحداثا معينة على الطريق والتي باس تخدامها كمعالم قمنا بعمل رسوم مستقلة 
للمسالك الموصلة. فبدون وجود فكرة معينة عن الكل لا يمكن أن يكون ثمة 
ضمان بأن العمليات المنتقاة للدراسة المتعمقة تكون مكونات ذات دلالة. 


وفي الواقع لم يكن نظام المفاهيم الذي اس تخدمناه يتصف بالاستيعابية؛ 
ومن أسباب ذلك عدم قدرة العقل على تمثل الكثير من التعميمات المستجدة 
بسرعة. وقد أدى مقدار الزمان والمكان والعدد المتيسر من المختبرين إلى 
تحديد عدد المفحوصين التجريبيين وعدد الطرق الفنية التي يمكن استخدامها . 


ولذاء لم تكن ممارساتنا ونظرياتناء في النهايةء شمولية كما أردنا أن 
تكون عليه. 


وإذ نمضى في تنفيذ خطتنا من النظرية إلى الحقيقة؛ ثم عوداً إلى النظرية 
ورجوعاً مرة أخرى إلى الحقيقةء فإن الكتاب (استكشافات في الشخصية) قد 
يعتبر إما كخطة لتكوينات أولية لتفسير الطرق التي ينتهجها مختلف الأفرادء 
أو كحشد لبيانات عن سيرة الحياة منظمة وفقاً لإطار مرجعي معين. 








ety gt 
الفصل الثاني‎ 
Adina إجبار.. حياة معاشة أم‎ al الحياة إختيار‎ 


عادة ما يفترض مؤلفو كتب ele‏ النفس أن السلوك الإنساني محتوم. 
وبالرغم من غلبة ong‏ الحريةء يستنتجون ضمنا أن الإنسان عاجز عن الاختيار 
بين الطرق البديلة للفعل والأداء. وبلغة فرويدء الإنسان «حياته معيشة» being)‏ 
.(lived‏ فالقوى التي لا يملك أي ضبط حيالها تماما تحكم أي شىء يفعله. 
ولهذا الافتراض سبب مثير للاهتمام: الأفعال الانسانية هي نتاج قوانين طبيعية 
جامدة أشبه بتلك القوانين التي تحكم سلوك الذرات؛ وإذا لم تكن كذلك» لن 
يتوفر علم دقيق عن الإنسان. وإذا كان الإنسان قادرا على أن يباشر حتى تأثيراً 
S us‏ على الأحداث في tle‏ يكون Sall‏ الدقيق بالسلوك مس تحيلاً حتى 
في نظرية من النظريات. فعلم النفس كعلم» وفقا لوجهة النظر هذه ينبغي أن 
يتخذ موضوعه الإنسان الذي يكون «مقننا» (lawful)‏ كالموضوعات غير الحية. 


Lal‏ وجهة النظر المضادة التي يأخذ بها علم النفس الإنساني» فتتمثل 
فيما يستحسنه معظم العلماء الوضعيين في ظروف أخرى. العلم ينبغي أن يبدأ 
بالحقيقة؛ مكوناته وطرق البحث ينبغي أن تمليهاء ليس السياسات الرسمية 
المقررة قبلاً. ولكن طبيعة موضوعات البحث. وإذا افترضنا أن الإنسان قد 
يعوزه العزم الذاتي أو التحديد الذاتي ) self - determination‏ ) وبالتالي لا 
يقدر على ضبط كل البيانات المتناقضة من حيث أنها بيانات غير متعلقة › 
كما يذهب معظم الوضعيينء فإن هذا يمكن أن يؤول إلى نتيجة واحدة فحسب 
بدون ما اعتبار لما تستحقه الحالة من أهلية وأهمية. 

ومن بين الاختبارات لأي افتراض أن نرى إلى أين يؤول الافتراض إذا 
لقي قبولاً كحقيقة. وعلى هذا الخط تثير الحتمية صعوبة مس تحكمة أمام 
العلماء. كيف يكون العمل في ميدان البحث العلمي ممكنا إذا لم يستطع 
المجرب اختيار Le‏ يفعله مهما كان ما يستدعيه الموقف؟ تعتبر القرارات المتعلقة 
بتصميم البحوث. والمتغيرات اللازم ضبطها وغير ذلك من الاحتياطات. ذات 


(*) Living or Being Lived 





V —‏ .الس سح سس سس لس م نكمم النفس qiii!‏ — 


أهمية بالغة في وضع صمام للأمان على الاندفاعات غير المتعلقة أو التأثيرات 
العمياء للاقتران السابق. ويكون للذكاء فائدة ضئيلة بالنسبة للعالم بدون قوة 
التنفيذء فلا يكفي معرفة الفرد لما يفعله: إنه ينبغى أن يكون قادراً أيضاً على 
أن يفعله؛ وينبغي أن يكون قادراً على اختيار ما يفعله بوعي وبذكاء. 


من الصعب أن نتصور كيف يوجد المجتمع كما نعرفه في عالم من 
الكائنات الإنسانية المحتومة تماماًء وثمة تشبيه للحياة الجماعية بقرية النمل 
حيث يباشر كل فرد مهامه المعينة Lilien‏ وليس لأنه يفهم الخطة الأساسية أو 
لديه اختيار في الموضوعء ولكن لأنه مسوق بالدفع والإجبار. يلاحظ «كولمان»» 
أنه بينما تأتي معظم الحيوانات مزودة في بنائها الداخلي بآليات توافقيةء فإنه 
ليس لدى الإنسان إلا القليل من هذه الآليات أو حتى من أي نماذج غريزية. 
فهو ينبغي أن يركن إلى الذكاء والعقل في مواءمة سلوكه مع مطالب اللحظةء 
وتخلق مواهبه العقلية الفريدة مشكلة فريدة- مش AIS‏ الاختيار والتوجيه الذاتي» 
وحتى في الروايات à abs‏ مثل )11 (Walden‏ عند «سكنر». كانت هناك 
ضرورة لبعض القرارات الإرادية القائمة على وزن الأدلة لتنظيم السلوك. 


إن مفهوم القانون الوضعي يكون ذات معنى فحسب في حالة أن يباشر 
الإنسان بعض أساليب الضبط على أفعاله. والمسئولية الشخصية هي الرباط 
لحرية الاختيار. فليس هناك من إنسان قد يختار أن ينمو طويلاً. ولا يحاسب 
على نتائج نموه؛ ولكن لأنه يستطيع اختيار عدم إيقاع الأذى بالآخرين: يكون 
من المتوقع أن يفعل ذلك. 


إن عالم النفس الذي يتقبل الحتمية كافتراض منهجي في المختبر يعيش 
بالضرورة وفقا لمجموعة متعارضة من الافتراضات في الشئون اليومية العملية, 
ولا يعطي على الأقل إيضاحا لتوغله خلال طقوس غير ذات معنى في اتخاذ 
قرار بشأن شراء منزل: أو إقدام على زواج. وهو يبدوء كالمعالج: مهتماً بوهم 
اللاحرية أكثر من الحرية. إن المريض القهري الذي يأتي Lats‏ للعلاج من 
السلوك القهرى يشكو من كونه مشاهداً عاجزاً لسلوكه ذاتهء ويتملكه من وقت 
لآخر حفزات قهرية للقيام بأفعال معينة غير سديدة بدون ما اعتبار لرغباته 











— y itty الفصل‎ 


في هذا الصدد . وهذا الإجبار على وجه الدقة هو لأنه «محتوم الحياة»» ومن 


ولا يجد «مايلوكس» 7 ثمة أسباب للاهتمام بالسلوك المحتوم ذاتياً أو 
السلوك ذاتي الحتمية determined‏ -517. فأي فرد يختار خطة معينة للأداء 
بدلاً من غيرها لأنها تبدو ملائمة: من المحتمل أن يس لك بطريقة «مقننة» كما 
لو كان يخضع لإجبار الحاجات والحوافز وغير ذلك من الدوافع غير السديدة. 
ولكنه فقط حينما يكون حرأًء يكون قادراً على الأداء بطريقة رشيدة. 


(1) J. Maillaux: Psychic determinsm and personality J. Psychol, 1955, p. 9, 133-143. 








—- ل طم التقس الإنساني 


لا يكون لبعض النتائج التي يتوصل إليها علماء النفس إلا ارتباط 
ضئيل بالحياة اليومية. «مفهوم الذات» لدى قلة من الناس يتأثر بعمق 
بالأفضلية النسبية لأحد طرق التعلم على ue MI‏ ولا يكون كذلك بالنسبة 
للإجابة على السؤال:«هل آنا قادر على اتخاذ اختيارات مقصودة: أو هل 
تعتبر الحرية وَهماً 5 «يستند اتجاه الفرد نحو المسئولية الشخصية ونمو 
الأنا والمجتمع بصفة عامة على إجابته. وتساؤل كهذا ينبغي أن يوجه إلى 
الفيلسوف منذ البدايةء ولكن كل عالم نفس - إن آجلا أو عاجلاً - مجبر 
على أن يتخذ وقفة حياله. 


الفصل الثاني ا — — لبلب ۷۷س 
)0( 
الآراء المتعارضة 
في طبيعة الانسان الأساسية“ 
جيمس كولمان 
(جامعة كاليفورنيا) 


: Active or Reactive رد فعلية‎ ai فعالية‎ 


يعمل الإنسان في حياته اليومية على افتراض أنه حر في اتخاذ القرارات 
واختيار خطته في الأداءء على الأقل داخل حدود معينة. ولكن الكثير من 
الفلاسفة واللاهوتيين والعلماء يثير السؤال حول ما إذا كانت حرية الأداء 
حقيقة أم مجرد وهم: ما إذا كان الإنسان في الواقع فعالاً ونشطا وعضواً 
مسئولاً يتمتع «بإرادة حرة» أم أنه لعبة سلوكها محكوم بقوى أبعد من تحكمه 
الذاتي. 


الحتمية في الفلسفة والدين والعلم : 


لقد خضعت الأنواع والمستويات المختلفة من الحتمية للجدل منذ العصور 
القديمة. فقد سادت المأساة الدرامية الهائلة لأيخيليوس وسوفوكليس» مثلاء 
استناداً إلى الاعتقاد الأغريقى القديم بأن الإنسان بكل خصاله هو في 
نهاية التحليل رهن للقدر. ثمة محتومية في أدائه. نهاية لا يستطيع الهرب 

. تتضح هذه القدرية بجلاء في أسطورة أوديب المعروفةء الذى في 
محاولته لتجنب تحقيق النبوءة بأن عليه أن يقتل أبيه ويتزوج أمه تحول 
Luly‏ إلى شرك القدر وفعل بلا شعور Les‏ جاءت به النبوؤة. ويعتبر المبدأ 
الكالفيني الخاص بالمصير المحتوم predestination‏ . الذي يذهب إلى أن 
أي فرد عند لحظة الميلاد بالفعل يُخْتار للخلاص أو يستحق الهلاك. مثالاً 
للحتمية الدينية أو الفلسفية. 

(1)1. C. Coleman: Personality dynamics and effective behavior. Chicago: Scott 

Foresman, 1990, pp. 32-35. 





ees FA —‏ نكمم النفس الإنساتي — 


يهتم العلم الحديث أيضاً بمشكلة الحتميةء ففي ميدان الفيزياء النووية 
توصل بعض الباحثين إلى نتيجة بأن التشغيلات الداخلية للذرات تخضع 
لقوانين بسيطة ومضبوطة: ويذهبون إلى أنه إذا استطعنا عمل مقاييس غاية 
في الدقةء نستطيع أن نتنب بالممستقبل JS‏ تفاصيله. ويشعر آخرون ob‏ هناك 
LS‏ معين من اللاحتمية أو «الحرية»» فى التشغيلات الداخلية للذرات التي 
تجعل في الإمكان التنبؤ فة هله فاخن درج أت معينة من الاحتمالية وبالتالي 
تجعل من الحتمية الصارمة ميداً واهياً. 


في ميدان علم النفسء اتخذ الحتميون المحدثون منطلقهم من «جون لوك». 
فيلسوف القرن السابع عشر الإنجليزىء الذي استخلص أن العقل الإنساني منذ 
الميلاد صفحة بيضاء tabula rasa‏ ينطبع عليها التعلم والخبرة مما يعطي 
للعقل مضمونه وبنيته. 


وتتمثل هذه النظرة إلى الإنسان على أنه كائن حي (أورجانزم) سلبي 
رد فعلي- في المدرسة السلوكية. تعتبر السلوكية. في ش كلها الأكثر تطرفا 
الفرد كنوع من الكيان الآلي العقلي (الربوط العقلي mental robot‏ ). كرهينة 
عاجزة حيال ما يقع من تأثيرات تؤدي إلى تشكيله. ولذاء تعتبر المفاهيم ذاتها 
الخاصة بالتحديد الذاتي أو العزم الذاتي وحرية الاختيار مفاهيم وهمية؛ بينما 
يعتبر الوعى ذاته كناتج تلقائي للأحداث «الحقيقية»- العمليات العصبيةء ومن 
ثم فقد افترض أن الوعي لا يتضمن أية قوة لكي يؤثر في السلوك. 


وبالرغم من أن الس لوكيين اليوم لا يتمسكون ضرورة بالحتمية الصارمة. 
يفضل علماء النفس الأمريكيون بدرجة كبيرة اعتبار الإنسان ككائن حى رد 
فعلي. وللتدليل على ذلك يشيرون إلى ما تتصف به الشعوب في أنحاء العالم 
مين alila‏ متباينة تشكلها الشروط الحضارية: ويؤكدون cia‏ التجريبية 
بأن معتقدات الناس وقيمهم يمكن تناولها بواسطة المجتمع من خلال الثواب 
والعقاب. وبأن الإيحاء والمحاكاة قوى هامة تشكل قيم الإنسان وآرائه. ويعولون 
بشكل خاص على أهمية الاقتران الشرطي المبكر على أنه الأساس الذي 
LS‏ عليه ردود الأفعال الشرطية اللاحقة. وقد يبدو أن النتائج الخاصة بآثار 
الاستثارة دون الشعورية subliminal stimulation‏ - أو «الإعلان الخفي» 




















Netty الفصل‎ 


hidden advertising‏ — في استدعاء الرغبات والأداءء يقدم مزيداً من التأييد 
للنظرة الحتمية للسلوك الإنساني. 


النظرة إلى الإنسان ككيان نشط وغرضي : 


ثمة مدرسة هامة أخرى في الفكر السيكولوجي تنظر إلى الإنسان على 
أنه مخلوق Lad‏ وغرضي» يشترك بش كل مستمر في نشاطات ذات معنى 
للاختيار والحكم والتنظيم. وبينما تعترف بأن السلوك الإنساني يتأثر بثقافة 
الفرد» تؤكد هذه المدرسة أن ثمة Shale‏ شخصياً يباشر أثره أيضا - وهو 
الجانب الذاتي للثقافة. ولذا Lette‏ ما يتحدد جزئياً تأثير المثيرات الخارجية 
على السلوك الفردي بالطريقة التي يرى بها الفرد جماعته» وبقدرته على 
تقبل بعض المثل ورفض الأخرى.ء وبميله إلى أن يسلك بطرق تكون متسقة مع 
مفهومه عن A513‏ وبقدرته على تنمية خبرته وعلى نقده لذاته - أي بقدرته 
على أن يكون واعياً بذاته» وعلى أن يسعى إلى الارتقاء بالذات والتسامي 
بالذات. 


وجهة النظر هذه بالطبع» هي أكثر اتساقاً مع خبرتنا الذاتية في ارتياد 
الحرية والاختيار» من نظرة العالم السلوكي للإنسان على أنه مجرد كائن 
عضوى رد فعلي. يرى «فوسديك»» وهو رجل دين؛ القضية على أنها موضوع 
استجابة كما تتعارض مع رد الفعل: الأشياء تعمل بتأثير المثيرات وحتى إذا كان 
يمكن أن يقال أنها تأتي برد الفعل للمثيرات» لكن الأشخاص يمكنهم أن يأتوا 
بالاستجابة. أما رد الفعل فهو آليء والاستجابة شخصية؛ لذا فإن سعى الماديين 
إلى اختزال الاستجابة إلى رد الفعل لا يبعث على الإقناع لأنهما (الاستجابة ورد 
الفعل) في الخبرة الواقعية مختلفان اختلافاً جذريا. كرات (البلياردو) تعمل 
برد الفعلء أما الأشخاص فيستطيعون أن يفعلوا أكثر من ذلك. الٌقطاس رد 
فعلء لكن الشخص المنتصر تنطوى استجابته على الوعى والتقدير والاختيار. 
ولم تكن إجابة سقراط على محاكميه عُطاساء وإنما استجابةٌ. 


ترتبط أيضا النظرة إلى الإنسان على أنه يتمتع بإمكانية هائلة للحرية 


(1) H. F. Fosdik: On being a real person. New York: Harper & Row, 1943 p. 7. 











— ۸ عم النفس الإتسسائي سم 


بنظرتنا إلى الحكومة - الحكم الديمقراطي» بأن الإنسان المتوسطء بمواجهته 
«بالحقائق» يستطيع تقييم القضايا العامة بدرجة معينة من الموضوعية 
والعقلانية وليس ككائن آلي مفروض علي ه أن يفكر ويسلك بطرق معينة. 
ونفترض أن الحريةء المضمونة بتوفير الديمقراطية للفرد لكى يتخذ القرارات: 
ليست وهماً. 


وتعتبر النظرة إلى الإنسان على أنه كائن حر ونشطء توجهات أساسية 
بالنسبة لفلسفتنا في التربية: التي تؤكد على تنمية GA‏ حتى يتسموا 
بالقدرة على الحل السديد للمشكلات. والإبداع» والتقويم النقدي؛ وأنه بقدر 
ما يتوفر للفرد من معلومات. يحتمل أكثر أن يختار ويس لك بحكمة. 


يشير «جوردون أولبورت»ء عالم النفس الأمريكي» إلى الحاجة إلى ele‏ 
النفس والعلوم السلوكية الأخرى لكي تتناول مشكلة حرية الإنسان في التوجيه 
الذاتي: 


يمكن أن ننظر في مائة من الكتب الأمريكية المتتابعة في علم النفس ولا 
نجد إشارة ل «الإرادة» أو «الحرية». ومن المعتاد بالنسبة e Mal‏ النفس» كما هو 
الحال بالنسبة للعلماء الآخرين؛ أن يمضي داخل إطار من الحتمية Aa Jal‏ 
وأن يبني حواجز بين نفسه والإحساس العام خشية أن يصيب الإحساس العام 
ele‏ النفس بإيمانه بالحرية . ولنفس السيب LAS‏ الحواجز ضد علم اللاهوت. 
ولكن مما يبعث على عدم الارتياح أن الأحداث المعاصرة تثير القضية مرة 
أخرى. تؤكد الوجودية على الحرية: ويهتم بذلك الكثير من العلاج النفسي» 
والاهتمام الجديد لعلم النفس بالقيم هو في أعماقه اهتمام بالاختيارات» 
وبالتالى يبعث مشكلة الحرية إلى مكانة الصدارة (AY — AY o2)‏ 


يناقش «أولبورت» ( ص» )٠٠١‏ مشكلة حرية الإرادة في مقابل الحتمية كما 
ترتبط بمشكلة الديمقراطية: 
لم تزودنا «العلوم السلوكية» Las‏ فيها علم النفس؛ بصورة عن الإنسان 


(1) G. W. Allport: Becoming: Basic considerations for a philosphy of personality. 
New Haven, Conn.: Yale, 1955, pp. 82-83, 100, 101. 














Netty ty 


القادر على خلق الديمقراطية أو العيش فيها. لقد اتجهت هذه العلوم بدرجة 
كبيرة إلى تقليد نموذج كرة البلياردو في الفيزياء. وهو ما يغفله العلم الآن. 
ووضعت في أيدينا علم نفس يركز على «كائن حي فارغ» «(empty organism)‏ 
يتحرك بالحوافز ويتعدل بالظ روف البيئية. فلم يجذب انتباه بناة النظام 
السيكولوجى أساساً إلا كل ما هو صغير وجزئي» ما هو خارجى وآلي؛ ما هو 
مبكر ما هو طرفي وقائم على تحين الفرص. لكن نظرية الديمقراطية تتطلب 
أيضا أن يتمتع الإنسان بمعيار للعقلانيةء وبقدر من الحرية؛ وضمير حي» ومُثل 
(شخصية). وقيم فريدة. إننا لا نستطيع الدفاع عن صندوق الانتخابات أو 
التربية الليبرالية: ولا أن ندعو إلى النقاش الحر والمؤوسسات الديمقراطية: إذا 
لم يكن لدى الإنسان هنا المقدرة الكامنة على إثرائها ... 


ومما يبعث على العجب. أن الكثير من المتحمسين لنظرية «الكائن 
الحي الفارغ» في الطبيعة البشرية هم من بين أكثر المناضلين بشدة من 
أجل الديمقراطية. وليس à a‏ تناقض صارخ أكبر من أن يأتى العالم كمواطن 
بمجموعة من الافتراضات النفسية: بينما في معمله وكتاباته بافتراضات 
مغايرة عن طبيعة الإنسان. 


Y‏ يدعي «أولبورت» بطبيعة الحالء أن مُثلنا الديمقراطية ينبغي أن 
ملي نتائجنا العلمية. وإنما يشير إلى أن علماء النفس» في جهودهم ليكونوا 
علميين بصورة محكمة: غالبا ما كانوا يميلون إلى الاهتمام بالظاهرات 
الجزئية والطرفية نسبياً التي يتكفل بها البحث العلمي والذى يتصف 
بالضبط والموضوعية. والنتيجة تركيز الاهتمام العلمي على تلك الجوانب 
من السلوك التي يمكن تفسيرها في ضوء الاستجابات الشرطية. وهذا 
ما قد خلق بدوره نظرة حتمية للإنسان. وميلاً إلى إعاقة الحقيقة بأن 
الناسء في الحياة الواقعية, لا يبدو أنهم يقومون بوظيفتهم كلية ككيانات 
عضوية تعمل برد الفعل. ولا شك أن الكثير من السلوك الإنساني محتوم 
بالاقتران الشرطي: فآراؤنا وقيمنا وطرائق سلوكنا تعكس جميعها الخبرات 
التي توافرت لنا وبالتالى الثقافة التي نعيش فيها. لكن هذا لا يبدو أنه يروي 
القصة كلها: الإنسان أيضا مُبدع "rea‏ 




















س A‏ ادس سم عم النفس الإنساتئي —— 

إذا تمسكنا بالنظرة إلى الإنسان ككائن يستجيب بفاعلية ورد فعلية كذلك. 
إنما نتكلم مرة أخرى عن الطريقة التي تميل بها الطبيعة الداخلية للإنسان 
على العمل تحت الشروط «العادية» - تلك الشروط التى تسمح للفرد بالحرية 
الملائمة لإنماء واستخدام إمكاناته الداخلية. وفقا لوجهة النظر cola‏ قد تعتب 
الثقافة الاستبدادية (الأوتوقراطية). التي تسعى إلى فرض توجيه نحو قيم 
معينة واتجاهات سياسية بعينهاء ley‏ أو حالة «مَرَضية» تؤدى إلى إحباط 
الميول الداخلية لدى الإنسان نحو التوجيه الذاتي. ومثل هذه المعاناة التي لم 
تنجح كلية أو باستمرار قد تعتبر دليلا على أنها مضادة للخاصية الفطرية 
«المنظومة الجهد الإنساني» (human energy system)‏ وهو أن الإنسان يُمَيّم 
استجاباته أكثر من مجرد استجابته آليا برد الفعل. 


ويسعى ele‏ النفس الحديث. لحسن الحظه بالتدريج إلى تطوير الأدوات 
العلمية من أجل معالجة المشكلات المعقدة المتعلقة بالقيم؛ ودحرية الإرادة» 
والغفرض. والنتيجة المترتبة على اتساع هذه البحوث تؤول بالتدريج إلى بزوغ 
صورة أكثر واقعية عن الإنسان من حيث أنه «مزود بإمكانات كافية Jaat‏ 
والاستقلالء والاختيار لكي يستفيد من الحياة ويفيد الحياة في مجتمع حر» 
(أولبورت. 800 (Vr:‏ 














— Y tty ts 


يبدو وجود الدافعية اللاشعورية: التي تستطيع أن تؤثر في السلوك 
بدون أن يُعترف بها كنتاج للحوافز البعيدة على أنها حقيقة مستقرة 
بحيث تتطلب المزيد من التعقيب. ومع ALS‏ ثمة مفارقة تبعث على 
الدهشة حينما نسأل أنفسنا كيف يمكن أن يستجيب الشخص بحرية 
بدون أن يفهم دوافعه كلية. 


يبين «نوتان» أن المصدر اللاشعورى لحافز على الأداء لا يقدم مشكلة 
خاصة طالما أنه لا يمتص انتباه الشخص إلى النقطة التي تجعله يعمل 
بطريقة آلية بدون ما اعتبار للحلول البديلة. فما هو هام في اتخاذ 
القرار هو «القيمة المدّركة» للدافع والطريقة التي تؤثر بها في السلوك, 
وليس من أين يأتي الدافع. 

وفي الحالات المتطرفة قد يقوض دافع لا شعوري عملاً للحرية؛ 
وفي أوقات أخرى قد يسبب فحسب شيئاً يبدو جذاباً أو منفراً بطريقة 
يشر غاذية 














س ٤‏ عم النفس الإنساتئي دم 
C)‏ 
اللاشعور والحرية©© 
جوزيف نوتان 
( جامعة لوفان ) 
بالرغم من تقديم laua‏ اللاشعور وبيان ما يباشره من تأثير على النظرة 
السيكولوجية للاإنسانء يبقى بالنسبة Ul‏ أن نضع في الاعتبار المشكلة الرئيسية: 


إلى أي حد يكون تأثير العوامل اللاشعورية على السلوك بما يتفق مع الاعتقاد 
في حرية الأفعال الإنسانية5. 


-١‏ إيحاء ما بعد التنويم المغنطيسي: 


لنضع أمامنا منذ البدايةء ظاهرة التنويم المغنطيسي» انطلاقاً من الاعتبار 
الذي بدأت منه آراء فرويد المتعلقة بتأثير اللاشعور على السلوك. 


فالأفمال الممارّسة خلال التنويم المفنطيسي لا تتعلق خاصة بمش كلتناء 
حيث أن هذه الأفعال لا تؤلف جانياً من السلوك العادي. لكن من المعروف أن 
الشخص Ay tt‏ مغناطيسياً؛ بعد خروجه من غشية التنوم - وبالتالي العودة 
إلى الحالة العادية للوعي - قد يزاول أفعالاً وهو خاضع للأوامر التي أوعزت 
إليه أثناء A All‏ ويقوم بذلك بدون أن يعرف أنه يطيع أمراً من الأوامر. 


تلك حالات من إيحاء Le‏ بعد التنويم المغنطيسى post-hypnotic‏ 
suggestion‏ وهي ظاهرة قد درست بصفة خاصة: ونورد هنا حالة كما 
يصفها «دكتور برنهايم»: 


لقد سمع المريض ما قلته له حينما كان في غشية التنويم: ولكنه لا 
يتذكر شيئاً aie‏ ولا حتى أني قد تحدثت إليه. وتعود الفكرة Soll‏ بها إلى 
ذهنه حينما يفيق: وبنسيانه المصدر الذي أتت ia la‏ ليعتقد أنها فكرة أصلية. 
وحقائق من هذا النوع قد أيدها علماء آخرون: وقد حاولت مراراً التحقق 
Joseph Nuttin: Psychoanalysis and Personality. Sheed & Ward Ive, New York,‏ )*( 
.1992 


— e tty الفصل‎ 


منها بنجاح» وأكاد أن أقتنع بأن الأشخاص الذين يهتمون بذلك إنما يقرون 


ضفي الساعة الحادية عشر أوحيت إلى «س» بأنه في الساعة الواحدة بعد 
الظهر سوف تتملكه رغبة لا تقاوم في أن يجتاز «شارع» جيئة وذهاباًء مرتين. 
وفي الساعة الواحدة رأيته يخرج إلى الشارع: ويسير من نهاية الشارع إلى 
الأخرىء» ثم يعود ALE‏ ويتوقف في مواجهة نوافذ أحد المحلات كما لو كان 
قد أخن جولة og‏ 


ظاهرة كهذه يمكن أن تؤخذ كما يقرها دارسوها. لقد درسوها تجريبياً 
وتحققوا منها . فالأمر الذى Lax‏ أثناء التنويم المغفنطيسى قد لا pad‏ فحسب 
فوراً بعد أن يستيقظ الشخص الخاضع له» وإنما قد يظل فعالاً لعدة أيام 
وحتى لعدة أسابيع بعد ذلك. 


وهنا نفترض أن الأمر Car‏ يبقى موجوداً لا شعورياً داخل الفرد. وينشا 
تصور الأداء والحاجة إلى ممارسته - في الشعور في لحظة A ina‏ لكن 
مصدر الصورة والحاجة يظل لا شعورياً. فالأداء يُمارس كما لو كان إنجازاً 
تلقائيا للشخص ذاته. 


ويبدو من المشكوك فيه ما إذا كان هذا الأداءء النابع من ge SOU‏ يمكن 
اعتباره أداءاً حراً. وإذا كان كذلك» هل يكون أي شكل من اللاشعور يؤثر على 
الأداء مطابقاً لحرية السلوك. 


وتتبدى الحقيقة الهامة الأولى التي ينبغى التحقق منها حينما نواجه بهذه 
المشكلة؛ وهي أن الإيحاءات التي تتم «أثناء» التنويم المغفنطيسي تتحقق بطريقة 
ALE‏ ويؤكد العكس بعض المؤلفين ويقولون أن إيحاء Lan‏ بعد التنويم» يتحقق 
ضرورة:؛ وبطريقة ثابتة. 


لذا يعلن «لييبول» Liebault‏ . ومن بعده «بيونيس» Beaunis‏ أن a» b‏ 
خصائص الأداءات التي تمارس لفترة طويلة بعد عمل الإيحاء هي أن ما يحفز 


(1) Bernheim, e. la suggestion, 2nd ed. Paris, pp. 40-47. 











لد ويه سسا د طم التقس الإنسسائي — 


الفرد للقيام بهذه الأداءات ييدو له على أنه صادر عن مبادأة منهء في حين 

أنه في الواقع يمضي نحو هدفه تحت تآثير القرار الذي اتخذه ليمضي مع 

قدرية حجر ساقطء وليس كنتيجة للجهد المضبوط والقصدي الذي هو مصدر 

أداءاتتا السديدة». «وباختصار - يضيف بيونيس - يعتقد الفرد نفسه حراً 

او ر بیود 

ولكنه ليس حراً. وهذه ضربة مباشرة بالحجة لحرية الإرادة التي تتأتى من 
شعورنا بالحرية. 

وإذا كان الأمر LISS‏ تقدم ظاهرات ما بعد التنويم LaLa‏ لقانون 


سبينوزا . فشعورنا بالحريةء بالنسبة لسبينوزاء هو ببساطة تجاهل للأسباب 


ويبدو من المؤكد تماما أنه في الحالات اللاسوية كالهستيرياء يخلق إيحاء 
ما بعد التنويم تأثيره بطريقة آلية تماما. بالرغم من الشعور العَرََضي بالتلقائية 
والحرية. ويلتزم بيونيس نفسه بشرط واحد ليؤكد على تحقيق الإيحاء: أن 
الفرد ينبغي أن يخضع للتنويم بطريقة متكررة بواسطة نفس الشخص. OSS‏ 
هذاء كما هو معروف جيداً يعني إضعافاً في قوة المقاومة. 


ومن المؤكد أن الفرد في بعض الحالات يناضل بصعوبة ضد ممارسة 
الأداء حينما يتعارض الأداء مع الميول القوي d‏ لذا يعترف eal ging‏ كما اعترف 
شاركوء أن: تأثير إيحاء ما بعد التنويم ليس موضوعا للقدر على الإطلاق. 
فهناك البعض الذي يجاهد ضده.. وهنا توجد أمثلة قليلة.... فقد أوحيت 
إلى الصغير«ج» أنه حينما يستيقظ ينيغي أن يقف على المنضدة:؛ وحينما 
استيقظ صار ينظ إلى المتضبدة ولكنه لم يصعد عليها : فالرغية في أن Soda‏ 
ذلك ليست موضع شك. ولكن الاحترام لوجود أناس يعطيه القوة لكي يتغلب 
على الرغبة. 





الفصل AY ett‏ — 
؟- المصدراللاشعورى للحاجات السوية: 


تبرز إذن ثلاث نقاط أساسية تقرها دراسة ظاهرات ما بعد التنويم: 
.١‏ يخبر الفرد ميلا شعورياً لممارسة الأداء. 


-Y‏ يتولد هذا الميل في الحقيقة الواقعية من المضامين النفسية التي هي 
ليست بمضامين شعورية (مشلاء أمر قد أأعطى فيما سبق)» وينشا الأداء 
الذي يمارس من هذه المضامين اللاشعورية. 


Y‏ قد يسمح الفردء أو ربما لا يسمح» Gly all‏ يأخذ مساره. 


وتبدو النقطة الحاسمة في أن الميل - وبالتالي السلوك - يكمن وراءه 
مصدر لاشعوريء أي يشتق من نظام لا شعوري. 

وهنا يكشف تحليل السلوك الإنساني في الحال من أنه ليس من غير 
العادي على الإطلاق بالنسبة للميل أن ينشا أو يبدأ من الطبقات اللاشعورية 
للش خصية. فمعظم ميولنا وحاجاتنا الطبيعية - gg all‏ العطش؛ الجنس - لها 
أصلها في الحالات البيولوجية اللاشعورية للكيان الحيوي (الأورجانزم). 


ومن هذه الديناميات يبزغ شيء واحد في الشعور: في لحظة Alia‏ 
ولحاقاً بإشباع الحاجةء نشعر بأننا منجذبون أو مسوقون لممارسة فعل LAS‏ 
صورته في ذهننا . ولا ينتقل توأ مصدر أو أساس هذه الرغبة إلى الشعور 
أو قد lass‏ للمرة الثانيةء بشأن مصدر رغباتنا. فما نأخذه ليكون دوافعنا 
الحقيقية حتى ننجذب إلى موضوع معين قد يكون مجرد ذرائع لتبرير سلوكنا . 
وغالباً ما يمكن الكشف عن المصدر الحقيقي للميل بواسطة البحث العلمي 
في مقدماته والعوامل التي أدت إلى وجوده. 


من هذه المقارنة بعملية الحاجات الطبيعية ينبقي أن يكون واضحاً أن 
مشكلة اللاشعور واحدة في كلتا الحالتين. ومع ALT‏ يوجد فارق يبعث على 
الاهتمام بين العمليتين: في إيحاء ما بعد التنويم يكون Jal‏ مضموناً نفسياً 
في طي النسيان - التوجيه أو الأمر الذي تلقاه الفرد — هو المصدر اللاشعوري 





A^ —‏ سس للحم عم النفس sly)‏ 


للصورة والحاجة اللتين تظهرا في الفردء بينما فى الحاجات الطبيعية ينشاً 
الميل أساساً من الحالات الفسيولوجية للكيان الحيوى نفسه. 


ومع All‏ فليس أحدهما في حد ذاته شعورياً بطريقة مباشرة أو أساسية. 
ونلاحظ» في النهايةء أن المشكلة واحدة سواء بالنسبة للشعور الدينامي لدى 
فرويد أو بالنسبة لإيحاء ما بعد التنويم. في كلتا الحالتين تكون المضامين 
النفسية اللاشعورية نقطة الانطلاق للصور وللنزعات التي LARD‏ في الشعور. 
وقد وجد فرويد» كما بيناء في ظاهرات ما بعد التنويم نموذج «اللاشعور 
النشط» الذي ذهب إليه. 


*- الحرية والميول الناشئة من اللاشعور: 


علينا أن نتفحص الآن ما إذا كانت حقائق كهذه يمكن أن تتفق مع النشاط 
الذي نستطيع أن نسميه بحق نشاطأً حراً. لكن ما هي بالضبط العملية 
المعروفة «بالأداء أو الفعل الحر» §(free act)‏ 


لا تعني الحقيقة بأننا مسوقون بحاجة معينة:؛ لها مصدرهاء نحو شكل 
معين من السلوك أن الأداء أو الفعل ليس حراً. لا يهمنا كثيراً مصدر الحاجةء 
شعورياً أو Y‏ شعورياً - بقدر ما يهمنا الحاجة à JU‏ ذاتها والطريقة التي 
تؤثر بها في السلوك. 


حينما نسلك بحرية؛ في الواقع: يتخذ الفرد اتجاهاً نحو العناصر المختلفة 
«للقيمة» value‏ المتعلقة بالدوافع التي يخبرها بالفعل في الموقف المعين» أي 
العناصر المتواترة في خبرة الفرد . وتتوقف «القوة الجاذبة» أو «قيمة» كل دافع 
على قوة المطامح والحفزات المتواترة في الخيرة في لحظة معينة. ولا يدخل 
المصدر الأصلي لهذه المطامح والحفزات في القوة الجاذبة أو القيمة لكل «glo‏ 
سواء في أي استقصاء للدوافع أو في الاتجاه الذي قد يتبناه الفرد نحوها. 
بقول آخرء نعتبر «الدوافع» كقوى تؤثر في حرية الأداء إلى الحد الذي تكون 
فيه «مدركة» بالفعلء أي في بؤرة الوعي. ولا يؤدى إغفال مصدرها إلى التغيير 
من هذه الحالة على الإطلاق. 














Nitty الفصل‎ 


فالأداءء سواء كان حراً أو محتوماًء سوف يعتمد إذن على الطريقة التي بها 
تؤدي العوامل الديناميةء التي يخبرها الفرد داخل نفسه: إلى تحرير النشاط. 
وسوف لا يكون الأداء حراً حينما تسبب «الدوافع» أو القوى الدافعية رد فعل 
أشبه بحلقة واصلة في سلسلة محتومة مادياً بالعمليات الطبيعية. 


ومن ناحية أخرى. سوف يكون هناك أداء حر حينما يواجه الفرد الدوافع 
كمناصر قيمية يعترف بها ذهنياً بدون أن يكون مستوعباً بها كلية؛ فهو في 
هذه الحالة (في clot‏ كامل التملك الذاتي) يسمو بالانطباع والميل الذي يخبره 
في لحظة معينة ويرضخ للدوافع التى يعطيها قيمة؛ وفقاً للنسق القيمي 
المحدد الذي يؤلف شخصيته ذاتها. 


لذاء ينبفى أن يكون واضحا وارتباطاً بأن الأداء المعين ينشأ من مصدر 
دينامي لا شعوري» فإن هذا من شأنه ألا يثير أية مشكلة خاصة تتعلق بحريته. 
وتتوقف الحرية أو الإجبارء كما هو الحال بالنسبة لكل الأداءات الأخرى. على 
ما إذا كانت الدينامية الكامنة وراء الأداء تنمو وتعمل على المستوى الإرادي. 
ويتوقف هذا على ما إذا كان الفرد يسمو بالانطباع الواقعي الذي يخيره أو 
يكون ببساطة متأثراً به. أما السؤال عما إذا كان هذا المستوى الإرادي للنشاط 
يوجد في الإنسان» وما إذا كان هناك عنصر معين للحرية - أي الإرادة - 
متضمناً في السلوك الإنساني» فهو غير وارد هنا. فتلك قضية تتعلق بعلم 
النفس الفلسفي» وخارج نطاق هذا البحث. يكفي أن نبين أنه ليست هناك 
من مشكلة جديدة تبرزها الحقيقة بأن ثمة ميول معينة تشتق من اللاشعور. 


وكما ذكرناء يبدو أنه يوجد عدد هائل من الأداءات الناشئة من الميول أو 
الإيحاءات اللاشعوريةء التي لم تمارس بطريقة آلية. قد يحدث أن Lax s‏ 
يخفق في ممارسة الأداء الذي كُلّف بممارسته بسبب الميل إلى احترام ما 
هو متفق عليه من آداب وعرف. ومع ذلك 438 يح دث» بين الفينة والأخرى. 
تصالح ويصافح المريض بيساطة يدي شخص معين طلب منه أن يصافحه . 
ولكنه قد يبدو في بعض الحالات كحقيقة كما لو أن أداءات معينة - خاصة 
تلك التي مورست كنتيجة لإيحاء ما بعد التنويم 7 يمكن أن تمارس بالفعل 
شأنها في ذلك شأن الكثير من ردود الأفعال الآلية. ويصدق هذا خاصة على 

















e La. —‏ النفس الإتسسائي سم 


حالات هستيرية معينة وصفها «بيير جانيه» وصفا شيقاً. 


يدلل «جانيه» أن ممارسة الفعل أو الأداء الإراديء بالنسية لبعض iue M‏ 
بطب Tage‏ كبسر يكير سن gl Jaa‏ الأداء ارط بإظافة إيجاء Le‏ بعد 
التنويم. OL San‏ يدلل على أن إحدى المريضات اللائى يعانين من فقدان الإرادة 
(abulia)‏ في ممارسة عمل معين طلب منها القيام ia‏ قد مارست نفس العمل 
بدون أي مجهود كنتيجة للإيحاء اللاشعوري. وبعد تنويم هذه المريضة قال لها 
«جانيه»: «حينما أدق على المنضدة: خذي هذه القبعة وعلقيها على شماعة» 


ويقرر: 


وأيقظتها. وبعد فترة وجيزة استدعيتهاء كما لو أريد منها أن تفعل شيئا 
لي:«هل تتذكري أن عليك أخذ هذه القبعة؟ إنها تقف في طريقي حينما 
أكتب. علقيها على الشماعة: هل لك أن تقومي بذلك؟» . وأجابت: Valor‏ 
سوف أفعل ذلك». وحاولت أن تنهضء وحركت نفسها ومدت ذراعيهاء لكن 
حركاتها لم تكن متسقة, ولذا جلست» ثم وقفت مرة أخرى. استغرق هذا 
زهاء عشرين دقيقة» ثم ej‏ على المنضدة: فنهضت للتوء وأمسكت بالقبعة. 
وعلقتها ومضت وجلست مرة أخرى. لقد تم الأداء بواسطة الإيحاء في لحظة 
à Lua‏ فلم تكن قادرة على القيام به بواسطة جهد الإرادة في غضون عشرين 


دقيقة + 


في حالات من هذا النوع يعمل الإيحاء بطريقة أشبه بقوة الحفز ويؤدى 
مباشرة إلى الأداء بدون أي تدخل من جانب الفرد . 


ولا يرتبط بهذا النوع من السلوك اللاشعورى بأية مشكلات خاصة: فتلك 
الأمثلة يمكن تصنيفها مع الأفعال الآلية العادية. 


والخلاصة: بالنسبة لهذه القضيةء يتوقف كل شيء على «التوازن النفسى» 
(psychic equilibrium)‏ للشخص المعني. وحينما تعوزه الإرادة تماماً - أي 
حينما لا تظهر «القوى» النفسية على المستوى الإرادي = فإن الدينامية الناشئة 
من النظام اللاشعوري تنساب بطريقة آلية أو اندفاعية في السلوك. ولكن. 





الفصل —e ts‏ سس سس 8 — 


حينما يكون الفرد متوازنا على نحو سوي ويتمتع بالقوى النفسية السوية: لا 
يكون للميل الناشيّ من الإيحاء أي تأثير على السلوك مغاير عن ميول الإنسان 
الأخرى التي LAD‏ سواء من العوامل البيوكيميائية أو الفسيولوجية أو حتى في 
النهاية من القوى الكونية. 





ty) النفس‎ e ۽‎ — 


إن نمو الشخصية كش كل من أشكال التعلم هو نتاج للنشاط الذاتي. 
وقد يخلق الأشخاص الآخرون المعنيون في الحيز الحياتي للفرد شروطا 
ملائمة أو غير ملائمة للتعلم» ولكن الفرد وحده هو الذي يستطيع أن 
يشكل الصورة والتعبير عن «أغوار (innermost self) iat!‏ التي نسميها 
بالشخصية. وهو. في عملية اتخاذ الاختيارات الهامةء إما أن يغير نفسه 
إلى نوع الشخص الذي ينشد أن يكون عليه أو يمهد الطريق إلى نماذج 
أقل وعياً للسلوك. ويتضمن كلا البديلين بعض «المسئولية النفسية» U‏ هو 
عليه الآنء Ly‏ قد يصير عليه بتأثير الجهد الشخصي وفاعلية الذات. 


الفصل الثاني .1ل _الش | Y‏ — 
(۷)الاختياروامستولية 
في العلاج النفسي الاإنساني“ 
(جامعة أوكلاهوما) 

في الممارسة الإكلينيكية يستخدم معظم المعالجين النفسيين مفهوم 

الاختيار الحر والمسئولية الشخصية؛ ومن المتوقع لذلك أن يقوم المريضء ما 

لم يكن ذهانياً وتحت العلاج في مؤسسة ماء باختياراته وقراراته؛ وأن يكون 

مسئولاً عن سلوكه الظاهري. بل إن فرويد )£5 (Y‏ بالرغم من كونه مناصراً 

جامداً للحتمية في النظرية: يتكلم عن الممارسة العلاجية كمحاولة «لإعطاء 

المريض حرية الأنا لاختيار طريق معين أو آخر». ولذاء فقد استخدم فرويد 

ضمناً مفهوم المسئولية الشخصية OY‏ الفرد يعتبر مسئولاً عن نتائج اختياراته. 

وبالرغم من هذا الاستخدام لمفهوم المسئولية الشخصية في الممارسة العلاجية. 

فإن النظريات العلمية في الشخصية والعلاج النفسي تستند إلى الحتمية 
النفسية. 


فالتحليل النفسيء على سبيل المثالء نظرية حتمية بشكل صارم من حيث 
Cgil‏ تفترض أن السلوك خاضع لقوانين وأسباب محددة. وهنا يُفترض أن 
الأداءات والخبرات المحددةء وكذلك السلوك بصفة ale‏ ترتبط Lhe‏ بالشروط 
السابقةء وبالتالى تكون النظرة إلى الإنسان التي LS‏ من تلك النظرية آلية 
بالضرورة, لأنه يعتبر كمخلوق يستجيب باستمرار إلى الحاضر والمستقبل في 
ضوء المحددات التاريخيةء وتسوقه بطريقة جامدة كثرة من الحوافز والدوافع 
والبواعث من الداخلء وارتباطاً بالمتطلبات الضاغطة للواقع من الخارج. وتعد 
الخبرة والسلوك الانسانيان توافقات ونواتج لأسباب متضاربة ومرتبطة ببعضها 
بطريقة مركبة. ولكن هذه الصورة للإنسان تقترب من النموذج العلمي لأن 
السلوك سببي ويمكن التنبؤٌ به إلى الحد الذي يمكن des‏ معرفة كل المحددات 
وأهميتها النسبية. وفي نظام كهذا لا توجد aye‏ ولا تلقائيةء ولا Bam‏ ولا 
M. K. Temerlin: On choice and responsibility in a humanistitic psychotherapy. J.‏ )1( 

humanistic psychol., 1963, 3 (1) 35-48. 





— وي طم التقى qi)‏ — 
تفرداً T‏ عدا «الظواهر 3554 (Epiphenomena) «à‏ - أي كنواتج لمحددات 
السلوك. 


Ja zs‏ على سبيل SLAM‏ ما يقرره «نايت» (Knight)‏ عن الحرية 
والحتمية: في تفحصه للتناقض بين الخبرة الإنسانية العامة للحرية في 
الاختيار ومفهوم الحتمية النفسية: يعتبر الحتمية وحرية الإرادة مناقضتين 
أحدهما للآخر. وهو يبدو بذلك غير قادر على تجنب المنهج التصورى للعلوم 
الطبيعية أو على تطويع تلك الطرق لكي يتوصل إلى المعنى وحتى إلى الطبيعة 
المتناقضة للبيانات الظاهرية (الفينومينولوجية): ويصل بإخلاص إلى نتيجة 
لصالح الحتمية كمبدأ مسيطر يحكم السلوك الإنساني. فالحرية التي يخبرها 
الإنسان للقيام باختيارات - كما يقول نايت 7 «ليس لها ما تفعله Slim‏ حرية 
الإرادة كمبدأ يحكم السلوك الإنسانىء لكنها خبرة ذاتية هي نفسها محتومة 
el gle‏ وهذه النتيجة: بأن خبرة حرية الاختيار e$‏ محتوم Lie‏ قد لقيت 
تقريبا قبولاً بين علماء التحليل النفسيء كما تعتبر هي الفكرة السائدة لدى 
كل المعالجين النفسيين الذين تدريوا وفقا للتقليد السلوكي أو الوضعي. لكن 
هذا الموقف متناقض مع بيانات وطرق وأهداف العلاج النفسي الإنساني: فهو 
غير متسق مع بيانات ذلك العلاج النفسي لأن معظم الناس تفصع باللفظ عن 
خبرة الاختيار الحر على الأقل بمعان كثيرة؛ ومتناقض مع طرق العلاج النفسي 
الإنساني o3‏ الممارسة العلاجية تفترض ضمنا أن المريض يعتبرء أو يمكن أن 
يصيرء الطرف الفعال في إنتقاء وضبط- أي في «اختيار» = سلوكه الظاهريء 
كما أنه غير متسق مع أهداف ذلك العلاج النفسى لأن هذه الأهداف غالبا ما 
تتحدد على أنها الحرية في اختيار وإنتقاء وضبط سلوكه ذاته بفاعلية وكفاية, 


هدفناء (o3‏ هو تفحص الخبرة كما يجري التعبير عنها في العلاج النفسي 
الإنساني بدون ما تسليم قيلي إلى الحتمية أو إلى حرية الإرادة؛ والتحقق من 
الحد الذي تكون معه الحتمية وحرية الإرادة مفاهيم وصفية للخبرة كما يعبر 
عنها لفظا في العلاج النفسي؛ وملاحظة الظروف التي تحدث فيها خبرة 
الحتمية والاختيار بالنسبة للأنواع المختلفة من الناس» بدون ما اعتبار لما 
إذا كانت هذه الخبرات» في الواقعء حرة أو محتومة. وحينما نستكمل تناولنا 




















— y tty الفصل‎ 


في هذا الشأن عن حرية الإرادة والحتمية في العلاج النفسيء نناقش ثلاث 
مفاهيم أساسية بالنسبة للعلاج النفسي. وهي: التداعي والإزاحة وكراهية 
الذات - في ضوء الاختيار والمسئولية الشخصيتين. لكن من الضروريء أولاً أن 
نحدد bath go Le‏ النفسي الإنسانيء «(Humanistic psychotherapy)‏ 


العلاج النفسي الإنساني هو ذلك النوع من العلاج النفسي الذي يتبدى في 
كتابات ما سلوء وماي» وروجزء وفروم» وهوايت ومالون: وكولم: وآخرين كثيرين. 
وبالرغم مما يوجد من اختلافات في النظريات العلاجية لهؤلاء العلماءء فإن 
تصوراتهم تحمل ميلاً عاماً نحو الإقلال من تأكيد تلك التشبيهات الطبية مثل 
اختزال الأعراض أو الشفاء أو «التوافق». يتمثل الهدف الأولي للعلاج النفسي 
الإنساني أساسا في مساعد الفرد أن يصير«أفضل صورة ممكنة لذاته» best)‏ 
(possible version of himself‏ ككائن حي إنساني؛ كما تتحدد أساسا بقيمه 
ومطامحه وحدوده. إن جُل الاهتمام إذن هو بالفردية المتزايدة؛ أي Ob‏ يكون الفرد 
كذاته. يعني ذلك أن الإطار المرجعي ليس معيارياً normative‏ ولا إحصائياء o3‏ 
«الإنسان المتوسط» average man‏ يبدو ليس في حالة من الرضا أو الكمال أو 
aus Cay‏ ولا في سلام مع نفسه. وإنما تتحدد الأهداف بما ينبغي أن يصير 
عليه إنسان معين في ظل الظروف الأمثل بالنسبة له. 


تقدم التوجهات الرئيسة للعلاج النفسي الإنساني قيما عليا تركز على أن 
الإنسان» من الناحيةالمثالية»: ينبغي» أن يكون حرأ في تنظيم وضبط سلوكه 
الذاتي؛ وأن الإنسان «ينبغي» أن يكون في سلام مع نفسه ومع أخيه الإنسان بقدر 
الإمكان؛ وأنه «ينبغي» أن يسعد بحياته i‏ وأن سروره ورضاه أفضل من المعاناة: وأن 
تفرديته وفرديته وتلقائيته أفضل من التقنين Standardization‏ أو المكننة أو 
الآلية mechanization‏ الإنسانيتين. 


هذه الآفاق الإنسانية الإيجابية للعلاج النفسي تكون موجهة بالطريقة 
الظاهرية (فينومينولوجيا). لأنه يتقبل الخبرة المباشرة للمريض كبيانات 
أساسية: وبنظرة عابرة فقط إلى تطابق الخبرة مع الأحداث الخارجية. 
ويعتبر الخبرة ذاتها حقيقية على أساس ما لها من آثار على السلوك. سواء 
تتفق الخبرة أم لا تتفق مع الواقع الخارجي. وفي النهايةء يولي هذا العلاج 

















٩ -—‏ طم التقس الإنساني 


قيمة «للمقدرة على الخبرة» (Capacity for experience)‏ ويسعى إلى تمكين 
الشخص من تحمل وتنمية الخبرة. 


بتقديم هذا الإطارء ولكى نرى كيف أن الشعور بحرية الاختيار $33 
محتوم Like‏ فإننا مطالبون ob‏ نطرح بشأن البيانات المجتمعة افتراضاً وهو 
وإن كان ضرورياً في العلوم الطبيعيةء إلا أنه ببساطة لا يصف غالبية الخبرة 
المتواترة في عملية العلاج النفسي. فلا المريض ولا المعالج: على سبيل المثال» 
يشعر أنه مقيد بصرامة بالقوى الحتمية التي تتجاوز رغبته أو ضبطه. وإذا 
كان الأمر كذلك لن يكون هناك موضعا للجهد العلاجي. فالحتمية لا تسهم 
بشيء في فهم خبرة الحرية أو حتى الخبرة: وإنما تصفها ببساطة على أنها 
وَهّم. ولا تعترف الحتمية الجامدة كذلك ob‏ خبرة الاختيار غالباً ما يتبعها 
تغيرات في السلوك. وما قد يذهب إليه البعض من إقلال لقيمتها Lil‏ «وَهُم 
«o Las Yl‏ قد يكون أحد الخبرات الأكثر أهمية في العلاج النفسي من حيث 
التغيرات الهامة السابقة في السلوك الظاهري. وقد يؤدى أيضاً التمسك 
الصارم بالحتمية من جانب المعالج إلى وضع حد قبلي لتقدم الشخص طالب 
العلاج تقيداً بإصدار الأحكام القبليةء وبالتالي الإقلال من مقدرته على تنظيم 
وضبط وانتقاء استجابته ذاتها . 


وإذا تقبل المعالج إمكانية الاختيار الحر والمسئولية الذاتية على الأقل 
بمعان معينة: فإنه يظل متسقا مع بيانات الخبرة كما يتم التعبير عنها في 
العلاج؛ وكذلك مع مقتضيات الممارسة العلاجية في معظمها . وبالرغم من 
أن الاعتبارات النظرية قليلةء فإن المعالجين يقومون بالممارسة كما لو أنهم 
يقومون بتطبيق حتمية مطلقة. فالحتمية ترى المريض كضحية عاجزة لقضاء 
الماضي أو الحاضر أو المستقبلء وفي المقابل يؤكد المعالج النفسي الفعال 
بطريقة برنامجية على إمكانات المريض في تنظيم وضبط سلوكه الذاتي في 
الحاضر والممستقبل؛ بغير اكتراث بالماضي. حقيقةء قد تعتبر الحرية والمسئولية 
في العلاج الإنساني Lal a}‏ برنامجياً programmatic assumption‏ يتشابه 
مع الافتراض البرنامجي لاحتمية المتعلقة بالعلم. فالعلاج النفسي القائم على 
الحتمية بطريقة صارمة يؤول إلى المخاطرة بتوريط كل من المعالج والمريض 
ي البحث عن الأسباب العاملة في ماضي الشخص؛ ولذلك فمن المحتمل 





3 














الفصل الثاني ما ۹۷ 


تماما أن AIL‏ في التأكيد على المحددات الماضية قد تكون لها نتيجتان 
متضادتان للعلاج: أولاً. قد ac aad‏ العلاج النفسي خبرة انفعالية دينامية في 
الحاضر ويحولها إلى تأمل ذهني سابي للماضي؛ La‏ قد تؤدي المبالغة في 
التاكيد على الأسباب العاملة في الماضي إلى تبديد مقدرات المريض على 
تنظيم وضبط سلوكه الذاتي في الحاضر (مازر Mazer‏ « 8( 


ثمة شك ضثيل هكذا بأن الحتمية مفيدة في العلم. فبدونها تكون إمكانية 
التنبؤ محدودة: وبدون إمكانية التنبؤٌ لا يتوفر الضبط. حقيقة: توجد مجالات 
في العلاج النفسي تكون فيها الحتمية فكرة مفيدة لنفس السبب. فرويد» على 
سبيل LAM‏ كان مسوقاً بالحتمية لكي يتناول الأحداث البينش خصية 2/353 
اللسان ورمزية الأحلام على أنها مدفوعة إجباراً (محتومة). ولذا تكون ذات 
معنى من خلال التفسير العنَّي. فالإش كالية هنا لا تتعلق بالحتمية كافتراض 
برنامجي i dall‏ ولكن بالتسليم الكلي للحتمية من جانب المعالج. فأهداف 
العلاج النفسي الإنسانيء خلافاً للأهداف العلميةء لا تتمثل في إمكانية التنبؤ 
ولا في الضبط. قفي الحقيقة:؛ بقدر ما يكون العلاج النفسى أكثر نجاحاً: 
يكون أقل تنبواً Les‏ يصير عليه الفرد» GY‏ جموده يتضاءلء وتلقائيته وإبداعيته 
تتزايدان. 


وعلى هذا النحوء بقدر ما يكون العلاج النفسى الفعال Lem ga‏ نحو التغير 
الإنساني؛ يصير الفرد أكثر استقلالية عن الضبط الخارجى والبييء (ماسلوء 
(Y‏ كذلك» قد يفشل المعالج الذي يسلم تماما بالحتمية في ملاحظة الشروط 
التي تحدث في ضوئها خبرة الاختيارء والتفيرات في السلوك التي تتبع هذه 
الخبرة. وقد يخفق أيضاً في أن يرى التطلع الإيجابي لاتخاذ المسئولية الذي 
يحدث في الكثير من التفاعل الإنسانيء وخاصة في الفترة العلاجية. 


المسئولية الشخصية كخبرة ذاتية: 
تشير المسئولية الشخصية. كخبرة ذاتية أكثر منها كمفهوم قانوني أو 


معنوي» إلى حالة من الوعي يعتبر فيها الفرد نفسه مسئولاً عن أفعاله .وعادة ما 
يَخْبّر الفرد السلوكء الذي يعتبر نفسه مسكولاً عنه. كتعبير عن ذاته ورغباته؛ 

















— شا د طم التقس الإنسسائي‎ ٩۸ 


وهو يرى نفسه على أنه العضو الفعال في سلوكه. وخلافاً للحتمية التي قد 
Lats‏ الفرد على أنها قسر وإجبار على السلوك بطريقة معينةء تعني خبرة 
المسئولية الشخصية أن الفردء في الماضيء قد شعر بنفسه حرا في أن يفعل 
ما يعتبر نفسه الآن مسئولاً عنه. وعلى العكس» حينما SA‏ الفرد سلوكه على 
أنه نتيجة محتومة Lle‏ بقوى أبعد من رغبته أو سيطرته الشخصية:؛ فإنه عادة 
pias Le‏ شه Mat oua‏ لهذا ضفر العلاقة بين السكوليةالشتخصية وخيرة 
الاختيار الحر علاقة وثيقة : فبدون ما شعور قبلي بالحرية في الاختيار بين 
البديلات,. لا يرى الفرد نفسه على أنه مسئول. 


يبدو الإحساس بالمسئولية الشخصية؛ إذن؛ أنه يتبع خبرة الاختيار الحر. 
والنتيجة تطرح السؤال التالي: أي الخبرات تسبق الشعور بالاختيار الحر؟ على 
مستوى الخبرة. يتوقف الاختيار على خبرة الفرد بذاتهء أو بهويته الشخصية. 
فالاختيار يتضمن هويةء إحساسا بالذات أو ب «أنا»- شخصاً يختار في ضوء 
أفكاره أو رغباته ذاتها. فالاختيار يستلزم الشخص المختار. ويتدعم الوجود 
الحقيقي للذات في الخبرة أساسا بواسطة اختياراتها . وعادة ما يتحدد الإنسان» 
من الناحية التشخيصية: إما بواسطة اختياراته أو بالطرق التي يس تخدمها 
لتجنب اتخاذ اختيارات. فمثلاً. الإنسان الذي يختار أن يكتنز الفائض من ماله 






بدلا من إنفاقه؛ أن يتزوج امرأة عاملة بدلاً من ربة بيت» أن يدرس القانون 
بدلاً من الهندسة, أن يمكث في المنزل في صباح يوم العطلة الأسبوعية بدلاً 
من الذهاب إلى نزهة مع أسرته؛ إنما يتحدد ذلك بطريقة مختلفة تماما عن 
جاره الذى يختار المسار العكسي من الاختيار. وإذا وضعنا في الاعتبار الحالة 
المضادة: يفقد الإنسان الذي تعوزه الخبرة بكونه قادراً على الاختيارء كما هو 
الحال في الذهان: Lbs‏ كبيراً من إمكانيته على التفرد . فالقضية هكذا أن 
خبرة الاختيارتتطلب إحساسا بالذات؛وأن ممارسة LOS YI‏ بطريقة متناوبة» 
توكيد للذاتية والتفردية. «فالإنسان - كما يقرر «تيلليش» Y — (Tillich)‏ يكون 
أبداً أكثر إنسانية في أية لحظة مما هو في لحظة القرار». 


Lal‏ الاختيار الذي لا يكون تعبيراً عن قيم الذات ورغباتهاء مثل «الاختيار» 


المفروض على الفرد من الظروف الخارجيةء فهو ليس في الواقع اختياراًء 
طالما أنه لا y s‏ الاختيار والقرار كتفضيل حر للذات. فقد يكونء في تلك 





الفصل الثاني —— — —À 88 IM‏ 
aL‏ قراراً أو «اختياراً مفروضا» ولكنه لا EEG‏ بخبرة المسئولية الشخصية. 
وعادة ما يتجنب الفرد المسئولية عن سلوكه فى هذه السياقات عن طريق 
مناورات وآليات Rae Uns‏ مثل : «كان i le‏ أن أفعل s‏ ك؛ ولا أستطيع القيام 
بذلك الاختيار أو السلوك إلا على هذا النحو»؛ «لقد كنت أحاول فحسب أن 
أفعل الشيء السديد»؛ «أي شخص آخر كان يفعل ذلك»؛ أو «لقد جعلوني أفعل 
ذلك». 


قلق المسئولية : 


تعتبر حرية الاختيار الدليل المباشر للمسئولية, OY‏ الحياة البينش خصية 
تجعل الفرد مسئولاً عن اختياراته. وليس عادة عما هو مسوق أن يفعله 
بالإجبار. لذاء إذا كان ينزع إلى تجنب المسئوليةء فإنه في الحقيقة قد يقرر : 
«ليس لي اختيار». 


وتخلق حرية الاختيارء بالنسبة للمرضى الذين ليس لديهم إحساس واضح 
وثابت بالذات أو الذين يعانون مما يطلق عليه «إيريك إريكسون» (Erickson)‏ 
«تشتت الهوية» Lats (Identity-diffusion)‏ لأن هؤلاء الأشخاص Y‏ يستطيعون 
انتقاء نماذج بديلة للسلوك في ضوء التفضيلات الشخصية. Wied‏ حينما 
يواجه شخصء يتصف بإحساس بالذات غير مستقر وغير محدد» بمهمة 
اتخاذ قرارء فإنه عادة ما يتساءل: «ما الذي يمكن أن أفعله؟» وإذا سأله 
صديق أو والد أو معالج:«لماذا لا تفعل ما تريد أن Salus‏ تكون الإجابة Bole‏ 


: «لكني لا أعرف ما أريد». 


إن هوية المريض المندمج بعمق في علاج نفسي تكون دائماً في حالة 
من التفكك والتميع؛ وتكشف جيداً ملاحظات بحثه عن هويته عن القلق 
المرتبط باتخاذ الاختيار. وضي كل مرة يتخذ العميل إختياراً أساسياء تتأتى 
له إمكانية إثيات أو توكيد الذات ogag Self_affirmation‏ وارتقائه؛ ولكنه 
في كل مناسبة يكون من المحتمل أيضا أن تحكمه نتائج اختياراته بطريقة 
سلبية. لذا يتولد القلق لأن القلق هو خبرة الاحتمالية الحقيقية أو الظاهرية 
(الفينومينولوجية) لتدمير الذات agha) self-destruction‏ آنجلء ايلينبرجرء 











سإ ple,‏ النفس الإتسسائي سم 


.(14A0 May, Angel, Ellenberger‏ هذا القلقء المميز لخبرة معظم الناسء 
يكون أكبر كثيراً حينما يصير الفرد ذو الإحساس غير المستقر بالذات مُطالباً 
باتخاذ اختيارات شخصية. OY‏ يتوقع أن الإدراك السلبي لذاته سوف ينعكس 
على اختياراته. حقيقة. قد يشعر أن المسئولية عن سلوكهء من الناحية 
الظاهرية (فينومينولوجيا) أي كما يدركهاء قد تحطمه في الواقع. ويتضح ذلك 
من المثالين: «إذا عرفوا حقيقة ما كنت أنشده (بمعرفة اختياراتي الشخصية)» 
فإنهم سوف ينظرون GH‏ بازدراء» أو «إذا كان Gle‏ أن أفعل ما أريد حقيقة أن 
alaaf‏ فما الذي يظنونه بي5». 


لهذه الأسباب تعتبر الدفاعات الأكثر شيوعاً ضد القلق في ثقافتنا سلوكا 
يختزل اختيارات الفرد ومسئولياته الشخصية. ويتضح من الأمثلة التالية 
تلك الأنماط السلوكية: العيش في ارتباط قسري مع الأخلاقيات والمعنويات 
الخارجية؛ المسايرة العمياء؛ اعتبار كل الاحتمالات عقلانياً ولكن من دون تعبير 
عن تفضيل شخصي؛ الاحترام غير الناقد للسلطة؛ السلبيةء وغير ذلك. 


ومن وجهة النظر الفينومينولوجية هذه يمكن أن نعتبر نماذج الدفاع 
والآليات الدفاعية في النظرية الفرويدية أساليب لتجنب قلق الاختيار 
والمسئولية الشخصية؛ فإذا كان الفرد خلال الكبت» على سبيل المثال» غير ely‏ 
برغباته» فإنه لا يكون في نظره مسئولا عن نتائج «الاختيارات» التي يتخذها 
كمسايرة لتلك الرغبات. وعلى هذا النحوء إذا حبر الفرد خلال الإسقاط 
رغباته كما لو Ll‏ رغبات ga SM‏ فإنه لا يكون في نظره مسثولاً. لأنه لم 
يتخير وجهة أفعاله (لقد كانت غلطتهء وليست بغلطتي). وإذا وضع الفرد 
في الاعتبارء b Lis]‏ بالتبرير. عقلانية كل البديلات الممكنةء أو إذا كان يشك 
بطريقة وسواسية في كل شئء فإنه لا يكون مسئولاً. لأنه ليس لديه تفضيل 
شخصي. col‏ إذا كان شخص يبدى السلبية بطريقة دفاعية: فإنه في غير 
حاجة إلى أن يَخْبّر قلق الاختيار لأن الآخرون أو i afl‏ أو الوقت وغير ذلك 
من الدفاعية. سوف يجعل القرارات في صالحه. 


وعلى المستوى الوصفي للخبرات الفجة, لا تقى الدفاعات من المحتوى 
اللاشعوري كما هوء ولكن من الرصيد الشخصي لخبرات معينة. إن اعتبار 











الفصل الثاني يل يلالد Y Y‏ — 
الدفاعات كوسيلة لتجنب المسئولية بهذه الطريقة: يكون متسقا مع الناتج 
اللفظي لكثير من المرضىء وخاصة المرضى الوسواسيين أو الأقرب إلى 
الدهانية: الذين يعبرون باللفظ عن مضمون الوعي في نفس الوقت الذي 
يتجنبون فيه المسئولية لما قد قيل. يوضح هذه العملية مريض وسواسي» محاولاً 
أن يندمج في عملية تداعي حر من أول مرةء بقوله: «إن الأفكار قد تواترت 
في عقلي gill‏ لكنها لم تكن أفكاري- هل يمكن أن أفصح lgie‏ بأية طريقة5:. 
إن gl dsl‏ بصرف النظر Lee‏ يتضمنه من محتوى لفظي. إنما يحمل إشارة 
ضمنية إلى المسئولية الشخصية التي نادراً ما تتبدى صراحة في نظام حتمي. 
وحتى في حالة الكبت» حيث يكون دفاع GY‏ أكثر تأثيراً وأقل لفظية, apd)‏ 
قبلاً وجود خبرة متضمنة عن المسئولية الشخصية كدافع للكبت. فليس ثمة 
حاجة لكبت أو لتجنب الخبرات التي لا تحدد أو تعكس الخبرات أو تؤثر فيها. 
ليس الكبت قوة مجردة:؛ لكنه قرار: «إني أرفض أن أفكر فيه !». 


وباختصارء يمكن أن نعتبر الدفاعات الفرويدية ضد القلق هي حيل 
للدفاع عن الذات عن طريق خفض عدد الاختيارات الشخصية: لأنهء إذا كانت 
الاختيارات تحدد الذات» فإن الذات المُهدَّدَة قد تقوم بالتغطية أو التهرب عن 
طريق التعبير عن اللا إختيار. وهذا يعني أنه في العلاج النفسي الإنساني 
الموجه نحو كلية الشخصية تتطلب وظيفة الدفاع في تجنب المسئولية أن تحلل 
بعمق» لأنه حينما تختزل الدفاعات من المسئولية والقلق؛ يدفع الشخص 
ثمنا باهظاء وهو: اختزال الذاتية والتفردية. فتجنب المسئولية يختزل الذاتية 
والتفردية لأن خبرة المسئولية الشخصية تؤكد الوجود الحقيقي للذات. بدون 
مسئولية لا توجد ذات كهوية متكاملة وتلقائية تستطيع أن di‏ رنفسها على 
أساس ما تباشره من تأثيرات. وعلى العكس من ذلك حينما لا يستطيع الفرد 
أن يخبرٌ روابط الاختيار والمسئوليةء فإنه يشعر بنفسه (ومن المحتمل أن يسلك) 
على أنه كائن آلي (robot)‏ أو آلة ذاتية الحركة (automation)‏ يتحتم سلوكها 
سببياً ليس بواسطته هو نفسه» ولكن بالمقتضيات الموقفية. فليس للإرتهان 
للقدرمسئولية وقلقاء ولا ذاتية وتفردية. 


الحتمية والاختيارتوصيف للخبرة: 
وحيث أن مفاهيم الحتمية والاختيار الحر منطقيا تنقض إحداها الأخرى. 





—- ٣إ‏ طلم النفس الإنسسائي — 


فمن الممكن أن نلاحظ في الممارسة العلاجية النفسية أن هذه المفاهيم هي 
مفاهيم وصفية بدرجات مختافة للخبرة المميزة للأنواع المختلفة من الناس. 
وتفيد هذه المفاهيم بصفة خاصة في استخدامها كمفاهيم وصفية تفاضلية 
للخبرة المميزة للذهانيين والعصابيين: وللأشخاص الذين أتموا علاجاً Vua‏ 
ناجحاًء أو بشكل متسع كذلك للأشخاص جيدي التوظيف. 


Ley‏ يلاحظ أن الذهاني نادراً ما يتكلم كما لو كان يَخْبّر اختيار حراً. 
وإنما تصف الحتمية خبرته تماماء لأنه عادة ما يتكلم عن سلوكه كما لو كان 
يشعر أنه مفروض من أشخاص أو قوى خارج رغبته أو تحكمه. وقد تكون 
هذه المحددات» التى يعزي إليها الذهاني المسئولية عن سلوكه» إما داخلية أو 
خارجية: ولكنها تمثل في كلتا الحالتين قوى يصفها كمحددات لا يستطيع أن 
يباشر حيالها ثمة ضبط شخصي. 


فإذا سُثل الذهاني» على سبيل المثالء لماذا سلك بطريقة معينة؛ فإنه 
سوف يوضح Sale‏ صراحة أو ضمناء أن أشخاصاً أو قوى أخرى تفرض 
عليه أن يسلك على النحو الذي فعله. ونادراً. إن لم يكن أبدأًء ما يقرر: «لقد 
سلكت على هذا النحو لأني قد أردت أن أفعل ذلك!». وحتى حينما يوضح 
الذهاني سلوكه بالإشارة إلى دوافع داخليةء إنما يشير إلى دوافعه كما لو كانت 
«أجساماً غريبة» داخله. ولكن ليست بجوانب لذاته كهوية شخصية. وعلى هذا 
النحو يتجنب المسئولية بالإحالة إلى محددات داخليةء وليست باختياراته ذاتها. 
والمثال الكلاسيكى هو التقرير التالي: «يوجد شيء ما بداخليء ولا أعرف ما 
هوء يجعلنى أسلك على النحو الذي فعلته». وقد يشير هذا «الشيء المعين» 
بطبيعة الحالء إلى أصوات أو مواقف من الهوس أو الهذاء أو روح شريرةء أو 
تقمص هذائيء أو صورة والدية كامنة ولكن ليست بمتكاملة - وباختصارء 
تشير إلى أي متغير داخلي عدا الاختيار. 


والأمر كما لو أن العوامل ذاتها التي تجعل الفرد ذهانياً في المحل الأول 
تعطل أيضا قدراته على اتخاذ الاختيارء أو العكس. هذا الاختزال لقدرته 
على أن يخبر الاختيار وأن يتخذ القرار يتضح فينومينولوجي ا (bali)‏ حينما 
يُنظر إلى العوامل العلّية في العصاب الوظيفي على أنه «قلق جسيم» massive‏ 














ett الفصل‎ 

chaotic non —) كيانية مشوشة»‎ Y» أو‎ (400 .Arieti (أربيتى‎ anxiety 

Laing (لانج‎ morass of false selves ومستنقع للذوات الكاذبة‎ (entity 

+140( أو نتيجة لموقف مزدوج مظلم double — blind situation‏ (باتيسون 

وأخرين (Y501 Bsteson, et al‏ في كل هذه الحالات: يبدو من المميز للذهاني 

أنه يتجنب خبرة الاختيار؛ ومن المحتمل أن تكون مسئوليات الاختيار الشخصيء 
وهو بهذه الذاتية المتصدعة: lae‏ ينوء به كاهله. 


وعلى النقيض من حالات الاضطرابات النفسيةء فإن «الإنسان جيد 
التوظيف» (well - functioning)‏ أو المتكامل أو المتمتع بالصحة النفسية 
(على سبيل المثالء الأشخاص المحققون لذواتهم self — actualizing Persons‏ 
الذين وصفهم «ماسلو») يخبر تماما سلوكه الذاتي بدرجة فائقة كانعكاس 
لرغباته الذاتية هؤلاء الأشخاص يتخذون القرارات ويخبرون ما يريدون أن 
يفعلوه عن وعي وإرادة. وبطبيعة الحال: يكون لخبرة الاختيارء حتى مع أولئك 
الأشخاص فائقي التوظيف الجيد لإمكاناتهم وخبراتهم» حدود وجودية معينة 
مشل الزمن أو الفنائية أو طبيعة الواقع الفيزيقي؛ حيث يتواتر الشعور في 
سياقها بالحتمية. ويبدو أن الإحساس بالهوية أو الذاتية لدى أولئك الأشخاص 
كامل وواضح بدرجة كافية بحيث يسمح لهم باتخاذ الاختيارات والقرارات في 
ضوء التفضيلات الشخصية. وبأن يدركوا بوضوح مغزى الحياة وحيث يبدو 
من الوهم الشعور بالاختيار الحر. 


لهذه الأسبابء يبدو أن الحتمية أكثر ملائمة لوصف خبرة الذهاني 
من الشخص المتمتع بالصحة النفسية: لأن مثل هؤلاء الأشخاص الأسوياء 
يميلون إلى يَحْبّروا أنفسهم كعوامل فعالة في اختيار وانتقاء سلوكهم الذاتي» 
فيما عدا - بطبيعة الحال- تلك الحالات التى يحد فيها الواقع من خبرة 
الاختيار الشخصي؛ في هذه VL all‏ تُخْبَر الحتمية. ويقع العصابيون بين 
هذين النقيضين. ومع أكثر العصابيين تصدعاًء فإن أولئك الأشخاص «الأقرب» 
borderline‏ إلى الذهانية (الحالات الحدية) يخيرون سلوكهم إلى حد كبير 
على أنه نتيجة محتومة Ule‏ با للحددات ذات المصدر الخارجي. 


وعلى مستوى الظاهرية (الفينومينولوجيا)ء قد يكون من المغرى أن نعمم Obs‏ 








يإ ple‏ الققس الإنسسائي سم 


خبرة الاختيار الحر مرتبطة Lal‏ بدرجة تكامل الشخصية. فيبدو أن الشخص 
المتكامل أو السليم نفسياً والشخص الذهاني يحت لان قضبين متضادين من 
نطاق متصلء يقع في وسطه الشخص العصابي» على أساس الحد الذي يخبر 
الفرد به الاختيار الحر بطريقة متسقة. ويكشف التحقق من هذه الملاحظات 
أن المشكلة الأساسية لعلم النفس المرضي هي العجز عن اتخاذ القرارات 
والاختيارات الشخصية. وسواء تقبل معظم المعالجين الحتمية النظرية أم لاء 
فمن المحتمل أنه في غياب هذا التحقق يستجيبون بالفعل في حالة الممارسة 
كما لو أن كل اختيار شخصي محسوس يقوم به العصابي أو الذهاني يمثل 
على الأقل تحركاً في اتجاه التكامل والكلية والصحة النفسية. وعلى العكس 
من ذلك لعله من الصواب أن معظم المعالجين النفسيين الإنسانيين يعتبرون 
بديهياً أن أي قرار أو اختيار شخصي يتخذه المعالج من أجل المريض هو خطأ 
فني ومهني نتيجة للنزعات التسلطية أو النرجسية في شخصية المعالج؛ لأنها 
تحد من إمكانات المريض الكامنة على اتخاذ الاختيار. 


العصاب كمشكلة للمسئولية: 


وإذ يميل الأشخاص العصابيون والذهانيون على السواء إلى أن loe‏ 
الحتمية أكثر من الاختيارء يصير إدراكهم للظروف التي يخبرون فيها الاختيار 
مضطربا. فلا يستطيع العصابي ولا الذهاني أن يميز بوضوح بين هذه 
السياقات التي يمكن فيها أن يخبر الاختيار أو يفترض المسئولية وتلك التي 
توصف فيها الخبرة والسلوك بالحتمية الصارمة. 


ولعل هذا يدعونا إلى أن نعتبر أن جوهر العصاب لدى فرد يكمن في 
العجز عن التمييز بين الحرية الشخصية والحدود الحتمية؛ لأنه من السهل 
التحقق من الإثبات الإكلينيكى لهذه الملاحظة: فحتى الشخص العصابي الأكثر 
بصيرة: بالرغم مما قد يبدو به من عقلانية على المستوى i ball‏ فإنه من 
حيث السلوك الحقيقي لحياته يكون غير قادر على وضع تحديد واضح بين 
اختياراته ومسئولياته وتلك الجوانب من حياته البينشخصية التي لا يلتزم 
نحوها بأية مسئولية ولا يستطيع أن ييدي إزاءها أي تحكم شخصي. 




















— 348 itty) الفصل‎ 

وتبين النظرة الفاحصة إلى الصراع ات الأكثر تمييزاً للعصابية أنهاء 

على المستوى الفينومينولوجيء تتألف من محاولات - عن طريق تدريب الإرادة 

والاختيار — لتغيير مواة roe‏ أ تكون في الماضيء محكومة بحتمية 

صارمة: بينما تغفل في نفس الوقت تلك السياقات من الحياة: التي هي Bole‏ 

ما تكون في الحاضر أو المستقبلء والتى يمكن بذلك أن تتأتى فيها خبرة 
الاختيار ee‏ 1 


والأمثظة الكلاسيكية العديدة على مثل تلك tS SA)‏ أو المكابدات 
العصابيةء هي: كراهية الذات والحط من قدرها «بسبب» النبذ الوالدي؛ 
والعيش في الماضي؛ والاستمرار في كراهية الوالدين «اللذين جعلاني بهذه 
الطريقة»؛ والتمرد ضد التطابق الجنسي؛ والتسليم بطريقة وسواسية للموت؛ 
ومحاولة التحكم في أفكار وتصرفات الأشخاص الآخرين؛ وإنكار الذات في 
محاولة OY‏ يكون «حسنا» لكى يغتصب ثوابآ gh‏ يتزلف إليه الآخرون؛ وأن 
يكون «رديئأ» كمحاولة لعقاب الآخرين؛ أو لإنكار الرقة والحنان: وهي الجوانب 
الأكثر إنسانية من الذات؛ ومحاولة تغيير الماضي؛ أو الركون إلى مطامح غير 
واقعية لضبط المستقبل؛ والخوف بطريقة وسواسية من الفيضانات والزوابع 
وغير ذلك من الظاهرات الطبيعية؛ والعزوف عن التفطن لنواحي الغموض 
الفطرية في الحياة؛ وتقييد الذات قهراأً للذات على أساس «ما الذي يريده 
الناس؟» أو «كيف أبدو لهم؟». 


وبصرف النظر عن الفروق في المحتوى. تمثل كل هذه LE El‏ العصابية 
محاولات لضبط تلك الجوانب من الوجود التي ليس للفرد حيالها أية مسئولية 
شخصية» ولا يستطيع أن يبدى حيالها إختياراً أو ضبطأً. وعلاوة على ذلك 
يقضي العصابي حياته تماما منغمراً في هذه المشكلات أو في مش كلات 
مشابهة ومطموراً بهاء في نفس الوقت الذي يتخذ فيه مسئولية أقل كثيراً 
حيال ذلك الجانب الوحيد من الحياة الذي يقع بالفطرة في نطاق ضبطه 
والذى يقدم له خبرة الاختيار الحر - ألا وهوء سلوكه الذاتي في الحاضر أو 
المستقبل. وهنا يُطرح السؤال التالي: لماذا لا يتقبل العصابي عن طيب خاطر 
تلك الأشياء التي لا يستطيع أن يغيرهاء ويكرس نفسه في المقابل لتغيير تلك 
الجوانب ANGI‏ من حياته والتي يمكن أن تتغير؛ ولماذا لا يسعى إلى تنمية 





























سإ ادبم د طلم النفس الإنساني 


الحكمة - من خلال الخبرة لمعرفة الاختلاف S‏ والجواب غالياً: أن الاستمرار 
فى السلوك بأساليب عصابية وسيئة التوافق هو أقل تهديداً من خبرة قلق 
المسئولية الذى سبق أن وصنفاه. فأن يخبر الفرد ذاته فحسب - كعضو فعال 
في سلوكه. إنما يفرض عب المسئولية والتفردء وذلك مما يجده العصابي 


عبتا غامراً Sus‏ 


التداعي الحر: 


يُعتبر عجز العصابي عن تمييز حدوده الحتمية عن المواقف التي يمكن 
أن تتأتى فيها خبرة الاختيار هو أحد الأسباب المسئولة عن عدم قدرته على 
التداعي الحر في بداية العلاج النفسي. ولقد كان فرويد أول من لاحظ أنه 
لا يوجد مريض يستطيع أن يتداعى في بداية العلاج» حتى ولو توفرت له 
دافعية مرتفعة لأن يقوم بذلك وكان على معرفة بأن نجاح علاجه النفسي 
يتوقف على هذا التداعى الحر. وهذه الملاحظة قد أقرها الكثير من المعالجين 
بعد فرويد» ولقيت تأييداً Bao‏ التجريبية, فهي تُعرَّى إلى رضوخ الفرد 
لخبرته الذاتية. فالعصابى غير قادر على التداعي الحر في بداية العلاج 
لأنه يفترض أنه مسئول عما يفكر فيه ويشعر به» ويتذكره. وحينما يحاول 
أن يتداعى لا يستطيع تمييز ساوكه الظاهريء الذي يتطلب القانون والمجتمع 
والمقتضيات العملية للحياة منه أن يكون مسئولاً حياله. عن خبرته الداخلية 
والتعبير اللفظي عنهاء والتى لا يكون صراحة مسئولاً عنها. وحتى حينما لا 
يكون مسئولاً صراحة عن خبرته أو التعبير عنها لفظاً في وقت العلاج إلا 
أن المريض يفترض أنه مسئولء كما يتضح من هذه العينات من المحاولات 
المبدئية للتداعي الحر:«ما أفكر فيه حقير للغاية (أو محير. مربك» إلى غير 
ذلك) بحيث لا أستطيع أن أفصح عنه» «أنا خائف من أن أفقد السيطرة 
على أفكاري» «لا أستطيع أن أتكلم عن ذلك فقد تظن أني أحمق» «إذا 
ركت وشأني وأفصحت عن كل شيء: ماذا عساي أن أفعل 5؛ أو المريض الذي 
يستطيع أن يتداعى فحسب بعد التوكيد الصريح: «أنت تضع هذه الأفكار في 
عقلي». بقول ST‏ ليس ثمة حاجة لتجنب التداعي الحر بواسطة التحكم في 
أفكار الفرد ومشاعره ما لم يشعر أنه مسئول عنهاء أو عن عواقيها. 














Netty الفصل‎ 

Ulla‏ أن العصابى يعتبر نفسه مسئولاً عن حياته الداخليةء فإنه لا يستطيع 

أن يتداعى حتى ولو لم يحتاج» من وجهة نظر المعالج» إلى أن يتخذ مسئولية- 

Lui‏ كانت - نحو خبرته الذاتية. إن الخبرة داخلية وخاصةء أما الخبّرية (أن 

نعيش الخبرة) experiencing‏ فهي Lhe‏ فطرى كجزء من Anbau‏ وعلاوة 

على ALIS‏ ينطوي التعبير الحر عن الخبرة على قيمة علاجية إيجابية ذات 

أهمية خاصة. ومع ذلك فإن ما يميز العصابي أنه يرى نفسه على أنه مسئول 

ضمناً عن خبرته بينما ينهض بمسئولية أقل بكثير إزاء سلوكه. حقيقةء وكما 

ذكرنا من قبلء كثيراً ما يبر العصابى سلوكه كما لو كان «محتوما» بظروف 
خارجية أو بسلوك والديه أو بمقتضيات موقفية. 


فالتداعي الحر يتأتى فحسب بعدما يقوم الشخص باختبار واستكمال 
المعرضة بأنه ليس بمسئول عن خبرته أو عن تعبيره اللفظي عنها في اللحظة 
العلاجية؛ أي يكون ممكنا فقط بعدما يكتشف أنه. من خلال علاقته بمعالجهء 
قد يخفف من دفاعاته (وهذا يعنى توقفه عن توقع المسئولية الشخصية). 
وبهذاء يكون التداعي الحر ممكنا فحسب حينما يستسلم الفرد إلى حتمية 
تسمح لأفكاره ومشاعره وذكرياته بأن تنساب بحرية وبلا حواجز إلى وعي 
وإفصاح لفظي. أي حينما يكون الفرد غير مسئول. s y‏ يصل الشخص إلى 
هذه النقطةء لا يستطيع أن يبدأ بعزل خبرته الداخلية: التي يكون بغير مسئول 
عنهاء وسلوكه الظاهر الذى يكون مسئولاً عنه؛ ويعترف بأنه كشخص يتوسط 
بين الخبرة والسلوك الظاهريء وبأنه قد ينتقي أي الأفكار ينصاع لها وأيها لا 
يعمل بوحيها . وتمثل هذه نقطة حرجة في العملية العلاجية لأن الفرد ينبغي 
أن يَخْبَر عمليات من التنظيم والضيط مما يكون مسئولاً عن سلوكه الظاهري 
من أجل حياة بينش خصية فعالة. لكنه لا يحتاج إلى ضبط أفكاره ومشاعره 
الخاصة: أو تقبل أية مسئولية نحو خبرته بدون أن يدفع ثمناً في الطاقة 
المفقودة والدفاعية المتزايدة. وحينما يستطيع الشخص موضوع العلاج تقدير 
هذه التمييزات» فقد يتعلم إذن أن يختار بين مسارات بديلة للأداء واضعاً 
في الاعتبار كلاً من رغباته الشخصية ونتائج سلوكه الظاهري في الواقع . 
وهكذا ينمو الأناء سواء وفقا للتصور الفرويدي عن المقدرة على تنظيم العالم 
الداخلي في ضوء الحقائق الخارجية, أو 8 L‏ للتصور الوجودي عن ABIL‏ 

















—— طلم التقس الإنسسائي‎ ee 
. الذات: كما ذكرناء تتدعم وتقوى بواسطة اختياراتها‎ GY - والتفردية‎ 
الإزاحة:‎ 


غالباً ما تكون الإزاحة Transference‏ محاولة لخفض المسئوليات 
الشخصية حينما يواجه الفرد بقلق وغموض العلاج. وتنطوى الإزاحة» سواء 
إيجابياً al‏ سلبياًء على انتقالة ضمنية للمسئولية من الشخص طالب العلاج 
إلى المعالج. وإذا Lai‏ المعالج بآنه كشخص والد عليم وقديرء والمريض Jabs‏ 
فإن المريض ينقل المسئولية ولسان حاله يقول: «أنت هكذا قوى iSo‏ بينما 
Li‏ ضعيف وطفلي وعاجز» . وغالباً ما يُتبع هذا الاتجاه دائماً بالتواصل 
الضمني:«لذاء أخبرني بماذا أفعلء أو إفعل هذا من أجلي». مثال آخر لهذا 
الاتجاه الانتقالة الضمنية للمسئولية التي تنطوى عليها الإزاحة أو النقل:«أنت 
تبعث على العجب» Dig‏ أحبك» وهو اتجاه عادة ما يكون قناعاً للشعور: Mlle,‏ 
أني أحبك. فلا أحتاج إلى أن أكشف عن نفسي أكثر, أو أتخذ قرارات: أو أن 
أكون مستقلاًء أو أن أقف على قدميء لأنك سوف oi‏ بيّ». وعلى العكس 
من ذلك. عادة ما يكون للإزاحة السلبية أصلها في التقرير الضمني: «إنها 
غلطتك كلها»» الذي يختزل حرفياً المسئولية الشخصية بواسطة تعيين الأسباب 
المسئولة عن سلوك المريض في المعالج. 


وقد يكون الاتجاه العام لدى بعض المرضى كالتالي: «إنك لا تحبني» أو 
«ليس هناك من شخص يجبني». وقد يكون لهذه الاتجاهات المتضمنة في 
الإزاحة وظيفة مشابهة: لأنها تنطوي على المعنى:«ما أفعله (أو Y‏ أفعله) قد 
تحقق لأنك لا تحبني». لذاء تمثل الإزاحة انتقالة من خبرة الاختيار وافتراض 
المسئولية إلى وضع حتمي يخبر فيه الفرد سلوكه على أنه «مُتسبب» عن 
شخصية أو سلوك المعالج. وهناك مثات المقالات التي تصف السلوك السلبي 
أو الإتكالي أو الإذعاني في العلاج التفسي» وهي تتفق عامة على أن هذه 
النماذج السلوكية تمثل محاولة للهرب من قلق الاختيار والمسئولية: لأنه إذا 
كان الفرد Lars‏ أو Latest‏ أو إذعانياء تتزايد احتمالية أن يضطلع المعالج أو 
شخص مهم آخر (أو على الأقل يشارك) عن المريض بمسئولية اتخاذ القرارات 
الحاسمة. 

















الفصل tty‏ للك 

وقد تكون الحتمية Le‏ لكنها يمكن أن تكون إعادة تأكيد حينما يواجه 

الفرد بش كوك القرار والاختيار والمسئولية. إلا أن المعالج إذا «خُدع» باتخاذ 

تلك المسئوليةء فإن ذلك يعد خطا مهنياً جسيماء لأنه يدعم النموذج الطفلي 

ويعطل التقدم في اتجاه اضطلاع المريض بقدر متزايد باستمرار من المسئولية 
حيال نفسه. 


وقد يفيد العلاج النفسي الإنسانيء الذي يُكّرس للذاتية أو التفردية المنبثقة 
لدى الشخصء من التفاعل الذى يتعرف فيه المعالج والمريض بطريقة متبادلة 
على هذه الانتقالات في المسئولية. وينبغي أن يتجنب المعالج. من خلال التصور 
الحاذق لحدود الأنا لديهء اتخاذ المسئولية المتضمنة عن المريض. ولكن بدلاً من 
LSS‏ ينبغي أن يحدد البديلات التي أمام المريض: لكي يزيد من مقدرته على 
اتخاذ قراراته واختياراته. وبالرغم من أن هذا قد يخلق قلقاً. فمن المحتمل 
ألا يستطيع الفرد في العلاج النفسي أن ينمو بدون تدريب لمقدرته على اتخاذ 
الاختيار؛ ولا يستطيع الأنا أن يتقوى بدون القرار والاختيار. وكحقيقة مقررة, إذا 
لم يتخذ المريض الاختيار الأساسي بأنه يريد علاجا نفسيا ويقرر بأن يكرس 
كل إمكاناته للجهد العلاجيء يكون التغير الشخصي محدوداً . ومن المحتمل أن 
تنبع الصعوبة الأكبر في علاج الشخص الذهاني من الحقيقة بأن ذاته متشعبة 


ومتجزئة للغاية بحيث لا يستطيع الاضطلاع بهذا الاختيار الأساسي. 
ففي العلاج» يمكن أن تنمو الشخصية مع ممارسة الاختيار وخبرة 


المسئولية OY‏ هذه الخبرات تسمح للفرد بأن يلاحظ نتائج اختياراته؛ وبهذاء 
يمكن أن يفيد المريض من فشله وأخطائه. وكذلك من نجاحاته؛ إذا كان في 
نظره مسئولاً عن السلوك الذي كان «خطاً». لكن الفرد يمكن أن يجني ALAN‏ 
فحسب من أخطائه إذا «كانت كلها غلطتك». فالأنا ugg Bis‏ ليس بالإذعان 
لاحتمية والسلبية أو بالاستعباد «لسيديها العاتيين»؛ ولكن من خلال ممارسة 
الاختيار. ومن خلال ملاحظات تأثيرات اختياراتها وقراراتها في الواقع. 


كراهية الذات: 


يرتبط ميل الشخص العصابي إلى الإقلال من ذاته أو حتى إلى كراهيتها 








eee —‏ م عم النفس y)‏ — — 


إرتباطاً Lady‏ بعجزه عن تمييز حرياته واختياراته ومسئولياته عن مجالات 
حياته التي تكون محكومة بحتمية صارمة. وتظل كراهية العصابي لذاته لفترة 
طويلة بعد أن يكون قد ترك السياق الأسري الذى ولد هذه الكراهية. وربما 
يمكن فهم التأثيرات الوظيفية لكراهية الذات المستمرة عن طريق ملاحظة 
اختزال المسئولية التي تصحبها. وإذ يتخذ العصابي اتجاهات سلبية نحو 
نفسه. فإن لسان حاله يقول ضمناً: «أنا لست lale‏ إني أكره نفسى - لذلك. 
لا تتوقع مني أن Godt‏ أو أن أكون منتجاء أو مستقلاًء أو أن أسلك على ذ 
ناضج أو مسئول». بقول ST‏ قد تستمر الهوية سلبية التقدير كدفاع ضد 
المسئولية الشخصية في الحاضر. 


وبالنسبة لكثير من العصابيين في سياق خبرة العلاج النفسيء يمكن 
خفض كراهية الذات على نحو أفضل عن طريق المواجهة المتكررة بأن لديه 
«الآن» مسئولية فعلية عن كراهيته لذاته. ويبدو أنه حينما يستطيع العصابي 
أن يرى أنه في الوقت الحاضر يسلك بطريقة تجعل من الصعب عليه أن 
يحب نفسه» فإنه يستطيع بالتالي أن يقلل من كراهيته لذاته. وذلك باختياره 
أن يسلك بطرق تسمح له أن يحب نفسه. حيث تتحدد بالطبع الأفعال المتعلقة 
بقيمه الذاتية. وعلى هذا النحو. يمكن تصور كراهية الذات لدى الشخص 
الراشد العصابي كنوع من «الاختيار» الضمنيء القائم بذاته. وطالما يكون قادرا 
على تقبل قدر أكبر من المسئولية نحو سلوكه الذاتي؛ أي على اعتباره لنفسه 
كعامل فعال في سلوكه الذاتي» يكون العصابي حرا في أن يس لك بطريقة 
تسمح له بأن يحب نفسه في الوقت الحاضر, بالرغم من ماضيه الصادم. 
وفي هذه الحالة عندما يخبر العصابي مشاعره نحو ذاته على أنها جزء من 
تنظيمه الذاتي لعالمه الإدراكي. أكثر من كونها نتيج ة حتمية للنبذ من جانب 
الوالدين أو غيرهم.: فعند هذا الممستوى من التقدم يمكن أن يتطور السلوك Ley‏ 
ينطوي عليه من اعتبار إيجابي متزايد للذات. ومن ناحية أخرى. طالما يحاول 
المريض أن يضع المسئولية عن كراهيته لذاته (أو عن عصابه بصفة عامة) على 
أي مصدر أو شخص آخر - ماضيه: والديه» أو معالجه - يكون التغير العلاجي 
ضئيلاً. وعلى نحو متشابهء حيثما تقوم مسئولية الفرد عن كراهيته لذاته أو 
احترامه لذاته على محكات خارجية بطريقة تستأثره - المكانة, النجاح؛ الثروة, 














| 


المركزء الجاذبية الجسمية: أو الافتقار إلى أي من هذه العوامل - يكون الفرد 
الراشد في فخ وورطة: فتحديده لنفسه في تلك الحالة محتوم بعوامل خارجية 
بالنسبة له وأبعد بكثير عن إمكانات الضبط والتوجيه لديه. وبهذا تكون هويته 
بعيدة عن نفسه کذات subject‏ لأن «sl»‏ كموضوع» (self —as object)‏ تتحدد 
في ضوء هذه العوامل المستدخلة وتصير كموضوع. 

تلك حقيقة لا تدعو للشك. أن كراهية الذات لدى الشخص العصابي 
تكمن في طفولة صادمة وصعبة ترتبط علّيا بتشكل طابعه الحالي. وكقضية 
برنامجية في العلاج الإنسانيء الماضي هو ماضيء» وأن الشخص في الوقت 
الحالي هو مسئول عن التغيير؛ وهو لا يستطيع واقعياً أن يتوقع من المعالج 
أن ينهض بالمسئولية عن سلوكه أو عن تغيره الشخصي. فالخبرة العلاجية 
هي فرصة فقطء فرصة تتحقق على نحو أفضل عن طريق التخلي عن خبرة 
حتمية بطريقة جامدةء واضطلاع المريض بالمسئولية نحو سلوكه؛ وممارسة 
الاختيار في مواقف حياته. ومن المحتمل تماماً أن الكثير من الفوائد العلاجية 
التي غالبا ما تعزى إلى تقبل المعالج» تتحقق في الواقع لأن المعالج قد اعترف 
وكشف مراراً عن إمكانات العميل على «إتخاذ الاختيار» (choice — making)‏ 
و«الاضطلاع بالمسئولية» (responsibility assuming)‏ وإذ يفعل المعالج ذلك 
إنما يؤيد ذاتية وتفردية العميل والتي تكمن في عصابه. والتي لا يعترف بها أو 
يتقبلها. وفي cel Tl‏ أن ذلك التأييد لذاتية أو تفردية المريض قد تكون المعنى 
الحقيقي للحب العلاجي. 


والخلاصة : 


يعتبر العلاج النفسي الإنساني فرصة فريدة للدراسة الفينومينولوجية لأن 
الخبرة الإنسانية يتم التعبير عنها لفظياً بطريقة أكثر حرية ودقة ومودة في 
هذا النوع من العلاج النفسي مما هو في أي موقف بينث خصي آخر. ولقد 
أجريت ثمة محاولة لتفحص الخبرة كما يتم التعبير عنها في العلاج بدون 
تسليم قبلي إما إلى الحتمية أو إلى حرية aal Yl‏ لكي نرى إلى أي حد تصف 
هذه المفاهيم بدقة الخبرة المميزة للأنواع المختلفة من الناس. وقد لوحظ 
أن الحتمية تصف خبرة العصابي والذهاني بطريقة أكثردقة:؛ وأن حرية الإرادة 














س X‏ ل ا للم سس — عم النفس | qii‏ — 
تصف خيرة الإنسان السوي نفسيا على نحو آدق. واعتبر العصاب عجزاً عن 
تمييز الحريات والحدود الحتميةء ونوقش التداعى الحر والإزاحة والكراهية 
العصابية للذات في ضوء مفهوم الاختيار الحر والمسئولية الشخصية. 





— Y إلقو غ‎ jail. 
النصل الثالث‎ 
O a aal الحيوان‎ 


يلاحظ 23b‏ ك فروم»( aC‏ ي اهتمامه بجوانب النقص المحددة العديدة 
في مسار التطورء أن الوعي بالذات والتعقل والتخيل مما يتميز به الإنسانء 
يجعله > 023( المنظومة الكونيةء وموضوع لقوانينهاء ولا يستطيع أن يغير هذه 
القوانين إلا إذا تسامى ببقية الطبيعة». 


ذلك التقبال لري الإنسان Qui‏ تادرا نسبيا هي كل مااكتب شي عام 
النفس. ويشيع أكشر أن تفوقية الإنسان على الحيوان تعتبر قضية اختلاف 
في الدرجة أكثر منها في النوع. ويدعم وجهة النظر هذه اتجاهان متجمعان 
في علم السلوك: الأول - يؤول افتراض الاستمرارية في التطور بالكثير من 
العلماء إلى أن يفترضوا أن أي قدرة توجد في شكل أرقى للحياة ينبغي أن 
تتوفر بالضرورة في تلك الأشكال التي تقع تحتها على مقياس التطور. وقد 
نوقش هذا الموضع في دراسة «تييلهارد دي تشادين». أما الاتجاه الثاني؛ 
فهو مبدأ الاختزالية الذي يقرر أن كل الظاهرات المعقدة ينبغي تفسيرها 
عن طريق تحليلها إلى مكوناتها الأكثر أولية. ولذاء يصير التفكير والتعلم 
والأنشطة الواعية الأخرى وظائف للجهاز العصبي؛ وأنه ليس هناك ما يدعو 
إلى اعتبار المعطيات النفسية لدى الإنسان فريدة طالما أن الأنماط العامة 
للأبنية الدماغية توجد في أدمغة كل الفقاريات. 


لكن» ثمة ثلاث خصائص إنسانية محددة. وهي: تكوين المفاهيم. 
واستخدام اللفة التصوريةء والتقدم الحضاريء ينبغي أن تستخدم لاختيار أيه 
تفوقية نوعية للإنسان على الحيوان. بالنسبة لتكوين المفاهيم» تعتبر البينة 
الإمبيريقية غامضة ! إلى حد ما. فكثيراً ما لا تفرق الدراسات الخاصة بالتعقل 
الحيواني بين التكوين الحقيقي للمفاهيم والأنماط الأخرى من التعلم. وتمثل 
تجارب «فيلدز» على الفيران البيضاء تلك البحوث التي تنزع إلى تأييد وجود 


(*) The Unique Animal. 
(1) E. Fromm: The sane Society. New York: Holt, Rinehart and Winston, 1955, p. 23. 








— يإ عم النفس iy)‏ — — 


أفكار ذات صبغة بشرية humanoid Ideas‏ فحينما دربت حيواناته على 
التعرف على نوع واحد من LAY‏ أخذت تس تجيب بطريقة إيجابية إلى 
مثلثات مختلفة الأنماط. حتى إلى بعض امثلثات التي لم تستخدم في فترة 
التدريب. وقد بدى الشكل المثلثي على أنه العنصر المشترك الوحيد فى هذه 
الأشكال؛ ولذا فقد طرح نتيجة تة رر بأن فيرانه البيضاء قد توه لت إلى 





تجريد مبدأ هندسي. 


ولكن مما تجدر ملاحظته أن نتيجة مشل هذه لا تتبدى هكذا على أنها 
جاهزة الصنع من مجرد الملاحظات المعمليةء لكنها تكوين منطقي لدى الشخص 
الملاحظ. فالدلائل التي تستند إليها يمكن تفسيرها بطريقة مختلفة, تبدو 
بصيرة الحيوان على أنها تتضمن إدراكاً حسياً لعلاقات حسية بين الأشياء أكثر 
من كونها تكوينا للمفاهيم بالمعنى الإنساني من حيث إدراك المعنى التجريدي أو 
المبادئ العامة. فالفأر الأبيض في صندوق «سكنر» يتحرك على نحو عشوائي 
حتى يرتطم بطريقة عرضية بالحل الصحيح. ويدعم النجاح هذا المسار 
العام حتى يحُتزل مقدار النشاط العشوائي إلى نقطة العدم. وهذا الشكل 
من التعلم يقوم على ترابط العناصر الإدراكية الحسية في صيغة ( جشطلت) 
وليس اختباراً لفروض أو Links‏ لمبدأ نظري. يتضح التجريد الحيواني من 
حيث عزل وربط الانطباعات الحاسية في الأشكال البصرية. فهم قادرونء 
من خلال تعميم المثيرات» حتى على التعرف على الأشكال المتشابهةء OSS‏ 
ليس ثمة حاجة لأن نفترض أنهم يفهمون هندسة المثلثات. وينبغي أن يوصف 
اتجاه التعلم لديهم على أنه حسي وليس تجريدي. وعلى العكس من ذلك لا 
يعتبر تكوين المفاهيم بالضرورة إدراكياً. وقد خلص Cu gar‏ بعد استعراضه 
لعدد هائل من الدراسات المتعاقة بالذكاء الحيوانيء إلى نتيجة بأنه « .. حينما 
نحاول قياس قوتهم في التفكير التجريدي وقدرتهم على رؤية وتكوين مبادئ 

(1) P. E. Fieds. Studies in concept Formation: The development of the white rat. 

Comp. Psychol. Monog., 1932, 9(2), 1-70. 


(2) T. V. Moore: Human and animal intelligence, In H. S. Jennings et al., Scientific 
aspects of the race problem. N. Y.: Longmans 1941, pp. 93-158. 

















الفصل اثالث ببح 336 — 


عامة على نحو منطقى. نحصل على درجات صفرية: لأن مثل هذه القدرات 
ببساطة هي غير موجودة». 


وبنفس الطريقة التي يمكن بها إخضاع الحيوان للاقتران الشرطي بالنسبة 
للمثيرات البصرية أو اللمسية: يمكن تدريبها على التعرف على أصوات محددة. 
فالكلب يعرف إسمه وقد ينفذ أوامر بسيطة بدون أن يفهم بالضرورة مضمون 
اللغة المنطوقة. وتتمتع معظم أنواع الحيوانات بالنمطية لتوصيل المعلومات 
الإدراكيةء ولكن لا يستخدم أي واحد منها اللغة كحامل للتعبير عن الأفكار 
ذات الصيغة البشرية بالكلمة أو الإيماءة. فليس لدى النحلةء التي lad‏ الشغالة 
الأخرى برقصتها المتمايلة عن مصدر الرحيق» ما تقوله بشأن الحالة الاقتتالية 
لاجنحتها أو رغبات الملكة. وتستطيع قردة الشمبانزي أن تلحن الأصوات بدرجة 
كافية حتى تصبح مفهومةء رغم محاولات تدريبها على الكلام بنفس الشروط 
التي يتكلم بها الطفل الإنسانيء إلا أن مثل هذه الجهود لم تتمخض إلا عن 
نجاح ضثيل. 


وقد يفترض أن الحيوانات ذات الذكاء الكافي لفهم المبادئ الهندسية قد 
gp‏ على مدى مليون AL ua‏ لفة تصورية. أو على الأقل قد تأتي ببعض 
المحاولة لتطبيق معرفتها بطريقة ذات معنى على الحياة اليومية. وعلى العكس» 
تظل معظم العلاقات الاجتماعية بين الحيوانات على مستوى غريزي. ولا 
يوجد حتى بين القردة أي نمو حضاري يقترب حتى من أكثر قبائل الكائنات 
الإنسانية بدائية. فالإدراك العام لتفردية الإنسان لم ترفضه نتائج العلم. 














Á‏ ١إ‏ طلم oil‏ الإنساني 


يتضمن النقد التدريجي للحياةء وفقا لتصور بيير تييلارد دي 
تشاردين للخَلّق كما هو جاري حدوثه أمام أعينناء جانبا داخلياً وكذلك 
خارجياء ويتعلق التطور أساسا بالنمو النفسي. هذا الارتقاء المنتظم 
للوعي لدى الإنسان نادراً ما يستمر بدون أن يطور نفسه من الأعماق 
أقرب إلى الارتفاع التدريجي في الحرارة الذي يسبب تحول الماء إلى 
بخار. ويمنحه الوعي بالذات المقدرة على أن يعكس ما يتعلق بنفسه 
وبمعرفته كموضوعات يمكن معرقتها . ومن هذه النقطة فصاعدأ لا يمكن 
فهمه في ضوء الحيوانات الأدنى منه في سلم الحياةء لكن فحسب في 
ضوء هذه الوظيفة الفريدة - الوعي الإنساني. 


— 1113 E. الفصل‎ 

(A) 

ميلاد القكر (“ 
بييرتييلارد دي تشاردين 

يعد الإنسان:ء من وجهة النظر الوضعية الخالصةء من بين كل الموضوعات 
التي قابلها العلم أكثرها غموضاً ومدعاة للحيرة والالتباس. وفي الواقع قد 
نعترف كذلك بأن العلم لم يجد بعد LS‏ له في تصوراته عن الكون. لقد 
نجحت الفيزياء مؤقتاً في تحديد عالم الذرة. وأصبحت البيولوجيا قادرة على 
أن تفرض Leg‏ معيناً من النظام على تكوينات الحياة. ويبذل علم الأجناس 
بدوره أقصى جهده» بمساعدة الفيزياء والبيولوجياء في تكشف بنية الجسم 
الإنساني وبعض ميكانزماته الفسيولوجية. ولكن حينما توضع كل هذه المعالم 
Lee‏ تقل الصورة بجلاء عن الواقع. فالإنسان. على النحو الذي يستطيع به 
العلم أن يدرسه. هو كائن حي متميز يمكن بطريقة ضئيلة للغاية عزله تشريحياً 
عن الحيوانات الراقية بحيث أن التصنيفات الحديثة لعلماء الحيوان تعود إلى 
موقف « لينايوس» Linnaeus‏ وتضع الإنسان معها في نفس العائلة الأرقى. 
وهي فصيلة البشر hominidae‏ لكن: أن نحكم عليه بالنتائج البيولوجية فإنه 
وهنا تبدو المفارقة الإنسانية الكاملة. فلكي نعطي الإنسان وضعه الطبيعي 
شي عام الخبرة: من الضرورة أن gan‏ في Loo JL ie MI‏ باشل Lav ASS‏ 
بخارج» الأشياء. وقد مكنتنا هذه الطريقة بالفعل من تقدير عظمة ووجهة 
حركة الحياة؛ وهذه الطريقة سوف تستخدم مرة أخرى للتوفيق في أعيننا 
بين عدم الأهمية والأهمية الفائقة لظاهرة الإنسان في نظام كوني بديع يسود 

على نحو منسجم على الحياة والأشياء. 


ماالذي حدث» بين الحقبة الأخيرة من العصر البليوسيني الذي لم يوجد 
فيه الإنسانء والحقبة التالية التي احتار الجيولوجيون بش أنها حينما وجدوا 


(*) Pierre Tielhard de Chardin: The phenomenon of Man, (Translated by Bernard 
Wall), Harper & Brothers, New York, 1959. pp. 163-169. 








eee A —‏ — عم النفس | qiii‏ — — 
القطع الأولى من حجر الصوان؟ وما هو المقياس الحقيقي لهذه الطفرة5. 


ومهمتنا أن نقدر ونزن الإجابات على هذه الأسئلة قبل أن نتتبع خطوة 
بخطوة مسار الإنسانية حتى نصل إلى المرحلة الحاسمة التي توجد عليها 


اليوم. 
عتبةالفكر: 
آدمية الإنسان: 


(1)الطبيعة: لم يتفق علماء التاريخ الطبيعي على ما إذا كانت هناك 
al‏ لا وجهة للتطورء كما أنه ليس هناك اتفاق كبير بين علماء النفس؛ لسبب 
مقارب» عما إذا كانت الحياة النفسية الإنسانية (human psychism)‏ تختلف 
بشكل محدد لدى الإنسان عن أسلافه أم لا. وتميل أغلبية العلماء إلى التشكك 
في صدق هذه القضايا. لقد قيل الكثيرء ولا يزال يقال عن ذكاء الحيوانات. 


وإذا أردنا أن نقر هذا السؤال الخاص بتفوقية الإنسان على الحيوانات 
(وهذا أمر ضروري لإقراره من أجل أخلاقيات الحياة وكذلك من أجل 
المعرفة الخالصة)» أستطيع أن أرى سبيلاً واحداً لعمل ذلك - أن qaas‏ جانباً 
عن قصد كل تلك المظاهر الثانوية والغامضة للنشاط الداخلي في السلوك 
الإنسانيء on si‏ على الظاهرة الرئيسية وهي الفكر. : 


من وجهة نظرنا التجريبية: الفكر. كما توضح الكلمة. هو القوة المكتسبة 
بواسطة الوعي لتتحول إلى ذات الفرد كموضوع للفكر يتصف باتساق وقيمة 
معينتين. فلا يعد مجرد أن نعرف. ولكن أن نعرف أنقسناء ولا يعد مجرد أن 
نعرفء ولكن أن نهرف Lal‏ نعرف. 

وتعتبر الآن مترتبات ذلك التحول هائلة: وواضحة كما هو الحال في 
الطبيعة بالنسبة للحقائق التي سجلها علم الفيزياء أو الفلك. فالكونء الذي 
هو موضوع فكرهء يصبح بجلاء قادراً على أن يرفعه إلى نطاق جديد . وفي 
الواقع» لقد ولد عالم آخر. فالتجريد والمنطق والاختيار السديد والإبداعات 
والرياضيات والفن وحساب الزمان GIS My‏ والقلق وأحلام الحب - كل هذه 




















الفصل اثالث هسح ۹١س‏ 


الأنشطة للحياة الداخلية للانسان ليست إلا تعاظماً لذلك الجانب كما يعتمل 
في الإنسان. 


وإذا كان الأمر HSS‏ يمكن أن نتساءل: هل يمكن أن نشك بجديةء ارتباطاً 
بحقيقة كوننا مفكرين» وهي تلك الحقيقة التي تشكل الكائن «الذكي» أن 
الذكاء هو Áil‏ التطوري الخاص بالإنسان وبالإنسان فحسبة وإذا لم يكن 
كذلك» هل يمكن أن نترددء تحت تأثير تواضع زائف. في الاعتراف بأن تمتع 
الإنسان بالفكر والذكاء يؤلف Lyd Les‏ في كل أشكال الحياة التي تتواتر 
أمامه؟ يمكن أن نقر بأن الحيوان يعرف» لكن لا يستطيع أن يعرف أنه يعرفء 
وهذا لا شك فيه. فإذا كانت الحيوانات هكذا تستطيع أن تمضي لتضاعف 
وتَطّوّر نظاماً من التكوينات الداخلية لا تغفل عنها ملاحظتناء فإن هذا مدخل 
مرفوض لنطاق كامل من الحقيقة نستطيع أن نتحرك داخله بحرية. إننا 
منفصلون بواسطة هوة - أو عتبة - لا يمكن تخطيها . فلأننا مفكرون لا نكون 
أشخاصا مختلفين فحسب ولكن أشخاصاً آخرين أيضا. إنها ليست قضية 
تغير في الدرجةء ولكن تغير في الطبيعةء ناتج من تغير الحالة. 


هكذا نجد أنفسنا في مواجهة لتلك الحقيقة بأن الحياة. بكونها إرتقاءٌ 
للوعيء لا يمكن أن تستمر في التقدم بغير حد في مسارها بدون أن تحول 
نفسها من العمق. فعليهاء ككل الكيانات المتطورة في العالم» أن تصير مختلفة 
^ 3 
لكي تُبقي على نفسها. وفي نفس الوقت نجد المنحنى الكلي للتطور البيولوجي 
يتبدى بجلاء في هذه النقطة الفريدة. 


(ب) الآنية النظرية: لقد تبني العلماء الطبيعيون والفلاسفة آراء متباعدة 
للغاية بشأن التكوين النفسي للحيوانات. فبالنسبة للمفكرين المدرسيين كانت 
الغريزة Legh‏ من الذكاء الأدني sub — intelligence‏ المتجانس «calls‏ والمميز 
لأحد المراحل الوجودية والمنطقية التي تسير في مراتب متدرجة إلى أسفل 
من الروح الخالصة إلى المادية الخالصة. وبالنسبة للديكارتيين يوجد الفكر 
فحسب؛ ولذا كان الحيوان الذي يعوزه أي فكر من الداخلء مجرد آلة. Lal‏ 
بالنسبة لمعظم البيولوجيين المحدثين: فلا يوجد خط فاصل واضح بين الغريزة 
والفكر. 











سإ طلم النفس الإنساني 


في كل تلك الآراء المتباينة يوجد عنصر للحقيقةء يصبح واضحاً على الفور 
في نفس الوقت كسبب للخطا حينما تتزع إلى الاعتراف OL (Y)‏ الغريزة. 
وهي أبعد من أن تكون ظاهرة لاحقة تترجم من خلال تعبيراتها المختلفة 
صميم ظاهرة الحياةء و(؟) بأنها نتيجة لذلك تمثل بعداً متغيراً. 


ما الذي يحدث بالضبط لو نظرنا إلى الطبيعة من هذه الزاوية؟ نتحقق 
- أولاً - بطريقة أفضل من حقيقة وسبب تنوع السلوك الحيواني. ومن اللحظة 
التي يعتبر فيها التطور على أنه تحول نفسي أساساء نرى أنه لا توجد غريزة 
واحدة في الطبيعةء ولكن حشد من أشكال الغرائز, كل واحد منها مسئول 
عن حل معين لمشكلة الحياة. فالتكوين النفسي لحشرة لا يكون, ولا يمكن أن 
i9 Ss‏ كالتكوين النفسي لإحدى wily Ball‏ وكذلك الغريزة لدى السنجاب لا 
يمكن أن تكون كالغريزة عند القطة أو الفيل: فهذا يعتمد على مكانة كل منها 
في شجرة الحياة. 


وبالحقيقة ذاتها يمكن أن نتبصر تلك القضية: فإذا كانت الغريزة بعداً 
متغيراً. سوف لا تكون الغرائز مختلفة فحسب. وإنما سوف تخلق,» فيما وراء 
تعقيدهاء نظاماً متطوراً. فهي تخلق ككل نوعاً من التركيب المتشعب تتميز 
فيه المستويات الأعلى بنطاق أكبر من الاختيار وتعتمد على مركز أفضل من 
الاتساق والوعي. وهذا هو الشيء الوحيد الذي نراه. فالتكوين الداخلي للكلب» 
رغم كل ما يقال على النقيضء يفوق بطريقة إيجابية على التكوين الداخلي 
لحيوان أو لسمكة'. 


وقد يبدو من دراستنا للحياة أن مناصري التفسير الروحي ليس لديهم 
حاجة إلى أن يقعوا في حيرة وبلبلة حينما يرون: أو يضطرون إلى أن يرواء 
في الحيوانات العليا (خاصة في القردة العليا) أساليب وردود أفعال تستدعي 
بغراية تلك التي يستخدمونها لتحديد طبيعة (الروح العاقلة) ووجودها لدى 
الإنسان. وإذا كانت قصة الحياة ليست أكثر من حركة للوعي مرتبطة بالتركيب 


(Y)‏ من وجهة نظر هذه يمكن القول أن كل شكل من أشكال الغريزة يميل فى مساره الخاص إلى أن 
يصبح ذكاءاً؛ ولكن في الخط الإنسانى قحسب تكون العملية (لأسباب خارجية أو داخلية) ناجحة في كل 
المسار. فالإنسان» بتميزه بالفكر يمثل لذلك أحد النماذج الهائلة للوعي التي اختبرتها الحياة. 











١١١ tt الفصل‎ 


العضوي (المورفولوجي)». فمن الحتمي أن التكوينات النفسية لدى الحيوانات 
القريية من الإنسان تبدو أنها تصل إلى حدود الذكاء. 


وهذا ما يلقي الضوء على «المفارقة الإنسانية» ذاتها. قد نشعر بالحيرة أن 
نلاحظ كيف أن حيواناً راقياً anthropos‏ يختلف قليلا من الناحية التشريحية 
عن الحيوانات الراقية الأخرى. بالرغم من تفوقه الواضح في جوانب معينةء 
على الأقل من ناحية الأصل. لكن هل هذه المضاهاة غير العادية ليست على 
وجه الدقة ما ينبغي أن تكون Sade‏ 


حينما تسخن الماء إلى درجة الغليان تحت الضغط العاديء وتستمر في 
تسخينهء فإن أول شيء يتبع ذلك - بدون تغير درجة الحرارة - هو الاتساع 
الضجيجي والتبخري للجزئيات. أو إذا أخذنا سلسلة قطاعات من القاعدة 
نحو قمة المخروطء يتناقص هذا المجال باستمرارء ثم فجأة؛ مع تحول لا نهائي 
الصغرء يتلاشي السطح تاركاً إيانا مع نقطة. لذاء مع هذه المقارنات الجزئية 
نكون قادرين على تصور الميكانزم المتضمن في العتبة الحاسمة للفكر. 


إن المفكرين الذين يتبنون التفسير الروحي هم على صواب حينما يدافعون 
بشدة عن تسامي الإنسان على بقية الطبيعة. ولكن ليس أنصار المادية كذلك 
مخطئون حينما يقررون أن الإنسان فقط هو حد أعلى في سلسلة الأشكال 
الحيوانية ليبقى الباب مفتوحا لمزيد من الفكر وإعمال العقل في طبيعة الإنسان, 
ولفهم الإنسان المفكرء والذكيء والمبدع؛ والمتسامي بذاته؛ ووجوده. 








س م e‏ التقس الإنساني 


رغم ما تشير إليه البيانات والدلائل الخاصة بالحفريات عن 
اختلاف كيفي بين الأساليب الإنسانية والحيوانية في معرفة cel AME‏ 
فإن ثمة نقطة أخرى تتطلب إيضاحاً: تثبت الدراسات الخاصة بالاقتران 
الشرطي بصورة قاطعة أن الحيوانات تستجيب غالباً لشيء واحد كما 
لو أنه أمارة أو Ae]‏ لشيء آخر. يميز «كاسيرر» بوضوح» في الدراسة 
الحاليةء بين الإلماعات والرموزء ويبين كيف أن الأخيرة (الرمزية) تضيف 
بعداً جديداً للخبرة المعرفية. 


ا ضاق AY ety‏ — 
)3( 
من ردود الأفعال الحيوانية 
إلى الاستجابات الإنسانية*“ 
إرنست كاسيرر 

لقد وصلناء بتعريفنا للانسان على أنه «حيوان رمزي» أو «كائن حي رمزي» 
(animal symbolicum)‏ إلى نقطتنا الأولى للانطلاق لمزيد من البحوث. لكن 
يصبح من الحتمي أن نطور هذا التعريف إلى حد ما لكي نعطيه دقة أكبر. 
يعتبر التفكير الرمزي والسلوك الرمزي من بين أكشر المعالم المميزة للحياة 
الإنسانيةء وأن كل تقدم للحضارة الإنسانية قائم على هذه الشروط؛ وهذه 
حقائق لا يمكن إنكارها. لكن هل يجيز لنا اعتبارها كمعطيات خاصة للإنسان 
يتفوق بها على كل الكائنات العضوية الأخرى؟ أليست « الرمزية» مبداً يمكن 
تتبعه إلى مصدر أكثر عمقاء وله مدى أكثر إتساعاً من حيث الإمكانية على 
التطبيق؟ إذا أجبنا على هذا السؤال» بالنفي» Like‏ كما يبدوء أن نعترف 
بتجاهلنا لما يتعلق بالكثير من الأسئلة الرئيسية التي تحتل باستمرار مركز 
الانتباه في فلسفة الحضارة الإنسانية. ويصبح السؤال الخاص بأصل اللغة 
والفن والدين غير قابل c By obe JU‏ مع الحضارة الإنسانية كحقيقة واقعة 

تظل منعزلة وبالتالي تستعصي على الفهم والتفطن. 


ومن المعروف أن العلماء يرفضون دائماً قبول ذلك الحل. لقد قاموا بجهود 
فائقة لربط حقيقة الرمزية بالحقائق الأخرى المعروفة جيداً والأكثر أولية. 
لقد تبدت المشكلة ذات أهمية مطاقةء ولكن لسوء الحظ نادراً ما تناولوها 
بعقل متفتح تماماً. لقد أعيقت: واختلطت بمشكلات أخرى تنتمي إلى مجال 
مختلف تماما من البحث. فمناقشة هذه AIS A‏ بدلا من أن تعطينا Losey‏ 
وتحليلاً دقيقين للظاهرات ذاتهاء قد تحولت إلى جدل ميتافيزيقي. نقد صارت 
موضوع النزاع بين الأنظمة المختلفة: بين المثالية والمادية: الروحانية والطبيعية. 
وأصبحت مشكلة الرمزية بالنسبة لكل هذه الأنظمة مشكلة حاسمة لمستقبل 
العلم وما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا). 


(*) E. Cassirer: From Animal Reactions To Human Responses. 





يإ عم النفس الإنساتي —— 

بهذا الجانب من المشكلة لا يتحدد اهتمامنا هناء وإنما قد وضعنا أمامنا 
مسألة أكثر تواضعا وتحديداً . سوف نحاول وصف OLSI‏ الرمزي للإنسان 
بطريقة أكثردقة حتى نتمكن من أن نمايزه عن الوسائط الأخرى SL all‏ 5 
الحيواني الموجودة في المملكة الحيوانية. ويخرج عن نطاق السؤال بوضوح: 
أن الحيوانات لا تستجيب دائماً للمثيرات بطريقة Bp dle‏ وأنها قادرة على 
رد الفعل غير المباشر. وتزودنا تجارب بافلوف ذائعة الصيت بطائفة غنية 
من الدلائل الإمبيريقية المتعلقة بما يعرف بالمثيرات representative atid)‏ 
stimuli‏ في حالة القردة العليا. تبين الدراسة الفذة التي اضطلع بها» فولفي» 
(Wolfe)‏ فاعلية » الإثابات المادية» token rewards‏ لقد تعلمت الحيوانات أن 
تستجيب للإشارات كبديل لإثابة الطعام بنفس الطريقة التي يستجيبون بها 
للطعام ذاته. لقد أوضحت نتائج التجارب التدريبية والمخططة: وفقا لفولفي» 
أن العمليات الرمزية تحدث في سلوك القردة العليا. يخرج «روبرت يركيس» 
الذي يصف هذه التجارب في كتابه: بنتيجة عامة هامة: 


يتضح بجلاء ما جري من اعتبار العمليات الرمزية نادرة. وصعبة نسبيا 
على الملاحظة. وربما نستمر في السؤال عن وجودهاء لكني أشك أنها سوف 
تتحدد على أنها مقدمات سابقة للعمليات الرمزية الإنسانية. لذا نترك هذا 
الموضوع في المرحلة الأكثر استثارة للتطورء حين تبدو الاكتشافات الجليلة 
الشأن قريبة .O qui‏ 


قد يبد سابقا للأوان الإتيان بأي تنبؤات متعلقة بالتطور المستقبلي لهذه 
المشكلة. وينبغي أن يترك المجال مفتوحا للبحوث في المستقبل. ومن ناحية 
Spi‏ يتوقف دائما سير Lodi‏ التمريبية على مقاهيم أساسية Aux‏ 
ينبفي استيضاحها قبل أن تفيد منها المادة التجريبية (الإمبيريقية). ويأخذ 
علم النفس الحديث وعلم النفس البيولوجي هذه الحقيقة في الاعتبار. 
ويبدو بالنسبة لي مهما للغاية أن من يضطع بالأدوار الرائدة في حل هذه 
المشكلة ليس الفلاسفة وإنما الملاحظون والباحثون الإمبيريقيون. وهؤلاء 
الأخيرون يخبروننا بأن المشكلة فضلا عن ذلك ليست مجرد مشكلة تجريبية 
Robert M. Yerkes: Chimpanzees. A Laboratory Colony, New Haven, Yale Univ.‏ )1( 
Press, p. 189.‏ 














الفصل اثالث ببح ا 8 — 


(إمبيريقية)» وإنما هي مشكلة منطقية بدرجة كبيرة. لقد نشر «جيورج ريفيز» 
سلسلة من المقالات ينطلق فيها من الافتراض بأن القضية المحتدمة المعروفة 
بلغة الحيوان لا يمكن أن Jo‏ على أساس مجرد حقائق علم النفس الحيواني. 
وأي باحث يتفحص الآراء والنظريات السيكولوجية بعقلية ناقدة غير متحيزة 
سوف يصل في النهاية إلى النتيجة بأن المشكلة لا يمكن أن تتضح عن طريق 
الإشارة ببساطة إلى أشكال الاتصال الحيواني وإلى استجابات معينة يتوصل 
إليها الحيوان بالتعليم والتدريب. كل هذه الاستجابات تقبل التفسيرات الأكثر 
تناقضا. وهنا من الضروريء أولاً وقبل كل شيءء أن نجد نقطة انطلاق منطقية 
صحيحة: يمكن أن تؤول Us‏ إلى تفسير طبيعي وسديد للحقائق التجريبية 
(الامبريقية). 


نقطة الانطلاق هذه هي تعريف الكلام. لكن بدلاً من أن نعطي تعريفاً 
T abe‏ للكلام؛ ربما يكون من الأفضل أن نمضي وفقا لخطوط أولية. الكلام 
ليس ظاهرة بسيطة ومنتظمة. إنه يتألف من عناصر مختلفة لا تكون. سواء من 
الناحية البيولوجية أو المنتظمة, بنفس المستوى. وعلينا أن نحاول التوصل إلى 
النظام والعلاقات المتبادلة للعناصر المكونة؛ عليناء تمييز الطبقات البيولوجية 
المختلفة للكلام. وتعتبر لغة الانفعالات بوضوح الطبقة الأولى والأكثر أساسية. 
ولا تزال نسبة هائلة من كل التعبير اللفظي الإنساني تنتمي إلى هذه الطبقة . 
لكن ثمة شكل للكلام يبين UI‏ نمطأ مختلفا تماماً. هنا لا تكون الكلمة إطلاقاً 
مجرد إسم صوت interjection‏ فهي ليست تعبيراً لاإرادياً عن الشعورء ولكن 
جزء من جملة لها تركيب نحوي ومنطقي محدد. وإنها لحقيقة أنه حتى في 
اللغة الأكثر تطوراً. في اللغة النظرية والتجريدية: لا ينقطع تماما الاتصال 
بالعنصر الأول. ونادراً ما توجد جملة - ما عدا احتمالاً جمل الرياضيات 
الشكلية الخالصة - بدون صبغة وجدانية أو انفعالية معينة. وقد توجد 
مشابهات للغة الانفعالية بوفرة في alle‏ الحيوان. فبالنسبة لقردة الشمبانزي 
يقرر «وولفجانج كيولر» أنها تحقق درجة هائلة من التعبير بواسطة الإيماءات 
الحركية. وبهذه الطريقة تعبر بالفعل عن الغضب والفزع والقنوط والحزن 
والتوسل والرغبة والميل إلى اللعب والسرور. ومع ذلك فثمة عنصر واحدء 
مميز وضروري لكل اللفة الإنسانية. تفتقر إليه هذه الحيوانات: لا نجد أية 














اووس سس سس تلم التقى ey)‏ 
إشارات لها إحالة موضوعية أو معني موضوعي. يقرر كيولر: 


قد نأخذ ذلك على أنه قضية قد خضعت للإثبات بأن Lia‏ الصوتيات 
لدى الحيوانات « ذاتي» تماماًء ويستطيع أن يعبر فقط عن الانفعالات, ولا 
يعين أو يصف الأشياء أبداً. لكن لديها الكثير من العناصر الصوتية التي تكون 
أيضا à ele‏ بالنسبة للغات الإنسانيةء بحيث أن م | يعوزها من كلام تافظي لا 
يمكن أن يعزى إلى حدود ثانوية (لسانية — شفية (glosso - labial‏ تتمركز في 
اللسان والشفتين. كذلك فإن إيماءاتها الحركية» بالوجه أو الجسم مثل تعبيرها 
cag ually‏ لا تعينٌ أو «تصف» الأشياء أو الموضوعات ابد ON‏ 


هنا نتلمس النقطة الحرجة في كل مشكلتنا. يمثل الاختلاف بين «اللغة 
محتوية المعاني» à 3», (propositional language)‏ الإنفعالية» emotional)‏ 
8 ) الفيصل الحقيقي بين elle‏ الإنسان والحيوان. تعتبر كل النظريات 
والملاحظات المتعلقة بلغة الحيوان واسعة المدى حيث تخفق في التعرف على 
هذا الاختلاف الأساسي. ففي الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع لا يبدو أن هناك 
تأييداً قاطعا واحدأً للحقيقة بأن أي حيوان لم يبد f ol‏ تلك الخطوة الحاسمة 
للنقلة من اللغة الذاتية إلى الموضوعيةء من اللغة الإنفعالية إلى اللفة محتوية 
المعانى. يؤكد كيولر بقوة أن الكلام أبعد بشكل قاطع من إمكانات القردة العليا. 
ويقرر أن الافتقار إلى هذا المعين الغني العظيم لتلك المكونات الهامة للتفكير 
امعروضة بالصور تؤلف الأ باب التي تمنع الحيوانات من أن تتوصل حتى إلى 
أقل بدايات التطور الحضاري. وقد توصل « ريفيز» إلى نفس النتيجة. ويؤكد أن 
الكلام مفهوم أنثروبولوجي ينبغي وفقا لذلك أن يطرح جانباً كلية من دراسة علم 
النفس الحيواني. وإذا انطلقنا من تحديد واضح ودقيق للكلامء تسقط تلقائيا 
كل الأشكال الأخرى للتلفظات التي نجدها أيضا في الحيوانات. يتناول «ييركس» 
aI A‏ التي درسها باهتمام Gold‏ بطريقة إيجابية. وهو مقتنع ally‏ توجدء 
حتى بالنسبة للفة والرمزية. علاقة وثيقة بين الإنسان والقردة العليا. ويقرر أن 
« هذا يفترض أننا ريما نكون قد مررنا بمرحلة مبكرة من التطور النوعي في 
(1)Wolfgang Koehler, “Zur Psychologie des Schimpanscn" Psychologishe For-‏ 


schung, 1, 27. 
The Mentality of Apes, New York, Humanities Press, p. 317. 








الفصل اللثاالت د ۲۷ 


تطور العملية الرمزية. وهناك بيانات وفيرة عن أن الأنماط المختلفة من العملية 
a Ly‏ خلافاً للعملية الرمزيةء تحدث تكراراً لدى الشمبانزي وتؤدي وظيفة 
بفاعلية عندها )0 إلا أن كل هذا يظل بش كل قاطع مميزاً لأنماط ما قبل اللغة. 
وحتى وفقالما يذهب إليه ييركسء تعتبر كل هذه التعبيرات الوظيفية عشوائية 
وبسيطة وذات فائدة محدودة للغاية إذا قورنت بالعمليات المعرفية الإنسانية. 
وهنا لا تتعرض المشكلة التطورية للاختلال والبلبلة مع المشكلة التحليلية 
والظاهرية (الفينومينولوجية). 


فالتحليل المنطقي للكلام الإنساني يؤول Glo‏ إلى عنصر ذات أهمية 
أولية ليس لها مقابل في عالم الحيوان. ولا تقف النظرية العامة للتطور بأي 
حال في طريق الاعتراف بهذه الحقيقة. وحتى في ميدان ظاهرات الطبيعة 
العضوية قد تعلمنا أن التطور لا يستبعد Legs‏ من الخلق الأصيل. فينبغي 
الاعتراف بالتغير الفجائي والتطور المنبثق. ولم يعد علم التاريخ الطبيعي يتكلم 
عن التطور في ضوء الدارونية المبكرة؛ ولا حتى يفسر أسباب التطور بنفس 
الطريقة. وربما نكون على استعداد للاعتراف بأن القردة العلياء في نمو 
عمليات رمزية A Lisa‏ قد حققت خطوة هامة للأمام. لكن ينبغي أن نؤكد أنها 
لم تصل عتبة العالم الإنساني. لقد دخلت» كما كان في زقاق مغلق. 


ولأجل الإقرار الواضح للمشكلة: ينبغي أن نميز بعناية بين «الإشارات» 
(signs)‏ و«الرموز» (symbols)‏ . فما نجده من نظم معقدة للاشارات Signals‏ 
في سلوك الحيوان قد يبدو حقيقة مؤكدة. ويمكننا القول أن بعض الحيوانات. 
وخاصة المنزلية. حساسة للغاية للإشارات O‏ ويستجيب الكلب لأبسط التغيرات 


(1) Yerkes & Nissen: “Prelinguistic Sign Behavior in Chimpanzee,” Science, LXXX- 

IX, 587. 

(2) Yerkes, Chimpanzees, p. 189. 

clever Hans «هائز النشيط»‎ «5 ) se tall هذه الحساسية» على سبيل المثالء قد تأيدت فى الحالة‎ (Y) 

التى خلفت» منذ عدة سنوات مضتء شيئا من الإثارة بين السيكوبيولوجيين. كان «هانز النشيط» حصاناً 

بدى كما لو أنه يتمتع بذكاء خارق. لقد كان يستطيع حتى حل مسائل حسابية معقدة؛ يستخلص الجذور 

التكعيبية» وغير ذلك. يصهل على الأرض لمرات كثيرة بقدر ما يتطلب حل المسألة. ولقد دعيت لجنة 

خاصة من السيكولوجيين وعلماء آخرين لدراسة الحالة. وأصبح واضحا في الحال أن الحيوان يأتي 

بردود أفعال لحركات لا إرادية معينة من صاحبه. فحينما يغيب صاحبه أو لم يفهم المسالةء لا يستطيع 
الحصان الإجابة عليها. 

















— ۸ نكمم النفس الإنساني 


في سلوك ci Las‏ وهو يستطيع أن يميز تعبيرات الوجه أو تعديل نغمات الصوت 
gat‏ الإنسان C‏ ولكن ليس هناك ما يمكن الخروج به من هذه الظاهرات في 
فهم الكلام الرمزي الإنساني. تثبت تجارب بافلوف الذائعة الصيت فحسب أن 
الحيوانات يمكن أن تتدرب بسهولة على أن تأتي برد الفعل ليس لمجرد المثيرات 
المباشرة لكل أنواع المثيرات التوسطية أو الممثلة. فالجرسء على سبيل JEM‏ قد 
يصبح «إشارة للغذاء» وقد يتدرب الحيوان على ألا يلمس طعامه في حالة غياب 
هذه الإشارة . لكن من هذا نتعلم فقط أن المجرب» في هذه الحالةء قد نجح في 
تغيير موقف الطعام لدى الحيوان. لقد قام بتعقيد هذا الموقف عن طريق إدخال 
عنصر جديد فيه عن عمد . وليست كل الظاهرات التي وُصفت كأفعال منعكسة 
شرطية فقط بعيدة للغاية عن الطبيعة الأساسية للتفكير الرمزي الإنساني 
بل وأيضا مناقضة له. فالر موز - بالمعني الصحيح لهذا المصطلح - لا يمكن 
اختزالها إلى مجرد الإشارات. تنتمي الإشارات والرموز إلى عالمين مختلفين من 
البحث: الإشارة Signal‏ جزء من العالم الفيزيقي للوجود؛ والرمز Symbol‏ جزء من 
العالم الإنسائي للمعنى. الإشارات «مُتَفُدَات» (Operators)‏ والرموز «مُّصَمّمات» 
C(designators)‏ والإشارات» حتى حينما تفهم وتُستخدم على هذا النحو. هي 
مع ذلك نوع من الوجود الفيزيقي أو المادي. في حين أن للرموز فقط قيمة 
وظيفية إنسانية. 


)1( لإيضاح هذه النقطة أود أن أشير إلى مثال كشفي آخر. لقد أخبرنى ذات مرة العالم السيكوبيولوجى؛ 
الدكتور Dr. Pfungst‏ الذى طور طريقة جديدة وطريفة لدراسة سلوك الحيوان: فلقد تلقى خطابا من 
ضابط بشأن مشكلة غريبة. كان لدى الضابط كلب يصاحبه فى تجولاته. وحينما يستعد صاحبه للخروج 
يبدي الحيوان أمارات السرور والانتعاش. ولكن ذات يوم قرر الضابط أن يحاول تجربة بسيطةء إذ أدعى 
أنه يهم بالخروج؛ فوضع قبعته على duly‏ وأخذ عصاهء وقام بالاستعدادات المعتادة ‏ بدون أي قصدء 
مع ذلكء للخروج إلى نزهة. ومما JU‏ دهشته أن الكلب لم يخدع بكل هذه المظاهر؛ لقد ظل ساكنا 
في ركن الحجرة. وبعد فترة وجيزة من الملاحظة تمكن الدكتور من حل المعضلة. لقد كان في حجرة 
الضابط منضدة ذات قطر يحتوى على بعض الوثائق الهامة. لقد تعود الضابط على صلصلة القمطر 
قبل أن يكرك المنزل ليتاكد من أنه يحكم الإغلاق. فإذا لم يفعل هكذا اليوم فهو لا ينوى الخروج. لكن 
لقد صار هذا بالنسبة للكلب إشارة» عنصرا متلازما لموقف الخروج للنزهةء فبدون هذه الإشارة لم 
يأت الكلب برد فعل. 
(Y)‏ عن هذا التحديد للمنفذات والمصممات أنظر: 
Charles Morris: Foundations of the Theory of Signs. Encyclopedia of the Unified‏ 
Sciences.‏ 





الفصل اثالث ببح ١۲۹‏ 


ويمكن أن نجد. باحتفاظنا بهذا التحديد. مدخلا لأحد المشكلات الأكثر 
احتداماً وجدلاً. لقد كانت مشكلة ذكاء الحيوانات دائماً أحد المعضلات في 
الفلسفة الأنثروبولوجية. لقد بُذلت جهود هائلةء بالفكر والملاحظةء لحل هذه 
المشكلةء لكن الغموض الذي يكتنف مصطلح «الذكاء» ذاته قد وقف دائماً في 
طريق الحل الواضح: كيف يمكن أن نأمل في الإجابة على سؤال لا نفهم معتاه؟ 
لقد استخدم الميتافيزيقيون والعلماء الطبيعيون واللاهوتيون: كلمة « ذكاء» 
بمعاني مختلفة ومتناقضة. ويرفض بعض علماء النفس وعلم النفس البيولوجي 
بسطحية أن يتكلموا عن ذكاء الحيوانات. ويرون فقط في كل السلوك الحيواني 
اللعب القائم على آلية محددة. ويكمن وراء هذه الفكرة التأثير الديكارتي؛ 
ولكنه قد أعيد تدعيمها في علم النفس الحديث. 


«فالحيوان - كما يقرر ثورنديك في دراسته عن ذكاء الحيوان - لا يفكر 
أحدها كالآخر, ولا يُخَطَّىْ أحدها الآخر. إنها لا تفكر في الأشياء على 
الإطلاقء وإنما تفتكرها فحسب.. وما جري من اعتبار أن الحيوانات تأتي 
برد فعل إزاء إنطباعة حسية معينة ومحددة ومحققة تماماء وأن ثمة رد فعل 
مشابه لانطباعة حسية يختلف عن الأول يحقق ترابطأ بالتمائل = ليست إلا 
خرافة'. لقد أدت الملاحظات اللاحقة والأكثر دقة إلى نتيجة مختلفة. فلقد 
صار من الواضح في حالة الحيوانات العليا أنها كانت قادرة على حل المسائل 
الأكثر صعوبة وأنها لم تتوصل إلى هذه الحلول بمجرد طريقة AI‏ بالمحاولة 
والخطا. فالفارق الأكثر تمييزاً. كما يشير كيولرء يوجد بين مجرد الحل 
العرضي والحل الحقيقي» بحيث أن أحدهما يمكن تمييزه عن الآخر بسهولة. 
وما يعتبر على الأقل من أن بعض ردود أفعال الحيوانات العليا ليس مجرد 
نتاج الصدفة ولكنه موجه بالبصيرة يبدو لا جدال فيه . 


وإذا كان لنا أن نفهم الذكاء على أنه إما تكيف للبيئة المباشرة أو تعديل 
تواؤمي للبيئةء علينا ولا شك أن نتسب للحيوانات بالمقارنة ذكاء متطوراً 
بدرجة كبيرة. كذلك علينا أن نسلم أنه ليست كل الأداءات الحيوانية محكومة 
بوجود مثير مباشر. فالحيوان قادر على كل أنواع الالتفافات والتحويرات في 


(1) Edward L. Thorndike: Animal Inelligenee. New York, Macmillan, pp. 119. 








مإ طلم التقس الإنساني 


ردود أفعاله. فقد يتعلم ألا يستخدم أدوات فحسب بل وحتى أن يبتدع أدوات 
لأغراضه. وهنا لا يتردد بعض السيكوبيولوجيين في طرح تساؤلات عن تخيل 
إبداعي أو إنشائي لدى الحيوانات. ولكنء لا هذا الذكاء ولا ذلك التخيل من 
النمط المميز للانسان. وباختصارء ويمكننا القول Ob‏ الحيوان يتمتع بخاصية 
أساسية وهي التخيل والذكاء العمليء بينما ينمو لدى الإنسان وحده شكل 
agas‏ وهو: التخيل والذكاء الرمزي. 


وبالإضافة إلى ald‏ يبدو واضحا الانتقال في النمو العقلي لعقل الفرد 
من شكل لآخر- من مجرد الاتجاه العملي إلى الاتجاه الرمزي. لكن هذه 
الخطوة هنا هي النتيجة النهائية لعملية بطيئة ومستمرة. وليس من السهل 
بالطرق التقليدية للملاحظة السيكولوجية تمييز المراحل الفردية لهذه العملية 
المعقدة. إلا أن هناك طريقة أخرى للتوصل إلى بصيرة كاملة بالخاصية 
العامة والأهمية الفائقة لهذه الانتقالة. لقد أجرت الطبيعة ذاتها هناء إذا 
شئنا القولء تجربة تستطيع أن تلقي ضوءٌ غير متوقع على القضية موضع 
البحث. فلدينا الحالات الكلاسيكية عن «لاورا بردجمان» و» هيلين كيلر». وهما 
طفلتان معوقات بالعمي والصمم - البكم» قد تعلمتا الكلام بواسطة طرق 
خاصة. وبالرغم من أن هاتين الحالتين معروفتان جيداً وتم تناولهما غالبا في 
الكتابات السيكولوجية: إلا أنه ينبغي أن أذكّر القارئ بهما مرة أخرى لأنهما 
ربما يتضمنان أفضل إيضاح للمشكلة العامة التي تعنينا في هذا الصدد. 
سجلت السيدة «سوليفان» معلمة هيلين LS‏ التاريخ المضبوط الذي بدأت 
فيه الطفلة بالفعل فهم معني ووظيفة اللغة الإنسانية. ونقتبس كلماتها ذاتها: 


ينبغي أن أكتب لك هذا الصباح لأنه قد حدث شيء ما مهم للغاية. لقد 
قامت هيلين بالخطوة الهائلة الثانية في تعلمها. لقد تعلمت أن لكل شيء 
إسماء وأن الحروف الأبجدية اليدوية مفتاح لكل شيء تريد أن تعرفه... في 
هذا الصباح» حينما كانت تغتسلء أرادت أن تعرف إسم « الماء».حينما تريد أن 
تعرف إسم أي شيءء تشير إليه وتربت على يدي. تهجيت (W-a-t-e-r)‏ ولم 
تفكر فيه أكثر من ذلك إلى ما بعد الإفطار... (وبعد ذلك ذهبنا إلى عنبر 
المضخات» وجعلت هيلين تمسك بإبريقها تحت الصنيور حينما قمت بالضخ. 
وعندما اندفع الماء البارد ليملا الإبريق: تهجيت (W-a-t-e-r)‏ في يدها 























الفصل اثالث سس ببح 3 — 


الفارغة. وبتقارب الكلمة مع الإحساس بالماء البارد المندفع بين يديها قد بدى 
أنه قد أفزعها. وتركت الإبريق ووقفت مشدوهة bbe‏ 335 ولاح على وجهها 
ضوء جدید» وتهجت (W-a-l-e-r)‏ عدة مرات» ثم خبطت على الأرض وسألت 
عن إسمه وأشارت إلى المضخة واستدارت فجأة لتسأل عن إسمي فتهجيت 
«المعلمة» (teacher)‏ وفي كل طريق العودة إلى المنزل كانت منفعلة للغاية . 
وتعلمت إسم كل شيء لمستهء بحيث أنه في غضون ساعات قليلة أضافت 
ثلاثين كلمة جديدة إلى حصيلتها اللغوية. وفي صباح اليوم التالي نهضت 


لذلك بسرور بالغ ... ينبغي أن يكون لكل شيء إسم الآن. فحيثما نذهب تسأل 
بشغف عن أسماء الأشياء التي لم تتعلمها بالمنزل. وصارت شغوفة بالتهجي 
أمام أصدقائهاء وبتعلم الحروف لأي فرد يقابلها. وتركت الإلماعات والإشارات 
والتمثيل الإيمائي الحركي pantomime‏ الذي كانت تستخدمه من قبلء حالما 
توفرت لديها كلمات تحل محلها . وكان يزودها اكتساب كلمة جديدة بسرور 
عارم؛ وصرنا نلاحظ أن وجهها أخذ ينمو بطريقة أكثر تعبيرية كل يوم OD‏ 


ويمكن وصف الخطوة الحاسمة في الانتقال من استخدام الإلماعات 
والإشارات والتمثيل الحركي إلى استخدام الكلمات؛ أي إلى استخدام الرموزء 
بطريقة أكشر دقة. ما هو الاكتشاف الحقيقي لدى الطفل في هذه الحالة؟ 
لقد تعلمت هيلين كيلر سابقا أن تجمع شيئاً أو حدثا معينا مع إشارة معينة 
للحروف الأبجدية اليدوية: أي أن هناك ترابطا ثابتاً قد استقر بين هذه 
الأشياء وانطباعات لمسية معينة. ولكن سلسلة هذه الترابطات» حتى ولو 
تكررت وتضخمت لا تزال لا تتضمن فهماً عن ماهية الكلام الإنساني وما 
يعنيه. ولكي يتم التوصل إلى ذلك الفهم لابد أن يقوم الطفل باكتشاف جديد 
وأكشر أهمية. عليه أن يفهم أن لكل شيء Gul‏ - أن الوظيفة الرمزية لا 
تتقيد بحالات خاصة ولكنها مبدأ عام قابل للتطبيق يطوق كل ميدان التفكير 
الإنساني. في حالة هيلين كيلر cle‏ هذا الاكتشاف كصدمة مفاجئة. لقد كانت 
فتاة في السابعة من العمر تتمتع؛ فيما عدا الإعاقات المرتبطة بأعضاء حسية 
معينةء بحالة صحية طيبة وبعقل متطور النمو بدرجة هائلة؛ لكنها تأخرت 


(1) Helen Keller: The Study of My Life, Doubleday, Page & Co., 1903. 




















٣م‏ طم النفس الإنسسائي — 


كثيراً بإغفال تعليمها . ثم يحدث فجأة النمو الحاسم: إنه أشبه بثورة عقلية . 
ويبدأ الطفل في رؤية العالم في ضوء جديد . إنه يتعلم أن استخدام الكلمات 
ليس مجر إلماعات أو إشارات AUT‏ ولكن كأداة جديدة تماما للتفكير. لقد 
تفتح أفق جديدء وسوف يجول الطفل من الآن فصاعداًء وعن aab]‏ في المجال 
الأكثر اتساعاً وتحرراً على نحو مفتوح ومتطور. 


إذا نجح الطفل في إدراك معنى اللغة الإنسانيةء فلا يهم في أي مادة 
معينة يمكن التوصل إلى هذا المعنى. وكما تثبت حالة هيلين OLS‏ يستطيع 
الإنسان أن يبني عالمه الرمزي من المواد الأكثر إفقاراً وشحة. فالشيء ذو 
الأهمية الحيوية ليس الحجارة والطوب ولكن وظيفتها العامة كشكل بنائي 
هندسي. وفي مجال الكلام؛ تقوم الوظيفة الرمزية العامة للكلام ببعث الحياة 
في الإلماعات أو الإشارات المادية و«جعلها تتكلم». وبدون هذا «المبدأ الإحيائي» 
(vivifying principle)‏ سوف يظل العالم الإنساني حقيقة أصما أبكماً. لكن 
بهذا المبدأء يمكن أن يصبح عالم الطفل الأصم والأبكم والمكفوف أوسع وأغني 
بشكل منقطع النظير من عالم الحيوانات العليا. 


فالتطبيقية العامة؛ ارتباطاً بحقيقة أن لكل شيء إسماً. هي أحد 
الامتيازات الهائلة للرمزية الإنسانية. لكنها ليست بالامتياز الوحيد . فلا يزال 
هناك خاصية أخرى للرموز تصحب وتتمم هذا الامتيازء وتؤلف ترابطه الوثيق 
اللازم. فالرمز ليس Lale‏ فحسب ولكنه متغير للغاية. فأنا أستطيع التعبير 
عن ذات المعنى بلغات مختلفةء وحتى داخل حدود اللغة الواحدة يمكن التعبير 
عن فكرة معينة بأشكال مختلفة تمامآ. فالأمارة أو الإشارة ترتبط بالشيء 
الذي تشير إليه بطريقة ثابتة وفريدة. تشير أية أمارة واحدة محددة إلى شى 
واحد محدد. في تجارب بافاوف يمكن تدريب الكلاب بسهولة على أن تتوصل 
إلى الطعام حينما تسمع صوتا خاصا يختاره المجرب. لكن هذا لا يحمل 
مشابهةء كما فُسر ذلك غالبا بالرمزية الإنسانية؛ وإتما هوء على العكس. 
مناقض للرمزية. فالرمز الإنساني الحقيقي يتميز ليس بتجانسه ولكن بتنوعه. 
وهو ليس بجامد أو غير مرن ولكن متغير ومتحرك. حقيقة يبدو الوعي 
الكامل بهذه التغيرية على أنه قد تحقق متأخراً إلى حد ما في النمو الذهني 
والحضاري للإنسان. في العقلية البدائية نادراً جداً ما يتحقق هذا الوعي. 

















ا Y ety‏ — 
هنا Y‏ يزال الرمز كخاصية للش مثل الخصائص الفيزيقية الأخرى. 5 LIU‏ 
ما يتملك الأطفال شعور بالحيرة والارتباك حينما يتعلمون منذ البداية أنه 
ليس أي إسم للشى يكون «إسما ملائما» وأن الشى ذاته قد يكون له أسماء 
مختلفة تماماً في لغات مختلفة. إنهم يميلون إلى الاعتقاد GÀ ob‏ «يكون» 
بما يسمى به. لكن هذا يمثل خطوة أولى فحسب . فأي طفل عادي سوف 
يتعلم حالا أنه يمكن استخدام رموز متعددة للتعبير عن ذات الرغبة أو الفكرة. 
ومن الواضع. بالنسبة لهذه التغيرية والديناميةء أنه لا يوجد ما يقابلها في 
عالم الحيوان. 


ويبرز الآن جانب هام آخر لمش كلتنا العامة - مشكلة اعتماد التفكير القائم 
على إدراك العلاقات relational thought‏ على التفكير الرمزي. بدون نظام 
مركب للرموز لا يمكن أن يظهر إطلاقاً التفكير القائم على إدراك العلاقات: 
oly‏ يصل إلى نموه الكامل. وليس صحيحا القول بأن مجرد الوعي بالعلاقات 
يفترض Ehol‏ عقلياًء eol‏ للتفكير المنطقي أو التجريدي. ووعي كهذا ضروري 
حتى في الأداءات الأولية للإدراك. لقد اعتاد أصحاب النظريات الحسية 
وصف الإدراك كتركيب فسيفسائي (mosaic)‏ يتألف من بيانات حسية بسيطة. 
ودائماً ما يغفل أصحاب هذا الاتجاه الحقيقة بأن الإحساس ذاته ليس 
إطلاقاً مجرد حشد كومة من الانطباعات المتفرقة. وقد صحح هذه النظرة 
علم النفس الجشطلتي الذي بين أن أكثر العمليات الإدراكية بساطة يتضمن 
عناصر تركيبية أساسية: وهي نماذج أو صيغ معينة. وينس حب هذا المبدأ 
على العالم الإنساني والحيواني على السواء. وحتى في المستويات الدنيا من 
الحياة الحيوانية قد تأيد بالتجريب وجود هذه العناصر التركيبية - خاصة 
التركيبات المكانية والبصرية. ومن ثم لا يمكن اعتبار مجرد الوعي بالعلاقات 
كعلامة مميزة للوعي الإنساني. لكن نجد في الإنسان Und‏ خاصاً من التفكير 
القائم على إدراك العلاقات ليس له مقابل في عالم الحيوان. قفي الإنسان 
تنمو القدرة على عزل العلاقات: في معناها المجرد . فلكي يدرك هذا المعنى 
لم يعد الإنسان يعتمد على البيانات Ap salou!‏ المحددة على البيانات البصرية 
والسمعية واللمسية والحركية. وهو يعتبر هذه العلاقات فقط «في حد ذاتها» 
كما قال أفلاطون. والهندسة هي المثال الكلاسيكي لهذه النقطة التحولية في 














انج( نش كسس د طم النفس الإنساني 


ياة الإنسان العقلية. وحتى في الهندسة الأولية نكون غير مقيدين بإدراك 
أشكال منفردة حسية. فلا تكون مهتمين بالأشياء الفيزيقية أو الموضوعات 
الإدراكيةء لأننا بصدد دراسة علاقات مكانية عامة نمتلك إزاءها رمزية 
ملائمة للتعبير عنها . وبدون الخطوة الأولية للغة الإنسانية يتعذر تحقيق ذلك 
الإنجاز. لقد غدت هذه النقطة واضحة في كل الاختبارات التي قامت على 
عمليات التجريد أو التعميم لدى الحيوانات. وقد نجح كيولر في إيضاح قدرة 
الشمبانزي على الاستجابة للعلاقة بين شيئين أو أكثر بدلاً من الاستجابة 
لشيء معين. فإذا قدمنا صندوقين ممتلئين بالطعام» ob‏ الشمبانزي سوف 
تختار باستمرار. في ضوء التدريب العام السابقء الصندوق الأكبر - حتى 
ولو كان الشيء المعين المختار ينبغي في تجربة سابقة رفضه على أنه أصغر 
الصندوقين. وقد اتضحت مقدرة مشابهة على الاستجابة إلى الشيء الأكثر 
قربا أو نصوعاء أو زرقة من صندوق معين. وقد تأيدت واتسعت نتائج كيولر 
بالتجارب اللاحقة. ومما قد تبين أن الحيوانات العليا قادرة على ما يسمى 
ب «عزل العوامل الإدراكية» . فهي تتمتع بإمكانية استخلاص خاصية إدراكية 
معينة للموقف التجريبي والاستجابة وفقا لها. وفي ذلك تكون الحيوانات 
قادرة على تجريد اللون من الحجم والشكل أو الشكل من الحجم واللون. فضي 
بعض التجارب. كانت الشمبانزي قادرة على الانتقاء - من بين مجموعة من 
الأشياء المختلفة بدرجة هائلة في الخصائص البصرية — تلك التي تتفق في 
خاصية واحدة» فهي تستطيع: على سبيل المثال. التقاط كل الأشياء المتفقة 
في لون معين وتضعها في صندوق معين. وتميل هذه الأمثلة إلى أن تثبت أن 
الحيوانات العليا قادرة على تلك العمليةء التي يشير إليها «هيوم» في نظريته 
عن AB pall‏ على أنها «تحديد مميز للتعقل». ولكن كل المجربين المشتركين 
في هذه البحوث قد أكدوا أيضا على ندرة هذه العمليات وعشوائيتها وعدم 
اكتمالها. وحتى بعد أن تعلمت استخلاص خاصية معينة وأن تتحرك نحوهاء 
فإن الحيوانات عرضة لكل أنواع الأخطاء التي تبعث على الدهشة. وإذا كانت 
هناك آثار معينة لنوع من التعقل في عالم الحيوانء فإنها لا تستطيع أن تنمو 
لأنهالا بتلك الأداة الفريدة ذات القيمة البالغة والراسخة: وهي الكلام 
الإنسانيء أو نظام الرموز. 























الفصل اثالث سس ببح Y‏ — 


وقد كان «هردر» (Herder)‏ أول المفكرين الذين تناولوا هذه المشكلة ببصيرة 
نافذة. لقد تكلم كفيلس وف للإنسانية ينشد وضع القضية في سياق «إنساني» 
تماما. وإذ يرفض الآراء الميتافيزيقيةء يبدأ «هردر» بتعديل ناقد للقضية ذاتها . 
الكلام ليس شيئاً فيزيقيا قد نبحث له عن سبب طبيعي أو ما فوق الطبيعة. 
Aglae ail‏ وظيفة عامة للعقل الإنساني. ولا نستطيع. سيكولوجياء وصف هذه 
العملية بالمصطلحات التي كانت تس تخدمها مدارس علم نفس القرن الثامن 
عشر. والکلام» وفقا لهردرء ليس Gl‏ صناعياً fda)‏ ولا يمكن تناوله كميكانزم 
خاص من الترابطات. quA‏ «هردر» بكل اهتمامه. في محاولته لتبين طبيعة 
اللفة. على ما يسميه ب «التبصر» أو التأمل Reflection‏ يعني التبصر أو 
التفكير التأملي Reflective thought‏ قدرة الإنسان على استفراد عناصر ثابتة 
معينة من حشد كامل غير متميز ومن سياق تواتر ظاهرات حاسيةء وذلك 
بهدف عزلها وتركيز الانتباه عليها. 


يكشف الإنسان عن «التبصرية» (Reflectiveness)‏ حينما تعمل قوة روحه 
بحرية بحيث تستطيع أن تستلخص من كل محيط الإحساس موجة واحدة 
طاغية خلال كل حواسه؛ ويستطيع أن يوقف هذه الموجةء ويوجه الانتباه إليهاء 
وأن يكون Lael s‏ بهذا الانتباه. وهو يكشف عن التبصر حينما يستطيع: من 
كل الأطياف المتموجة من الصور المتدفقة خلال حواسه؛ أن يلم شمل نفسه 
في لحظة من اليقظةء ويستقر على صورة واحدة تلقائياً. يلاحظها بوضوح 
وبهدوء AST‏ > ويجرد الخصائص التي تبين له أن هذاء وليس أي شيء آخرء 
هو الموضوع. ومن ثم فهو يكشف عن التبصر حينما لا يستطيع فحسب أن 
يدرك كل الخصائص بوضوح ولكن حينما يستطيع أن «يتعرف» على واحد أو 
عديد منها كخصائص محددة.. والآن بأي الوسائل يتم هذا التعرف؟ خلال 
تلك الخاصية التي عليه أن يجردها ويس تخلصهاء والتي تقدم نفسها بوضوح 
كعنصر للوعى. حسنا إذنء دعنا نصيح: «اكتشفت» (Eureka)‏ (*) 1 هذه الطبيعة 
الأولية للوعي كانت هي لغة الروح: ومعها تطورت اللغة الإنسانية 2. 


يحمل هذا مظهراً للوحة شعرية أكثر مما يحمل مظهر التحليل المنطقي 


(*) قولة أرشميدس عقب اكتشافه قانون الثقل النوعيء وتعنى: «إكتشفت»»» «وجدت». (الترجمة). 
Herder: Uber den Ursprunk der Spruche “Werke”, ed. Suphan, V. 34.‏ )1( 











۳إ طم التقس الإنساني 


للكلام الإنساني. لقد ظلت نظرية «هردر» عن أصل اللغة تأملية تماماً. 
فهي لم تنطلق من نظرية عامة للمعرفة: ولا من ملاحظة للحقائق التجريبية 
(الامبيريقية). لقد قامت على مثله الأعلى للانسانية: وعلى حدسه العميق 
لطبيعة الحضارة الإنسانية وتطورها.. ومع ذلك» فهي تتضمن عناصر منطقية 
وسيكولوجية من الطراز الأكثر قيمة وأهمية. فكل عمليات التجريد أو التعميم 
لدى الحيوانات, التي درست ووصفت بدقةء يعوزها العلامة المحددة التي أكدها 
هردر. إلا أن نظرة هردر فيما بعد قد لقيت إيضاحاً وتأييداً غير متوقعين من 
ناحية أخرى تماماً. فقد توصلت البحوث الحديثة في ميدان علم النفس المرضي 
للفة إلى نتيجة بأن فقدان الكلام أو الإعاقة الشديدة له المترتبة على إصابة 
الدماغ ليست إطلاقاً ظاهرة منعزلة. ذلك أن إعاقة كهذه من شأنها أن تغير 
الطبيعة العامة للسلوك الإنساني. فالمرضي الذين يعانون من à LE‏ (الأفيزيا) 
أو غيرها من الأمراض المماثلة لا يفقدون فحسب القدرة على استخدام الكلمات 
ولكن يتعرضون لتغيرات عديدة في الشخصية. تلك التغيرات نادرأ ما يمكن 
ملاحظتها في سلوكهم الخارجيء لأنهم يميلون هنا إلى التصرف بطريقة سوية . 
فهم يستطيعون ممارسة مهام الحياة اليوميةء بل وينمي بعضهم مهارة طبيعية 
في كل الاختبارات من هذا النوع. لكنهم يبدون عجزاً تاماً بمجرد أن يتطلب حل 
المشكلة ثمة نشاطأ نظرياً أو تبصرياً معينا. فهم لم يعودوا قادرين على التفكير 
في مفاهيم أو فئات عامة. وبفقدانهم للسيطرة على العموميات, يلتصقون 
بالحقائق المباشرة: بالمواقف الحسية. فهؤلاء المرضي عاجزون عن ممارسة أي 
عمل يمكن تنفيذه فحسب بواسطة التفطن إلى المجردات. وينطوي كل هذا 
على أهمية AL‏ لأنه يبين لنا إلى أي حد يتوقف هذا النمط من التفكيرء 
الذي أسماه هردر بالتفكير التبصريء على التفكير الرمزي. 

وهكذاء بدون «الرمزية» تكون حياة الإنسان أشبه بحياة المساجين في 
الكهف كما شبهه أفلاطونء وتتقيد حياة الإنسان داخل حدود حاجاته البيولوجية 
واهتماماته العمليةء ولن تجد سبيلاً للدخول إلى «العالم المثالي» المفتوح أمامه 
من عالم رحب وآفاق مختلفة عن طريق gull‏ 5( والفن» والفلسفة»ء والعلم. 























االفصل الثالث ا ۳۷ 


يجد علماء النفس أن العملية المركبة عادة ما يمكن دراستها بدقة 
أكبر عن طريق التركيز على العناصر الأبسط. خاصة تلك التي يمكن 
عزلها في المختبر. ورغم ما لهذا الاتجاه من مزاياء فإنه يدفع Vus‏ 
فادحا. فبعض الجوانب الهامة من المشكلة تكون مهملة. وقد يصعب 
تكامل الحلول الجزئية الكثيرة في نموذج ذي معني. 


هكذا الحال مع التعلم. فقد نجمع بدقة قدر هائل من المعلومات 
من الدراسات على الحيوان: بينما لا يزال الكثير من الأسئلة المتعلقة 
بالبصيرة الإنسانية لم يجد إجابات له. وقبل أن نتمكن من بناء نظرية 
شاملة بحقء ينبغي أن يتكرس قدر عظيم من الجهد لفهم تلك الجوانب 
من التعلم المميزة للإنسان بشكل فريد. 


د ۳۸ e‏ النفس الإنساني — 
Qs)‏ 
نظرية التعلم المعاصرة والتعلم الانساني“ 
فرانك کوبلر 
(جامعة لويالا) 


إن أهمية التعلم وما يرتبط به من سيكولوجية الدافعية في ele‏ النفس 
المعاصر يمكن أن تتبدى من عبارة «بورنج» a (Boring)‏ ي كتابه «تاريخ علم 
النفس التجريبي» من أن لهذه الموضوعات الآن الحق في أن تقف كموضوعات 
أساسية في علم النفس التجريبي للإحساس والإدراك. 


يأخذ التعلم بالتدريج مركز الصدارة في علم النفس الأمريكي. فهو 
العامل الذي من خلاله يمكن أن نأمل في التوصل إلى فهم للتغيرات غير 
المرتبطة بعوامل الوراثة والنضج لدى الإنسان. وهو الميدان في علم النفس 
الذي من خلاله يمكن أن نأمل في التوصل إلى فهم ذلك الجانب عند الإنسان 
الذي يقدم المنظور الأعظم والأوحد للعمل بواقعية معه. 


ويمكن أن تتبدي بالفعل أهمية التعلم ارتباطاً بفهم الإنسان إذا وضعت 
في الاعتبار الأسئلة التالية: «كيف تتكون الشخصية الإنسانية/؟ ما الذي يؤول 
إلى «التكوينات الناقصة أو المختلة» LS. (Malformations)‏ هو الحال - على 
سبيل JUS‏ - في ظهور العصاب S‏ «كيف تُكتسب الأفكارة» «كيف تتكون 
العادات5»«الاتجاهات والآراء لدى الإنسان - كيف تتباور 5» «كيف كسب 
ويكتمل المشي والكلام والقراءة والتفكير والخصال والمشاعر الطيبة 3». 


علاوة على ذلك يمكن أن يتبدى تأثير وأهمية التعلم في علم النفس 
الأمريكي من الزيادة الواضحة في بحوث ودراسات التعلم المنشورة بالمجلات 
المتخصصة: وكذلك من فحص قائمة «الجمعية الأمريكية تعلم النفس» (APA)‏ 
والتي كان للكثير منهم إن لم يكن لمعظمهم اهتمام هائل بالتعلم ونظرية التعلم. 


(1) Frank J. Kobler. “Contemporary Learning Theory and Human Learning” in Magda 
B. Arnold & John A. Gasson, J, The Human Person. Ronald Press, New York, ch, II. 











— 4 eet الفصل‎ 


ونظرية التعلم أيضا ذات أهمية بالغة بالنسبة للنظرية العامة لعلم النفس» كما 
أن أهميتها قد تزايدت بالنسبة لعلم النفس الإكلينيكي. فالتعلم يبدو كما لو 
أنه يمسك بالمفتاح لحل الكثير من المشكلات المعقدة في علم النفس. 


وتتمثل الصعوبة التي LD‏ حينما نقرأ ما كتب عن نظرية التعلم في أن 
نجد نظرية تطوق بطريقة ملائمة الحقائق المعروفة:؛ تؤلف بين التفسيرات 
المختلفة في بناء معين. وتقدم إطاراً تجريبياً ملائماً يمكن فيه التصدي 
لمشكلات الطبيعة البشرية. الحاجة إذن إلى نظرية واسعة بدرجة كافية تحيط 
بكل أنواع التعلم لدى الإنسان.. ويبز النقد الأكبر الذي يمكن أن يوجه لنظرية 
التعلم المعاصرة في أنهاء باجتزائها للتعلم الإنساني وبتركيزها على الجوانب 
ذات الدلالة من التعلم قد أغفلت جواتب هامة على خد Lil glad aa‏ قد 
أنشأت نظاما من الأجزاء جعل من المستحيل تضمين النظرية عناصر أخرى 
أكثر حسما وأهمية عن الشخصية الإنسانية. ولكن ما تم في هذا الشأن 
بهدف التحديد العلمي هو معروف ومرغوب» كما أن ما جري من تقييد كان 
من أجل نشاط علمي متعمق ومن أجل تقدم ذات أهمية. 


ومن المفيد تفحص نظريات التعلم المعاصر في ضوء تطورها التاريخيء 
وفي ضوء حدودها وما فيها من قصورء ومن حيث علاقتها بنظرية بديلة 
ترح لتقوم بدورها الوظيفي في المسار السيكولوجي؛ وتقدم علاوة على ذلك 
مجموعة أكثر قبولاً من المبادئ لتفسير المشكلات المحيرة التي تفرضها الخبرة 
مع الشخص الإنساني. 


تعتبر المناقشة المنظمة للتعلم حدثاً جديداً نسبياً في ele‏ النفس» بداياتها 
في القرن العشرينء ولا تزال نظرية التعلم في أي فحوى شكلي أكثر حداثة, 
تلقى تقدما كبيراً في ele‏ النفس وتطبيقاتها في مجالات عديدة. لقد كان 
الاهتمام المبكر بالتعلم تجريبياً ومنهجياً بدرجة كبيرةء وهذا ما يتضح بصورة 
مميزة في أعمال «إبنجهاوس» عن الذاكرةء وأعمال «بريان وهارتر» عن اكتساب 
المهارات» وأعمال «ثورنديك» عن حل المشكلات لدى الحيوانات. وسابقاً على 
هؤلاء السيكولوجيين التجريبيين واتفاقاً مع التقليد الذي عملوا به: نوقش 
التعلم تحت موضوع التذكرء وعلى وجه الخصوص تحت موضوع الترابط. 


























— — qmi النفس‎ ale sess 184. 


وقد كان التعلم: وفقا للعلماء الارتباطيينء عملية اكتساب خبرات حسية تعرف 
«بالأفكار». 


ليس ثمة تساؤل حول صحة ربط نظرية التعلم المعاصرة بالتقليد 
الارتباطي لأن Je.‏ أصحاب نظريات التعلم الحالية يعترف بالعلماء الارتباطيين 
من نمط أو آخر. والاستثناء الأعظم من هذا هو أصحاب نظرية المجال الذين 
ينبع تقليدهم من أفلاطون من خلال «ليبنتز» (Leibnitz)‏ و«كانت» (Kant)‏ إلى 
علماء نفس الجشطلت المحدثين. 


لقد حدد أرسطو في مقاله الموجز عن الذاكرة المبادئ الأساسية للارتباط 
التي أخذت تسيطر على نظرية التعلم. ولسبب غامض أخذت آراؤه تخبوء أو 
فُسرت بطريقة مختلفة حتى نالها الإحياء في القرن السابع عشر والازدهار 
في القرن التاسع عشرء حيث اعتبرت بشكل معدل على أنها الأساس الوحيد 
لكل العمليات العقلية. 


ولقد مهدت الآلية والثنائية والتفاعلية الاصطناعية التي أتى بها ديكارت 
إلى نشأة المدرسة الارتباطية كما نراها متجسدة في نظرية التعلم» وهيأ فكرة 
لأعمال علماء لاحقين, لدينا نظرياتهم اليوم. فكل النظريات الحديثة للتعلم 
تنبع من نظرية المعرفة عند ديكارت. وهنا تتضح الفجوة التي خلقها بين 
العقل والبدن Ley‏ ينبغي تجاوزها بشكل ما في نظرية شاملة ملائمة. 


تتمشل سيكولوجية التعلم الجديدة التي تعارض التبسيط المتناهي للفرض 
الارتباطي. في الاتجاهات التجريبية fie‏ أعمال «ماربى» (Marbe)‏ عن التفكير, 
و «آخ» (Ach)‏ عن الميول المسيطرة:؛ و «بينيه» «Binet»‏ عن حل المشكلات» و(جود) 
(Judd)‏ عن انتقال أثر التدريب. (وفرنالد ) (Fernald)‏ عن الذاكرة. 


من هذا التطور التاريخي نشا اتجاهان كبيران في نظرية التعلم: الأولء 
وهو النظريات الترابطية:؛ والثاني. وهو نظريات المجال التي كانت ثورة 
على قصور البنيوية والساوكية والترابطية. يشير (هيلجارد) إلى أن العلماء 
الارتباطيين المحدثين يفضلون تأكيد تأثير Atal!‏ واعتبار «الكليات» wholes‏ 
وفقا لبنيتها من عناصر مكونة» والتركيز على السلوك الاستجابي بدلاً من 











— X3 th الفصل‎ 


الاستبطان. فهم يذهبون إلى ما هو أفضل من النماذج الآلية: وإلى الِعلية 
الموجهة تاريخياً. أما أصحاب نظريات المجال: من ناحية أخرى. فهم من 
القائلين بالفطرية Nativism‏ ويركزون على «الكليات» وفقا لنموذجها وتنظيمها 
الفريدين. وهم ينجذبون نحو الإدراك والأفكار (أكثر من الاستجابات) كمواد 
للتحليل. فنماذجهم ديناميةء وتأكيدهم على العليّة الراهنة: ويتناولون الحاضر 
بالحاضر وليس بالماضي. 


ويمكن أن تتضح الاختلافات والتشابهات بين نظريات التعلم الترابطية 
والمجالية بتتاول نظريات «ثورنديك» «وهل» و«تولمان» و«ماورر»: 


يعرف ثورنديك «نظرية الترابطية» (Connectionism)‏ على أنها نظام 
للعمليات العقلية يتألف من توظيف الترابطات الفطرية والمكتسبة بين المواقف 
والاستجابات. وهو عالم ارتباطي. نظامه فسيولوجي أساسا لكن بطريقة 
غامضة: وحيث يسلم بترابط «واحد لواحد» في النيرونات العصبية بين المثير 
والاستجابة. والتعلم بالنسبة له. هو الناتج النهائي لكل خبرات الفرد متجمعة 
معا. ويستخدم ثورنديك الأفعال المنعكسة والغرائز بالإضافة إلى العادات 
لتفسير التعلم. ومن أساسيات فهم نظرية ثورنديك في التعلم ما يسميه 
بقوانين التعلم» وهي من نمطين: قوانين الأثر Ay‏ والتدريب والتكرار؛ 
والقوانين الثانوية مشل الانتماءء والانتقال الارتباطي» والحالة. ويمشل قانون 
الأثر أكثر القوانين أساسية في نظام ثورنديك. وهو يقرره على النحو التالي: 
«رباط متغير يقوى أو يضعف بقدر ما يصاحب وجوده من سرور أو ألم». 
ولقد تمثل قانون الأثر في هذه القضية الأساسية التي حول قبولها أو رفضها 
Gas‏ نظريات التعلم. ويمكن أن نعتبر ثورنديك Whe‏ نفسياً من أتباع مذهب 
Ult Psychological hedonism 321‏ أن مبدأ اللذة — الألم أساسي بالنسبة 
لتوظيف قانون الأثر الذي ذهب إليه. ولقد اعتقد ثورنديك لسنوات كثيرة 
أن للذة والألم أو للشواب والعقاب تأثيرات مشابهة على التعلم. إلا أنه كنتيجة 
لمزيد من التجريب» عدل آراءه لكي يؤكد على الثواب ويقلل من العقاب» ورقض 
قانون التدريب» لأنه اكتشف أن الممارسة تكون فعالة فحسب بقدر ما تسمح 
للعوامل الأخرى أن ed‏ وهي العوامل التي تحدد حقيقة ما إذا كان التعلم 
سوف يتحقق أم لا. فالترابطات تصير أقوي بإثابتهاء وليس فحسب بتكرارها . 

















YíY —‏ ا انتم ل لس حم تنكم النفس iy)‏ — — 

وثمة ظاهرة أكتشفها ثورنديك تعرف «بامتداد 58 , « (Spread of effect)‏ 
تشير إلى تقوية الترابطات القريبة مباشرة من تلك الترابطات التي تتعلق 
بالشواب. وهي تعمل إلى الخلف وإلى الأمام في نفس الوقت. وتتضاءل بالتدريج 
كلما تخلت عن نقطة الأصل. وهذه كانت نتيجة تجريبية هامة للترابطية لأنها 
تؤيد قانون الأثر والتأثير الآلي لهذا القانون على الترابطات. وفي ذلك لم 
تكن ثمة حاجة إلى رمز أو فكرة تتناول التعلم. إلا أن التجارب اللاحقة قد 
ينت أن مبادئ التنظيم» وليس امتداد الأثرء هي التي ينبغي أن يعتمد عليها 
التفسير للتعلم. وتستبعد نظرية ثورنديك في التعلم الأفكار أو أي عنصر للوعي. 
فنظريته تعتبر نوعاً آلياً من السلوكية لا تملك إلا القليل؛ أو ليس لهاء مما تفعله 
حيال تلك الأنشطة الإنسانية مثل المعني أو الفهم. هذه النظريات تكون ملائمة 
لتفسير معظم عمليات التعلم لدى الأطفال؛ وذات أثر كبير في ميدان علم النفس 
التربويء وإن كان غير مناسب على طول الخط. فهي لا تفسر التعلم لدى الكبار 
إلا على المستويات الأكثر أولية. 


أما (La)‏ فيركز JA‏ اهتمامه على السلوكية المنطقية التي تعتمد على 
التحليل الرياضي. وتتحدد محاولته الأساسية باختزال كل التعلم حتى ذي النمط 
الأكثر بنائية وتعقيداً إلى تعلم آلي بسيط. لقد تناول القوانين الأساسية لهذا 
التعلم الأخير برجاء إمكانية تطبيقها على التعلم برمته gh‏ ارتباطها به بطريقة 
مناسبة. إن المبدأ الأساس في نظام «هل» هو ببساطة الارتباط REL‏ بخفض 
التوتر. ويتولد نشاط الكائن الحي بالحاجة إلى خفض التوتر التي تعتمد على 
موضوعات الهدف. وتتلخص نظرية التدعيم هذه على النحو التالي : لكي يتم 
التعلم» على الكائن الحي أن يتطلب شيئاً ماء وأن يلاحظ شيئا ماء وأن يفعل 
شيئاً ماء وأن يحصل على شيء ما (میلر ودولارد). يؤكد «هل» بوضوح على 
العوامل الخارجية أو السلوكية ويسعى إلى أن يجد لها أساساً فسيولوجياً. ويربط 
الأهداف بالكائن الحي على أساس تدرجها: مراتب الهدف. بقول آخرء بقدر ما 
يرتبط النشاط بالهدف» بقدر ما يكون التعلم أكثر فاعلية. وهذا ببساطة إعادة 
تقرير بطريقة سفسطائية لقانون التجاور. وبالنسبة لهذه النظريةء يعتبر تحقيق 
الهدف وخفض التوتر أشبه بالمبداً الكلاسيكي الخاص بالإثابة أو اللذة وهنا 
نكون أمام شكل معدل من فلس فة اللذة Hedonism‏ . لقد ابتدع e] a»‏ مجموعة 




















eet الفصل‎ 


من المسلمات المعقدة للغاية التي عرضها للاختبار والتي تطوق سلسلة ما يعرف 
بالمتغيرات الوسيطة أو العوامل داخل o SISTI‏ الحي التي تؤدي إلى ترسيخ المثير 
والاستجابة. 


تعتبر نظرية «هل» عن التعزيز من خلال خفض التوتر بالغة الدقة في 
نظامه» وهي إقرار علمي بطريقة متقنة لفلسفة aoc HE‏ كما أنها ترتبط بما 
هو حقيقي في التعلم. ومع ذلك يستخدمها «هل» كمبدأ واحد لتفسير التعلم 
برمته. حتى ذلك النمط من التعلم الأكثر تعقيداً. ليس ثمة بينة تجريبية 
تؤيد هذا الزعم» كما أن الحس العام ينكره. فبعض التعلم يتم بسبب التجاورء 
في حين أن معظم التعلم - أو معظم الأداء على نحو أدق - يتحقق كنتيجة 
لخفض الحاجة. ولكن التعلم أيضا هو نشاط إدراكي ومعرفي يحدث على 
مستويات متعددة من التنظيم» وينبغي أن يتم توسيطه بواسطة مبادئ متعددة 
من التنظيم. فعلى سبيل SLAM‏ تميل التجارب على التعلم الكامن latent‏ 
learning‏ الذي يرتبط بهذه الآراءء إلى تقويض النظام المعقد والمتقن برمته 
الذي ابتدعه aJa»‏ 


تمثل نظرية (تولمان) في التعلم» وهى المعروفة «بنظرية الرمز - المدلول» 
(sign- significate theory)‏ نظامآً أكشر اتفاقاً يؤلف مجموعة كافية وملائمة 
من المبادئ لتفسير تعقيدات التعلم الإنساني. ويبدو أنه بواسطة مزيج مختلط 
من الفطرية والسلوكية مع لمسة من اللاشعور المتحول تتطور النظرية في 
التعلم. وهناك اتجاه إلى هذا في نظام تولمان: ويوضح التركيز على هذا 
النظام العلاقة بين الانتقائية eclecticism‏ والإحساس العام. فنظام تولمان 
يمزج بين الارتباطية والمجالية. وهو يستخدم الغرض والملاحظة الموضوعية 
والمعرفة والمتغيرات الوسيطة كعناصر أساسية في نظامه. ويؤكد أن الكائنات 
الحية تستجيب إلى «الرمز - الصيغة» (sign - gestalt)‏ وليس إلى مثيرات. 
والتعلم» بالنسبة (oU gd‏ ليس عملية اقتران شرطيء» ولكنه عملية تقوم على 
التوقعات وابتداع حلول قد تؤدي إلى الأداء. ورغم ذلك لا يعتبر تولمان 
«عقلانياً» (Mentalistic)‏ طالما أن الغايات التي تنظم السلوك «محتومة 
«lue guage‏ ويتناول السلوك على أنه سلوك كتلي أكثر منه سلوك جزئي ذري- 
ذلك السلوك الذي يعكس الاهتمام Ley‏ يمكن ملاحظته أكثر من التركيز على 














'í£í& —‏ للم م تكلم النفس qi‏ — 


ما هو فسيولوجي أو عقلاني. وفي هذا يهدف نظام «تولمان» إلى الاتجاه نحو 
علم لعلم النفس وليس للفسيولوجيا أو الفلسفة. 


وأحد الجوانب الأكثر تحدياً واهتماماً في نظرية التعلم عند تولمان» 
هي تطوير مبدأ المتغيرات Aa gll‏ وحيث يؤكد على المعرفة وعلى الغرض 
وبالتالي يكون أقرب إلى نظام يمكن الانتفاع به. وثمة جانب آخر يبعث على 
الاهتمام في نظامه: Taye‏ «التعلم بالرمز — الصيفة» (sign-sestalt learning)‏ 
الذي قدمه كبديل للتعلم الاستجابي response learning‏ الأكثر شيوعا. 
مضمون هذا التعلم أن الكائن الحي الإنساني يتعلم «معاني» وليس استجابات 
أو حركات. وبالتالي ينأى بهذا التعلم عن التفسير الآلي ويتجه به إلى تفسير 
غرضي للتعلم. وقد تجمع قدر هائل من البينة التجريبية المتعلقة بالتعلم 
الكامن والتعلم المكاني والتوقع لتأييد وجهة النظر هذه. 


ولكي يفسر كيف أن البناء المعرضي يُنشّط السلوك بدون ركون إلى 
مبدأ التعزيز أو إلى قانون الأثرء لجأ olli‏ إلى خاصية معينة من الدافعية. 
فالمتعلم. في نظامهء يكتسب المعرفة من خلال العلاقة بين الوسيلة - الغاية 
بدرجة كبيرة؛ وتأثير الاهتمام أو الميل. فنحن نتعلم تلك الأشياء التي ننتبه 
إليهاء أو نهتم بهاء أو تقع في دائرة ميولنا. 


يتمتع نظام ol tg‏ كما أشرناء بمزايا محددة ترقي به على الأنظمة 
الأخرى. لكن نظرية تقوم على سيكولوجية الفيران: بصرف النظر عن مدى 
زيفها وملائمتها للفيران. سوف تعاني من تعقيدات وتحديدات معينة حينما 
تطبق على الكائنات الحية الإنسانية. يعترف توان نفسه بهذا في تفسيراته 
التعميمية للبيانات الإكلينيكية والحضارية. 

لقد واجه أصحاب نظريات التعلم الذين حاولوا المقارنة بين نظم التعلم 
أو الذين حاولوا المصالحة أو التوسط بينهاء مشكلة صعية. Lai‏ ما يتصدى 
أصحاب نظريات التعلم المختلفة لمش SUS‏ مختلفة: أو يتصدون لمش كلة بعينها 
على مستويات مختلفةء وهنا تصير المقارنات صعبة أو مس تحيلة. 


وربما يكون أكبر جانب للنقد يمكن توجيهه هو أن كل هذه النظم هي نظم 














الفصل اثالث سبحب © — 


جزئية. فهي تفسر جانباً من عملية التعلم الكليةء ثم تقزع إلى التعميم من 
هذا القطاع الجزئي إلى تفسير لكل التعلم الإنساني. ويمكن أن تتضح أهمية 
هذا التفسير بطريقة غير مباشرة حينما نقارن ACIE‏ التجريبية في تلك 
المجالات التي فيها يعمل أصحاب النظريات على مشكلات حاسمة وخاضعة 
للمقارنة. فمثلاً. في مجالات التعلم الكامن: والتواصل مقابل اللاتواصل في 
التعلم الفارقيء والتعلم المكاني مقابل التعلم الاستجابيء نجد نتائج مختلفة 
وتقريرات مختلفة بواسطة باحثين مختلفين تناولوا مشكلات متشابهة أساسا. 
بعض النتائج تؤيد نظرية معينةء ونتائج أخرى تؤيد نظرية أخرى. في حين أن 
البعض الآخر قد يقدم سنداً لأي نظرية. 

ويمكننا أن نأمل في توفر حد أدنى لنظرية ملائمة في التعلم تجمع 
شمل العمليات التي أقرها تجريبياً أصحاب النظريات المختلفة. ويبدو في 
الإمكان أيضا ضرورة وجود نظرية مختلفة تماما لتفسير التعلم الإنسانى. إلا 
أنه من المعقول أكشر أن نفترض أن التعلم نشاط يتحقق على عدة مستويات: 
oly‏ نظريات التعلم قد عملت على أدنى المستويات الممكنة اهتماماً بعلم يقوم 
على الاقتصادية أو القلة. ويبدو من غير المحتمل وجود عملية واحدة للتعلم. 
وقد بين أصحاب النظريات الجشطلتية. ضمن ما عَلّموه لناء أن هناك عمليات 
للتعلم تختلف Ls‏ عن التعلم بالاقتران الشرطي والتعلم بالمحاولة والخطأ. 


يؤكد «مان» (Munn)‏ أنه لا توجد نظرية واحدة من هذه النظريات qld‏ 
اعتبارا كافياً لقضية أساسية؛ وهي كيفية تعلم الاستجابات الجديدة. فإذا كان 
ثمة استجابة ينبغي أن تحدث قبلما يمكن أن تتدعم أو تعلم» فكيف يمكن 
أن تتعلم حينما تكون استجابة جديدة5 هنا يمكن فقط أن نضع في الاعتبار 
مجموعة جديدة من الاستجابات: كنظرية جديدة في التعلم» على سبيل المثالء 
تؤكد على العمليات الإدراكية والتفكيرية التي تستثار بواسطة المثير. ويبدو 
هذا معقولاً على المستوى الإدراكي ويمكن أن يش كل قاعدة لتوظيف عمليات 
التفكير. ومع ذلك فلكي نفسر ظاهرات fie‏ الاستبصار والقصد والفروض» 
هناك نظريات متطورة تتصدى لهذه القضايا. 


ثمة نظرية حديثة في التعلم تحمل بشائر طيبة لأنها تبدو كما لو أنها 











سايإ طم النفس الإنساني 


تعمل في الاتجاه الصحيح من حيث تطويقها لكل الجوانب المتعلقة بالطبيعة 
الإنسانية - تلك هي «نظرية العاملين» (Two — factor theory)‏ التي قدمها 
«ماورر». وأحد الأسيات التي تفسر لماذا تبعث هذه النظرية خاصضة على 
التحدي أنها تبدأ في بناء جسور بين التعلم والشخصية ومشكلات علم النفس 
الإكلينيكي. وعلى هذا الدرب تسعى إلى «أنسنة» نظرية التعلم الأمريكية. 
تعكس نظرية «ماورر» ما ظهر من تقييدات أدركها عدد متزايد من العلماء 
لما لوحظ على نظريات التعزيز والارتباط بصفة عامة. تقصر نظرية العاملين 
عند «ماورر» مصطلح «الاقتران الشرطي» على تعلم الاستجابات الانفعالية أو 
المحتومة بالاستقلال الذاتي: التي يمكن تفسيرها وفقا لمبدأ التجاور. ويستخدم 
«ماورر» سلوك حل المشكلات لتفسير التعلم بالتعزيز ومن خلال عمليات 
توسيطية بالجهاز العصبي المركزي. وهذا التخلي عن الأخذ بالمبدا الواحد 
في تفسير التعلم يتفق أكثر مع حقائق التعلم الإنساني بالرغم من التعنت 
الذي قد ينشأ من التنافر بين مبدأ التعدد مع «مبداً الاقتصاد أو القلة» 
(parsimony)‏ الذائع الأخذ به. في نظرية ماوررء يبدو هذا التخلي عن مبدأ 
الاقتصاد قضية يمكن الدفاع عنها oY‏ العاملان المقترحان يقومان على نظامين 
فسيولوجيين محددين» وهما: «النظام العضلي الهيكلي» skeletal muscular)‏ 
وهالنظام الحشوي - الوعائي» .(Viscero - vascular system)‏ ويعتبر 
الأخذ بعمليتين أساسيتين للتعلم» أحدهما عملية حل المشكلات والأخرى 
الاقتران الشرطيء فرضا أكثر رصانة فيما يتعلق بالتعلم. أما محدوديتهء 
فتتمثل في إخفاقه في وصل وترابط هذه المستويات من التعلم» أي وصل 
العمليات الحشوية الداخلية والحسية والإدراكية: بالبصيرة أو نشاط الأنا. 


ثمة مشكلتان كبيرتان تواجهان صاحب النظرية الذي لا يرغب في مثل 
هذا التوسع» وهما: عوامل الصراع الإنساني والحقيقة التي تقرر أن الكائن 
الحي الإنساني يعمل بطريقة مميزة في ضوء المستقبل أكثر منه في ضوء 
الماضي. ويرتبط هذا بالخاصية المميزة للإنسان: وهي الكلام الرمزي الذي 
يمثل التحدي الأعظم لنظريات التعلم المبتورة المعاصرة. فالاهتمام بسيكولوجية 
«تضمين الأنا» Las (ego - involvement)‏ من التأكيد على دور وأهمية 
التفكير والإرادة في نظرية منظمة للتعلم. 




















الفصل الثاللث YN I‏ — 
ونجد .في ميدان العلاقات الإنسانية السوية الناضجة لدى الراشدينء» 
دلائل لرفض قانون الأثرء ومبدأ التعزيزء ومبداً اللذة (أولبورت). 


وهنا يبدو التخلي عن هذه القوانين كعلامة مميزة لمرحلة الرشد الناضجة. 
وذلك ما يكشف عن القيود الكامنة في نظرية العامل الواحد أو حتى في 
نظرية العاملين في التعلم. فأن نعمل بطريقة رمزية: أي أن نعمل في وحدة 
مع «تضمين الأنا»- إنما يعني خروجا على المبادئ المستخدمة في تف 
التعلم على المستويات الأدنى. فحينما أشعر al VG‏ وحينما أعمل بوحي من 
الإحساس بالفخر Sally‏ وحينما أضحى. وحينما أنجح في أن أكون فاضلاً.. 
عندئن أرتطم JS‏ ما هو ارتباطي» وجداني (سعياً وراء اللذة)» وأتطلع إلى 
مستويات أعلى للإرتقاء النفسي. وإذ أقوم Uy‏ فإنني أحقق مستويات ترقى 
على الاقتران الشرطي أو المحاولة والخطأ أو إدراك حل المشكلات. وحيث يكون 
التركيز على «الأنا» كمبدا لتفسير كل ما هو مميز للإنسان «في نفسي» وإن كان 
غالبا ما يبعث على عدم الارتياح. فالتعلم والسلوك قضية بيولوجية:؛ وجدانية 
(سعيا وراء 33( وأخلاقية (ماورر وكلوكهوهن). 


ومن الأهمية بمكان أن نقر بأنه إذا كان لنظرية التعلم أن تقوم على 
الارتباطية (الاقتران الشرطي) ٠‏ والوجدانية (حل (ISM‏ وعمليات الأنا 
المنطقيةء فإن الأخيرة تقوم على الارتباطية والوجدانية وتشتق منهماء بينما 
تحتفظ في نفس الوقت بخاصيتها المميزة الأساسية. وتعتبر فكرة «الاستقلال 
الوظيفي» (functional autonomy)‏ إيضاحا لإمكانية Jal‏ هذه الجوانب 
داخل النسق العلمي الذي يؤدي بذاته إلى الإثبات التجريبي (أولبورت). 


وتمثل مش US‏ المعنى وفكرة الضمير إيضاحين طيبين للحاجة إلى نظرية للتعلم 
تعترف بهذه المستويات الثلاث. وإذ يعمل التعلم بالاقتران والتعلم بالمحاولة والخطأ 
بطريقةآلية: فإنه ينبغي التسليم بعامل ثالث يتناول الطبيعة المركبة للضمير. 
والضمير كبناء أو وظيفة أو عمل بأحكام معنوية هو بالضرورة نتاج للتعلم» ويتطلب 
بالتالي تكاملاً في نظرية التعلم. ونرى في تقييم عامل الضمير محدوديات نظرية 
)5 , . فالإثابة الذاتية (self — reward)‏ للضمير تس تطيع أن تتغلب بسهولة على 
أقسى عقاب داخلي أو خارجي؛ وعدم استحسان الضميرء كما يتضح في مشاعر 




















eee CA —‏ — نكمم النفس الإنساني 
الذنب مشلاً. يمكن أن يطيح بأكثر حيل الإثابة فاعلية من الناحية الموضوعية. 


فالسلوك المتعلم» الذي يكون متكاملاً عند هذه المستويات الأرقى أو 
المميزة للإنسان بصفة خاصة: يتطلب اتساقاً ضرورياً بين أعمال الذات أو 
الأنا والضمير. ولكي يتحقق تكامل التعلم على هذا النحوء من الضروري 
توفر قوة منطقية عقلية. والوظيفة المسيطرة لهذه القوة العاملة بهدف التكامل 
تتحقق على مستوى تجريدي أو رمزي» وعلى ما يتمخض من مترتبات لاحقة 
أو حاضرةء وتنظمها في وحدة فعالة. أما وظيفة الأنا فترتبط بالضميرء الذي 
يعقر Hind‏ متطما Sle gf‏ متلفة (pe uid‏ إلى ماهو ظيب::وقمل ,على تكاملة 
داخل الشخصية برمتها. 


ويعتبر السلوك غير المتكامل أو العصابي - سلوكا متعلماً تفاعلت فيه 
النواتج المرجأة والحاضرة بطريقة غير ملائمة. فمحور العصاب هو ما قد 
فعلناه وما كان علينا ألا نفعله. وليس هو ما يمكن أن نفعله ولكن Y‏ تسمح أنفسنا 
به (ماورر). إنه ذلك التفاعل الداخلي بين الأنا والضمير الذي قد يؤدي إلى 
التوافق أو الفشل في التوافق؛ الأمر الذي يكشف عن الحاجة إلى مبدأ ثالث 
للتعلم. هذا المبدأ يعتبر إنسانياً بصفة مميزة وبالتالي منطقياً وعقلانياً. 


فالعصابيء i3‏ هو ذلك الشخص الذي يكشف بوضوح صارخ عن 
الحاجة إلى تضمين عامل ثالث في نظرية ملائمة للتعلم. فالإغفال الواعي 
للضمير بواسطة الأنا يبدد الشعور بالذنب ويستبدله بالإشارات العصابية 
للقلق وإدانة الذات. فالأنا لا يستطيع أن يتناول بفاعلية هذه المشاعر لأنه 
لا يملك ثمة علاقة «حقيقية» بالأحداث التي تخلق شعوراً بالذنب. وحينما 
نتعلم أن نكون على بصيرة واعية بهذه العلاقة. إنما نتعلم التوافق. وحينما 
يعطينا ضميرنا لذة أكثر مما يعطينا Leif Lal‏ نتعلم أن نكون في أحسن 
موقف ممكن لاستمرار السعادة الإنسانية. ويتناقض هذا مباشرة مع المبدأ 
الفرويدي الذي يقرر أن السعادة وظيفة لتحرير الحياة الغريزية والعدوانية 
بشكل ملائم من «ضمير زائد التعلم» .(overlearned conscience)‏ فحينما 
نتعلم أننا لم نعد قلقين أو شاعرين بالذنب بطريقة عُصابية حيال ما قد 
فعلناه أو حيال كيفية إغفالنا لحفزاتنا المعنوية (وليس حينما نتعلم أن نحرر 

















الفصل اثالث سبحب ٤4۹‏ 


اندفاعاتنا المكبوتة- فهذا يؤدي إلى العصابية والسيكوباتية). عندئذ يمكن أن 
نعتبر أنفسنا أشخاصا متوافقين. فآن نكون متوافقين يعني التمييز على نحو 
ملائم بين القلق والذنب السويين والقلق العصابي الذي يهدر طاقات الكائن 
الحي الإنساني. ولا يستطيع التعلم بالاقتران الشرطي وبالمحاولة والخطأ أن 
يفعل هذا من أجلنا. أما البصيرة الواعية كعامل ثالث فحسبء فهي التي 
تسمح بالتوافق الأقصى على المستوى الإنساني. 


يبدو واضحا من كل هذا أن نظرية شاملة في التعلم ينبغي أن تتضمن 
العوامل الثلاث: التجاور (contiguity)‏ والثواب (reward)‏ والحرية 
(freedom)‏ ويكمن في الأخير (الحرية) - الشعور بالالتزام؛ وبالضميرء 
وبالواجب - وهو الجانب الحاسم المميز للتعلم الإنساني بطريقة فريدة. وسواء 
تعلم المرء أن يصير شخصاً راشداً ناضجا أو عصابياً إنما يتوقف ذلك على 
مجموعة cl all‏ ومجموعة الاتجاهات» ومجموعة Ji‏ التي تعلم أن يكاملها 
داخل نموذج متسق أو غير متسق للشخصية . وإذا طرحنا سؤالاًء كيف يتعلم 
المرء أن يسلك في ضوء («من الواجب «ele‏ أو («ele lal d»‏ نستطيع أن نرى 
العوامل الحاسمة التي تغفلها نظرية التعلم. وفي مجال الضميرء وخاصة 
كما يتعلق بالخصائص الأخرى المميزة للإنسان: نحتاج إلى عامل «التعقلية» 
(mindedness)‏ لتفسير توافق الإنسان وإبداعاته. إن هذه القضايا الخاصة 
بنظرية التعلم وما تنطوي عليه من أهمية بالغة؛ تمثل حداً أدنى في ele‏ 
النفس المعاصر ما لم تقدم فرصة للتحقق العلمي أو التجريبي. وإذا لم تقدم 
هذه المبادئ في إطار تصميم تجريبي يجعل من تحقيقها الموضوعي أمراً 
ممكناء فسوف تكون ذات قيمة علمية ALi‏ رغم ما قد تبدو عليه من نفعية 
وصدق في ضوء الإحساس العام. 


وإذا كان للتجريب أن يهتم بالعامل الثالث الحاسم» وهو «العامل المنطقي 
العقلاني» (rational factor)‏ لنظرية منظمة في التعلم» فهو مجبر على 
استخدام الكائنات الحية الإنسانيةء وليس الفيرانء كمفحوصين. فالإنسان 
يتعلم عن طريق الاقتران الشرطي أو الارتباط؛ ويتعلم عن طريق حل المشكلات 
أو التعزيز؛ لكن ما يميز التعلم الإنساني بصفة خاصة هو كونه «تعلماً منطقياً 
وعقلانيا» وتعلماً يقوم على «تضمين الأنا» فيه. وتلك وجهة رئيسية للبحث 




















yo, —‏ طم التقس الإنسسائي س 
العلمي ينبغي أن ينحو إليها بدون تعيين لتفاصيلها. وليس هناك من سبب 
يفسر لماذا لا تطرح برامج البحوث الخاصة بالتعقلية والإرداية والضمير 
بطريقة منظمة وفقا لخطوط مشابهة لتلك التي اقترحها أصحاب «نظريات 
المستوى المنخفض» (Low - level theorists)‏ على الفيرانء أو على المناشط 
الأدنى من التعلم الإنساني. علينا أن نبتدع مواقف تجريبية لا تحجب هذه 
العناصر في الإنسان: وهي العناصر الأكثر فائدة في فهم ما يتفرد به من 
تعلم وتوافق وإبداع إنساني. 











الفصل a‏ ١۵ا‏ 
القصل الرابع 
تعقي j‏ الب کن(“ 
يبدو «العقل» و«البدن» مثل معظم الكلمات في حصيلتنا اللغوية العادية: 
ككلمتين بسيطتين للغاية. كل فرد يعرف ما هو الجسد. وكل فرد يفهم معنى 
العقلء أو هكذا يتخيل حتى يسعى إلى تحديدهما بطريقة أكثر دقةء ثم قد 
يكتشف تطبيقات خفية للمصطلحين لم يكن ليتوقعها من قبل. 


لقد بدت العلاقة بين العقل والبدن» لقرون عديدة: كما لو كانت لا 
تمثل مشكلة معينة. تناولها أرسطوء على سبيل JÈN‏ في ضوء «التآلفية» 
(Compositionism)‏ حيث يعتبر الإنسان BLS‏ واحداً متكاملاً. وليس بإثنين. 
فالعقل والبدن مصدران جزئيان غير مكتملين بالضرورة في حد ذاتهماء 
وينتظمان بطبيعتهما ليكمل أحدهما الآخر. وفي وحدة أوثق من وحدة 
الأكسجين والهيدروجين, والتي لا تفقد هويتها في تكوين الماءء يمتزج العقل 
والبدن ليش كلا كائنا إنسانياً Loe‏ العقل خاصية لمصدر جزئي مسئول عن 
صيرورة تلك العناصر المادية والحيوية إنساناً أكثر من أي شيء آخر. وإذا كان 
لأرسطو أن نواجهه بالميل الحالي إلى توحيد التفكير بنشاط المخ» فمن المحتمل 
أنه لم يكن ليعترض بشدة. العقلء في نظريتهء يمشل عضواً إنسانياء وليس 
مجرد مادة جامدة غير حية. ولا يكون للعقل والبدن وجود منفصل في الكائن 
الحي الإنساني. ١‏ 


أما المشكلة الحديثةء فقد نشأت من الطريقة التى جعل بها «ديكارت» 
العقل والبدن في حالة من التعارض والتناقض. لقد صورهماء باس تخدام 
نموذج الحصان وراكبه: ككيانين محددين منفصلين تماماً أحدهما عن الآخر 
عدا وجود نقطة اتصال متملصة تتموضع في الغدة الصنوبرية. وقد مهد له 
ذلك السبيل لتناول البدن كتركيب أشبه بالماكينة. ولكن فحسب على حساب 
الإطاحة بفكرة وحدة الشخصية. وإذ ظل العقلء كما يعتقد ديكارت؛ منغلقاً في 
اليدن لا يتصل بالحواس: فكيف نكون واعين به خارج الأشياء كما نخبرها؟ 


(*) Minding the body 











الها اا سس سس د طم التقس الإنساني 


فلن يكون للعقل نوافذ مفتوحة على العالم. ومن الصعب على ديكارت كذلك 
تفسير تأثير التفكير على العمليات الجسمية في حالات التنويم المغناطيسي 


والأمراض السيكوس وماتية. وإن لم تكن هناك إمكانية للتفاعل بين العقل 
والبدن» فلن يستطيع أن يؤثر أحدهما في الآخر. 


إن أحد مزالق التورط في معضلة الشائية العويصةء هي أن نتناول الإنسان 
كعقل أو بدنء وليس كلاهما. aal‏ اعتبر (بركلي).: الفيلس وف الأيرلندي» كل 
الموضوعات المادية على أنها انعكاسات للعقلء وأنها ليست بأكثر مادية من 
أحلام اليقظة أو الاسترجاعات بالصور المتحركة في رواية سينمائية. والأستاذ 
في قاعة المحاضرة يعمل بوهم أنه يحاضر للطلاب في ذلك المكان. وفي 
الواقع؛ لا توجد قاعة المحاضرة خارج sali‏ والمتلقون هم عقول وأفكار. إن 
عالم الواقع من الاقناع بحيث يطرح لهذه المفارقات حلولاً شائعة. 


وقد يميل الفكر السائد إلى تفضيل «الأَحَّدية» (monism)‏ عملاً بمبدأ 
غائي واحد» ولكن من نوع مخالف: يوجد البدن وليس العقل. فالتفكير نشاط 
كيميائي - كهربي لملايين الخلايا المخية ينساب في نماذج مركبة خلال اللحاء 
والجذع المخيين. وإذا كانت هذه النظرية تتمتع بميزة البساطةء فإنها لا تقترب 
بالمشكلة إلى الحل. فثمة تباين هائل بين الوعي بالمعنى وإنسياب الدوائر 
الكهربية بصرف النظر عما تتصف به من تعقيد . وإذا كانت الأحداث العصبية 
بوضوح هي متعلقات Sail‏ > فإنها لا تقدم تفسيراً كاملاً. 


ويوجد موقف مشابه حينما يستدعي شخص صديقه على التليفون. 
فالصوت ومعناه يتم حملهما وتوصيلهما بواسطة ذبذبذات في جهد الخط» 
لكن هذه النظرة الإجرائية الضيقة لا تأقي ضوءاً كثيراً على الطبيعة الحقيقية 
للتفكير التواصلي. 


وربما يمكن إزالة بعض العقبات التي تعترض حل المشكلة عن طريق 
تحليل الطريقة التي تتكون بها مفاهيم البدن والعقل. حينما نتأمل في الكائن 
الحي الإنساني وخبرته المباشرة, نكتش ف أن بعض العمليات ترتبط بالقوى 
الأصلية للطبيعة بطريقة أوثق من غيرها. فالحركة والهضم والتمثيل الغذائي» 











— 38 ests الفصل‎ 


على سبيل المثالء يمكن تفسيرهما بش كل ملائم في ضوء الفيزياء والكيمياء 
والبيولوجياء في حين أن التفكير والاختيار لا يمكن تفسيرهما كذلك. هذه 
الملاحظات وغيرها تستخدم كأساس لمفاهيم البدن والعقل. ويمكن تحقيق 
المزيد من صقل هذه المفاهيم بواسطة التركيز على ما بينها من تناقض. فكل 
منهما هو ما لا يكون الآخرء أشبه إلى حد ما بوصف الذرة الموجية للضوء في 
ميكانيكا الحركة التموجية. وما ننتهي إليه هو تكوينات منطقيةء وليس كيانات 
حقيقيةء فليس العقل والبدنء سواء بمفردهما أو باتحادهما Las‏ بالكائن الحي 
الإنساني. لكنهما تمثيلات مجردة لشيء ما موجود بطريقة مختلفة تمامأ في 
إنسان حقيقي. 

وهنا تصير المشكلةء كنتيجة AI‏ معقدة بطريقة لا تبعث على الأمل 
بسبب الحقائق المصطنعة المتعلقة بتصور الم AIS‏ الأمر الذي يؤدي إلى إعاقة 
القضايا الأساسية. فليس هناك من تنافر بين العقل والبدن في الناس كما 
نعرفهم» ولكن فحسب في فكرنا عنهم. 














— النفس الإتسسائي‎ e og 


يحاول «ويزدوم» في الدراسة المختارة التاليةء إعادة تفحص العلاقة 
بين العقل والبدن من وجهة نظر جديدة. يقدم علم المغنطيسية الكهربية 
نموذجا من الطبيعة لظاهرتين محددتين بطريقة قابلة للملاحظة 
ويتفاع لان غالبا كما لو أنهما ظاهرة واحدة بعينها. وبرغم أن «ويزدوم» 
يقاول هذه القضايا على أساس من الثنائية: إلا أنه يمكن تطويع هذا 
النموذج لتصورات نظرية مختلفة. وسواءًٌ وجد القارئء أم لم يجد.ء اقتناعاً 
Lies‏ قدمه هذا العالم من مضاهاة بين علاقة العقل - البدن والمغنطيسية 
- الكهربية؛ فمن المحتمل أن يستثير هذا النموذج تفكي را أصيلاً عن 
مشكلة أزلية في علم النفس.. 


— [1 فخ‎ et el 
QO) 
نموذج جديد‎ 
© العلاقة العقل - البدن‎ 
ويزدوم‎ .c 
(مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية)‎ 

-١‏ مشكلة الوجود: 

يقصر المحللون اللغويون الذين يكتبون عن علاقة العقل - البدنء أنفسهم 
على مشكلات معرفية: أو على بعضها. وقد طرحوا أسئلةء مثل: كيف أن 
عقلا واحداً يعرف عن وجود polities‏ عقل آخر من سلوك البدن؟ تلك أسثلة 
لا Ling‏ في هذا الصدد» ولن أتساءل عما هو مقصود من قضايا علاقات 
العقل- البدن» فما يهمني فحسب هو مش AIS‏ الوجود التقليديةء التي سيطرت 
على الفلسفة في الماضي» خاصة اعتباراً من ديكارت فصاع داً: والتي نادراً ما 
نوقشت على مر عصور طويلة. وهدفنا هو أن نعرض لوصف نموذج يعبر عن 
علاقة عامة بين العقول والأبدان. 

انطلاقا من الافتراض بأن العقل والبدن شيئان بشكل أو بآخرء يمكن 
تقسيم النظريات المعروفة عن العلاقات الممكنة بينهما على النحو التالي: 


(Y)‏ العقل بؤثر في البدن والبدن يؤثر في العقل (التفاعيلة أو ثنائية التفاعل). 


(Y)‏ تتوازى الأحداث التي تقع في العقل مع الأحداث التي تقع في البدنء 
والعكس صحيح» بدون ما تفاعل بينها (التوازية أو ثنائية التوازي). 

epiphenomenalism العقل إلى البدن (منحى الظاهرات المضافة‎ 35 3(Y) 
أو الأحدية المادية)».‎ 

sid (E)‏ البدن إلى العقل (المثالية أو الأَحّدية المثالية). 


(*) J. O. Wisdom: A new model for the mind - body relationship. Brit. J. Phil - Sci., 
1952, 2, 295-301. 


س ple, pot‏ الثقس الإثسسائي — 
(0) 353 العقل والبدن إلى شيء ثالث (الاحدية المحايدة). 


تنشاً «التوازية» (parallelism)‏ بسبب الصعوبات التي تكتنف «التفاعلية» 
.(Interactionism)‏ وتكمن أحد الأسباب الرئيسية لتبني الأحدية في صعوبة 
تقبل أي شكل للثنائية. وإذا كان للتفاعلية أن تلقى soya‏ اثرء فسوف يختفي 
جانب كبير من السبب الذي يدعو إلى التمسك بأي نظرية من النظريات 
الأخرى. ومن المحتمل أن الصعوبة الأساسية تتمثل في أن نفهم بأي آلية 
(ميكانزم) يتم التفاعل بينهماء وذلك من وجهة النظر الثنائية بأن العقل والبدن 
لا يقبلان عزو أو رد أحدهما للآخر. ولكي نتغلب على ذلك أقدم نموذجاً عن 
«اللاإختزالية» (irreducibility)‏ أو عدم القابلية للإختزال (اختزال العقل في 
البدن: والعكس). في ارتباطها بالتفاعل بين العقل البدن. ويعرض لنوع ملائم 
من التفاعل بينهما. 


-Y‏ طبيعة النظريات التوحيدية: 


هناك اعتقاد عام بأن نظريتين يمكن توحيدهما بطريقة واحدة؛ أي 
بواسطة «رد» الواحدة إلى الأخرى. ويمكن أن يتم هذا ولا شك. فنظرية الضوء 
على أيدي «ماكسويل» قد ردت إلى نظريته الكهرومغناطيسية. وهنا يعني «الرد 
إلى» نفس الشيء الذي يعنيه LBL aes‏ من». وهذا المعنى هو الذي يكمن 
وراء تلك المحاولات أو النزعات العقيمة التي تتشد, مشلا «رد» البيولوجيا إلى 
الفيزياءء وهكذا 


SI‏ ثمة معنى آخر وحتى أكثر أهميةء فيه يمكن أن تتحد نظريتان 
(Yà 3)‏ وأنه بواسطة النظرية (ن) يمكن استقراء 3 Y3‏ بشكل منفصل إما 
كحالات خاصة أو كحالات تقريبية (وقد تنعكس هذه أحدها على الأخرى). 
بهذا المعنى نجد أمثلة هامة عن «النظريات التوحيدية» :(unifying theories)‏ 
فنظرية الجاذبية لنيوتن قد وحدت قوانين السرعة لجاليليو وقوانين حركة 
الكواكب لكيبلرء والنظرية الكهرومغناطيسية لماكسويل قد وحدت قوانين 
فاراداي وأمبيرء ونزعت نظرية أينشتين عام 116١‏ إلى توحيد نظريته في 
الجاذبية عام 1410 وعلم المغنطيسية الكهربية. والنقطة الهامة هنا أنه لا 

















— oY ty الفصل‎ 


يمكن استقراء أي النظريتين (VSN)‏ من الأخري: فقوانين كيبل ر لا يمكن 
استقراؤها من قوانين جاليليوء ولا قوانين جاليليو من كيبلر. 


وأفضل مثال للتوحيد بالنسية للأغراض الحاليةء تقدمه النظرية 
الكهرومغناطيسية. في حالات معينة يمكن أن ندرس الظاهرات الكهربية أو 
الظاهرات المغنطيسية بطريقة Speke‏ بدون ما اعتبار للأخرى؛ ونستطيع أن 
نحصل على قوانين تتعلق بأي من هذه الظاهرات التي لا تحال للأخرى. 
ولذلك. فإن القانون المغفنطيسيء الذي يقرر بأن القوة بين قطبين تتناسب مع 
قوتهما وتتناقص مع مساحة المسافة بينهماء لا ينطوي على إحالة إلى المفاهيم 
الكهربية. eL Ta‏ فإن القانون الكهربي: الذي يقرر بأن انسياب التيار خلال 
موصل كهربي يتناسب مع فارق الجهد بين نهايتيه. هو مستقل عن المفاهيم 
المغنطيسية. ومن ناحية أخري» توجد أيضا علاقات بين الكهربية والمغنطيسيةء 
تعزى بداية اكتشافها إلى أمبير وفاراداي واستكملها ماكسويل. يمكن التعبير 
عن قانون أمبير بأن القوة المغنطيسية المستثارة بتيار كهربي تحمل علاقة كمية 
بسريان ذلك التيار. ويؤكد قانون فاراداي أنه إذا تحرك مجال مغنطيسي في 
مكان بحيث أن خطوط السريان المغنطيسية تقطع المُوَصّل الكهربي. ينشا تيار 
كهربي في الموصّل تكون قوته الدافعة الكهربية متناسبة مع معدل التناقص 
الذي قطعت فيه خطوط السريان الموصل الكهربي. ورغم أن هذه القوانين 
تخدم الغفرض الحاليء لكنه يكون من الأجدي أيضا تناولها بشكل عام كما 
عرضها ماكسويل بعدما قدم عاملاً غير معروف لأمبير أو لفارداي. إن كل 
العلاقات بين الكهربية والمغنطيسية تتضمنها معادلات ماكسويل. 


بهذه المعادلات: إذا وفرنا التيار والقوة الدافعة الكهربية نستطيع حساب 
المجال المغنطيسي المستثار؛ وإذا وفرنا المجال المغفنطيسي نس تطيع حساب القوة 
الدافعة الكهربية وبالتالي التيار. وهنا يتضح تماما مدى التأثير المتبادل. فبصفة 
Aale‏ لا يوجد تيار بدون مجال مغنطيسي. ولا مغنطيسية لا GARB‏ تياراً. 


وسواء اعتبرنا عمومية هذه القوى أمراً موضع جدل: فإنها ليست بذات 
أهمية بالنسبة للأغراض الحالية. ومن الناحية التصورية يعتبر هذا أمراً abe‏ 
وهذا ما يكفي لبناء نموذج. ورغم هذا الاعتماد المتبادلء نس تطيع غالبا العمل 




















— الإنسسائي‎ oil طم‎ vo 


Le‏ مع الكهرباء أو مع المغنطيسية على حدةء ونتناول التغيرات في أحدهما بدون 
أن نهتم بالأخرىء مثلما نتتاول المقاومة في موصل كهربي أو القوة بين قطبين 
مغنطيسين. وقي بعض الحالات من الضروريء طبعاًء أن نضع في الاعتبار تلك 
التغيرات في الكهربية التي تستثير مجالاً مغنطيسياً يعدل بدوره من التيار 
الكهربيء لكن بالنسبة لأغراض معينة لا يعتبر هذا أمراً هاماً. 


نستطيع أن نرى الآن أن النظريتين (YSN)‏ ولتكونا الكهربية والمغنطيسيةء 
تحتاجا لئلا تفقدا ذاتيهماء فلا يمكن استقراؤهما بطريقة متبادلةء أحدهما من 
الأخرىء» ولا يمكن رد مفاهيم أحدهما إلى الأخرىء لأننا لا نستطيع العمل حتى 
من حيش المبدأ مع مفاهيم واحدة Logia‏ فقط. وما يعنيه هذا أنه لا يمكن رد 
نظرية إلى أخريء لقد وجد ماكسويل أن الضوء شكل خاص للموجة الكهربية 
المغنطيسية. ومعنى هذا أن نظرية الضوء ليست بنظرية من نوع مختلف عن 
نظرية الظاهرات الكهرومغناطيسية.. فالضوء ببساطة موجة كهرومغناطيسية 
ذات طول موجي معين. ومن الطبيعي أن نحتفظ بمفهوم الضوءء لأننا مهتمون 
خاصة بالموجات الكهرومغناطيسية مع ذلك الطول الموجي الذي نربطه بالضوء. 
وبرغم ALIS‏ تفقد نظرية الضوء ذاتيتها المستقلةء فيمكن ردها إلى النظرية 
الكهرومغناطيسية (وبصورة دقيقة:؛ يرتبط الضوء ليس بطول موجي واحد 
ولكن بمجموعة صغيرة منها). 

ولنلخص الآن العلاقات الكهربية المغنطيسية. تعتمد ظاهرات هذين 
المجالين بطريقة متبادلة على أحدهما الآخر. ومن ناحية أخريء تعتبر 
ظاهراتهما مستقلتين من حيث عدم رد أحدهما للأخرى لأن مفاهيمها لا 
ترد أحدها إلى الأخرى. ومن ناحية ثالثة: Usi Ms‏ نستطيع تناول الكهربية 
والقوانين الكهربية بدون رجوع إلى المغنطيسية: والعكس صحيح؛ وسواء أكان 
هذا صحيحا على وجه التقريب فحسب أو صحيحاً في ظروف معينة فقط» 
نستطيع أن نقرر أن كل مجال له «استقلال ذاتي» معين. 


-Y‏ نموذج ثنائي: 


سواء كانت الكهربية توجد أو لا توجد بدون المغنطيسية:؛ أو المغنطيسية 











١۵١۹ i221 الفصل‎ 

بدون الكهربيةء فإن تلك مسألة ليست موضع اهتمامنا. فالصلة الوطيدة 

بين الاثنين تكفي كنموذج تقريبي للنموذج الذي ننشده. ولا تلزمنا النظرية 
التوحيدية لماكسويلء كل ما يلزمنا هو : 


-١‏ قوانين تربط الظاهرات الكهربية أحدها بالأخرى بدون رجوع إلى 
المغنطيسية: وقوانين تربط الظاهرات المغنطيسية أحدها بالأخرى بدون رجوع 
إلى الكهربية. 


-Y‏ طريقة للإنتقال من الظاه رات الكهربية إلى المغنطيسية؛ كما يقدمها 
قانون أمبيرء وطريقة للإنتقال من الظاهرات المغنطيسية إلى الكهربية: كما 
يقدمها قانون فاراداي. وعلى هذا النحو يكون لدينا مجالان من الظاهرات. 
يوصفان بمجموعتين من المفاهيم وينتظمان بنظريتين. ومن خلال نظرية 
توفيقية. فالمجالان مستقلان بالضرورة: ولكنهما في ظروف معينة يمكن أن 
يعملا بطريقة مستقلةء أي أنها مستقلان. وهاتان المجموعتان من المفاهيم 
والنظريتان لا يمكن رد أحدهما للأخرى؛ إذن لدينا نموذج يمكن اعتباره 
نموذجا «شائيا». 


ونستخدم هنا هذا المصطلح للتعبير عن أي التئام أو نموذج يمكن وصفه 
فحسب بواسطة مجموعتين من المفاهيم. وهو «اللاإختزالية» أي عدم رد 
إحداها إلى الأخرى» في حين أن المجالين المرتبطين من الظاهرات معتمدان 
في الحقيقة؛ ولكن برغم التأثير المتبادل يتصف كل مجال باستقلال ذاتي 
معين. وفي هذا الصدد aa‏ أي معنى يرتبط بكلمة «ثنائية» في الفلسفة. 


والقصد من النموذج أن نبين أن الصعوبة المتعلقة ay gies‏ التفاعل لا تظهر 
في النموذج الكهرومغنطيسي للتفاعل. 


والآن يمكن أن ننتقل إلى مشكلة العقل - البدن: تمكننا عمومية النموذج 
الثنائي من تناول البدن وعقله كشيئين بشكل أو بآخر. وتمكننا هذه العموميةء 
بتحديد أكثرء من عمل تقريرات توفيقية بين مجالي العقل والبدنء يعبر بعضها 
عن قوانين عامة. لذا يمكن أن يكون لدينا: «حينما يحقن الأدرينالين في الد 
يشعر العقل المرتبط به بالاستثارة»» و «حينما يكون العقل في حالة من الغضب 














سإ سس د طلم النفس الإنساني 


يرتفع مستوي الادرينالين في أوعيته الدموية المرتبطة به». هنا لدينا قوانين 
للتفاعل ثنائي الاتجاهء أشبه بقوانين أمبير وفارداي. ومرة أخرى. إرتباطاً 
بالاستقلال الذاتي في كل مجالء يمكن أن تكون لدينا قوانين فسيولوجيةء مثل 
القانون الذي يقرر أن « مرض الكلية يؤدي إلى زيادة ضغط الدم»» وهو أشبه 
بقانون فارق الجهد في مُوَصّل كهربي. ويمكن أن تكون لدينا قوانين نفسيةء 
مثل القانون الذي يقرر أن« استدعاء المقاطع المتعلمة غير ذات المعنى يتناقص 
بالنسبة للوغارتيم الوقت» وهو أشبه بقانون القوة بين قطبين مغنطيسيين . 
لكن الاستقلال الذاتي في أي المجالين يبقى تقريباً فحسب ما دام لا يوجد(١)‏ 
تأثير كبير على المجال الآخرء (Y)‏ وتغير كبير في ذلك المجال من أي مصدر 
آخر. فيمكن أن تكون لدينا ظاهرات ذات تأثير متبادلء ومن ثم «يهضم 
الإنسان وجبة عادية معينة في حوالي أربع ساعات» وذلك فقط في الحالات 
الإنفعالية العاديةء وإذا تعرض شخص لخوف مفزع فسوف لا يهضم وجبته 
في ذلك الوقت أو ربما على الإطلاق. كذلك القضية التي تقرر أن « الخوف 
من الرسوب في الامتحان قد يؤدي بالشخص إلى أن يعمل بهمة» قد تتعرض 
لتدخل عوامل أخري» وقد يحدث أن خوفه من الرسوب يؤدى إلى قرحة BY‏ 
عشرء وما يترتب عليها من آلام تمنعه من التركيز في عمله». وبالإضافة إلى 
ذلك يقدم النموذج لنا إمكانية من نوع معين للاختيار: فإذا أردنا زيادة مجال 
مغنطيسي» نستطيع أن نفعل هذا إما بواسطة إضافة المزيد من المغنطيسيات 
أو بواسطة تمرير تيار كهربي؛ وإذا أردنا زيادة تيار كهربيء يمكن أن نفعل هذا 
Laf‏ بواسطة إدخال تيار إضافي أو بواسطة تدوير مغنطيس. وعلى هذا النحو 
إذا أردنا زيادة الغضب الذي يشعر به شخص حيال ملاحظات مؤلمة نستطيع 
أن نفعل ذلك عن طريق جعل ملاحظتنا باعثة على مزيد من الإيلام أو عن 
طريق حقن الأدرينالين: وإذا أردنا تغيير تكوين الدم لدى شخص. نس تطيع أن 
نفعل هذا إما بواسطة حقنة في داخل الوريد أو بتقديم معلومات إليه تبعث 
على الخوف. ويمكن أن نقرر بصفة UT Aale‏ يمكن أن نحدث تغيرات عقلية 
(أو تغيرات جسمية) إما بوسائل عقلية أو جسميةء مثلما نستطيع أن نحدث 
تغيرات مغنطيسية (أو تغيرات كهربية) إما بوسائل مغنطيسية أو كهربية. 


وفقا للنموذج: الذي فيه لا يمكن أن توجد الظاهرات المغنطيسية بدون 














الفصل الرابع د ا١١س‏ 


ظاهرات كهربية والعكس صحيع: يكون للعقل والبدن مكانة السيادة بدون حق 
الانشقاق بينهما . فبينما Y‏ يترك النموذج مجالا لعقول متجردة من الجسد. ولا 
يعطي أفضلية للأجساد في ابتداع المتاع الرئيسي على الأرض؛ ومن ثم فهو 
نموذج لا يقدم عقولاً بدون أجسادء كما لا يقدم أجساداً حية بدون عقول. 


والنموذج آيضا Y‏ يحجب النشاط المباشر لعقل على عقل آخر؛ فإذا كان 
العقل أشبه في النموذج بالمجال المغنطيسيء يستطيع مجال مغنطيسي أن 
يفرض تأثيراً مباشراً على مجال مغنطيسي آخر. 


ومن الواضح أن النموذج يختلف بجلاء عن النموذج الكلاسيكيء الذي 
وضعه » جييلينكس» Geulinex‏ عن ساعتين متزامنتين وإن كانتا غير متصلتين 
-٤‏ حدود النموذج: 

لا يثبت النموذج المزدوج أن هناك تفاعلاً بين العقل والبدن. وإنما يجذب 
الانتباه إلى حقيقة غير A aglia‏ مأخوذة عن علم الكهرومغناطيسية: الذي 
يبدو مطابقآ ل «اللاإختزالية» والاعتماد الوجوديء والاستقلال الذاتي.. وهذا 
من شأنه أن يزيل الغموض عن التفاعل بين العقل — البدن. 


وإذا كان لأحد أن يعترض ob‏ هذا النموذج يزيل غموض التفاعل بين العقل 
والبدن بنفس القدر الضثيل الذي يزيل به غموض التفاعل الكهرومغناطيسي» 
فإنه ينبغي الاعتراف بذلك؛ فلم تجر ثمة محاولة لإزالة أي غموض قد يوجد 
حيال التفاعل الكهرومغناطيسي. فإذا شعرنا بغموض ذلك. فإن كل ما يمكن 
إيضاحه هو أن مشكلة العقل - البدن قد لقيت تعميما واهتماما لأنها من 


نوعية معينة. 


والنموذج يستبعد «التوازية» (parallelism)‏ بدون تفاعلء ولكن لا يستبعد 
إمكانية نوع معين من التوازية بين المجالات العقلية والبدنية. وهذه التوازية ينبغي 
أن تكون أقل بساطة بكثير في طبيعتها مما قد افترضه مؤيدو الاتجاه التقليدي. 


قد يؤدي استخدام قوانين أمبير وفارادي وماكسويل إلى إحباط الأماني. 








٣ -—‏ طلم التقس الإنساني 


وليس من المقترح أن القوانين الواصلة بين العقل والبدنء مثل تلك القوانين 
التي استخدمتها للإيضاح. تتمتع بآي شيء أشبه بعمومية وتحديد القوانين 
الكهرومغناطيسية. وقد نأمل التوصل إلى قوانين عامة ومحددة جداً من 
هذا النوع» ولكننا لم ننجح بعد في هذا . وتعتبر القوانين الواصلة بين العقل 
والبدن» مثل قوانين ماكسويلء قابلة للإقرار في عبارات كمية دقيقة: لكنه لا 
ينبغي إغفال أن الكثير من هذه القوانين في الحقيقة هي قوانين «كمية» برغم 
عدم إمكانية تقديم أرقام محددة: فالقانون يفترض بصفة عامة أن درجة من 
عدم المسئولية لها علاقة كمية بمقدار تعاطي الخمور (بالرغم من أنه يرتبط 
بطبيعة الحال بأشياء أخرى كذلك. مثل التكوين الفردي للشخصية). مثل هذه 


ken 


الحدود بعد كل شيء هي ضئيلة ولا تؤثر في استخدام النموذج. 


ومن الأهمية أن S$‏ بالرغم من النموذج: أن كل فكرة التفاعل بين العقل 
والبدنء التي تتألف من اللاإختزالية والاعتماد الوجودي والاستقلال الذاتي 
قد تتحول إلى أن تصبح غير قابلة للدفاع عنها. فكل ما يرجي من تصميم 
النموذج أن يجعل من المعقول تماما طرح واستنباط أنواع معينة من الفروض 
عن العقول والأبدان. 











۱٦۳ et الفصل‎ 


لقد وجد» إبان العقود الماضية» أن بالعقل أبنية متعددة تسهم 
بطريقة حيوية فعالة في الأنماط المختلفة للسلوك. توضح الدراسات 
الفذة التي قام بها «أولدز» و«فون هولست» و«فون سانت بول» فاعلية 
غرس أقطاب كهربية في استدعاء تشكيلة واسعة من الاستجابات التي 
يمكن التنبؤ بها . وعندما يقف الطالب من هذه التجارب على أن العلماء 
يفهمون الآن جيداً كيف يقوم العقل بوظائفهء فإن الفكر السائد سوف 
يقنعه أنه بينما قد رجعت حدود الغموض إلى الوراء خطوات ALS‏ فإن 
سر الوعي يبقي معززأ JS‏ إصرار كما كان من قبل. كيف يتم تفريغ 
العَصّبات (النيورونات) في حالة شعور فرد بالانشراح بشروق الشمس 
أو الشعور بالبهجة في حضرة صديق؟ فكل الاندفاعات. بصرف النظر 
عن وظيفتهاء تنشا بواسطة حركة الأيونات 1015 خلال غشاء الخلايا 
مقترنة بإطلاق مادة قادحة عند طرف المحور axon terminal‏ في سياق 
المنظومة العصبية.لماذا ينبغي إذن أن يرتبط الاندفاع بحركة عضلة لدى 
yak‏ وأخرى بالتفكير الإبداعي لدى أينشتين؟ وبالرغم مما تحقق من 
تقدم هائل في علم فسيولوجيا الأعصاب. فإن دور عَصّبات (نيورونات) 
لحاء المخ في التفكير هو موضع اهتمام وبحث مستمر. 


يإ ع النفس الإنساني — 
(AY)‏ 
الدماغ والعقل C?‏ 
جيرارد فون بونين 


(كلية الطب - جامعة إلينوي) 


يعني الدماغ والعقلء بالنسبة للكثيرينء تشريح الدماغ والعقل. وفي 
الحقيقة أن التنظيم التشريحي يفرض قيوداً مستمرة على الطرق التي يمكن 
أن يعمل بها الدماغ. ولكنه يترك الطريقة التي يعمل بها بالفعل غير محددة 
بدرجة كبيرة. LISS‏ يُعرف العقل أساساً بوظائفه. ولكن ثمة أيضا قيوداً 
مفروضة عليه بواسطة أشياء مثل الأخلاق أو الطبائع. في أي حدث؛ قد 
يكون من الصواب القول أنه بالنسبة للدماغ, نفكر yl‏ في التشريح» وبالنسبة 
للعقل. نفكر أولاً في وظائفه؛ ولكن في كلتا الحالتين. من الأهمية بمكان ألا 
نفض البصر عن الجانب الآخر. 


الخلايا العصبية: 


سوف نبدأ بوقفة قصيرة على تشغيلات الخلايا العصبية. الكثير من 
البيانات المتعلقة بالخلايا العصبية مشتقة بالفعل من الأعصاب الطرفيةء 
غالبا الأعصاب الحسية. وهذه تتلقى دفعاتها من أعضاء تتعرض لاستثارات 
مستمرة طويلةء مقارنة بمدة الدفعات العصبية. هذه الاستثارات: بالإضافة 
إلى ذلك» ذات قوى مختلفة فى أوقات مختلفة. كذلك: فى الجهاز العصبى 
المركزي توجد دائماً الخلايا العصبية 3 ي مجموعات هائلة. es‏ أن مسلوك 
خلية واحدة ليس مؤشراً حقيقياً لما يحدث في الدماغ حينما يستقبل مثيراً 
ما.وفي هذا الإطارء Lies‏ نستعرض بإيجاز بعض الخصائص الأساسية 
(*)G. von Bonin: Brain and mind. In S.Koch (Ed.), Psychology: A Study ofa Science.‏ 


Vol. 4. Biologically oriented fields: Their place in psychology and in biological 
Sciences. New York: Mc Graw - Hill, 1992. 





— [ 1] eee ty الفصل‎ 


لقد أوضحت الدراسات الكهربية — المجهرية electron — microscopic‏ 
أنه يوجد غشاء حول الخلية العصبية يبدو كخط دقيق في الصورة, وأحياناً 
مزدوجاء وأكثر دكنة إلى حد ما من البلازما داخل الخلية. وتبدو بعض «أجسام 
نسل» Nissl Bodies‏ أنها تقع بطريقة مباشرة مجاورة للغشاءء ولكن ليس 
هذا هو القاعدة. ويمكن أن نحدد بسهولة أجسام نسل والحبيبات الفتيلية 
Mitochondria‏ ولكن تركيبها التفصيلي ليس موضوعاً في هذا الصدد. 


إن قانون «الكل - أو - لاشي» (all-or-none)‏ يبدو أنه يحكم تشغيلات 
الخلايا العصبية. ففي لحظة معينةء قد تستثار الخلية أو لا تستثارء ولكن 
إذا استثيرت فسوف تفعل ذلك بكل القوة التي هي عليها في تلك اللحظة 
التي تكون فيها قادرة على الامتداد .لذا تكون قوة المثير غير قابلة للانتقال 
بواسطة دفعات متدرجة من خلية ما؛ فالطريقة الوحيدة التي بها يمكن أن 
تتكشف قوة المثير هي بواسطة معدل الاستثارة. فبق در ما تزداد قوة المثيرء 
يزاد «قدح الاستثارة» (firing)‏ لخلية من الخلايا. 


وما جري من اعتبار الدفع العصبي impulse‏ ناشئاً من كف عمل الغشاء. 
aly‏ قبولاً عاماً. فالكف يؤدي إلى إيقاف الاستقطاب depolarization‏ الذي 
ينبغي أن يحدث داخل منطقة واسعة LaL‏ من الخلية لكي يؤول إلى دفع 
منتشر. ويبقى الدفع الواحد في أفضل الأحوال لحوالي واحد ميليثانية. بعد 
الاستثارةء تبقى الخلية العصبية غير قادرة على الاستثارة مرة أخرى لعدة 
ميليثواني» حتى تستعيد الغشاء وتبنيه مرة أخرى. وتختلف فترة الاستعادة في 
الخلايا العصبية المختلفة. فقد تكون قصيرة لحوالي واحد أو إثنين ميليثانية 
(يفترض أن وحدات المخيخ cerebellar units‏ قادرة Em‏ الاستثارة لخمسمائة 
مرة في الثانية)ء وربما تكون لحوالي VO‏ أو أكشر ميليثانية. 

ومن المعروف جيداً أن الخلية العصبية لا تستجيب مثير واحد» ولكن فقط 
حينما يسبق مثير «شرطي» المثير الفعلي. ومن المقرر بصفة عامة أن كل مجال 
«الموصّلات العصبية» (synaptic field)‏ ينبفي أن UE ad‏ قبل أن يتمكن المثير 
من أن ينفن فيها. 








س ۹إ د طم النفس الإنسساتي — 

وتوصل الشجيرات العصبية dentrites‏ بسرعة J Bi‏ بكثير من المحور 
العصبي AXON‏ وحتى من جسم الخلية cell body‏ بحيث أن ما يأخذ فترة 
a‏ ن الميليثاني ة على جسم الخلية قد يأخذ مئات من عشرات الثواني على 
as SY‏ 3( لذا فإن الوقت الذي تستغرقه المثيرات على الشجيرة قد يكون 
بحوالي ٠١‏ ميليثانية. 


هذه الخصائص مهمة: بالطبع» خاصة بالنسبة لنشاط النيرونات» في حين 
أن معدل الاستثارة يتوقف على قوة المثير الواقعة على نهاية العضو. ويمكن أن 
يتبين هذا بسهولة كافية في العصب الطرفي peripheral nerve‏ الذى يمكن 
قياسه. وحاماً يكون الدفع في النظام العصبي المركزيء يتحدد معدل الاستثارة 
جزئياً بالمعدل في العضو الطرفيء وجزثياً بالتفاعل بين النيرونات التي تؤلف 
النواة من الدرجة الثانية Second order nucleus‏ . 


ومما هو جدير بالاعتبار أننا لا نجد أبداً من الناحية العملية أن الاستثارة 
تتعلق بخلية عصبية واحدة كشرط أولي للدفع. ففي العين. على سبيل المثال» 
يتألف امثير الملائم من خمس إلى ثماني كميات تتحول إلى ما يقرب من 
خمس قنوات مختلفة. في العضلة ينمط المثير ذو الحساسية الحركية 
الاتزانية proprioceptive stimulus‏ عدداً هائلاً (حوالي خمسة) من الأطراف 
العضلية في آن واحد. وتوجد براعم التذوق laste buds‏ بصفة عامة في 


مجموعات كبيرة: وهكذا. 


ولما كانت العتبات الفارقة الفردية داخل أي مجموعة من نهايات الأعضاء 
متفاوتة إلى حد ماء فعادة ما يكون هذا طريقة للاستجابة لشدة المثير: فبقدر 
ما تصير الخلايا متضمنة, تتزايد شدة المثير. وسواء قامت المثيرات من 
الخلايا المختلفة بتدعيم بعضها الآخر عند الموضع التالي (النواة)» أو سواء 
على العكس. سوف تضيق المثيرات إلى قنوات أقل - فإن ذلك يعتمد على 
ظروف ومثيرات عديدة. فبالإضافة إلى هذه الدخمات: توجد دفعات الكف 
inhibitory impulses‏ في الجهاز العصبي . 

















الفصل ets‏ 
الطابع والدماغ : 


ما نعنيه بالطابع Character‏ قد يقترب من نموذج عمل الدماغ. قد نذهب» 
مثا إلى أن الشخص يميل إلى التسيان. أو AB‏ آو سهولة الاستثارة .هذه 
الخصال تبدو أن تكون فطرية وأن تبقى مع الفرد طوال الحياة. ونحن غير 
قادرين» في أكثر الحالات أهمية: أن نحدد أي شى في الدماغ قد يرتبط بها 
على وجه التحديد. ففي حالة المواهب الموسيقيةء يتمتع الأشخاص بنمو هائل 
لتلافيف المخ المعروفة بتلافيف هيتش ل gyrus of Heschl‏ (على مستوى ما فوق 
الفصوص الصدغية «(supratemporal plane)‏ كجزء تشريحي مقابل. 


الوعي: 


يهتم علم النفس بالعمليات الشعورية أو الواعيةء هل نس تطيع أن نحدد 
معالم واضحة للوعي؟ نحن على يقين تام بأن الوعي لا يتمركز في اللحاء 
cortex‏ لأننا (أوفي حالة المرض) يمكن أن نقيد من عمل اللحاء بدون 
أن نصبح واعين dy‏ وهي حالة أطلق عليها «بابينسكي» Babinski‏ مصطلح 
«اللاوعي» (anosognosia)‏ ويعني فقدان القدرة على الوعي بالمرض. ولكن 
تبين الخبرة الإكلينكية. وكذلك التجريب على الحيوان: أن الوعي يبدو مرتبطا 
إلى حد ما بالمخ الأوسط midbrain‏ وجذع المخ brain stem‏ . وتؤدي العمليات 
القريبة من الأجسام الرباعية quadrigeminal bodies‏ غالبا إلى فقدان الوعي. 
ويمكن استرداد الوعي بعد توقف العمليات في هذه المنطقة. وربما تستمر 
هذه الحالة لسنوات agas‏ وقد تبين بالتجريب على الكلاب of‏ الضغط على 
جنع المخ: وليس على عمليات ie LE‏ يمكن أن يمحو الوعي. 


ويعزى إلى «ماجون» Magon‏ وزملائه اكتشاف «المادة الشبكية» reticular‏ 
substance‏ في جذع المخ وارتباطاتها إلى أعلى وأسفل الجهاز العصبي 
المركزي. وقد أوضحواء على وجه الخصوص؛ أهمية هذه المادة بالنسبة لرد 
الفعل الاستثاري arousal reaction‏ وللتوظيف الملائم للحاء المخ بالدماغ 
„(Brain Cortical Functions)‏ 


أما ملاحظات «بينفيلد» Penfield‏ الذي استطاع أن يستدعي لدى 

















س ۱۸ سس د طلم النفس الإنساني 


بعض الأشخاص أحداثاً محددة في حياتهم السابقة: فلا تنتمي حقيقة إلى 
الظاهرات التى تعنينا فى هذا الصدد. فهذه الاستثارات للفصوص الصدغية 
تغير فقط من مضامين الوعي - وليس الوعي ذاته. 


وقد تكون الملاحظات الاستبطانية في حد ذاتها غير مقنعة: ولكنها قد 
تكون سديدة للإشارة إلى تلك الفكرة التي تذهب إلى أنه يوجد إنسان صغير 
يجلس في مكان ما في الدماغ ويلاحظ ما يجري. هذه الفكرة من السهل أن 
تفسر الافتراض بأن الوعي لا يتمركز في اللحاءء ولكن يتمركز فحسب في 
مضامين الوعي. 


وثمة جانب هام آخر للمشكلة يتمثل في أن العمليات الكامنة وراء الوعي 
تتواتر ببطء كأحداث تقاس في علم فسيولوجيا الأعصاب. ويتضمن الوعي 
تخطيطا مقدماء كما يتضمن استمراراً يمكن أن يتواتر فقط من تذكر ما 
كان يجري من قبل ومن التحقق من أن ما قد d BS‏ هو ما يتم تنفيذه الآن. 
وسواء كنا لا نعرف بأن هذه هي الطريقة التي تعمل بها المادة الشبكية, 
ولكنه من المثير للاهتمام أن نكتشف ذلك» ومن المحتمل أن يتحقق بواسطة 
الأجهزة الكهروفسيولوجية الحديثة. ومن الطبيعي أن تمضي بعض أحداث 
اللحاء contical events‏ ببطء يتفق مع تواتر elute‏ الوعي. 


الدماغ والعقل : 


Y‏ يوجد حقيقة ثمة سؤال ذكي يمكن إثارته عن العلاقة بين علمي 
الفسيولوجيا والنفس. ويصدق التشبيه في هذين المجالين على ملاحظة 
الدائرة. تبدو الدائرة: بالنسبة للشخص الواقع خارجهاء محدبة؛ ومقعرة 
بالنسبة للشخص الواقع داخلها . ويؤخذ المنظوران لشي واحد ببساطة كقضية 
مسلمة. ولا نستطيع تقبل النظرية ÉN‏ في هذا الشأن. علينا أن نعترف 
ببساطة بأن العمليات الواعية والعمليات العقلية لا تعني نفس الشيء. ويعتبر 
«بور» Bohr‏ خير من يعبر عن وجهة نظرنا - فهو الذي استعان Tyas‏ «التكاملية 
complimentarity‏ في تفسير تلك العمليات». فكما نحتاج إلى كل من الصورة 
الموجية wave picture‏ ونظرية الجسيمات corpuscular theory‏ لتفسير 














۱٦۹ et الفصل‎ 


سلوك الإلكترونء LOLS‏ نحتاج إلى كل من الصورة الفسيولوجية والسيكولوجية 
لتفسير عمل الدماغ. فإذا كنا ندرس الدماغ Bag‏ تحديد عمل العقلء علينا 
أن نستعين بكل أنواع الأجهزة الجسمية والكيميائية وبأدوات علم النفس. 


ويمكن القول ob‏ ذلك يؤول ليس لأكثر من العموميات. بأن العقل يصور 
الواقع. وبقول آخرء ينبغي أن تكون القوانين الشكلية لنشاط العقل واحدة مثل 
الأساس الشكلي للنشاط العصبي. 


مركزالحس: 


ترجع مشكلة مركز الحس commune‏ 5611501111111 إلى أرسطو كما هو 
bgp as‏ ولكن أن نقرر أبعد بأن مركز الحس يوجد في اللحاء. فإن ذلك قد 
لا يعكس الواقع. ففي كل المناشط العليا يبنو اللا d La‏ انه يعمل SSS‏ 
وقد يبدو صحيحا أن الأجزاء المختلفة قن ُتضمن بذرجات مختلفة من الفدة 
أو في نماذج مختلفة. وريما يكون الفص الجداري Parietal lobe‏ هو الجزء 
الأول الذي يُتضمنء ويتموضع بين المجالين البصري والسمعي» ولكن النشاط 
يمتد إلى الفص الجبهي frontal lobe‏ وإلى المنطقة الطرفية limbic region‏ 


بطريقة معقدة: 


يذهب «فون فيشاكر» Von Weizsacker‏ وآخرون كثيرون إلى اعتبار 
الجانبين (الحسي والحركي) منعزلين أحدهما عن الآخر- كما لو أنهما في 
فراغ - يعد شيئاً مصطنعاً ويؤول إلى نقص فهم هذه التكوينات. فهما يرتبطان 
ببعضهما ارتباطا Lady‏ وأي إعاقة حسية تؤول إلى إعاقة حركية؛ والعكس 
صحيح . 
gl‏ الحركي: 

تنحصر Glo‏ المهمة الأساسية للدماغ في عمل شيء ما أكثر من التأمل 
في سكون. تلعب الذاكرة دوراً هائلاً في الإحساس والإدراك» في العمل والأداء؛ 


ويلعب التيصر دوراً هاما مشابهاً. ولكن يتحقق alla‏ على نحو غير كامل. 
وبالإضافة إلى ذلك من المعروف جيداً أنه مع التدريب» تمارس الحركات 














— — qmi عم النفس‎ — eee — 


بيسر أكبر وبفاقد أقل من الناحية الفعلية للطاقة. وهذا يعني ole b‏ 
تناسق النشاط العضلي قد تحسن. وهناك شك ضثيل أننا نس تطيع تعلم 


الإعصاب (أو التغذية العصبية) Innervation‏ تلعضلاتنا بطريقة ملائمةء فهذه 
العملية أيضا تتم على نحو لا إرادي تماماً. 


والمشكلة التالية: كيف يحرك الدماغ الآليات (الميكانزمات) الحركيةء أي 
العضلات5 من الواضح أن شيئاً ما يوجد في العقل أولاً ثم يصير حركة 
واضحة من نوع أو آخر. نعلم أنه يوجد Lalo‏ في البداية قصد لعمل شى 
ماء ثم يتبع ذلك التنفيذ العملي cad‏ أين يتكون ذلك؟ سؤال ليس من السهل 
الإجابة عليه يتضح من «اختلال الوظائف التعبيرية الحركية» ( الأبراكسيا 
(apraxia‏ — كما حددها «لیبمان» Liepman‏ - من حدوث اضطرابات في 
الفصوص الجدارية وكذلك في الفصوص الجبهية. ومن هذه المناطق؛ تتجه 
الدفمات إلى المناطق اللحائية التي منها تتفرغ الألياف إلى الأجزاء الأعمق 
من الدماغ والحبل الشوكي. 

وعادة ما تتجمع هذه الألياف في ألياف هرمية أو فوق الهرمية. وقد 
لقي هذا التحديد نقداً كبيراً؛ فقد أوضح «بوسي» Bucy‏ في عدد من الرسوم 
البيانية ترتيب المراكز فوق الهرمية extra pyramidal centers‏ فمن الواضح 
أن كل الأنواء Nuclei‏ فوق الهرمية تتجه بؤريا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة 
إلى المادة الشبكية؛ ومنها تصل إلى الحبل الشوكي عبر سلسلة من النيرونات 
القصيرة؛ في حين أن الألياف الهرمية تذهب بطريقة مباشرة من اللحاء إلى 
الحبل الشوكي. أما توقيت هذه الدفعات؛ فيبدو أنها تصل في وقت ملائم 
لكي تؤثر في العضلات. 

تعتبر الأفكار السائدة عن النظام الهرمي أفكاراً قد تبدو ساذجة. لقد 
أشار «كوجيل» Coghill‏ إلى أن الوظيفة الأولى للنظام الهرمي هي قمع العمل 
الكتلي الذي هو الطريقة الأصلية تعمل جسم الحيوان. فلدى حيوان النيوط 
SL te newt‏ يتحرك كل الجسم م ع دفعة تصطدم بأي جزء من سطحه. 
وفي حالة الإنسان: تستجيب مجموعة محددة تماماً من العضلات GY‏ مثير. 
فالطفل الصغيرء حينما يريد رفع يديه أو تحريك قدميهء سوف يحرك العديد 




















الفصل الرابع د 3[ 1 — 


من العضلات التي ليس لها ما تفعله مع الحركة موضع الاعتبار. وحينما 
تنمو الامتدادات الهرمية. فإن مجموعة صغيرة فقط من العضلات سوف 
تصير متضمنة في الحركة. 


ولقد اتضح أن الحبل الشوكي وحده قادر على الإتيان بقدر معين من 
الإتساق. وما يفعله اللحاء يمكن إيضاحه على نحو أفضل بعبارات» مثل: 
«اللحاء يريد من الأجزاء الطرفية limb‏ أن تكون في وضع مه ين». بدلا 
من أن «اللحاء يريد انقباضآً ox gl contradiction‏ أو تلك من العضلات». 
ويتفق ذلك مع أعمال «جيلهورن» Gelhorn‏ الذي كشف عن أن للاستثارة 
اللحائية تأثيرات مختلفة وفقا لتدفق الحساسية الحركية الإتزانية إلى الداخل 
„(proprioceptive inflow)‏ 


وفي ضوء هذاء فإن الهدف الرئيسي للجهاز الهرمي pyramidal tract‏ هو 
أن يرسل أسفل إلى الحبل الشوكي فكرة عامة بدرجة أكثر أو أقل لما ينبغي أن 
يحدث.؛ تاركاً التفاصيل للجهاز بما يوجد في الحبل الشوكي ذاته. إنه يرسل 
Lai‏ بالهدف الذي ينبغي تحقيقه»ء تاركاً التفاصيل المتعلقة بكيفية تحقيقه 
إلى الموصلات التأثيرية internuncials‏ والخلايا القرنية الأمامية anterior‏ 
SJ. horn cells‏ هذه المعلومات العامة ليست بكافية لتأكيد التنفيذ الرصين 
للحركات. وهنا أيضاً يكون دور الجهاز فوق هرمي. لقد شبه «شالتنبراند» 
و«هوفشميت» نشاط هذه المراكز بنشاط الكمّاحة (الفرملة) qe alls‏ ويلائم 
الجهاز الهرمي تحقيق وظيفة الموتور. ويجدي هذا التشبيه على وجه التقريب 
في تبين وظيفة الجهاز الهرمي. 


وإذا كان لهذه الخطة أن تعملء فينبغي أن يكون لدينا نظام يعلم به المركز 
الأعلى ما يجري في المركز الأدني. تقرر فكرة «فون هولست» أن المركز الأعلى 
e‏ بما يقع كنتيجة للدفعات التي نزلت إلى المركز الأدني. وهنا يدخل ولا 
شك جزء من جهاز الاستطالات العضلية: ولكن قد تلعب أيضا الألياف في 
النظام الهرمي الذي يجري من الحبل الشوكي إلى المخ دوراً Aaa‏ وكذلك في 
أنظمة أخرى عديدة. 














NY —‏ للم سس سس م م عم النفس sty)‏ 
الكلام: 


يحتل الكلام مكانا فريداً في عمل الدماغ الإنسانيء oS‏ الإنسان daz‏ 
وبعد كل شى هو الذي يستطيع اس تخدام الكلام المتلفظ لتوصيل المعلومات 
وتشاركها. من الناحية العصبية يتصف الجهاز الكلامي بخصائص متعددة: 
فبينما تتحرك كل عضلات الجسم الأخرى عملياً بواسطة الحساسية الحركية 
الاتزانيةء فإن عضلات الكلام تتلقى ضبطها من الأصوات المنطوقة - لذا 
لا يستطيع الأصم بالولادة أن يتكلم بشكل ملائم» إن لم يكن إطلاقا. ومن 
ناحية أخرى. يتطلب النطق البين عملاً مشتركاً بين الرئتين والحنجرة والفم 
والشفتين. مما يمكن تعلمه فقط في غضون سنوات عديدة. Ulag‏ يستقرء 
يكون راسخاً تماماً. فمن الصعب للغاية مثلاً التكلم بلغة أجنبية بدون تلحينء 
حيث أن لكل لغة خصائصها المميزة في النطق. وهذا الارتباط لكل العضلات 
لا يمكن تفسيره عصبياً فحسب. 


والنقطة الثانية تتعلق بما إذا كنا نستطيع الإشارة إلى مناطق محددة في 
الدماغ تدخل خاصة في هذه المناشط. فلقد جري الاعتقاد بأن منطقة بروكا 
8 ومنطقة فرنيكيه Wernicke‏ في الفصوص الجبهية اليسرى والفصوص 
الصدغية تمثلان مناطق للكلام أساسا. إلا أن الملاحظات الحديثة تلقي شكوكا 
هائلة على هذه النظرية. ويب دو الآن كما لو أن AH‏ 8 تأتي من 
إصابات مختلفة في أي مكان في اللحاء غالباء كما تبين أيضا أن منطقة 
بروكاء على BM‏ يمكن أن Lotili‏ في بعض الأحيان بدون أن يترتب على 
ذلك Aaa‏ في الكلام. 


الانتباه: 


يعتبر تركيز الانتباه أحد المشكلات التي قد تتضمن La]‏ أداءاً حركياً أو 
مُدخلاً حسيا. يعرف كل شخص أن معظم الناس يقدرون على التركيز على 
شى واحد فقطء أو ربما لفترة قصيرةء على شيئين في المرة. يستطيعون 
الإنصات لدقات الساعة أو يستطيعون التركيز على القراءة أو الكتابة. ولكنهم 
لا يستطيعون القيام بكلاهما في نفس الوقت- على JBM‏ ليس بطريقة كاملة. 














الفصل et‏ ۷۲ 
الانفعالات : 


الحقيقة التي تذهب إلى أن الانفعالات تتمركز إلى حد ما في الدماغ 
تتطلب تناولاً بإيجاز. قفي عام ۱۹۲۷ كان «بابيز» Papez‏ أول من طور نظرية 
تقرر بأن أجزاءاً كبيرة مما يعتبر بالمخ الشمي olfactory brain‏ إنما ترتبط 
حقيقة بالحياة الانفعالية للفرد. وقد اعتبر أيضا أنه مما ينظم الحياة 
لإنفعالية: الجزء الثديي Mamillary‏ والنواة الأمامية للمهاد anterior‏ 
nucleus of the thalamus‏ والجانب الأوسط من لحاء المخ» وخاصة جزءه 





الأمامي» المنطقة الأربعة وعشرون. وينبغي أن يلاحظ أنها تتضمن في الأجزاء 
لثديية مركزاً باراسمباتية parasympathetic‏ . ومن المحتمل أن يوجد مسلك 
أورثوس مباتي orthosympathetic‏ . يأتي من المنطقة الحاجزة septal region‏ 
الى الجزء الأمامي من المهاد التحتاني Hypothalamus‏ عن طريق حزمة مُقدم 
المخ الأوسط medial forebrain bundle‏ . وينبغي الإشارة أيضا إلى أن اللوزة 
البؤرية c. 553, nucleus amygdalae‏ البؤري nucleus caudatus‏ يرتبطان به 
لى حد ماء تقوم الأولي بالتيسيرء والأخرى بالكف. 





حرية الإرادة : 


تغتبر حرية الإرادة مش كلة معقدة للغاية. Leis‏ يكون من aul‏ يات Viae‏ 
الافتراض بأن الإنسان يستطيع عمل أشياء محددة أو يكف عن الإتيان بها . 
لذا فهو مسئول عن هذه الأفعال (ولقد gÅ‏ علم القانون على هذا الافتراض)» 
إلا أنه ليس من المؤكد على الإطلاق إلى أي حد يكون حرأ حقيقة. كل إنسان 
يولد في المناخ النفسي لعصره؛ وأنه يمكن القول بصفة عامة إلى أي حد 
سوف يعمل شخص معين تحت ظ روف معيتة: على الأقل Vigne 3945» la‏ 

غالباً ما يستخدم ميدأ اللاحتمية عند «هييسنبرج» Heiscnberg‏ لتفسير 
copay Le‏ ب هجرية الإزادةة.وهنا nil‏ قتبر اللااحتمية AIL oae‏ تسبية فحسب: 
وقد يكون ثمة شك حول ما إذا كانت هناك أي عمليات في التحول العصبي. 
لكن Lisle‏ أن نعترف بحدوث التغايرات الطفيفة في عتبة الخلايا العصبية - 
وهي تغايرات قد تخلق الفارق بين الاستثارة وعدم الاستثارة. وإذا كنا نتحقق 

















eee —‏ م نكمم النفس | qmi‏ — — 
بأن هذا يقع في آلاف أو ملايين الخلاياء يمكننا أن ندرك أن الدفعات يمكن 
أن تنتقل إلى مسالك مختلفة وفقا للحالة الفعلية التي تكون عليها الخلايا 
في الوقت الذي يصل فيه الدفع إليها. في هذا المعنى يمكن الاعتراذ 
a gai UL‏ بالرغم من أن هذا لا يتفق إلا قليلاً مع مبداً اللاحتمية كما 
صاغة «هييسنبرج». لذاء فإنه داخل حدود معينةء يحتمل أن نكون bei‏ 
ولكن ليس بغير خاضعين لقانون تماماً. فهناك قيم معينة تقدم لناء وعلينا أن 
نتمسك بهذه المعايير. 


وهذا ينقلنا إلى مسألة القيم. حاول» كيولر» ربط مشكلة القيم بحقائق 
مبدأ الإغلاق التي أقرتها مدرسة الجشطلت في علم النفس التي هو رائدها . 
ويعني fe»‏ الإغلاق» (closure)‏ الميل إلى التكملة أو الازدياد في الأشكال 
التي تكون ناقصة بالنسبة لوضع الأشكال الكلية. فمثلاً. الدائرة الناقصة إلى 
حد ما سوف تُدركء وخاصة حينما تقدم من خلال جهاز التاكستسكوب: على 
أنها دائرة كاملة. وهذه دلائل بعيدة هنا عن فكرة القيمةء ولكن مما لا يمكن 
إنكاره أنه في كلتا الحالتين علينا أن نعمل شيئ كما ينبغي أن يكون أكثر مما 
علينا أن نعمل شيئاً كما هو . وفي هذ المعنىء يقف التفسير الذكي الذي 
قدمه كيولر. 


الخلاصة : 


إذا كانت الفكرة التي تذه ب إلى أن حياة العقل وحياة الدماغ مرتبطتان 
— تبدو سديدة وحقيقية: إلا أا لا نستطيع تناولها وحلها بالتفصيل. إننا 
لا نعرف بالضبط ما الذي يفعله اللحاءء كيف ينشا الوعيء أو كيف ندرك 
Mall gal atl‏ الخارجي اكيت isl ial ad‏ 


وهنا لا نستطيع أن نفعل أكثر من الإشارة إلى الصعوبات الكامنة في 
الأسئلة التي أثرناها . علينا أن نقول في النهاية ما ربما نكون قد ذكرناه في 
البداية: ليس من الصواب تماما أن نعادل أونقابل الأحداث اللحائية بالأحداث 
الواعية. فكثير من العمليات تتم في اللحاء ولا نكون واعين بها . وعلينا ألا 
ننسى أن اللحاء ينمو بشكل ملائم لدى الثدييات فقطء وأن الأشكال الدنيا 























— Yo ty الفصل‎ 


ينبغي أن توجه بطريقة أخرى إلى حد ما. ومن المحتمل غالبا أن المنطقة 
الشبكية هي الميكانزم التنسيقي at BY!‏ وبالتالي من المحتمل أن تكون هي 
المركز الأقدم للوعي. لكن يبدو من الواضح أنه بواسطة عمل كل هذه الأجزاء 
Las‏ فحسب يمكن أن تتغير حياة العقل الإنساني. ويستلزم الفهم الكامل لهذا 
جهوداً عديدة من الدراسة والبحث. ونأمل أن يكون القارئ قد استثير لكي 
يتبصر أكثر من ذلك فيما كتب في هذا الميدان ولكي يتوصل إلى صورة أوسع 
وأعمق لهذه المشكلة الخلابة. 








الجن الثاني 
العلمودراسةالاإنسان 


الفصل الخامس  YN‏ — 
hati‏ الخامس 
الأبعاد الانسانية للعلم 


لقد ابتدعت الطرق العلمية لفرض واحدء وهو: الإقلال من التحيز 
والهوىء ومن خداع CHAN‏ وغير ذلك من الأخطاء الذاتية في دراسة 
الظاهرات الطبيعية. وحيث نهتم بالتعميمات تبدو أيضا عدم دقة الملاحظة 
غير المنظمة. فالأقوال الشائعة القائمة على الخبرة العليةء على سبيل المثال. 
يمكن أن تؤيد جانبي القضية. يشير «شكسبير» إلى أن« الغيية تجعل القلب 
ينمو أحمقا» ولكن تضيف صيغة أخرى لنفس القول المأثور عبارة «بالنسبة 
GY‏ شخص آخر». فقط حينما يكون الشخص على يقين من حقائقه يصبح 
التنظير ذات معنى. 


يتضمن أي بحث تجربي (إمبيريقي) ns‏ مزدوجا: جمع البيانات بواسطة 
الملاحظة أو القياس» وتفسير معناها داخل إطار الدراسة موضع الاعتبار. وبقول 
آخرء يتضمن البحث كلا من «العمليات الإدراكية» (perceptual)‏ و«التصورية» 
(conceptual)‏ وكلاهما ينبغي أن يكون قابلاً على إقامة الصدق. لقد خبر 
فلاسفة الإغريق القدامى بعض النجاح في دراسة الظاهرات الطبيعية خلال 
تطوير نظام من المنطق لإثبات صحة عملية استدلاليةء واكتشفوا أن العلاقات 
الصادقة بين قضايا القياس يمكن اختزالها إلى Bae’‏ ولذا ذهي تسيل التحقق 
من الدقة. وما كان يعوزهم هو الجانب الإدراكي من المنطق لتوثيق ملاحظاتهم 
الأصلية . فبدون خطوط موجهة لضبط العوامل غير المتعلقة أو للتحصن ضد 
خداع الذات في جمع البيانات» لم يكن ليوجد ثمة سبيل لتحديد ما إذا كانت 
المقدمات الأولى قد تضمنت قمحا أم LS‏ وما أن توفر هذا حتى أصبح العلم 
مهيئاً تماما للتحكم في قوي الطبيعة وإداراتها . 


وعلى أساس هذه الأرضية: ليس مما يبعث على الدهشة أن كثيراً 
من أوصاف العلم تؤكد فقط على موضوعيتهء فالنظرة الذاتية والموضوعية 
متناقضتان بطريقة قد تجعلهما متنافرتين تماماً. يلاحظ «دافيد هاو Chja‏ 
D. Hawkins. The creativity of science. In H. Brown (Ed.), Science and the creative‏ )1( 
Spirit: Essays on humanistic aspects of science. Toronto: University of Toronto Press.‏ 








FA —‏ سل ا للم ل سس سس — عم النفس الإنساني — 


أن Lev‏ ينقص الاهتمامات العامة هو الإحساس ببواطن ie lal‏ بدفعاته 
الإبداعية ومرامية الخفيةء بتعقلاته ولا تعقلاته: بنموه العقلي؛ بضآلته وعظمته 
وباختصار. إحساس بالطابع الإنساني للعلم». العلم بالضرورة نمط من 
السلوك وليس شيئاً أزلياً ثابتاً يوجد في معزل عن الناس. ويطبق «الممارسون 
الإنسانيون» a Sole (human practitioners)‏ بطريقتهم غير المعصومة من 
الخطأ معتمدين إلى حد ما على حكم خاص في تلك العملية. ويمكن أن تكون 
المبالفة في تعديد فضائل العلم عائقا كالنقد. قال فولتير ذات مرة: « يارب 
نجني من أصدقائي: أما أعدائي فأنا كفيل بهم». فأي التزام إنساني يمكن أن 
يتحقق على نحو أفضل إذا وضع في الاعتبار بعض حدوده. 


تتناول الدراسات المتضمنة في هذا الفصل جوانب ذاتية متعددة للعلم 
التطبيقي التي خضعت للمناقشة بواسطة الدراسين في مجالات مختلفة. من 
أمثلة هذه الأسئلة المثارة: كيف ينشا الفرض أولاً؟ ما أنماط الاختيارات الذاتية 
التي ينبغي عملها؟ عند أي مرحلة في العملية تطبق أولاً الطرق الموضوعية؟ 
ما الفرض منها على وجه الدقة؟ كيف ترتبط بيانات العلم المتقنة بالخبرة 
الأولية؟ هل يمكن أن تكون هناك موضوعية مطلقة حتى في النظرية؟ ما 
هو الدور الذي تلعبه اتجاهات العالم ومعتقداته واستعداده للاقتناع بنتائج 
التجربة؟ هل هو بغير متحيز؟ هل هناك معتقدات ينبغي اختبارها على أسس 
غير علمية؟ هل تدخل الأحكام القيمية في مناقشة المسائل العلمية والفنية 
(التقنية) § تلك أسئلة تسبر غور تلك المجالات al EL‏ والتي تتطلب اختباراً 
وإجابة: ولكنها أسئلة مفتوحة lags‏ على كل جبهات وفنيات وإبداعات العلم. 











tty et}‏ ۱۸۱س 


من بين الأساليب المقنعة لتناول المجردات هو معالجتها كأشياء قائمة 
بالفعل» مثل: «الأمريكي average American «la Lagi‏ أو «دليل مستوى 
المعيشة». تبدو المفاهيم المستغلقة أكثر طبيعية وإرضاء حينما تغلف ببعض 
الصفات الحسية المتجردة في عملية التحليل المنطقي. وتميل التجسيمات 
المألوفة. على مدار الوقت, إلى أن تكتسب وجوداً متخيلاً. إلى حد ما 
بعد نمط عموميات أفلاطون. وحتى قد يتصور «العلم» في النهاية: ليس 
كملكية شخصية لكل alle‏ في شكل فريد بالنسبة لهء ولكن GAS‏ تلقائي 
متجانس يحتل نطاقاً خارج ذواتنا. بل إن الطرق العلمية. بكل صرامتها 
وعفتها اللاشخصيةء قد ابتدعت لغرض واحد ينشد التحقق من صدق 
الفروض الذاتية. وبالنظر إلى العلم كإنجازات أو حيازات إنسانية أكثر 
من أن يكون موضوعاء يعتبر العلم ليس بوجود سحري يوضع على منصة 
الشرف» ولا بروح من الجن تبعث على الخوف: العلم هو الناس. 


الوا سح تلم الققس الإنساني س 
ay)‏ 
أشخاص ai‏ علم © 
كارل روجرز 
(معهد العلوم السلوكية الغربية, لاجولاء كاليفورنياء وجامعة وسكونسن) 
نظرة متغيرة إلى العلم : 


لقد ناقشت قضايا هذا الموضوع؛ التي طرحتها في دراسة سابقة مراراً مع 
تلاميذي وزملائي وأصدقائي. وبفضل ذلك تأصلت في نفسي نظرة معينة إلى 
العلم. لقد صرت مقتنعاً بالتدريج أن الخطأ الأساس الأكبر في الصياغة الأصلية 
كان في وصف العلم. وها أحاول تصحيح ذلك الخطأ في الدراسة الحالية. 


يتمشل القصور الأكبرء كما أعتقد. في النظرة إلى العلم كشي ما «خارج 
(out there) «Lic‏ كشي نتهجاه بحرف كبير S Science,‏ «ككيان من المعرفة» 
موجود في موضع ما في المكان والزمان. وأعتقد. متفقا في ذلك مع الكثير 
من علماء النفسء أن العلم هو حشد متسق منظم من حقائق تأيدت بالاختبار 
والتجريب, وأرى أن طرق العلم وسائل مُسْتحسّنة اجتماعياً لجمع هذا الكيان 
من المعرفةء وللاستمرار في تحقيقها وتأبيدها .فهو أشبه بمستودع يلقي فيه 
JS‏ وبتعدد أشكالهء بدلوه للحصول على الماء - بضمان 744 من النقاء. 
حينما ننظر إلى هذا النموذج الخارجي واللاشخصيء لا يبدو من الصواب 
أن ننظر إلى العلم ليس فحس ب كاكتش اف للمعرفة بطريقة رفيعةء ولكن على 
أنه يتضمن إغفالاً aas AU‏ وإنكاراً للحرية الأساسية في الاختيار التي 
ندركها عن خبرة في العلاج. لذا يمكن أن ننظر إلى الاتجاه العلمي من منظور 


مختلف وأكثر دقة. 
العلم هو في الأشخاص: 
العلم يوجد في الناس ويتعاظم في الإنسان فحسب. فلكل مشروع 


علمي بزوغه الإبداعي» عمليتهء ونتائجه المختيرة. في الشخص أو الأشخاص. 
C. R. Rogers: Persons or Science: A philosophical question. Amer. Psycholgist‏ )*( 
,.267-278 ,10 1955 





۸۲ tty et} 


والمعرفة - وحتى المعرفة العلمية - هي تلك التي تكون مقبولة ذاتيا. ويمكن 
توصيل المعرفة العلمية فقط إلى أولئك الذين يكونون مستعدين ذاتيا لتلقي 
هذا الاتصال. ويتواتر استخدام وتوظيف العلم أيضا فحسب من خلال الناس 
الذين يقتنعون بقيم معينة لها معنى بالنسبة لهم. 


الطور الإبداعي: 


للعلم بداياته البازغة في شخص معين له أهدافه وقيمه وأغراضه»ء ويحمل 
بالنسبة له معنى شخصياً وذاتياً. وكجزء من هذا «يسعى إلى أن يكتشف» في 
مجال معين. ونتيجة لذلك. إذا أراد أن يكون عالماً فذاً. عليه أن يغمر نفسه 
في الخبرة المواتية. سواء كانت في معمل الفيزياء؛ أو عالم النبات أو الحياة 
الحيوانية. أو المستشفى, أو المختبر النفسي أو العيادة النفسية: أو في التعليم 
والثقافة, أو في اللعب أو العمل» أو العلاقات الإنسانيةء أو غير ذلك. ويكون 
هذا الانفماز كاملاً وذاتياًء أشبه بانفماز المعالج في العلاج» يحس بال ميدان 
الذي يكون مهتماً بهء يعيشه. إنه يقوم بأكثر من أن «يفكر» فيه - يدع كيانه 
يؤخذ به ويستجيب له. سواء على المستوى المعروف أو اللامعروف. وهو يحس 
بأكثر مما يمكن أن يتلفظ به عن ميدان إهتمامهء ويستجيب بكيانه في ضوء 
علاقات قد لا تكون حاضرة في وعيه. 


من هذا الانفماز الذاتي الكامل يأتي التشكل الابداعيء إحساس باتجاه؛ 
صياغة غامضة لعلاقات غيز معروفة حتى اللحظة. ويصير هذا التشكل 
الإبداعي. بعد شحذه وتشذيبه وبلورته وصياغته في عبارات واضحةء فرضا 
من الفروض- وهو تقرير قائم على اعتقاد أولي. شخصي.ء ذاتي . ويكون 
لسان حال العالم» باستخدامه لكل خبرته المعروفة أو غير A Bg pall‏ «يراودني 
إلهام بوجود مثل تلك العلاقةء وأن وجود هذه الظاهرة يصدق بالنسبة لقيمي 
الشخصية». 


ما قمنا بوصفه هو الطور الأولي للعلم. ومن المحتمل أن يكون هو طوره 
الأكثر أهمية. ولكن: قد يميل العلماء الأمريكيون - وخاصة علماء النفس 
- إلى الإقلال من شأنه أو إغفاله. وهو لم يخضع للإنكار بقدر ما تعرض 





س{ للم سس — نكمم النفس الإنساني — 


للإغفال والإهمال. يقرر عالم النفس «كينيث سبنس» (Kenneth Spence)‏ أن 
هذا الجانب للعلم «قد 3 بيساطة كقضية مسامة»: وهو يميل أيضاء مثل 
الكثير من الخبرات التي تؤخذ كقضية مسامة: إلى أن يكون مدعاة للنسيان. 
لكن هذا الجانب يكمن حقيقة وراء الخبرة الذاتيةء الشخصية المباشرة؛ التي 
منها يستمد العلم» وكل بحث علمي» أصوله. 


المراجعة على الواقع: 


يحقق العالِم إذن بطريقة إبداعية الفرض الذي يذهب al]‏ أو اعتقاده 
الأولي الخاضع للاختبار. ولكن هل يمكن مراجعة هذا الفرض على الواقع؟ 
تبين خبرة كل شخص منا أنه من السهل جدأً أن نخدع أنفسناء وأن نعتقد 
بشيء تكشف الخبرة فيما بعد أنه ليس كذلك. كيف أستطيع أن أقرر ما إذا 
كان لهذا الاعتقاد الأولي علاقة واقعية معينة بالحقائق الملاحظة؟ يمكنني 
أن استخدم ليس Las‏ واحداً من البيانات فحسب. ولكن العديد من هذه 
الخطوط. وأستطيع أن أحيط ملاحظتي للحقائق بالاحتياطات العديدة لكي 
أتأكد من أني لا أخدع نفسي. أستطيع استطلاع آراء الآخرين الذين يهتمون 
أيضا بتجنب خداع الذات» وتعلم الطرق المفيدة التي أقي بها نفسي من 
المعتقدات المضللة: القائمة على سوء تأويل الملاحظات. أستطيع: obi b‏ أن 
أبدأ في استخدام كل الطرق المنهجية المتقنة التي وفرها العلم؛ واكتشف أن 
إقرار الفرض في عبارات إجرائية سوف يمكنني من تجنب الكثير من الدروب 
المغلقة والنتائج الكاذية. وأتعلم أن المجموعات الضابطة يمكن أن تساعدني 
في تجنب استخلاص الاستنتاجات الزائفة. وأتعلم أن الارتباطات واختبار «ت» 
والنسبة الحرجة وكل الإجراءات الإحصائية يمكن أن تعينني في التوصل إلى 
استنتاجات رصينة. 


لذايُنظر إلى طرق البحث العلمي: وهي حقيقة LIS‏ على أنها - 
طريقة لحمايتي من خداعى لذاتي بالنسبة لإلهاماتي الذاتية المتشكلة بطريقة 
إبداعي والتي ن أت من العلاقة بي SE‏ ي هذا السياق؛ وربما 
في هذا السياق فحسب. يكون للبنية الواسعة للإجرائية: والوضعية المنطقية, 
وتصميم البحوث؛ واختبارات الدلالة وغيرها - مكانتها. فهي cas i‏ ليست في 














— [6 ty it 


حد ذاتهاء ولكن كمعينات في محاولة اختبار شعور spall‏ الذاتي أو إلهامه أو 


فرضه مع الحقيقة الموضوعية. 


وحتى من خلال اس تخدام الطرق المتقنة واللاشخصية: تتأتى الاختيارات 
ذات المفزى الذاتي بواسطة العالم ذاته: لأي عدد من الفروض سوف أكرس 
وقتأ؟ أي نوع من المجموعات الضابطة يكون أكثر ملائمة لتجنب خداع الذات 
في هذا البحث SaL IE‏ إلى أي حد سوف استخدم التحليل الإحصائي؟ 
ما مقدار الثقة التي يمكن أن أوليها للنتائج5 يمثل كل ذلك بالضرورة حكماً 
شخصياً Lots‏ يؤكد أن البنية العظيمة للعلم تقوم أساساً على استخدامها 
الذاتي بواسطة الأشخاص. ويمثل هذا الأداة الأفضل التي تمكننا من أن نبدع 
لكي نتحقق من إحساسنا الحيوي والعظيم بالكون. 


النتائج: 
إذا ais Éa‏ الطريق الذي انتهجته في بحثيء وإذا تفتحت على كل 
البيانات, وإذا انتقيت واستخدمت بذكاء كل الاحتياطات ضد خداع الذات: 


وهي الاحتياطات التي cala aad‏ أن استوعبها من الآخرين أو أن أتدبرها 
بنفسي - إذن أستطيع أن أبدي قناعاتي وثقتي في النتائج التي توصلت إليها . 
سوف اعتبرها كمعبرلمزيد من البحث ولمزيد من الفحص والتنقيب. 


ويبدو لي أن من أهداف العلم» أن الغرض الأولي هو أن يوفر فرضاً أو 
اعتقاداً أو عهداً يمكن الاعتماد عليه وأكثر مدعاةٌ للرضاء للباحث نفسه. 
وإلى الحد الذي يهتم به العالم بإثبات شيء معين لشخص ما آخر - وهو 
خطأ وقعت فيه أكثر من مرة - فإني أعتقد أنه يستخدم العلم للتخفف من 
الشعور بعدم الأمان الشخصيء ويبعده عن دوره الإبداعي بحق مقابل خدمة 
هذا الشخص. 

بالنسبة لنتائج lel!‏ يتضح الأساس الذاتي جيداً في الحقيقة بأن العالم 
كي MEL‏ الأوحات كد يرفض الاعتقاد في نتائجه. «لقد أظهرت التجربة ذلك 
فحسب. ولكني أعتقد أنها خاطئة»- تلك فكرة يخبرها أي elle‏ في وقت أو 
آخر. لقد بزغت بعض الاختراعات الفذة من الارتياب الشديد الذي يبديه 











۸1 عم النفس الإتسسائي س 
e T‏ حيال نتائجه وكذلك ما توصل aul]‏ الآخرون من نتائج. ففي التحليل 
النهائي ربما يضع ثقة في ردود الأفعال المتعلقة بكيانه الحيوي (الأورجانزم) 
ككل أكشر مما يضعها في طرق العلم. وليس ثمة شك بأن هذا يمكن أن 
يتمخض عن Lhd‏ فادح: وكذلك قد يتمخض عن اكتشافات علمية» ولكنه 
يوضح مرة أخرى تلك المكانة المتميزة للذاتية في اس تخدام العلم والإبداع فيه. 


تواصل النتائج العلمية: 


لقد رأيت. وأنا أسير في هذا الصباح على الشاطى المرجاني بالبحرء 
مكة كبيرة زرقاء - أعتقد ذلك. وأنت إذا رأيتها كذلك على نحو مستقل 
Lek‏ لتملكتني ثقة أكبر في ملاحظتي الذاتية. وهذا ما يعرف بالتحقيق أو 
الإثبات الذاتي المتبادل؛ وهو ما يؤلف جانباً Lele‏ في فهمنا للعلم. إذا أخذتك 
(سواء في محادثة أو في مادة مطبوعة أو سلوكياً) خلال المراحل التي مررت 
بها في بحث من البحوث. وبدت لك أيضا أني لم أخدع نفسيء وأني حقيقة 
قد توصلت إلى علاقة جديدة تتفق مع قيمي» وأن هناك ما يؤيد اعتقاده 
الأولي في هذه العلاقة = هنا تكون لدينا بدايات العلم. عند هذا الحد 
يحتمل أن نعتقد أننا قد ابتدعنا LOLE‏ من المعرفة العلمية. وفي الحقيقة لا 
يوجد مثل هذا الكيان من المعرفة. هناك فقط معتقدات أوليةء موجودة ذاتياًء 
لدى عدد من الأشخاص المختلفين. وإذا لم تكن هذه المعتقدات All‏ فما 
يوجد منها يكون عقيدة جامدة (Longs)‏ وليس علما. ومن ناحية أخرى. إذا 
لم يكن هناك أحد إلا الباحث يعتقد في النتائج: فإن هذه النتائج تكون Le}‏ 
شخصية ومضللة. أو حالة من حالات علم النفس المرضيء أو تكون حقيقة غير 
عادية اكتشفها أحد العباقرة: وليس هناك بعد Mn‏ على استعداد ots‏ 
للاعتقاد فيها . يؤدي بي ذلك إلى التعليق على المجموعة التي تستطيع أن تضع 
ثقة أولية في أي نتيجة علمية. 


التواصل مع من 8 


من الواضح أن النتائج العلمية يمكن توصيلها فقط إلى أولئك الذين 
يتفقون على نفس القواعد الرصينة للبحث العلمي. فزارع القصب في 





























— VAY ety pet —— 


أستراليا لا يتأثر بنتائج العلم المتعاقة بعدوى الجراثيم» ولكنه يعتقد حقيقة 
أن المرض يتسبب بالأرواح الشريرة. وفقط حينما يتفق أيضا على الطريقة 
العلمية كوسيلة رشيدة للحد من خداع ONAN‏ فسوف يميل إلى تقبل نتائجها . 


ولكن حتى بين أولئك الذين يتبينون القواعد الرصينة للعلم: فإن الاعتقاد 
الأولي في نتائج البحث العلمي يمكن فقط أن يتوفر حيثما يوجد اس تعداد 
ذاتي للاعتقاد فيها. وفي ذلك يمكن أن نجد أمثلة كثيرة: يميل معظم علماء 
النفس إلى الاعتقاد في البيانات التي تبين أن نظام المحاضرة يحقق زيادة هامة 
في التعلم» ولا يميلون إلى الاعتقاد بأنه يمكن تسمية بطاقة غير مرئية بعد 
قلبها من خلال ما يعرف بالقدرة على الإدراك الحسي الزائد. فالبيانات العلمية 
بالنسبة للحالة الأخيرة معصومة أكثر من الحالة الأولى. 


وعلى هذا og ceil‏ حينما خرجت الذراسات المعروفة ب col al ja»‏ جامعة 
أيوا» للمرة الأولى: موضحة أن الذكاء يمكن أن يتغير بشكل هائل بواسطة 
الشروط البيئيةء تردد علماء النفس بارتياب شديد؛ ووجهت الضربات والهجمات 
الكثيرة إلى الطرق العلمية الناقصة. وليست البيانات العلمية الخاصة بهذه 
النتائج أحسن حالا اليوم مما كانت عليه حينما ظهرت دراسات جامعة أيوا 
للمرة الأولىء ولكن الاستعداد الذاتي لدى السيكلولوجين للاعتقاد في مثل 
هذه النتائج قد تغير بدرجة كبيرة. ويسجل مؤرخ العلم أن الإمبيريقيين كانوا 
أول من كان یرتاب في نتائج كوبر نيكوس . 


يبدو إذن أنه سواء اعتقدت في النتائج العلمية التي توصل الآخرون إليهاء 
أو في النتائج التي خرجت بها من دراساتي» إنما يعتمد جزئياً على استعدادي 
أولية في تلك النتائج. وأحد الأسباب المسئولة خاصة عن 
عدم وعينا بهذه الحقيقة الذاتية أنه في العلوم الفيزيائية خاصة قد تكشف 
بالتدريج عن نطاق كبير من الخبرة نكون فيه مس تعدين لتصديق أية نتيجة 
تبدو مرتكزة على قواعد اللعبة العلمية المؤداة على نحو ملائم. 





استخدام العلم: 


لكن لا يقتصر الأمر فحسب على أن أصول العلم وعمليته ونتائجه توجد 




















— — gy) م عم النفس‎ eee PAA — 


فحسب في الخبرة الذاتية للأشخاصء ولكن في استخدامها أيضا. «العلم» لا يقوم 
أبداً بالج لال من الكيان الشخصي (اخت لال (depersonalization à EY‏ لدی 
الأفرادء أو باحتكارهم: أو السيطرة عليهم والتحكم فيهم. فهم الأشخاص وحدهم 
الذين يستطيعون أن يفعلوا ذلك وسوف يفعلونه. تلك بالتأكيد ملاحظة واضحة 
وبسيطة: ولكن التحقيق العميق لها يحمل بالنسبة لي الكثير من المعاني. يعني ذلك 
أن الاستخدام الذي يمكن أن نقوم به للنتائج العلمية في ميدان الشخصية يكون» 
وسوف qus Sa‏ موضوع ا للاختيار الشخصي الذاتي - وهو نفس نمط الاختيار 
الذي يقوم به الشخص في العلاج. وبقدر ما يغلق الشخص بطريقة دفاعية 
مجالات خبرته عن الوعي؛ من المحتمل أن يأتي باختيارات تكون هدامة من الناحية 
الاجتماعية. وبقدر ما يتفتح الشخص على كل جوانب خبرتهء قد نوقن بأن هذا 
الشخص سيكون أكثر ميلاً إلى استخدام نتائج العلم وطرقه gf)‏ أية أداة أو مقدرة 
أخرى) بطريقة تكون بناءة من الناحية الشخصية والاجتماعية. 


إذن» لا يوجد حقيقة في العلم كيان مهدد يمكن أن يؤثر بأية طريقة 
في مصيرنا. وإنما يوجد الناس» والناس فحسب. وإذا كان الكثير منهم في 
الحقيقة مدعاة للتهديد والخطر في دفاعاتهم وإذا كانت المعرفة العلمية 
الحديثة تضاعف التهديد والخطر الاجتماعيينء إلا أن هذا لا يمثل الصورة 
الكلية. فهناك وجهان هامان آخران: )١(‏ يوجد أشخاص كثيرون متفتحون 
نسبياً على خبرتهم ومن ثم يحتمل أن يكونوا إيجابيين وبنّائين من الناحية 
الاجتماعية: (Y)‏ توضح الخبرة الذاتية للعلاج النفسي والنتائج العلمية المتعلقة 
بها أن الأفراد يكونون مدفوعين إلى التغير. ويمكن مساعدتهم على التغيرء في 
اتجاه المزيد من الانفتاح على الخبرة وبالتالي في اتجاه السلوك الذي يرتقي 
بالذات وبالمجتمع» وليس السلوك الذي يؤدي إلى الهدم والتدمير. 


والخلاصة؛ أن العلم لا يستطيع aal‏ أن يهددنا. وإنما الأشخاص فقط هم الذين 
يستطيعون فعل ذلك. وإذا كان بعض الأفراد مدمرين في استخدامهم للأدوات التي 
توفرها المعرفة العلمية في أيديهم: لكن هذا لا يمثل إلا جانباً واحداً من الصورة. 
فلدينا بالفعل المعرفة الذاتية والموضوعية للمبادئ الأساسية التي قد يستطيع بها 
الأفراد تحقيق السلوك الاجتماعي الأكثر بنائية وإيجابية وإبداعيةء وهو سلوك 
طبيعي بالف بة Aaa‏ الصيرورة المرتيطة بكياتهم الإنساني الحيوي. 

















۸۹ tty pit 


لو توفر زائر من الكوكب « مارس» على قراءة كتاب أولي» فقد يتصور 
العالمَ على أنه eS‏ فيصل cL‏ غير انفعالي كالحاسب الآلي؛ وولع 
بالتخلي عن نظرياته المفضلة عند ظهور بيانات متناقضة لأول وهلة. ولا 
شك أن المزيد من التفاعل مع الكائنات الإنسانية سوف يصحح من هذه 
الانطباعات الأولية. فالعلماءء كما سيكتشفء ليسوا بأكثر أو أقل إنسانية 
من الدارسين الآخرين. وبالرغم من أي جهد يبذل ليكونوا موضوعيين» 
لكن يظل هناك Leila‏ بعض التحيز في تفكيرهم المهني. 


س .۹إ ple,‏ الثقس الإثسسائي — 
e£)‏ 
العلم والسلوك الانساني (“ 
جيمس كونانت 
(جامعة هارفارد) 
أود أن أقصر اهتمامي بالقرارات المؤثرة في السلوك الإنساني التي تبدو 
متوازنةء حيث لا تنطوي على ردود أفعال انفعالية ضاربة في الأعماق - تلك 
هي القرارات السديدة:؛ إذا صح هذا القول. هذه القرارات قد تتفاوت من عقد 
العزم على شراء بنزين من صنف جيد بدلاً من الصنف الرخيص الثمن؛ إلى 
الإصرار على توقيع التماس لتحريم القنابل الذرية. أوء إذا كنت تحتل موقعاً 
مسئولاً في شئون هذا العالم الآخذ بالتصنيع بدرجة كاسحة, فقد تصوت 
بالرفض أو الموافقة على قرض مقترح بهدف بناء منطقة استكشافية لعمل 
منتجات جديدة أو تكنولوجيات جديدة. 


إن ثمة مغالطة شائعة تقرر ubl‏ إذا كنت تعمل بالشثون العلمية والفنية, 
فنادراً ما يدخل فيها حكم القيم. الحقائق تتكلم بنفسها في العلم - هكذا 
يقال Lille‏ ويعلم أي فرد يكون على دراية بمسار البحث العلمي وتقدمه أن 
هذا القول ليس إلا ضربا من اللامعقول. فما هو حقيقي أن مجال المناظرة 
والجدل محدد تماماً. فمثلاء من يتقدم بعملية لإنشاء مصنع جديد لا يلجأ 
إلى الاشتقاق عن أفلاطون أو أرسطو بدلا من أن يقدم اقتراحه أو مشروعه. 
كما أنه لا يلجأ إلى الأخذ عن المبادئ المتضمنة في «إعلان الاستقلال» أو 
قرارات «المحكمة العليا». ولكن هذا لا يعني أن ما هو مقترح لا يقبل المناقشة. 
وإنما يعني ببساطة أن عدد الأشخاص الصالحين للإسهام في المناقشة محدود 
للغاية. وتمشل هذه الحقيقة أحد المتاعب التي تحملها لمجتمعنا الحر. وفي 
الواقع أن من بين النتائج الهامة والخطيرة للغاية المرتبطة بتطور العلم الحديث 
تلك الحقيقة بأن الخبراء العلميين يحتلون الآن Ledge‏ عظيما ومنعزلاً . وهذاء 
بالطبع» هو عصر الخبراء من كل الأنواع؛ فأحد المشكلات الحيوية للتربية Sa‏ 


(1) J. B. Conant: Science and human conduct. In Modern Scienc and modern man. 
New York: Columbia, pp. 65-70. 





tty eit}‏ |[ سه 


أن نبدأ باتجاه عقلاني بين الناشئة يؤدي إلى فهم أفضل بواسطة مجموعة 
واحدة من الخبراء Lac.‏ تفعله مجموعات الخبراء الأخرى. 


إن الفكرة التي تذهب إلى أن العالم شخص رزين وعادل وفيصل» هي 
فكرة تنافي العقل بالطبع. فقوة الإقناع والاعتزاز بنواتج عملهم وإبداعاتهم 
تتأجج بعنف بين العلماء وكذلك بين العاملين المبدعين. وفي الحقيقة: إذا لم 
يفعلوا LTS‏ لن يكون ثمة تقدم في العلم. لكن هذا التعلق الانفعالي بوجهة 
نظرهم يبعث خاصة على الخداع في العلم لأنه من السهل تماما على المتقدم 
بمشروع أن يغلف آراءه بلغة فنية. لذا من الضروري Cà AST‏ عن الطرق 
والوسائل التي تعين على ترشيد تحيزات الخبراء حينما يكون لآرائهم أهمية 
كبيرة في صناعة القرارات. 


إن التشكك الصحيء أولا وقبل كل شيءء هو أن نصغى إلى الخبيرء وخاصة 
الخبير المتحمس. الخطوة التالية هي أن نحاول أن نجد شخصاً يتمتع بنفس 
الكفاءة الفنية ولكن يتصف بانحياز انفعالي مضاد . وإذ لم يتيسر هذا الشخص» 
يمكن أن نسأل شخصاً مقتدراأ بعيداً عن المشروع ليقوم بمهمة «المدافع عن 
الشيطان». ينبغي أن يطلب منه أن يتكرس للقيام بدور المعارضة السديدة لما 
هو مقترح. وهذه الإجراءات الهادفة إلى ترشيد تحيزات الأشخاص الفنيين» 
وخاصة العلماء الذين تحولوا إلى مخترعين» قد أسهمت غالبا بدون خطة 
في الصناعات الناجحة في مجتمعنا . ولكن لم LED‏ طرق مماثلة في مجالات 
أخرى. مثل « حكومة الولايات المتحدة» . فهي لازمة على وجه الخصوص؛ OY‏ 
الحكومة قد أدخلت «البحث والتنمية» (RAD)‏ على نطاق واسع حقا. ومن 
الحتمي في أي عملية تكنولوجية أن تتصدى النزعة المحافظة للحماس. وهنا 
تتبدى الانفعالات ويختلط القدر الشخصي مع الاعتبارات الفنية. 


وقد يشعر البعض أن اتجاهي نحو العلم إنهزاميء وأنه بدلاً من اقتراح 
كيفية ترشيد الاستجابات الانفعالية لدى العلماء حينما يقدمون النصح بشأن 
إجراءات في المستقبل» ينبغي أن أطالب بأن يعمل العلماء مثل العلماء ويلغون 
تعصباتهم. فعلى سبيل SLM‏ يجيب elle‏ اجتماعي بالإيجاب على السؤال: 
«هل يستطيع العلم أن ينقذنا؟». كما يلي: 











—- و طم النفس ley)‏ 


«العلم» كطريقةء هو شكل من أشكال السلوك الإنسانيء وهو يقوم على 
توجيه أسئلة واضحة يمكن الإجابة عنها لكي توجه ملاحظات ap al‏ التي 
تتطور بطريقة هادئة وغير متحيزةء والتي تدون بدقة بقدر الإمكان وبطريقة 
تسمح بالإجابة على الأسئلة المثارة في البدايةء بحيث أن المعتقدات أو الفروض 
الرصينة التي تكونت قبل القيام بالملاحظات تخضع للتعديل في ضوء ما 
تجمع من ملاحظات وما تم التوصل إليه من إجابات» . يمثل كل ذلك وصفاً 
لما يعرف We‏ بالسلوك العلميء ولكني أرى أنه ليس وصفا للطريقة المميزة 
التي طورتها العلوم الطبيعية؛ إنه اهتمام باستخدام فروض عاملة محدودة 
lcs‏ ليست غير مماثة لتلك الفروض الم تخدمة في الحياة اليومية. 





لكي أوضح ما أعني بالفروض العاملة Boga cell‏ اقترح أن النشاط الذي 
نعنيه كبحث علمي يتألف من الإجراءات التجربية (الإمبريقية) التي بها طور 
الإنسان من الفنون العملية حتى منذ فجر AGU‏ ومن الأفكار التأملية العامة 
والتفكير الرياضي أو التجريدي. لقد بدأ العلم في التقدم السريع حينما رأى 
الناس كيف يربطون بين هذه النشاطات الثلاثة. فحينما استخدمت. صارت 
الأفكار التأملية فروضا عاملة على نطاق واسع. فهذه الخطط التصورية (مثل 
«الأرض محاطة ببحر من الهواء») يمكن اختبارها بواسطة التجربة التي فيها 
نتناول سلسلة من الفروض العاملة المحدودة: وهي من قبيل «لو أدرت هذا 
الصمام» إذن سوف يحدث كذا وكذا». فبعد سلسلة طويلة من التعقل تتحقق 
القضية «لوء إذن» التي يمكن اختبارها- تلك القضية المرتبطة بصدق الفرض 
العامل على نطاق واسع. 

















افصل‌الغامس د ۹۳ 


تبدأ أية طريقة علمية بافتراضات عن طبيعة الشيء موضوع 
الدراسةء سواء كان الضوء أو الإلكترون أو الإنسان. وبدون وجود فكرة ما 
Lee‏ يمكن أن يكون عليه الشيء حقيقة. لا يمكن تطوير الطرق الموضوعية 
لملاحظة هذا الشيء. وفي ele‏ النفس» يكون من الأهمية خاصة أن نعرف 
أي الافتراضات القبلية قد ضعت عن طبيعة الإنسان لكي نتجنب سوء 
تناولها عند صياغة النتائج المشتقة من البيانات التجربية (الإمبيريقية). 


لا egg‏ لظم التقس الإنساني ‏ 


)10( 
الافتراضات في ele‏ التفس O‏ 
أدريان كآم 


(جامعة ديكوزين) 

من الأهمية بمكان في تطور العلم التحقق من أن العلم ذاتي نسبياً . ولقد 
كان علماء الفيزياءء مثل بلانك وبوهر وفون فييزايكر وهييسنبرج» هم الذين 
جعلوا الإنسان Lely‏ بذلك. وقد أوضح تطور فيزياء الكميات خاصة أن مثالية 
الموضوعية المطلقة أو النظرة الموضوعية الخالصة كانتا Lele‏ لم يتحقق أبداً. 
وتعلمنا الاكتشافات الحديثة باقتناع أن كل ما يسمى بالنظرة العلمية إلى العالم 
محدود للغايةء فأي عالم يتناول الكون إنما ينتقي بالضرورة وجهة نظر من 
بين وجهات نظر كثيرة يمكن الأخذ بها. ومن الضروري أن SL‏ لا ينظر إلى 
الإنسان والكون في كل أبعادهماء ولكن يحدد نفسه بجانب ينتقيه من الكون. 
ويقوم هذا الانتقاء على الاختيار وعلى الافتراضات التي هي ذاتية نسبيا. 


ولم يتحقق علماء الفيزياء وحدهم بل والمفكرون الآخرون أيضا من 
الذاتية النسبية للعلم. ومما هو ذات مغزى في هذا الصدد ما يعرف بالطريقة 
الظاهرية (الفينومينولوجية) في التفكير. يدرس العالم الظاهري الخبرة الأولية 
لدى الإنسان. وهذه الخبرة أكثر شمولية من المعرفة التصورية التي ينتقيها 
الإنسان فيما بعد من خبرته الأصلية بواسطة التحليل. هذه الخبرة الأصلية 
تسبق «التصورية» .(Conceptualization)‏ فهي المنبت لكل المفاهيم الجزئية 
التي يختارها الإنسان عن عمد . والإنسان في خبرته الأولية لا يزال منفتحاً 
على الكون. فهو يكون على اتصال مع كمالية الواقع بكل ما به من اختلافات. 
لذا تكون هذه الخبرة بالضرورة مختلفة عن الطريقة العلمية للمعرفة. الإنسان 
يمكن أن يفهم فحسب بطريقة علمية حينما يحدد ذاتياً نظرته الأصلية. فلكي 
يكون علمياء ينبغي أن يتبني اتجاها بدلا من «الاتجاه العلمي السبقي المفتوج» 
(Open prescientific)‏ عليه أن يغير ويختزل ما توفر له في الأصل من خبرة 
أولية. وما جرى اعتباره موضوعات في العلم ليس بالموضوعات التي نشأت 
A. L. Van Kaam: Assumptions in psychology. J. Indiv. Psychol., 1958, 14, 22-28.‏ )*( 








افصل الت من اا 346 لد 


في الأصلء ولكن هي موضوعات تُظر إليها في إطار معين OF‏ الإنسان يوجه 
نفسه ذاتياً بطريقة معينة نحو الواقع. فالخبرة الأولية أو الساذجة naive‏ 
Y experience‏ تعرف موضوعات ولكن تعرف الناس والمنازل والأشجار والطيور 
والزهور والحب والكراهية والقلق. 


وحينما يحدد الإنسان ذاتياً أنه سوف يتناول كل هذا الواقع في العلم 
بطريقة yale‏ إنما يحدد خبرته به بواسطة إطار مرجعي گونّه بطريقة ذاتية. 
فلم يعد الواقع ما كان عليه من قبل. وما يطلق عليه البيانات المضبوطة أو 
المدققة هو بالأحرى تفسيرات لخبرة الإنسان الأولية. ويقوم التفكير العلمي 
بتوظيف الخبرة الأولية وطرّقها بدلاً من أن يتجاوزها: إن النظرة العلمية 
للإنسان والكون هي نتيجة لتعديل معين للاتجاه الإنساني. الخبرة الأولية عن 
العالم تتسيج وتتحصن بواسطة العلم. فالعلم يعدل الخبرة تعديلاً أساسياً. 
وهو يفعل ذلك بواسطة الاختيار الذاتي الذي يقوم به الإنسان. 


وهكذاء فإن ما جرى من التحقق الذي قام به الفيزيائيون والفينومينولوجيون 
المعاصرون من أن العلم ذاتي نسبياًء قد جعل الإنسان أكشر Leg‏ بالحقيقة التي 
تقرر أنه ينطلق Glo‏ من افتراضات محددة في اجتهاداته العلمية. 


إنكار الافتراضات : 


إن علم النفس لا يتشرب بسهولة هذه التحقيقات الجديدة. فعلماء النفس 
المختلفين يحاولون التخلص من التحقق الذي يقرر أن الافتراضات حتمية. 
ويعترف بعضهم أنهم يضعون في الاغتبار JS‏ وجهات نظر مدارس ele‏ النفس 
على أنها وجهات نظر نسبية وأنهم أنفسهم ينطلقون بدون أي افتراض. ولكن 
مع التصريع بان كل وجهات النظر هذة تبسبية لا يستطيع عام النفن أن 
يتملص من أن له نظرته المحددة. ويقدر ما يكون الاهتمام بنسبية وجهات 
النظر المختلفة في علم النفس» بقدر ما تتكشف الخاصية المطلقة لموقع الفرد 
في علم النفس. قد يطلق على ذلك وجهة نظر فائقة, ولكنها تظل وجهة نظر. 
فهي لا تبدي أي تردد إزاء الاختيار المطلق والحاسم للموقف الذي يركز على 
فهم الإنسان. 

















۹ ع النفس ley)‏ 


ويذهب آخرون إلى أنه لا توجد افتراضات لأنه لا يمكن إثباتها بواسطة 
الطريقة العلمية. وعبثاً كذلك يكون السعي إلى التخلص من الافتراضات. 
فالتصريح بأن افتراضات علماء النفس تأتي Les‏ يمكن التحقق منه تجريبياً 
هوواحد من أكثر الافتراضات شمولاً لأنه يتضمن حكما قاطعا يتعلق بكل 
إمكانيات المعرفة الإنسانية وعلاقتها بما يمكن معرفته. فليس ثمة تملص 
من الافتراضات في علم النفس. وعالم النفس من أي مدرسة يأتي Letts‏ 
بحكم مطلق ونهائي عما يسمى بطبيعة الإنسان وعن الطريقة التي يمكن 
بها فهم الإنسان. ولم يتوصل البحث السيكولوجي إلى هذه الافتراضات التي 
ذهب إليها علماء النفس. وعلى العكسء تعتبر افتراضات عالم النفس نقطة 
الانطلاق لنوع البحث الذي سيضطلع به ولتقييم نتائج هذا البحث. 


أسباب الإنكار: 


يبدو أنه من الصعب بالنسبة لميدان علم النفس أكثر من الميادين الأخرى 
أن يتقبل أن العلم ذاتي نسبياأً ويتضمن دائماً افتراضات لا يمكن التوصل إليها 
بواسطة الطريقة العلمية ذاتها. 


لقد كان علماء النفس الأولين أكثر ميلاً إلى محاكاة علم الفيزياء. ولا 
يزال هذا التقليد يؤثر في كثير من علماء النفس. لكن ما يعرفونه بالفعل عن 
الفيزياء قد يكون هو المبادئ التفاؤلية التي ذهب إليها علماء الفيزياء الأولون. 
فهي تبدو أقل تداولاً بالنسبة للتحقيقات أو الإثباتات التي توصل إليها علماء 
الفيزياء الذين أشرنا إليهم في مطلع هذه الدراسة؛ ومع ثم يعتبر علماء 
الفيزياء الأولون أقل حساسية للذاتية النسبية للعلم من بعض معاصريهم. 


لقد سعى علم النفس إلى تحرير نفسه من سطوة الفلسفة. وقد كان من 
المفهوم أن alle‏ النفس يعمل ضد فلس فة مسيطرة كانت هي الفلسفة العقلانية 
والتجريدية. والنتيجة غير المواتية هي أن الكثير من علماء النفس الآن يميل 
أكثر من العلماء العقلانيين intellectuals‏ الآخرين إلى الإقلال من قيمة كل 
الأعمال ذات الطبيعة النظرية أو الفلسفية أو الأدبية. وقد يتمخض عن هذا 
أفول للذهن: وعدم وعي بما يجري في المدرسة العقلانية المعاصرة. وب 


























۱۹۷ ety الفصل‎ 


هذاء قد يكون بعض علماء النفس أقل قدرة على الإفادة من التحققات أو 
الإثباتات الجديدة التي تتم في هذه الميادين الأخرى المتعلقة بطبيعة العلم. 


لقد كان علم النفس نسبياً Lash Lele‏ عليه أن يثبت ذاته»ء والعلم يقوم 
بحق على درجة معينة من الموضوعية والاتساق في طرقه ونتائجه الفعليةء 
طالما أن العالم ينتقي ذاتياً شريحة صغيرة من الواقع كموضوع للبحث. ومن 
السهل أن نوقن لذلك أن عالم النفس الذي تراوده مشاعر عدم الأمان يميل 
إلى التأكيد الزائد على الموضوعية. وكنتيجة لهذا الموقف التاريخي يتملك 
بعض علماء النفس خوف أكثر من العلماء الآخرين من أن يعترفوا في ضوء 
التحققات أو الإثباتات الجديدة بأن الافتراضات حتمية وبأنها ليست قابلة 
للإثبات بواسطة الطريقة العلمية ذاتها. 


وعالم النفس الذي يعتقد أن افتراضاته وتفسيرات نتائج بحثه موضوعية 
بصورة مطلقة قد يميل إلى تكوين نظرته للحياة على أساس هذه النتائج. 
فعلمه يصير فلسفته عن الحياة. وهذا ما يجعله أكثر صعوبة بالنسبة له لكي 
يتحمل التحقق من أن علميته Scientism‏ كالعلم ذاتهء Gi‏ في النهاية على 
الافتراضات التي تكون وفقا لشعوره غير جديرة بالاعتبار لأنها لا تقوم على 
نتائج الطريقة العلمية. 





وثمة عامل آخر يتلخص في أن بعض العلماء الذين يتناولون Legh‏ معينا 
من البحوث الدقيقة, قد تكون طبائع الشخصية لديهم متصفة بالقسرية 
بدرجة أكشر أو أقل. قد يقوم العلم في حياتهم بوظيفة تنظيم الواقع بطريقة 
يشعرون معها بأنهم يستطيعون على الأقل قياس ما هو غير معروف وضبطه 
والسيطرة عليه. وتستدعي الافتراضات التي لا تقبل الإيضاح تجريبياء مشاعر 
القلق لديهم. وفي هذه ILA‏ فإن تجنب التحقق من هذه الافتراضات يعمل 
كدفاعات ماكرة. 


وفي النهاية لا تؤدي طبيعة العمل التجريبي مباشرة إلى التحقق من كل 


تطبيقات علم النفس التجريبي. وعلينا أن نعترف أنه بقدر ما يكون pelle‏ 
النفس واعياً بهذه المش كلات,. يمكنه أن يستيعدها من وعيه طال ما أنه منغمس 

















ley) طم النفس‎ ۱۹۸ s 


في البحث التجريبي. فتوجيه الانتباه إلى الافتراضات eL ST‏ التجريب ذاته قد 
يجعل العمل العلمي مس تحيلاً. هذا الاتجاه الرامي إلى التجرد من الافتراضات 
المتضمنة أثناء التجريب يمتد بسهولة خارج المعمل ويجعل المجرب في غفلة 
من وجود الافتراضات المتضمنة. 


ويعاني تعليم السيكولوجيين بالضرورة من النقائص التي تميز علم النفس 
ذاته. ربما يميل الطالب» منذ البدايةء إلى ألا يأخذ بجدية مصادر معينة 
من المعرفة عن الواقع مثل الفلسفة والأدب وغيرها مما يعتبر مصادر عامة 
للمتعلمين الآخرين في ثقافته. وفي نفس الوقت ليس لديه الإعداد الذي يمكنه 
من أن يدخل بعمق في علم حديث مثل الفيزياء. لذا يفقد أيضا التحقيقات 
أو الإثباتات التي تكون عامة لدى عالم الفيزياء الحديثة. 


الوعي بالافتراضات : 


بالرغم من كل هذاء يتزايد عدد علماء النفس الذين يتزايد وعيهم 
بالحقيقة التي تقرر أن بحوثهم تنطلق بالضرورة من افتراضات ذاتية نسبيا. 
ومن المحتمل ألا يكون السبب في ذلك هو أن هؤلاء السيكولوجيين على معرفة 
أفضل بالنتائج النهائية لفيزياء الكميات ولنسبية النظرة العلمية التي هي أحد 
نتائج تطورها الحديث. ومن المحتمل كذلك ألا نستطيع استيضاحها بمزيد من 
المعرفة المتعمقة والمتسعة عن الفنون والآداب والفلسفة المعاصرة. 


كيف تخلص علماء النفس من الانعزال الذهني؟ يبدو أن هذا قد حدث 
بالنسبة للجزء الأعظم من علماء النفس الذين يهتمون بالميدان الإكلينيكي. 
يتضمن هذا الاهتمام عناية بالشخص الإنساني وخاصة حياته الخبّرية. هذا 
الاهتمام الفذ والدائم بخبرة الإنسان قد يؤدي إلى التحقق من أن خبرته 
الذاتية نسبياً هي مصدر كل اجتهاداته ومساعيه حتى في العلم. وهنا يتفق 
علم النفس الإكلينكي مع تحققات وإثباتات الفكر الحديث وإدراكية الوجود 
المعاصر. وأحد النتائج أن هؤلاء السيكولوجيين يميلون هكذا إلى أن يكونوا 
أكشر Lucy‏ بالافتراضات ويحاولون جعلها صريحة وواضحة. 


ويمكنناء بطريقة غير متقنة إلى حد ماء رسم حد فاصل بين علماء 




















tty et} ——‏ 88[ سه 


النفس الوضعيين وعلماء النفس الظاهريين (الفينومينولوجيين) - الوجوديين. 

ينما نسأل أنفسنا عن ذاتيتهم النسبيةء يمكننا توصيف ذلك على النحو 
التالي: تبدو الذاتية لدى عالم النفس الوضعي أكثر قمعا ومنعةء وجموداًء 
وانغلاقاء ويعني هذا أنه يميل إلى رؤية افتراضاته الذاتية نسبياً على أنها 
موضوعية بصورة مطلقة. فهو يترفع عن التفكير في افتراضات ABl‏ وحتى 
قد يراوده بعض الخوف من هذا التفكير. هذه الذاتية الممستهدقة للقمع بدرجة 
أكبر أو أقل تميل إلى أن تجعله جامداً ويهتم بصورة مطلقةء على سبيل 
«JUS‏ بتقييم الطرق التي يستخدمها . فربما يعتقد» مثلاء أن «طرق التكمية» 
(quantifying methods)‏ هي الطرق الوحيدة الجديرة بالاهتمام. وبسب أن 
الأساس الذاتي نسبياً لهذا الاعتقاد غير قابل لمزيد من التأمل والفكر لا 
تكون لديه أية وسيلة لتصحيح هذا الاتجاه. 


Lal‏ الذاتية لدى عالم النفس الظاهري - الوجوديء فتبدو أكثر منالاً 
ومرونة وانفتاحا. وهو أقل ميلاً للاعتقاد بأن افتراضاته موضوعية بصورة 
مطلقة. كما أنه أكشر Ley‏ بما يحدد عمله العلمي. وهذا ما يمنع التأثير 
الذاتي من أن يصير ثابتاً للغاية وجامداً للغاية. ويجعله هذا أكثر انفتاحاً على 
المحددات الذاتية التي تؤثر في الناس الآخرين وانعكاساتها على علم النفس 
والميادين الأخرى. وهو يميل إلى التأمل في افتراضاته الذاتية نسبياء وإلى أن 
يسأل نفسه من وقت لآخر Lee‏ إذا كانت لا تزال رصينة يمكن الدفاع عنهاء 
وما إذا كان يمكن توسيع نطاقها أو مصالحتها مع التصورات الذاتية نسبيا 
لدى أشخاص آخرين يدرسون الشخص الإنساني بطريقة أو بأخرى. بل وحتى 
قد ينظر إلى مفهوم العلم ذاته على أنه مفهوم نام متطور ومتغير. ويأخذ 
هذا المفهوم» اعتماداً على الافتراضات الذاتية نسبياً. معنى ومضموناً Latins‏ 
باختلاف الفترات الحضارية. 


ومن الواضح أن هذه الذاتية المنفتحة والمرنة والميسورة يمكن تنميتها لدى 
طلاب علم النفس. وقد يستلزم ذلك من الطالب أن يسجل في تقرير البحث 
ما هي افتراضاته الأساسية. وعندما يقوم بتفسير النتائج عليه م أن يبينوا 
بوضوح ما الذي يكون عليه التفسير في ضوء افتراضاتهم ذاتهاء وما الذي 
يكون علي في طب تارمن غلم التق التميزة الأخرى: 








OO Yi. —‏ طم التقس الإنساني س 
الافتراضات الوضعية مقابل الافتراضات الظاهرية: 


وفي النهاية يمكننا أن نتساءل: ما هي افتراضات tLe‏ النفس الوضعي؟ 
وما هي افتراضات عالِم النفس الوجودي- الظاهري (الفيتومينولوجي)؟ 
باختصارء لا يزال عالم النفس الوضعي يتشيع بطريقة ضمنية لافتراض Sis‏ 
(mechanism) a rst‏ و «الحتمية (determinism)‏ اللذين DIS‏ يميزا ete‏ 
الفيزياء المبكر. 


تتضمن«الآلية» نظرية كمية تماما عن الذرات بدون كيفيات. هذا 
الافتراض الضمني يتناقض أكثر وأكشر مع الحقائق التي اكتشفها علماء 
الفيزياء؛ ويصدق ذلك على تطور علم النفس. فالافتراض الضمني الذي يقرر 
أنه يمكن فهم الإنسان بواسطة تحليله إلى عناصر متشابهة إحصائياًء يتناقض 
أساسا مع الواقع. بقول آخر. لم يعد افتراض UII‏ الذي يذه ب إلى أن كل 
الظاهرات يمكن اختزالها إلى تغير موضعي أو إلى تغير في وضع الذرات 
الثابتة داخلياًء يحتمل الدفاع aie‏ من منظور الحقائق: ولكنه لا يزال يؤثر فيما 
يقوم به عالم النفس الوضعي من عمل علمي. 


أما الافتراض الآخر لعلم الفيزياء. وهو افتراض «الحتمية» فيذهب 
إلى أن أى موقف للعناصر الأولية في وقت معين يكون محتوماً بواسطة 
قانون داخلي أو بالموقف في وقت آخر. ولا يزال لهذا الافتراض في شكله 
السيكولوجي تأثير هائل على تفكير عالم النفس الوضعي. لقد صار علماء 
الفيزياء أكثر حذراً بكثير منذ أن خرج «هييزنبرج» بمبدأ الشك. ونحن نطلق 
على كلا هذين المفهومين افتراضات فلسفيةء ونسميها بافتراضات لأنهما لا 
يجدا سنداً في نظرية امبيريقية متقنة. ونصفهما بالفلسفية بسبب «الإطلاقية» 
(absoluteness)‏ الاتان يتمسكان بها: أنهما ينطبقان بواسطة العقل الوضعي 
على كل شيء في الإنسان وفي الكون. 

والافتراضات التي يذهب إليها علماء النفس الظاهريون - الوجوديون 


متنوعة بدرجة هائلة كتلك التي يذهب إليها علماء النفس الوضعيون. ويسمح 
لنا حيزهذه الدراسة بأن نشير إليها سلبيا بموقفها المتناقض من الآلية 

















—— الفصل الخامس د Y Y‏ — 
المطلقة والحتمية المطلقة. وتمثل هذه الافتراضات الصورة المقابلة في ele‏ 
النفس للافتراضات الجديدة لدى علماء فيزياء الكميات والفلاسفة الوجوديين. 
فمصطلحات. fie‏ الصيرورة والإبداع والنمو وتحقيق الذات»ء هي مصطلحات 
توضح بدرجة أكثر أو أقل في أي اتجاه تتطور هذه الافتراضات. 








ny -—‏ طلم التقس الإنساني 


ay 
الافتراضات القبلية العلمية“‎ 
روللوماى‎ 


(معهد وليام آلانسون للطب النفسي وجامعة نيويورك ) 

ماهي«الافتراضات القبلية» (presuppositions)‏ التي تكمن وراء علمنا 
Stat TT‏ لا «si‏ رهنا «الطريقة العلمية» فقد حظي M‏ وعلى وجه أصح 
مشكلة مناهج البحث 4B ploy‏ بقدر كبير من الاهتمام. ولكن كل طريقة تستند 
إلى افتراضات قبلية معينة - افتراضات عن طبيعة الإنسانء وطبيعة خبرتهء 
وهكذا. هذه الافتراضات القبلية مشروطة جزئياً بثقافتنا وبالمرحلة التاريخية 
التي نعيشها. هذا التوجه الحاسم. كما أرىء قد اختفى غالباً في علم النفس: 
فنحن نميل إلى أن نفترض ضمنا وبدون تمحص أن الطريقة التي نس تخدمها 
تصلح لكل الوقت. والقضية التي تقرر أن العلم قد تشيد على أساس مقاييس 
صحيحة بذاتها -self - corrective measures‏ وهي صادقة جزئیا - لا يمكن 
أن تؤخذ كسبب لتجاوز الحقيقة التي تقرر أن «علمنا مشروط ثقافياً وتاريخيا» 

» ومن ثم فهو محدد حتى في مقاييسه الصحيحة بذاتها . 
وهنا يكون الإصرار الوجودي بأن عالم النفس. بسبب أن أي علم نفس 
وأي طريقة لفهم الإنسان تستند على افتراضات قبلية معينةء مطالب باستمرار 
بتحليل واستيضاح افتراضاته. فالافتراضات التي يذهب إليها عالِم النفس 
تحدد وتقيد Leila‏ ما يراه في مش US‏ أو تجربة أو موقف علاجي؛ ومن هذا 
الجانب الخاص ب «التحديد» الإنساني لا يكون ثمة مفر. العالم الطبيعي يدرك 
في الإنسان ما يلائم منظوره الطبيعيء» والعالم الوضعي يرى جوانب الخبرة 
التي تلائم الأشكال المنطقية لقضاياه. ومن المعروف جيداً أن المعالجين المختلفين 
من المدارس المختلفة سوف يرون في نفس حلم مريض بعينه الديناميات التي 
تلائم النظرية التي تأخذ بها المدرسة التي ينتمون إليها. يعبر «برتراند رسل» 
عن هذه المشكلة تعبيراً سليماً بالنسبة لعلم الفيزياء: «الفيزياء رياضية ليس 
لأننا نعرف كثيراً عن elle‏ الفيزياء ولكن لأننا نعرف النذر اليسير؛ فما نعرفه 
Rollo May (ed.), Existential Psychology. Random House, Inc., 1961.‏ )*( 





الل الق سے 
فقط هو خصائصها الرياضية التي يمكن أن نكتشفهاء. 


لا يستطيع أي elle‏ في الفيزياء أو في علم النفس أو في أي ele‏ آخرء 
أن يتتصل من جلده المحكوم تاريخيا. ولكن السبيل الوحيد الذي نستطيع 
معه الاحتفاظ بالافتراضات القبلية الكامنة وراء طريقتنا الخاصة من SUG‏ 
المتحيز غير GU!‏ هو أن نعرف بوعي ماهية هذه الافتراضات وبالتالي عدم 
السعي إلى الأخذ بها كمفاهيم مطلقة أو قطعية ( دوجماطيقية). ومن ثم لدينا 
على الأقل فرصة للكف عن فرض موضوعاتنا أو مرضانا قسراً على «أرائكنا 
الجامدة» s 339. procrustean couches‏ البصر عما Y‏ يوافق أو نرفض النظر 
إليه. 


يتضمن كتاب «لودفينج بينشفانجر»: «سيجموند فرويد ذكريات صداقة» 
وهو كتاب صغير يتتاول محادثاته ومراسلاته مع فرويدء وجهات نظر متبادلة 
قيمُة توضح هذه النقطة. لقد كانت الصداقة بين فرويد المحلل النفسي» 
وبينش فانجرء الطبيب النفسي الوجودي في سويسراء وطيدة ومديدة وتقف 
كمثال لاحتفاظ فرويد بالصداقة مع شخص يختلف عنه اختلافا جذرياً. 


وباختصارء كتب بينش فانجرء قبل aue‏ ميلاد فرويد الثمانين: مقالاً يصف 
كيف أن نظرية فرويد قد عمقت بطريقة جذرية الطب النفسي الإكلينيكي» 
ولكنه أضاف إلى أن وجود فرويد ذاته كشخص قد تجاوز الافتراضات القبلية 
الحتمية لنظريته. 


«والآن لم يعد الإنسان (وفقا لمنجزات التحليل النفسي الفرويدي) مجرد 
كيان حيواني نشط .animated organism‏ ولكن كائنا حيا living being‏ له 
أصول في عملية الحياة المتناهية لهذه الأرض» يموت حياتها ويعيش موتهاء 
ولم يعد المرض اضطراباًء يتسبب بعوامل خارجية أو داخلية, للمسار السوي 
للحياة في الطريق إلى موتها». ولكن بينش فانجر مضى يشير إلى أنه كنتيجة 
لاهتمامه بالتحليل الوجوديء يعتقد أن الإنسان في نظرية فرويد ليس بعد 
إنساناً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى: 


.. لكي تكون إنساناً لا يعني مجرد أن تكون مخلوقاً توجده حياة البقاء- 











سيب عم النفس الإنساني — 


cig LU‏ يلقي بدلوه فيها ويغاليهاء وتتملكه معنويات عالية أو منخفضة بواسطتها؛ 
إنه يعني أن تكون كائناً يتحمس إليها ونصف a ane‏ قَّدرٌ الإنسانية: كائناً 
«راسخا» أي Litts‏ يحصل على موقع له فيهاء أو SIS‏ يقف على قدميه... 
والحقيقة التي تقرر أن Lake‏ محددة بقوى الحياةء هي فقط أحد جوانب 
الحقيقة: والجانب الآخر هو أننا نحدد هذه القوى على أنها قدرنا. هذان 
الجانيان Lee‏ فق da‏ يكمنان وراء كل مشكلة سلامة العقل واختلاله. وأولئك 
الذين» مثل فرويد. طرقوا أقدارهم بالمطرقة: يمكنهم تناول هذه الحقيقة 
بالجدل أقل من كل الحقائق». 


لقد دعت «الجمعية الطبية بفيينا» (Vienese Medcial Society)‏ بمناسبة 
aue‏ ميلاد فرويد الثمانين: بينش فانجر بالاشتراك مع «توماس مان» Thomas)‏ 
(Mann‏ لتقديم دراسات في هذا الاحتفال السنوي. ولم يحضر فرويد نفسه. 
حيث لم يكن بصحة جيدة: ولم يكن يُغرم بمثل هذه الاحتفالات السنوية - كما 
كتب إلى بينش فانجر. وقد قضي بنيش فاجر يومين مع فرويد في فيينا في 
وقت هذه المناسبة وأشار إلى أنه في هذه المحادثات قد خرج بانطباعة مرة 
أخرى عن إلى أي أحد كانت نظرة فرويد إلى الإنسانية تتسم بالاتساع والعمق 
كإنسان يعلو على نظرياته العلمية. 


أقر بينث فانجر. في دراسته التي قدمها بمناسبة هذا الاحتفال» بفضل 
فرويد في توسيع وتعميق بصيرتنا بالطبيعة البشرية: ريما أكثر من أي مفكر 
منذ أرسطو. لكنه مضى إلى الإشارة بأن هذه البصائر قد لبست « clay‏ نظريا 
= علمياً يبدو لي ككل« من جانب واحد» وضيق اأ للغاية». وذهب إلى أن إسهامة 
فرويد العظيمة كانت في مجال «الطبيعة البشرية» «homo natura‏ الإنسانفي 
علاقته بالطبيعة (Umwelt)‏ 7 الحوافزء الغرائز. والجوانب الماثلة للخبرة. وكنتيجة 
All‏ اعتقد بينث فانجر أن نظرية فرويد تتضمن فحس ب فهماً غامضا يقوم على 
fie‏ الظاهرات المضافة epiphenomenon‏ للإنسان في علاقته بغيره من الناس 
(mitwelt)‏ وأن مجال الإنسان في علاقته بنفسه (Eigenwelt)‏ قد أغفل تماما. 


وقد أرسل hin‏ فانجر نسخة من دراسته لفرويد الذي أرسل خطاباً إليه 
بعد أسبوع يحوي العبارات التالية: 











— e  _سماغلا‌لصفا‎ 


عندما قرأت دراستكم شعرت بالغيطة من لغتكم الجميلةء ومن حصافتكم 
وسعة أفقكم» ومن فطانتكم في معارضتي. وكما هو معروف hie‏ يستطيع 
المرء أن يتجاوز عن مقادير هائلة من المديح والتفريط... ومن الطبيعيء نظراً 
لكل ذلك. أن تخفق في إقناعي. لقد قيدت نفسي Letts‏ بالأساس الوطيد 
الذي يقوم عليه صرح البناء. وإنك لتصر على أنه بتغيير وجهة نظر الفردء 
فإنه يستطيع أن يرى الطابق الأعلىء حيث تقطن تلك الضيوف ال مميزة كالدين 
والفن وغيرهما...» 


ثم يضيف بينش فانجر في كتابه - وهذا هو السبب الأساسي الذي 
دفعنا لأن نقتبس ما ورد بينهما من تبادل: «وكما يمكن أن نرى من الجملة 
الأخيرةء نظرة فرويد إلى ما بيننا من اختلافات على أنه شيء نتغلب 
عليه بالبحث الامبيريقي» وليس على أنه شيء تتم حمايته بالتصورات 
المتسامية transcendental conceptions‏ التي تكمن وراء كل البحوث 
الامبيريقية». 


وفي حكمي» أن ما ذهب إليه بينش فانجر لا يُدحض. قد نستطيع جمع 
بيانات إمبيريقية: ولتكن عن الدين والفن. ولا نستطيع أن نقترب من فهم 
هذه النشاطات إذا كانت افتراضاته القبلية التي يبدأ بها تحجب ما الذي 
يتكرس عليه الشخص المتدين وما الذي يحاول الفنان أن يقوم به. ومن شأن 
الافتراضات القبلية الحتمية deterministic presuppositions‏ أن تجعل في 
الإمكان فهم كل شيء عن الفن عدا العمل الإبداعي والفن نفسه؛ وقد تؤدي 
الافتراضات القبلية الطبيعية الآلية mechanistic naturalistic‏ إلى إخفاء 
الكثير من الحقائق عن الدين. 


والنقطة التي نود إثارتها في هذه المناقشة هي ضرورة تحليل الافتراضات 
القبلية التي تذهب إليهاء وضرورة الكشف عن جوانب الواقع - وقد تكون في 
الحقيقة هائلة - التي قد يغفلها بالضرورة اتجاه معين نأخذ به. وقي حكميء 
Lal‏ في علم النفس غالبا ما Ling ó‏ فهمنا وأفسدنا إدراكنا نتيجة الإخفاق bé‏ 
عمد في استيضاح هذه الافتراضات القبلية. 





e ١‏ الققس الإتسسائي سم 


ولعلى أتذكر بوضوحء إذا عدت إلى الوراء أيام دراستي الجامعية في ele‏ 
النفسء كيف كان هناك ميل إلى رفض نظريات فرويد كنظريات «غير علمية» 
لأنها لا تلائم الطرق الذائعة الصيت آنذاك في مدارس علم النفس. وقد 
تمسكت في ذلك الوقت بأن هذا الميل قد أغفل النقطة التالية: لقد أماط 
فرويد اللشام عن جوانب الخبرة الإنسانية ذات الأهمية البالفة؛ وإذا لم تكن 
تلائم طرقناء فما أكشر ما تتصف به هذه الطرق من رداءة. والمشكلة هي أن 
نبتدع طرقا جديدة. وفي حقيقة الأمرء أن الفرويدية - كما يشير روجرز- 
عقيدة ) دوجما) علم النفس الإكلينيكي. لذا يتملكني ميل؛ إذا عدت بذاكرتي 
إلى أيام دراستي الجامعيةء إلى الضحك حينما يقول البعض أن مفاهيم ele‏ 
النفس الوجودي « غير علمية» لأنها لا تلائم الطرق ال معنية ذائعة الصيت. 


من الواضح تماماً أن الآليات (الميكانزمات) الفرويدية تدعو إلى القطيعة 
والانفصال في مفاهيم السبب والنتيجة المغايرة التي تلائم طرق البحث 
الحتمية التي تسيطر على gle‏ النفس. ولكن ما يستلزم البصر أيضا أن ما 
جعل الفرويدية عقيدة (دوجما) في علم النفس قد تحقق على حساب إغفال 
جوانب هامة وضرورية للغاية من فكر فرويد . وتوجد في الوقت الحاضر علاقة 
ذات ثلاث جوانبء من حيث الميل» وإلى حد ما من حيث الواقع: بين الفرويدية 
والسلوكية في علم النفس, والوضعية في الفلسفة. مثال الجانب الأول من 
العلاقة هو التشابه الكبير بين نظرية التعلم عند «هل» في خفض الحافز 
drive reduction theory‏ ومفهوم Ul‏ 35 عند 29355( وهو ioa‏ السلوك كما 
يتحدد من خفض المثيرات. مشال الجانب الثاني هو عبارة الفيلسوف «هرمان 
فييجل» Herman Feigl‏ في خطابه إلى أحد المؤتمرات السنوية ل «الجمعية 
الأمريكية لعلم النفس» (APA)‏ أن الآليات (الميكانزمات) الخاصة التي ذهب 
إليها فرويد يمكن صياغتها واستخدامها بطريقة علمية: ولكن مفاهيم مثل 
«غريزة الموت» لا تقبل مثل هذه الصياغة والاستخدام العلميين. 


لكن المشكلة هي أن مفاهيم مثل «غريزة الموت» عند فرويد هي التي 
أنقذته من التورط في المفاهيم الآلية تماما لنظامه؛ فهذه المفاهيم تكمن 
دائما وراء التحديدات الحتمية لنظريته. إنهاء في أفضل ما تحمله الكلمة 
من معنىء من قبيل علم الأساطير. ولم يكن فرويد براض أبداً بأن يجعل 








افصل ‌الخامس_ د ۷ 


هذا البعد الأسطوري يتسال إلى تفكيره بالرغم من جهوده الفائقة في ذلك 
الوقت لصياغة علم النفس في ضوء افتراضاته القبلية البيولوجية. وفي 
حكميء أن الأسطورية لدى فرويد كانت أساسية بالنسية لعظمة إسهاماته 
وضرورية بالنسبة لاكتشافاته الرئيسيةء مثل «اللاشعور». وكانت» علاوة على 
ذلك» ضرورية بالنسبة لإسهامه الجذري في الصورة التي قدمها عن الإنسانء 
ألا وهي الإنسان كما تحركه القوي «الشريرة» (demonic)‏ و«المفجعة» (tragic)‏ 
والمدمرة (destructive)‏ .235 حاولت في موضع آخر أن أبين أن المفهوم المفجع 
الذي ذهب إليه فرويد عن عقدة أوديب أقرب إلى الحقيقة من ميلنا لتفسير 
عقدة أوديب في ضوء العلاقات الجنسية والعدوانية المنفصلة في الأسرة. 
ومن الطبيعي ألا تأتي صياغة (غريزة الموت) كفريزة بيولوجية بأي معنى. 
وهنا كان يحق للمدرسة الساوكية وللمدرسة الوضعية الأمريكيتين رفض مثل 
هذه المفاهيم. ولكن هذه الفكرة, كإقرار سيكولوجي وروحي للطبيعة المأساوية 
للإنسانء تحمل في الحقيقة أهمية بالغة وتتجاوز أي تفسير بيولوجي أو آلي 
محض + 


تعاني طرق البحث العلمي دائماً من تخلف ثقافي. ومش LEIS‏ هي أن نفتح 
بصرنا ونمده إلى مزيد من الخبرة الإنسانيةء وأن نطور طرقنا ونحررها لكي 
تسهم بقدر الإمكان في ثراء وعمق خبرة الإنسان. ويمكن أن يتحقق هذا 
فحسب بتحليل الافتراضات القبلية الفلسفية؛ وكما يقرر «ماسلو» بعنف : 
«من الأهمية للغاية بالنسبة لعلماء النفس أن الوجوديين قد يمدوا علم النفس 
بالفلسفة اللازمة التي تعوزه الآن. ومما لا شك فيه» وعلى أي مستوىء أن 
المشكلات الفلسفية الأساسية سوف تطرح للمناقشة مرة ADG‏ وربما سيتوقف 
علماء النفس عن الاستناد إلى حلول كاذبة أو إلى فلسفات غير ممحصة وغير 
واعية التقطوها كالأطفال». 








A‏ دسب د طلم النفس الإنساني 


في دراسة طبيعة الإنسان. نجح العلم بدرجة هائلة في مواجهة 
التحدي: ٠‏ كيف أعرف أني أعرف 54 ولا يقبل af‏ بيانات كدلائل صادقة 
مالم تقم على iÑ‏ موضوعية. وليس هناك من شيء يجعل الشخص 
على يقين تام من نفسه مثل تمكنه من القول: «لقد رأيتها بعيني»» أو «لقد 
قمت بقياسها بنفسي». وتؤدي الإجراءات المنتظمة بهدف ضبط العوامل 
غير ذات الدلالة بالنسبة للظاهرة موضوع البحث وبهدف التمكن من 
تكرار التجربة والبيانات؛ إلى المزيد من تدعيم الشعور باليقين. 


ولا يختلف العلم؛ باعتباره شكلاً من أشكال التفكير. عن غيره من 
الأنظمة الأخرى. فالتعقل ليس سبقاً وحيداً GY‏ مجال. ويتفرد العالم 
بالطريقة التي يحصل بها على بياناته» وليس بالطريقة التي ينظر بها . 
ويستخدم الدارسون في أي مجال استراتيجية مماثلة لحل المشكلات كلما 
أتوا بتفكير متقن. 


ey الفصل‎ 
Qv) 

العلم وفهم السلوك C?‏ 

(جامعة سان فرانسيسكو) 
تتبدي الصعوبات التي تعرقل جهود الإنسان في فهم السلوك الإنساني 
أيضا حينما يحاول أن يعزو أحداثآ طبيعية إلى أحداث أخرى. فقدراته 
المحدودة على الملاحظة: وعجزه عن أن يهتم بكل جوانب المشكلة التي يتناولها 
بالبحث. وتأثير انفعالاته. وصعوبة استخلاص معنى من ملاحظاته — كل هذا 
يعوقه في جهوده لفهم أي جانب من عالمه. ومع الزمن: أدى وعي الإنسان بهذه 
الصعوبات المعوقة للمعرفة إلى تطويره لطرق تقييم البيانات» ولعزو الملاحظات 
بطريقة منظمة لملاحظات أخرى. وإلى إجراءات لاختبار الافتراضات الخاصة 
بهذه العلاقات. وقد أسهمت الطرق والإجراءات هذه إسهاماً هائلاً في توسيع 
معرفة الإنسان في كل المجالات» متضمنة دراسة الإنسان ذاته. وإذا لم تكن 
هذه الطرق والإجراءات هي نفسها بدقة بالنسبة لكل المشكلات: فلها أصل 

عام فيما يصفه «جون ديوي» ب «الاتجاه العلمي»: 


الاتجاه العلمي» باختصار. هو خاصية تتضح في أي مسيرة للحياة. 
إذنء ما هي؟ من جانبها السلبي» هي التحرر من التحكم بواسطة الروتين 
والتعصب والجمود (الدوجما) والتقلي د الأعمي والاهتمام المطلق بالذات. ومن 
الناحية الإيجابيةء هي إرادة الفحص والتمحيص.ء والتمييزء واستخلاص النتائج 
فقط على أساس البيانات» وبذل الجهد والمعاناة في سبيل جمع كل البيانات 
الميسورة. إنها القصد بهدف الوصول إلى المعتقدات. ولاختبار تلك المعتقدات 
القائمة. على أساس الوقائع الملاحظةء مع الاعتراف Lagi‏ بأن الحقائق تكون 
بلا معنى عدا أنها تشير إلى أفكار. وهي بالتالي الاتجاه التجريبي الذي يقرر 
أنه بينما تكون الأفكار ضرورية لتناول الحقائقء إلا أنها فروض عاملة تخضع 
للاختبار بواسطة النتائج التي تتمخص عنها . 


(*) Louis S. Levine. Personal and Social Development. Holt, Rinehart and Winston, 
Inc. 








— ٠إ‏ سم ale‏ النفس الإنساني 


توضح عبارات op‏ في تناوله المتميز عن «وحدة العلم كمشكلة 
اجتماعية» أن الحظوة بالاتجاه العلمي غير قاصرة على العلماء المتخصصين: 
فكل الناس قد يشاركون العلماء في الرغبة في التنبؤ بدقة بنواتج مواقف 
محددة أو في تعديل الظروف أو الشروط للوصول إلى نتيجة معينة. ولكن 
ليس كل الناس تقيِّم الاتجاه العلمي بدرج à‏ متساويةء وقليلون نسبياً منهم 
متمرسون في الطرق المستخدمة في أي من النظم العلمية. 


لكن هذه الطرق المختلفة هي مجرد أساليب محددة لتطبيق نفس المبدأ . 
وبصرف النظر عن الظاهرات التي توضع في الاعتبارء يتضمن الاكتساب 
العلمي للمعرفة: (Y)‏ إقرار مشكلة للبحث بواسطة طرح سؤال واضح وقابل 
للإجابة؛ (ب) صياغة فرض من الفروض؛ (z)‏ تحديد كل المصطاحات والطرق 
الممستخدمة, )3( تجميع وتحليل البيانات: (ه) التحقق من النتيجة المستخلصة 
بواسطة تكرار الدراسة. لذاء ينبغي تحديد كل المصطلحات والإجراءات والطرق 
بوضوح لكي تستطيع البحوث الأخرى تأييد النتائج أو رفضها. وجملة المعرفة 
التي تتحقق بهذه الخطوات الخمس هي ما نسميها بالعلم. 


s 


يزودنا العلم بالوسيلة التي ei‏ بها صلاحية المعتقدات المتعلقة بالأحداث 
والظاهرات الطبيعيةء ولكن المعتقدات التى تنتسب إلى أحداث أو ظاهرات 
خارج نطاق الخبرة الإنسانية الموضوعية تكون غير قابلة علميا للتحقق 
والاختبار. فالمتعقدات التي لا تقبل التوصيل للآخرين أو الطرح في أشكال 
ملائمة للبحث العلمي تكون أيضا خارج نطاق العلم. فالقول بأن شغر «كيتس» 
يكون هناك اتفاق على تعريف كلمة «أفضل». 








فالشخص الذي يتمتع باتجاه علمي تتملكه رغبة في اختبار البيانات 
الخاصة بمعتقداته. ولا يتفق مع الاتجاه العلمي التعلق بأحكام مطلقة عن 
الأحداث الطبيعية بدون اعتبار للبيانات الخاصة بهاء لأن العلم يتناول حقائق 
أولية وليست نهائية. فقي مملكة illl‏ تخضع المعتقدات دائما للاختبار 
بصرف النظر عن كيفية رسوخها بقوة أو تأييدها بمهابة. 


























ety et} ——— 


ورغم اختلاف الإجراءات التي تستخدمها العلوم المختلفةء لكنها تشترك 
في هدف عام هو جمع وتقييم البيانات. فكل ag bell‏ تزودنا بالملاحظة الدقيقةء 
والكثير من الطرق التي ذاع ارتباطها بالعلماء قد ابتدعت لتوسيع نطاق وقوة 
إحساساتهم . فتلسكوب عالم الفلك وميكروس كوب عالم البيولوجيا LE‏ 
الملاحظ من رؤية النجوم والخلايا التي تكون غير قابلة للملاحظة بالعين 
المجردة. وبالإضافة إلى ذلك. يحاول العالم عن قصد أن يصنف ملاحظاته . 
ومثل هذا التصنيف خير معين كلما حاول فهم كيف أن الأحداث ومقدماتها 
ونواتجها مرتبطة ببعضها البعض. ويمكنه التصنيف كذلك من توصيل إجراءاته 
ونتائجه إلى زملائه. حتى يستطيعوا تكرار البحث والتحقق من النتائج التي 
توصل إليها . 











سإ ا طلم الثقس الإنساني 


في وقت من ,3 aL‏ اعتبر الدماغ كلوحة مفاتيح معقدة complex‏ 
switchboard‏ تقوم بمهمة عمل توصيلات ملائمة بين الإشارات الداخلة 
والخارجة. وتعطي النماذج العصبية - الفسيولوجية المعاصرة للدماغ دوراً 
أكثر نشاطأء متضمنا بعض التحكم في تلك الآليات لتصبح خاضعة 
للوعي. وعلى وجه الخصوص: اعتّبرت «منظومة التكوين الشبكي» 
(reticular formation system)‏ كسكرتارية pi»‏ المخ brainstem‏ 
secretary‏ التي تقوم بتشغيل كل المعلومات الحسية لكي تحدد أيها يوجّه 
إلى مركز القيادة وأيها يحجب عنها. وبدون هذه المساعدة eg iy‏ الدماغ 
بأعباء إيجاد أما كن في الوعي لكل المثيرات المتضاربة. 


وعلى المستوي التصوريء تقدم النظريات العلمية خدمة Ailes‏ 
فالظروف التي تحيط وتسبق أي حدث غير محدودة: وليس هناك من 
سبب وجيه يدعونا لتسجيلها كلها. وهنا يلزم توفر أداة انتقائية لعزل 
الملاحظات الملائمة عن غير الملائمة. وطالما أن الطبيعة لا توفر هذه 
الأداة: ينبغي أن يقوم التخيل الإبداعي بتوفيرها. ويتم الانتقاء في ضوء 
التكوينات العقليةء التي يمكن تشبيهها بالذرة والإلكترون والخطوط 
المغنطيسية للقوة | فر نظاماً في الملاحظات وتفسيرهاء كما يُرجي 





من ذلك. وحينما تكتشف ظاهرة جديدة. يمكن عادة مراجعة واحد أو 
آخر من هذه التكوينات العقلية لكي تتلاءم مع النظريات المختلفة. لهذا 
السبب لا تبدو نفس البيانات الموضوعية مقنعة بدرجة متساوية بالنسبة 
لأي عالم. فالبيانات التي تبدو مواتية بالنسبة لعالم من العلماء قد لا 
تكون كذلك بالنسية لعالم آخر. 





tty pets} 


QA) 
© الحاجة إلى نظرية‎ 
دونائد هب‎ 
(جامعة ماك جيل)‎ 


لقد شاع الزعم Ob‏ الفسيولوجيا « لا تستطيع أن تعطي أي صوت» في 
اختيار المبادئ النفسية. ولعله من الواضح أن فرتيمر colas‏ من أصحاب 
النظرية المجالية Leg (eaa HY)‏ ذهبا إليه بشأن العملية البصرية امؤْردة 
يمثل سبقا Lub‏ للعالم النيورولوجي. وحيث يسلمون بوجود تفاعل بين الخلايا 
على نفس المستوى في النقل من شبكية العين. إذا قرأ أحد مثلاً « مارشال 
وتالبوت»» يجد قصة شبيهة بالجش طلت عن النشاط في المنطقة السابعة عشر 
من لحاء المخء تستند إلى معرفة سيكولوجية متقدمة. لكن بالرغم حقيقة من 
سلامة وضع الجشطلت» سواء من الناحية السيكولوجية أو الفسيولوجية: فإنه 
قد رُفضت هذه التطورات كموقف غامض لأنه كان من المعروف أن الجهاز 
العصبي لا يعمل بهذه الطريقة. 

هل كانت هذه الصيحة (وهي في هذه الحالة صيحة خاطئة) ممكنة فحسب 
في العشرينات التي شهدت خداعاً أو غموضاً من الناحية النيورولوجية؟ ليس 
إطلاقا. فقد كان لتناول «سبنس» Spence‏ الفذ للاستبصار وللحل الفجائي 
في «التعلم التمييزي» أثرأ عميقاً على أولئك السيكولوجين «متصلبي الدماغ» 
الذين كانوا (ولا يزالوا) معارضين لفسيولوجية ele‏ النفس physiologizing)‏ 
«(Psychology‏ 


فبالنسبة لهم لم تكن هكذا البيانات المتعلقة (insight) Load ub‏ كما 
قررها كيولر وكريتش. مُقنعة إلى أن أوضح «سبنس» كيف ينبغي معالجتها . 
ولكن «سبنس» في حله كان «متصلب الدماغ» (وهو يقدم ميكانزما عظيما 
للاستجابة) لأن تصور المتدرجات الفسيولوجية physiological gradients‏ كان 


(*) D. 0. Hebb. The role of neurological ideas in psychology, J. Pers., 1951, 20, 39- 
55. 


yg —‏ طم الققس الإنساني لس 
معروفا بالفعل من دراسات علم à is MI‏ وإذا كان «كابرز» Kappers‏ و«تشايلد» 
Child‏ قد عرّفا البيولوجيا بهذا التصور (وقد اعترف لهما «لاشلي» بهذا 
الفضلء واستخدام الفكرة أيضا من الناحية النظرية)ء فإن هذا التقدم قد 
استخدم Le‏ بطريقة صريحة على المستوى الفسيولوجي على يد بافلوف 
وجماعة الجشطلت. لقد كان «سبنس» يحمل جواز سفر فسيولوجي حتى 
حينما أنكر فسيولوجية علم النفس. 


إن أي نظرية للسلوك ينبغي أن تتسق للغاية مع البيانات السلوكية 
والفسيولوجية على حد سواء. فكلا النظامين قد يرفض الفكرة التي تضل 
بعيداً عن المعرفة القائمة. حتى ولو كانت الفكرة سليمة. إذا خرج شخص 
عبقري فذ فجأة ذات يوم بنظرية حقيقية وكاملة عن السلوك» فقد يجد 
أنه من المستحيل أن تتهياً له الفرصة من علماء النفس لعرض قضيته لما 
قد يبدو أفكاراً غير واقعية متناقضة مع العقل. هذا الموقف أشبه بالموقف 
الذي اعترف فيه أينشتين بعوامة نهر SIYX Galla. Li]‏ (نهر العالم السفلي) 
وحاول شرح ميكانيكا الكميات لأرشميدس وإقليدسء أولئك الأشخاص الذين 
لم يسمعوا بعد عن الإلكترون أو عن الطريقة التي يمكن أن توجد بها الموجات 
الكهرومغنطسية أو حتى عن نظرية الجاذبية. نحن عامة نفكر في النظرية 
على أنها صادقة أو SIS‏ حقيقية أو غير حقيقية: لكن هل توجد اليوم أية 
إمكانية إطلاقاً لكي تكون لدينا نظرية صادقة عن السلوك؟ لقد كان نيوتن 
عبقريا لأن نظرياته قد لاقت قبولاً لمدة Yos‏ عاما أو أكثر؛ ولكن لا يعتقد اليوم 
أنها صحيحة أو ملائمة. وأفضل ما نستطيع إقراره إذن هو أن ثمة نظرية 
جيدة» وليست صحيحة. 


وفي علم النفسء ينبغي أن نتوقع أنه علينا أن نشق طريقنا Lead‏ من 
خلال سلسلة من الآراء» من النظريات الأفضل والأفضل. وليس إدانة بأية 
حال لنظرية المثير - الاستجابة أن نقرر أنها نظرية ضيقة أو أنه توجد حقائق 
(ونحن الآن على يقين تام منها) لا تستطيع إدراكها. والسؤال الهام ليس هو 
ما إذا كان اهتمام ثورنديك بالتعلم الحيواني على > ولكن ما إذا كان هذا 
الاهتمام قد أعاننا على رؤية أفضل لهذه المشكلات المتضمنة وآل بنا لتحليلات 
جديدة. إن هذه البيانات والدلائل في منظومية fa» systematization‏ « أو في 














— Y 36  _سماغلا‌لصفلا‎ 


قدرة «تولمان» على تحديد الغرض بدون غائية فلس فية: أو في تحليل «لاشلي» 
للإدراك الحيوانيء أو في تجارب «كيولر وكريتش» عن الاستبصار في الجشطلت 
- تعتبر بيانات واضحة فيما يتعلق بالقيمة الإلهامية والتوضحية لنظرية المثير 
- الاستجابة ولأساسها الفسيولوجي الخاطى (بسبب عدم اكتماله). تبين 
وجهة النظر هذه كيف نس توضح الغموض في مناقشة «ماك ليود» و «سميث» 
فيما يتعلق بالطريقة التي يقوم بها العالم الظاهري (الفينومينولوجي) بمهمته. 
ويتحدد التصور بأن العالم الظاهري هو ذلك الشخص الذي (ua‏ بالتعصبات 
أو التحيزات Like‏ (سواء نظرية أو إحساس (ale‏ ويلاحظ ببساطة ما يوجد 
أمامه. ولكن هنا يضيف «ماك ليود» أن هذا أبداً ليس ممكنا كلية ويتكلم عن 
الملاحظة ب «الفطرة المنظمة» disciplined naivete‏ أما الغموض فيدخل في 
التفسير الممكن الذي بتخلصه من النظرية كلية يوفر الملاحظة الأكثر وضوحاً 
sl)‏ ما يقابل هذا من نظام وفطرة). 


ومن وجهة النظر التي توصلنا إليها الآنء تتيسر الإجابة على هذه 
المشكلة. فما هو مطلوب ليس التخلص من النظرية كلية (وإلا كان الشيء 
الذي نعمله يتناوله إنسان ليس له وجودء أو لم يسمع أبداً بعلم النفس» 
لكي يقوم بملاحظة التجارب)» وإنما أن نضع النظرية في الخلفية بدلاً من 
الأمامية حيث ls‏ الرؤية. إن «النظام» discipline‏ يوجد في معرفة عميقة 
Ayla‏ أما «الفطرة» naivete‏ فتتألف من محاولة التوصل إلى طرق أخرى 
لانظر في العالم بالإضافة إلى الطريقة التي تمليها نظرية قائمة. تعني 
الظاهرية (الفينومينولوجية). أساساًء البحث عن تحيزات وتعصبات جديدة: 
وليس التخلص من التحيزات والتعصبات. لقد تكلمت بصدد الملاحظة العامة 
بأن النظرية تتحرك بخطوات قصيرة. وربما يُعتقد أن هذه الملاحظة كما لو 
أنها تتضمن فقط تأثيراً سابياً من نظرية سابقةء وكما لو أنها توفر البيانات 
بيساطة من القصور الذاتي للفكر الإنساني. ولكن هناك ما ينبغي أن يكون 
أكثر من ذلك في تلك العملية. فما توصل إليه أينشتين لم يكن من الممكن 
بدون الملاحظات التي تجمعت بتآثير أفكار نيوتن. فالنظريات المبكرةء إذن» 
تقوم على التحديد والتقييد لسبب وجيه: فهي ما يتسلق عليه الشخص لكي 
يرقى إلى المرحلة التالية. 











ĀM‏ سس طلم اللنض الإنساني 


بقول GST‏ ينبفي أن نعترف بالقيمة الإيجابية حتى للنظريات «الخاطئة» 
كموجهات للملاحظة. وإذا قام العالم الفينومينولوجي حقيقة بتجريد نفسه من 
كل معرفته النظرية وحاول بالتالي أن يسجل الحقائق المتعلقة بإدراكه ذاته أو 
بسلوك الحيوان: فما الذي يتعين عليه اختياره لكي يسجله على الورق؟ هناك 
عدد غير محدد من علاقات وجوانب السلوكء وهناك كمية غير متناهية من 
التقسيمات الفرعية الممكنة للنشاط الحيواني أو للفكر الإنساني. وهنا يلزم 
توفر ثمة مرشد نظري كمبداً للانتقاء. 


فمايقوم ب ه الفرد ذو العقلية الفينومينولوجية بتسجيله دائماً هو ما 
يرى أنه يرتبط بنظرية A ASI‏ ولكنه غير متسق معها. وفي هذا dax‏ 
يتجنب التحيزء وإن كان بالطبع لا يتجنبه حقيقة. وأفضل طريقة لتعريف 
العالم الظاهري (الفينومينولوجي) هي القول بأنه هو ذلك العالم الذي لا 
يحب النظريات القائمة (وربما لن يحبها أبدأ)؛ ولكنه يكون شفوفا بمهاجمتها 
وبالتوصل إلى بيانات يكون من الصعب على النظرية تناولها: اتجاه «مغايرة 
النظام القائم». وهو «اتجاه معاد للنظرية» (anti-theoretical)‏ ولكن ليس 
«باتجاه لا نظري» (a-theoretical)‏ الذي كان من الناحية التاريخية مصدراً 
هاما لأفكار وتجارب جديدة. 


وقد يساعدنا تصور هذه القضية من منظور آخر على استيضاحها . قد 
يبدو أن في علم النفس جناحاً أيسر أو جناحا أيمن,» موازيا لليسار ولليمين 
في السياسة: وأنه لا يمكن فهم نشاط اليسار إذا لم ير المرء أن الاستمرار 
الوحيد في سلوكه هو في كونه معارضاً لليمين. في علم النفس يميل اليمين 
إلى تفضيل الاقتصاد والتقتير في الأفكار الإيضاحية: وإلى الاهتمام البسيط أو 
الآلي بالسلوك. وإلى التدقيق حتى ولو أدى إلى التضييق والمحدودية. أما اليسار 
في تناوله للسلوك» فهو مهيأ للتسليم بحرية أكبر ويس تطيع أن يتحمل الغموض 
ونقص النظام على نحو أفضل. لذا طور علم النفس الجث_طلتي؛ وخاصة في 
سنواته Sul!‏ ,3 نظرية عن الإدراك ونظرية عن التفكير لم تدخلا في أية علاقة 
واضحة مع أحدهما الآخرء ونظرية عن الذاكرة (الآثار) التي بدت غير متسقة 
تماما مع اهتمام الجشطلت بالإدراك. ولكن لم يكن الدافع الأولي هو بناء 
نظرية: وإنما كان إيضاح نقائص نظرية المثير - الاستجابة والفوائد العلمية 




















— Y YN i ل الفصل‎ 


التي تمخضت عن هذا الجهد واضحة - وهي واضحة مثل الحقيقة التي تقرر 
أن ذلك الاتجاه (والذي يتضمن الظاهرياتية) غير ممكن بدون نظرية يهاجمها . 


المغالطة البيكونية: 


إن الفكرة التي تذهب إلى أن المرء يمكن أن يلاحظ بوضوح أكثر إذا 
استطاع أن يجرد نفسه من كل نظرية سابقة: أو بأن علم النفس يكون على 
نحو أفضل بدون نظريةء إنما ترتبط بتصور معرفي خاطئ وذائع الانتشار 
يتعلق بالطريقة العلمية. ترجع هذه الفكرة من خلال «جون ستيوارت مل» إلى 
«فرانسيس بيكون» Les‏ يمكن أن نطلق عليه «المغالطة البيكونية» Baconian)‏ 
.(fallacy‏ وهي في المحل الأول تلك الفكرة القائلة بأن التعميمات العلمية 
تتحقق بواسطة «الاستقراء» وتعدد الحالات» ومنها تشتق الفكرة بأن القوانين 
العلمية هي قوانين إمبيريقية. وتقوم على وجود عدد محدود من «الحقائق» 
أو «الأحداث» أو خصائص أي شيء أو موقف» لكي يستطيع العالم أن يمضي 
قدما بواسطة الوصف ببساطة: إذا كان ذلك مرغوياً. وبواسطة تسجيل كل 
شيء يقع في ارتباط بأي شيء يتعلق بالظاهرة موضوع الاهتمام. 


ولا يوجد ما يعوق التخيل المبدع. ويمكن اكتشاف الأسباب ببساطة 
بواسطة المداومة والمثابرة: تسجيل كل شيء يسبق الحدث اللازم تفسيره 
لعديد من المرات إذا لزم الأمر؛ وإذا كانت تسجيلاتك ALIS‏ فإن السبب سوف 
يكون الشيء الوحيد الذي يتضمنه كل تسجيل. 


ولكن أي شخص يمكن أن یری أنه يوجد هنا شيء ما Gb‏ حينما يكون 
هناك تتبع للتضمينات الخام لفكرة الاستقراء بهذه الطريقة. والخطوة التالية 
هي التخلي عن الاهتمام بالأسباب (وخاصة الأسباب الفرضية التي تدخل 
بصعوبة في تسجيلات الفرد). وعلى مستوى عال من التدقيق والنظرء يعتبر 
القانون العلمي إقراراً للاحتمالية فقطء والعلم على أنه وصف. فالنظرية هي 
تكرار للمعاني وخداع للذات. 
ويمكن الاعتراض على تلك الآراء بالمقترحات التالية: 


(T)‏ الاستقراء وتعدد الحالات هما فحسب طريقتان للاستيضاح أو لاختبار 














eee A —‏ م عم النفس الإنساتي —— 
تعميم تم التوصل إليه بالفعل (غالباً على أساس حالة واحدة). 


(os)‏ القانون العلمي الأصلي ليس Laiks‏ لملاحظات وليس له ما يفعله 
مع الاحتمالية, ولكنه ada‏ عاملة working postulate‏ أو طريقة للتفكير. 
وإذا لوحظت تناقضات واضحة لقانون مفيد» يسام المرء بشيء آخر يعمل على 
وضع هذه التناقضات في الاعتبار بدلاً من نبذ القانون. 1 


(ج) من بين طرق التفكيرء لا تزال طريقة السبب - النتيجة مس تخدمة 
بصفة عامة بالرغم من أنها ليست طريقة ضرورية للتفكير ولا ذات قيمة في 
كل المواقف. 


)3( مما يميز العالم اهتمامه Ley‏ يسلم به آكثر من اهتمامه بالظاهرات 
المشتقة منها (يهتم العالم الكيميائي بالأوزان الذرية أكثر من اهتمامه بأوزان 
المواد الحقيقيةء ويهتم عالم الفيزياء بالنيترونات والميزونات «في أبحاث الذرة» 
أكثر من اهتمامه بصور تجمعات السحب أو حتى بالقنابل). فما يميز العلم 
أنه ينهض على بنية متقنة من تكوينات وأحداث متخيلة. 


(a)‏ طاما لا توجد لا نهائية للأشياء التي يمكن تسجيلها في أي موقف» 
يكون الوصف الكلي تصوراً غير ذات uina‏ شأنه في ذلك شأن العلم الوصفي 
الخالص. وقد تكون التكوينات تكرار للمعاني من الناحية الشكليةء لكنها تؤدي 
وظيفة عملية - هي توجيه الملاحظة. 

ربما تتضح هذه الملاحظات على نحو أفضل إذا سقنا بعض الأمثلة القليلة. 
فقانون نيوتن الأول عن الحركة كان أداة نظرية قيمة Sony‏ ولكنه لم يكن ولا شك 
استقراءاً أو ملخصا لوصف لأنه ليس هناك من حدث يلاحظ أبداً مثل استمرار 
الشيء في الحركة بغير حد بسرعة منتظمة في خط مستقيم. وإذا جعلنا القانون 
تقريراً للاحتمالية يكون غير ذات معنى. يستطيع فرد أن يزعم أنه صادق؛ أو 
أنه غير صادق» ويستطيع الفرد إذن أن يستمر في رؤية أي الافتراضات الأخرى 
التي ينبغي العمل بها أيضا وما هي الاستنياطات التي يمكن اس تخلاصها منها. 
ويصل التحقيق التجريبي إلى حد أن يبين أن الحالة الكلية تكون متسقة مع 
الحقائق أو تؤول إلى اكتشاف حقائق جديدة تكون متسقة أيضاً . 








ett et} ——— 


إن قانون الجاذبية تكرار دامغ للمعاني : القوى وهمية: والتسليم بقوة 
للجاذبية تكون معروفة فقط من خلال الظاهرات التي يفترض أنها تفسرها 
حقيقة إنما لا يضيف شيئا إلى الحقائق. ولكن إذا تناولنا فحوى قانون الجاذبية 
كإقرار لطريقة جديدة في التفكيرء تلك الجاذبية الكامنة وراء المد ومدار 
الأرض وغيرهاء نستطيع أن نري على نحو أفضل الدور العملي لأي تكوين 
خاص بتكرار المعاني. ولا يضيف إعادة تصنيف مجموعة من الحقائق إلى 
عدد الحقائق AA‏ ولكن إعادة التصنيف هى حقيقة هامة في حد ذاتها. 
وقد يُخْترّل الإيضاح والتفسيرء منطقياء إلى تنظيم وتم ai‏ ف الظاهرات «daas‏ 
ولكن يستحيل بالنسبة للإنسان أن يفكر بطريقة متسقة على هذا الأساس. 

الذرة والإلكترون: كالجاذبية: تكوينات لأنه لا يوجد أحد قد رآها أو 
أمسك بها رغم أنه يصعب الآن التحقق من أنها ليست بحقائق (أي ظاهرات 
معروفة مباشرة)؛ ووظيفتها ينبغي أن تكون موجودةء UUs‏ أن الإنسان منطقي 
Lah‏ وربما يكون من ضعف العقل الإنساني أنه ينبغي أن يلجأ لمثل هذه 
الطرق. ولكني اعتقد أنه من الواضح أن التفكير لا يكون فعالا على هذا 
النحو. فالتفكير لا يتقدم وفقا للمنطق الصوري» حتى في العلوم الطبيعية أو 
الرياضيات (كورانت وروبنس» كونانت, هادامار)» وإذا ما حاول أن يعمل هكذا 

وإذا كان العالم» كما يبدوء يركن أساسا إلى أشياء متخيلة وخصائص 
الأشياء لكي يسد الفجوات كما كانت في الظاهرات الطبيعية: تكون مش كلته 
أن يتخيل الأشياء الحقيقة» وأن يختار التكوينات التي تعمل على زيادة تقدير 
النظام في الأحداث المتخيلة gf)‏ يبتدع تكويناً منظما قد يتخيله أكثر مما 
يدركه). وفي بعض الأحيان يكون التأثير الإيضاحي لكيان مُسلم به مباشراً 
ومنتشراً بحيث أن قيمته تكون واضحة. إنه «اكتشاف»» يتم قبوله في الحال 
على أنه اكتشاف «حقيقي»: ولكن: لما كان الفرد يتناول عدداً من المسلمات مرة 
واحدة لكي يتحقق نفس التأثير بواسطة تغيير مسلمة مرة أخرىء فإنه غالباً ما 
لا تتضح فائدة التصور الجديد في SJL‏ وغالباً ما يكون فح سب إقترابا من 
التصور المجدي. ades‏ هذه المرحلة في البحث يلجا العالم الساذج فلس فياً إلى 
إلهامه فقط: «هل هي هكذا؟» ويحاول اختبار حقيقتها بأية طريقة يس تطيعها . 




















و e‏ الققى الإنساني س 


فهو لا يبقى على مستوى ملاحظاته الأصلية ولكنه يطبق أي اختبار يراه. وقد 
تكون فكرة الواقع فكرة بريئة. ولكنها تؤدي إلى نتائج علمية. وريما نستطيع 
وصف عملية اختبار قيمة تكوين من التكوينات في عبارات أخرى. ولكننا لا 
نستطيع أن نتحمل إغفالها. وفي علم النفس» كما elas‏ المتفيرات الوسيطة 
هي في الحقيقة تكوينات عصبية وفسيولوجية. ورفض هذه التكوينات يعادل 
رفض الدليل الذي به تختار مكونات بناء الإنسان. فهو رفض النظر إلى 
البيانات التي قد تكشف عن أن النظرية خاطئة. 


فبسبب قصور العقل الإنسانيء ينبغي أن نقوم بالتنظير. وفي التنظير, لا 
نستطيع تحمل إغفال أية معلومات متاحة: لذا ينبغي أن تتوافق النظرية مع 
المعرفة الخاصة بالجهاز العصبي بالرغم من أن الشخص. إذا أرادء يمكنه اختيار 
مصطلحات تؤدي إلى إخفاء الحقيقة. ويعتبر «سكنر». بالطبع» هو ذلك العالم 
الذي يمكنه بأعماله التجريبية الفذة أن يأتي ببراهين وحجج عند ذلك» ولكني 
اعتقد أنها فحسب قدرة «سكنر» الشخصية بمستواها العالي بالرغم من أن 
ما جعل هذه النجاحات ممكنة هو وجود نظرية خاطئة للمعرفة. ومع ذلك 
فهوينزلق إلى استخدام تكوينات من حين لآخر (مثل» «مخزون الانعكاسات» 
(reflex reserve‏ وربما اعتمد على التصورات النيورولوجية المبكرة أكثر مما 
يعتقد» كما ناقشت ذلك عاليه عند الحديث عن «سبنس» و«تولمان». فلو أن 
كل النظم النظرية عن السلوك قد أغفلت حقيقة: لما استطاع «سكنر» حتى أن 
يتقدم بوصف بسيط. 











aaa ————————— oec! الفصل‎ 


المٌصل السادس 
تأثير الفيزياء على علم النضس 


للفيزياء تأثير عميق على تقدم ele‏ النفس. فبسبب صدارتها بين العلوم 
الطبيعيةء إستُخدمت Latte‏ كنموذج يحتذيه الآخرون؛ ولكن في حالة علم 
النفس توجد أسباب إضافية. لقد حَبّر علم النفسء بوصفه الطفل الأصغر 
في أسرة الفلسفة. صعوبات غير عادية في التخلص من القيود الوالدية. ولم 
يكن الدارسون في الميادين الأخرى مقتنعين بأن علم النفس يستحق أن يسمى 
بعلم» وأن علم النفس ذاته كان واعياً صراحة بأبوة الفلسفة. وكانت أحد طرق 
إثبات ذاته أن يتبنى ما تقوم عليه الفيزياء من موضوعية وصلابة كاملتين في 
اتجاهه لدراسة الإنسان - وذلك في حد ذاته طموح له وجاهته» ولكنه طموح 
عَرّض علم النفس لخطر تقليد الإجراءات والافتراضات غير الملائمة لموضوعه 
الفريد. 


لقد قامت الفيزياءء في الوقت الذي جاء فيه علم النفس إلى الوجودء 
على أساس «مبادئ» (principia)‏ إسحق نيوتن. وتألفت أساسا من تفسير 
آلي للكون مشتق من مجموعة من التعريفات والبديهيات التي يعبر عنها 
بمصطلحات رياضية. وكانت الفيزياء الكلاسيكية: بالنسبة لكل الظاهرات. 
ثابتة ولا نهائية. ولم يكن هناك من مفهوم واحد يمكن أن يتغير بدون إخلال 
بالبنية الكليةء فحينما يخضع المفهوم للاختبار والتمحيص يبدو محققاً بدون 
أي ظلال للشك. وقد أدى استحسان الإيضاح البسيط نسبياً للطبيعة إلى 
الاحتفاظ بالنجاح العظيم فيما يتعلق بالجاذبية وحركة الكواكب وديناميكية 
الموائع وغير ذلك من الظاهرات. وقد استلزم كل ذلك مد مبادئ الميكانيكا 
على نحو أوسع إلى المبادئ الأخرى. 


هذا الاتجاه» الذي امتد إلى الفلسفة بواسطة أوجست كونت» قد كان 
له تأثيرقوي على نظرية المعرفة. لقد نظر بازدراء إلى كل المعرفة التي لم 
تتوفر إستناداً إلى الطرق التجريبية (الإمبيريقية)» واقترح «علماً otal‏ 
(Superscience)‏ متكاملا بدرجة هائلة لتفسير كل ظاهرة في أبسط عبارات 
ممكنة. وأعيد تجميع العلوم المتفرقة ووضعت في نظام هرمي وفقا لمستوى 

















٣ —‏ سام نكمم النفس الإنساني — — 


تعقيدهاء وتوفر الرياضيات والميكانيكا الإيضاح الأقصى لكل الأشياء. وليس 
من الصعب أن نعترف في هذه البدايات بالوضعية المنطقية التي قدمت المبادئ 
التوجيهية لكثير من العلماء. 


وإذ انشغل علماء النفس بمهمة دراسة tel all‏ فإنهم لم يكونوا تماما 
على وعي بالتغيرات الحادثة في الفيزياء التي أخذوا منها نموذج علمهم. لقد 
اعتقد نيوتن» على سبيل المثالء أن ما أتى به من ميكانيكا لم يتضمن أية 
افتراضات لم تقرها بوضوح البيانات التجريبية. ويعلق نورثروب أنه إذا كان 
ذلك صحيحاء فلن يكون ثمة حاجة إلى إجراء التعديلات طالما أن النظرية 
إذن نهائية ويقينية كالحقائق ذاتها. ولا يجد أينش تين وهييزن برج وغيرهما من 
علماء الفيزياء في القرن العشرين أن هذا هو الحال: واضطروا بالتدريج إلى 
التحقق من أن العالم يصل إلى نظريته بطريقة تأملية. وكما يقول Mag yi‏ 
«الاستدلال في طريقته ينتقل لا من الحقائق إلى الافتراضات النظرية ولكن 
من النظرية المفترضة إلى الحقائق والبيانات التجريبية». 


لهذا السبب صار علماء الفيزياء أكثر حرصا في دفع خطة ناجحة 
للتفسير إلى نتائجها النهائية. ولا تستطيع مبادئ نيوتن في ال ميكانيكا التي 
لا تقبل التحسين لكي تفسر سلوك الكثير من Lille‏ لأنها تحدد aiy‏ 
الحالات. وحينما تصير سرعة الأجسام المتحركة أشبه بسرعة الضوءء تبدو 
المتناقضات في حساب تقديراتها . كما لا تستطيع الميكانيكا الكلاسيكية تناول 
ظاهرات الضوء أو أشعة الطاقة من الأجسام السوداء. وينبغي أن تستخدم 
الأنظمة النظرية الأخرى - النسبية وميكانيكا الكم. وهي تبدأ » مثل فيزياء 
نيوينء بالتعريفات والبديهيات التي صيغت رياضيا ولكن تزول المشابهة فيها . 
فالافتراضات التي تقوم عليها تتشابه قليلا أو لا تتفق فيما بينها. ومن الواضح 
أن كل نظرية تضع نقاط اتصال مع الواقع بدون تقديم إيضاح كاف. وربما 
يؤدي تحقيق هذا الاكتشاف إلى تخفيف حدة حماس بعض علماء النفس نحو 
الاختزالية: وإلى خفض الميل إلى التمسك بجمود بوضع نظري واحد. 


(1) F. S. C. Northrup: Introduction. In Werner Heisenberg: Physics and philosophy: 
The revolution in modern science. New York: Harper & Row, 1958. p. 3. 

















— Y Y Y i) الفصل‎ 


وتتطلب البديهية الأخرى في الفيزياء الكلاسيكية من المجرب أن يدرس 
الطبيعة بدون أي رجوع إلى نفسه. وتستلزم ميكانيكا الكم افتراضا مختلفا. 
فنشاط الملاحظة ذاته يُدخل تغيراً في الشيء موضوع البحث. وفي المواقف 
التي يكون فيها هذا التدخل ليس قليلاً للغاية بحيث يمكن إغفاله: فإن المجرب 
يتناول ليس أحداثاً ملموسة ولكن مجموعة كاملة من الأحداث الممكنة متضمنة 
وظيفة احتمالية. وفي بعض التجريب السيكولوجي يخضع سلوك الأشخاص 
المفحوصين للتغير LALS‏ بواسطة الملاحظة في مواقف مضبوطة:؛ رغم أنه 
قد يكون في الإمكان إبتداع طريقة مشابهة لتقليل هذا التأثير لمعَوّق للبحث 
العلمى. 


ومن بين الانطباعات الواضحة المرتبطة بما أحرزته الفيزياء من تقدم 
حديث, أن العلم لا يعطي وصفا موضوعيا تماما للواقع. فبصرف النظر عن 
الطريقة المستخدمة؛ فإن ما نلاحظه ليس الطبيعة كما هي»ولكن الطبيعة في 
تفاعلها مع طريقتنا في استكشافها. 








يإ سم تكلم التقس الإنساني —— 


لقد صار «فيرنرهييزنبرج» من خلال اكتشابه لمبدأ «اللاحتمية» 
(indeterminacy)‏ في ميكانيكا الكم. واحداً من أبرز مؤسسي ele‏ 
الفيزياء الحديث. ولم يكن واضحا أن الثورة التي بدأها فى الفيزياء 

وف تؤثر بعمق في النظرية الكلية للعلم. فالقضايا الفلسفية التي Ulis‏ 
اعتبرت قضايا جدباء تفتحت مرة أخرى بإلحاح جديد . ما هدف البحث 
العلمي؛ وكيف نعرفه 5 ما الذي تخبرنا به النظريات» بدقةء عن الطبيعة؟ 
هل العالم مضطر إلى التفكير في موضوعه بعبارات لا تنطبق Lele‏ على 
الواقع؟. 


في هذه الدراسة المختارةء يتتبع هييزنبرج سعي علم الفيزياء لكي يحرر 
نفسه من النظرة الضيقة الجامدة التي قتلت الاتجاهات الجديدة لدراسة 
الطبيعة. وتعتبر بصيرته بقيمة اللغة الطبيعية ذات اهمية خاصة all‏ بة 
لعلماء النفس. فاللغة الطبيعيةء خلافاً للمصطاحات العلمية ARB‏ تعكس 
الاتصال المباشر للفرد بالنطاق الكلي للواقع وليس بجانب محدود SELLE‏ 
منه وبصور مثالية عن الواقع. وفي بعض الحالات يمكن أن تكون اللغة 
الطبيعية أكثر فائدة في توسيع المعرفة مما تقوم به المصطلحات العلمية 


الرفيعة. 











Ol) الفصل‎ 


Q1) 
الفيزياء الحديث في تقدم الفكر الانساني0»‎ ale دور‎ 
فرنرهييزنبرج‎ 


(معهد ماكس - بلانك للفيزياء والفيزياء الفلكية. ميونخ) 


لقد تقدمت العلوم الطبيعية محققة صورة أوضح وأوسع للعالم المادي . 
في الفيزياء جاء وصف هذه الصورة بواسطة تلك المفاهيم التي نطلق عليها 
اليوم مفاهيم الفيزياء الكلاسيكية. يتألف العالم من أشياء في مكان وزمانء 
وتتألف الأشياء من Bale‏ والمادة تستطيع أن تخلق القوى وأن تخضعها في 
عملها لها . وتنتج الأحداث من التفاعل بين المادة والقوى - كل حدث هو نتيجة 
أو سبب لأحداث أخرى. وفي نفس الوقت تغير الاتجاه الإنساني نحو الطبيعة 
من الاتجاه التأملي إلى الاتجاه البراجماتي. فالإنسان لم يكن هكذا مهتماً 
T) s‏ بالطبيعة كما هي ولكنه تساءل بدلاً من ذلك ما الذي يستطيع أن يفعله 
معها. لذاء تحولت العلوم الطبيعية إلى علوم تطبيقية عملية؛ فارتبط كل تقدم 
في المعرفة بالتساؤل عن ماهية الفائدة العملية التي يمكن أن تستخلص منها . 
ولم يصدق هذا فحسب على الفيزياء؛ ولكن ساد نفس الاتجاه أساسأ في 
الكيمياء والبيولوجياء وأسهم نجاح الطرق الجديدة في الطب أو في الزراعة 
بالضرورة في انتشار تلك الاتجاهات الجديدة. 


بهذه الطريقة تطور في البداية إطار جامد للعلوم الطبيعةء أدى إلى تشكيل 
ليس العلم فحسب ولكن أيضا النظرة العامة للناس عامة. وقد تأيد هذا 
الإطار بالمفاهيم الأساسية للفيزياء الكلاسيكية - المكان: الزمان: المادة, العلّية؛ 
وينطبق مفهوم «الواقع» (reality)‏ على الأشياء أو الأحداث التي نستطيع إدراكها 
باحساساتنا أو التي يمكن ملاحظتها بواسطة الأدوات الدقيقة التي وفرتها العلوم 
التطبيقية. وكانت المادة هي الحقيقة الأولية. وصور تقدم العلم على أنه سعي 
جاد لغزو العالم الماديء وكانت النفعية هي كلمة السر في هذا التطور. 


(*) Werner Heisenberg. Physics and Philosophy. Harper & Row, Pub., Inc., New York 
and George Allen & Unwin, Lid, London, 1958, pp. 196-202. 


—- ۹ طم التقس ley)‏ 


ومن ناحية أخرى. كان هذا الإطار ضيفا وجامداً للغاية بحيث أنه كان 
من الصعب أن نجد فيه مكانا لكثير من مفاهيم لغتنا التي كانت تتعلق دائماً 
بصميم Lepage‏ مثل مفاهيم العقل والروح الإنسانية والحياة. فالعقل يمكن 
أن يدخل في الصورة العامة فقط على أنه نوع من مرآة العالم المادي؛ وحينما 
درست خصائص هذه المرآة في ale‏ النفسء كان العلماء ينزعون slo‏ - إذا 
كان لنا أن نمضي بالمقارنة إلى ما هو أبعد من ذلك - إلى أن يولوا اهتماماً 
بخصائصها الآلية أكبر من الاهتمام بخصائصها البصرية. وحتى إذا حاول 
البعض تطبيق مفاهيم الفيزياء الكلاسيكية: لكان في مقدمتها مفاهيم العلية. 
وبنفس الطريقة فُسّرت الحياة على أنها عملية جسمية وكيميائية؛ محكومة 
بالقوانين الطبيعية؛ ومحتومة a db‏ تماما. وقدم مفهوم دارون عن التطور 
بيانات وافية لهذا التفسير. وكان من الصعب خاصة أن نجد في هذا الإطار 
مكاناً لتلك الأجزاء من الواقع التي كانت موضوعاً لعلوم الدين التقليدية والتي 
قد تبدو خيالية بدرجة أكبر أو أقل. لذا نشأت في الدول الأوروبية» حيث جنح 
الإنسان إلى تتبع الأفكار إلى نتائجها النهائيةء عدوانية صريحة نحو gla‏ 
بل حتى كان هناك في الدول الأخرى ميل متزايد نحو اللامبالاة بمثل هذه 
القضاياء ولكن استثنيت فحسب القيم الأخلاقية للدين من هذا الاتجاه. وحلت 
الثقة بالطريقة العلمية وبالتفكير العقلاني محل كل حماة العقل الإنساني. 


وإذا عدنا الآن إلى إسهامات الفيزياء الحديثةء يمكننا القول بأن التغير 
الأكثر أهمية الذي أتت به نتائجها ينحصر في التخلي عن هذا الإطار الجامد. 
وقد كانت هناك بالطبع محاولات كثيرة من قبل للتخلص من هذا الإطار 
الجامد الذي بدى بوضوح ضيقا للغاية لفهم الأجزاء الرئيسية من الواقع. 
ولكنه لم يكن من الممكن رؤية ما هو GI‏ بالنسبة للمفاهيم الأساسية 
مثل المادة والمكان والزمان والعلية التي كانت ناجحة للغاية في تاريخ العلم. 
وقد قامت البحوث التجريبية ذاتها فحسب, والتي أجريت بواسطة الأدوات 
والأجهزة الدقيقة التي يقدمها العلم التطبيقي وما قدمته هذه البحوث من 
تفسير رياضيء بتوفير الأساس للتحليل النقدي- أو إذا صح القول قد فرضت 
التحليل النقدي — لهذه المفاهيم» وفي النهاية أدت إلى فض هذا الإطار 
الجامد. 





— Y YN  سداسلا الفصل‎ 


حدث هذا الفض والتحلل في مرحلتين محددتينء الأولي: كانت الاكتشاف. 
من خلال نظرية النسبية: أن تلك المفاهيم الأساسية كالزمان والمكان يمكن 
أن تتغيرء وفي الحقيقة ينبغي أن تتغير وفقا للخبرة الجديدة. لا يهتم هذا 
التغفير بمفاهيم المكان والزمان الغامضة إلى حد ما في اللغة الطبيعيةء ولكنها 
اهتمت بصياغتها الدقيقة في اللغة العلمية لميكانيكا نيوتنء التى لاقت قبولا 


أما المرحلة الثانية: فكانت مناقشة مفهوم المادة الذي فرضته النتائج 
التجريبية الخاصة بالتركيب الذري. ومن المحتمل أن فكرة حقيقة المادة كانت 
الجانب الأقوى في ذلك الإطار الجامد للمفاهيم: وكان من اللازم على الأقل 
أن تتعدل هذه الفكرة ارتباطاً بالخبرة الجديدة. وظلت المفاهيم مرة أخرى 
بعيدة عن التناول» بقدر ما كانت تنتسب إلى اللغة الطبيعية. لم تكن هناك 
صعوبة للكلام عن المادة أو عن الواقع حينما كان على الفرد وصف التجارب 
الذرية ونتائجها. ولكن التحليل العلمي الزائد لهذه المفاهيم إلى أصغر أجزاء 
المادة لا يمكن أن يتم بالطريقة البسيطة التي قدمتها الفيزياءء بالرغم من أنها 
قد حددت خطأ النظرة العامة لمشكلة المادة. 


لقد اعتبرت هذه النتائج الجديدة أولاً وقبل كل شيء كتحذير جاد ضد 
تطبيق مفاهيم علمية في مجالات لا تختص بهاء وهو تطبيق مفروض عنوة 
إلى حد La‏ وكان تطبيق مفاهيم الفيزياء. في الكيمياء مثلاً. مشوبا بالخطأ . 
لذاء يكون المرء أقل ميلاً إلى الافتراض oL‏ مفاهيم الفيزياء وحتى مفاهيم 
نظرية الكم؛ يمكن أن تنطبق بلا شك أينما كان في البيولوجيا والعلوم الأخرى. 
وسوف نحاول» على العكس من ذلك أن نحتفظ بالأبواب مفتوحة لدخول 
مفاهيم جديدة حتى في تلك الأجزاء من العلم التي فيها تكون المفاهيم الأقدم 
مفيدة لفهم الظاهرات. وسوف نحاول: خاصة في تلك الموضوعات التي يبدو 
فيها تطبيق المفاهيم الأقدم مفروضاً إلى حد ما أو ييدو غير ملائم تماما 
للمشكلة؛ أن نتجنب أية نتائج مندفعة. 


فضلا عن ذلك. أنه من بين المعالم الأكثر أهمية لتقدم الفيزياء أن 
مفاهيم اللغة الطبيعيةء المحددة بغموض كما هي i‏ تبدو أن تكون أكثر ثباتاً في 














— ۸ ام نكمم النفس الإنساني —— 


توسيع المعرفة من المصطلحات الدقيقة للغة العلمية المشتقة بطريقة مثالية/ 
استمثالية (idealization)‏ من مجموعات محدودة من الظاهرات فقط. وفي 
الحقيقة أن هذا لا يبعث على الدهشة طالما أن مفاهيم اللغة الطبيعية تتشكل 
عن طريق الاتصال المباشر مع الواقع؛ فهي تمثل الواقع. وذ ي الحقيقة أنها 
ليست غير محددة جيداً وقد تخضع لذلك لتغيرات على مدار القرون: كما 
فعل الواقع a Sls‏ ولكنها لا تفقد أبداً اتصالها بالواقع. ومن ناحية أخرىء 
تعتبر المفاهيم العلمية مستمثلات: فهي تشتق من الخبرة التي تتوفر بواسطة 
الأدوات التجريبية الدقيقةء وتتحدد بدقة من خلال البديهيات والتعريفات. 
ومن خلال هذه التعريفات الدقيقة فحسب من الممكن ربط المفاهيم بخطة 
رياضية واستخلاص المجموعة غير المحددة من الظاهرات الممكنة في هذا 
الميدان بطريقة رياضية. ولكن خلال عملية الاستمثال والتعريف الدقيق يختفي 
الاتصال المباشر مع الواقع. ولا تزال المفاهيم تنطبق LL‏ على الواقع في 
ذلك الجزء من الطبيعة الذي كان موضوع البحث. ولكن قد يختفي التطابق 
في الأجزاء الأخرى التي تتضمن مجموعات أخرى من الظاهرات. 


وإذا احتفظنا في عقولنا بالثبات الداخلي لمفاهيم اللغة الطبيعية في 
عملية التقدم العلمي» لرأينا أن اتجاهنا نحو مفاهيم مثل العقل أو الروح 
الإنسانية أو الحياة — بعد خبرة الفيزياء الحديثة - سوف يكون مختلفاً 
عن مفاهيم سابقة لأن هذه المفاهيم تنتمي إلى اللغة الطبيعة. وهي لذلك 
ذات اتصال مباشر بالواقع. وضي الحقيقة أننا منوف نتحقق أيضا من أن 
هذه المفاهيم ليست محددة Lge‏ بالمعنى العلميء» وأن تطبيقها قد يؤول إلى 
تناقضات مختلفة: حيث أننا قد نتناول هذه المفاهيم كما هي بدون تحليلء 
ولكننا لا زلنا نعرف Lil‏ تمس الواقع. وقد يكون من المفيد في هذا الصدد 
أن نتذكر أنه حتى في الجانب الأكثر دقة من العلم - في الرياضيات - لا 
نستطيع تجنب اس تخدام المفاهيم التي تتضمن تناقضات. فعلى سبيل المثال» 
من المعروف جيداً أن مفهوم اللانهائية (أو الكمية غير المتناهية) infinity‏ يؤدي 
إلى تناقضات تخضع للتحليل: ولكن يبدو من المستحيل عملياً بناء الأجزاء 
الرئيسية للرياضيات بدون هذا المفهوم. 


وقد كان الاتجاه العام للفكر الإنساني هو نحو مزيد من الثقة في 




















ل القمصدكلاسادس ل ا يلمع“ Y Y I‏ — 


الطريقة العلمية وفي المصطلحات السديدة الدقيقة. وقد أدى هذا الاتجاه إلى 
التشككية العامة فيما يتعلق بتلك المفاهيم من اللغة الطبيعية التي لا تتلاعم 
داخل الإطار المغلق للتفكير العلمي. فقد أدت الفيزياء الحديثة إلى زيادة هذه 
التشككية. ولكنها في نفس الوقت قد حولتها ضد التقدير الزائد للمفاهيم 
العلمية الدقيقةء وضد نظرة متفائلة للغاية إلى التقدم بصفة عامةء وأخيراً 
ضد التش ككية ذاتها . ولا تعني التشككية في المفاهيم العلمية الدقيقة أنه 
ينبغي أن يكون هناك حد معين لتطبيق الفكر السديد . وعلى yu Sall‏ يمكننا 
القول أن القدرة الإنسانية على الفهم قد تكون غير محدودة بمعنى معين. إلا 
أن المفاهيم العلمية القائمة تغطي فقط جزءاً محدداً Lobes‏ من الواقع: أما 
الجزء الآخر غير المفهوم بعد فهو غير محدود . وحينما نتقدم من المعروف 
إلى اللامعروف قد نأمل في أن نفهم» ولكن ربما نتعلم في نفس الوقت معني 
جديداً لكلمة «فهم» . نحن نعلم أن أي فهم ينبغي أن يقوم في النهاية على اللغة 
الطبيعية لأننا بها فقط يمكن أن نتأكد من تلمسنا للواقع واتصالنا «lll‏ 
وبالتالي ينبغي أن نتمعن في أي تشككية تتعلق بهذه اللغة الطبيعية وبمفاهيمها 
الأساسية. لذاء ريبما نستخدم هذا المفاهيم على النحو الذي استخدمت به 
في كل الأوقات. وبهذه الطريقة ربما تكون الفيزياء الحديثة قد فتحت الباب 
لنظرة أوسع إلى العلاقة بين العقل الإنساني والواقع. 


هذا العلم الحديث. إذنء ينفذ إلى الأجزاء الأخرى من العالم حيث 
يختلف الوضع الحضاري عن المدنية الأوروبية تمامًا. في هذه الاجزاء ينبغي 
الإحساس بقوة أكبر بأثر هذا النشاط الجديد في العلوم الطبيعية والتطبيقية 
منها في أوروباء لأن التغيرات في شروط الحياة التي قد استغرقت قرون 
في أوروبا سوف تحدث في هذه الأجزاء في غضون عقود قليلة. ويمكننا 
أن نتوقع أن هذا النشاط الجديد في أماكن كثيرة يبدو كاضمحلال للثقافة 
الأقدم» يقلب التوازن الحساس الذي تقوم عليه كل السعادة الإنسانية. مثل 
هذه النتائج لا يمكن تجنبهاء وينيفي أن تؤخذ كجانب واحد من عصرنا . 
ولكن حتى هنا قد يساعد إلى حد ما تفتح الفيزياء الحديثة على مصالحة 
التقدم الأقدم مع اتجاهات الفكر الجديدة. فعلى سبيل JE‏ قد تكون 
الإسهامات العلمية الهائلة في الفيزياء النظرية التي جاءت من اليابان دليلا 





























— الإنساني‎ oil ple ۳ لت‎ 


على وجود علاقة معينة بين الأفكار الفلسفية في تقاليد الشرق الأقصي 
والجوهر الفلسفي لنظرية الكم quantum‏ وربما يكون من الأسهل أن يكيف 
الفرد نفسه مع المفهوم الكمي - النظري للواقع حينما لا يلجأ إلى الطريقة 
المادية الساذجة في التفكير التي سادت في أوروبا في القرن العشرين. 








— Y Y 3  _سداسلا ب الفصل‎ 


توضح الدراستان SEU‏ إحداهما لعالم أمريكي مبرز في الفيزياء 
والأخرى لفيلسوفء بعض الطرق التي يمكن بها تطبيق المفاهيم الأحدث 
للعلم على علم النفس. وكلاهما يستنتج Linus‏ أن ele‏ النفس في حاجة 
إلى أن يتأكد من أن مناخه الفكري لا يتأثر بالمفاهيم الفيزيائية. وربما 
يرغب الطالب في بناء قائمة للمراجعة خاصة بالميادين الحاسمة التي 
ينبغي أن يبدأ فيها ذلك البحث. 


ل[ م طم ly) oil‏ 


(f) 
O ela! التماثل في‎ 

روبرت أوينهايمر 

(جامعة برنستون) 
أود أن أقول بعض الشيء عما ينبغي أن تعيده الفيزياء إلى الفهم العام 
الذي يبدو أنها قد فقدته « ليس بسبب اعتقادي بوضوح أن هذه الأفكار أدوات 
هامة في البحث السيكولوجي» ولكن بسبب أنه يبدو لي أن أسوأ ما في كل 
وء الفهم أن علم النفس قد دُفع لكي يُكَوّن لنفسه نموذجاً يحتذي به علم 

الفيزياء قد انتهى عهده تماماً. 


لقد ورثنا فكرة عن العالم الفيزيقي على أنه عَالم قائم على ALL‏ فيه 
يمكن أن يوضع حساب لأي حدث إذا كنا على درجة كافية من الفطنة؛ وهو عالم 
يتميز بالرقم حيث يمكن تناول أي شيء هام بالقياس والتكمية (الصياغة الكمية)؛ 
وهو عالم الإنسان الحتمي الذي لا يوجد فيه فائدة أو مجال للفردية؛ ويكون فيه 
لذلك موضوع الدراسة بسيطاء وكيفما درسته لا يؤثر في الموضوع ولا يؤثر في نوع 
الوصف الذي تقدمه؛ وهو عالم تتعدي فيه المقدرة الموضوعانية (أي نجعل من 
كل شىء موضوعا) objectifiability‏ مجرد اتفاقنا على ما تعنيه بالكلمات وعما 
نتكلم tic‏ وفيه تحتل «الموضوعية» objectification‏ (النظر في المعلوم من الناحية 
الموضوعية) المحل الأول بصرف النظر عن أية محاولة لدراسة النظام موضوع 
الاعتبار. فهو فحسب الشيء الحقيقي القائم» وليس هناك من شيء يبعث فيك 
القلق يتعلق بالناحية المعرفية. هذه الصورة الجامدة للغاية قد أغفلت قدراً هائلاً 
من الإحساس العام. ولكن هذه العناصر المفقودة قد تبدو باعثة على العون؛ ولكن 
استعادتها على الأقل قد يوسع المصادر التي يمكن أن نجلبها لأي علم. 

ماهي هذه الأفكارة في كلامنا العادي وخاصة عن مشكلات علم 
النفس, لدينا خمس أو ست أشياء ترجع إلى الفيزياء تتعلق بالصلابة الكاملة 
وبالموضوعية الكاملة التي تسمح لنا بفهم أحدنا الآخرء وبالاختفاء التام 


(*) R. Oppenheimer: Analogy in science, Amer Psychologist, 1956, 11, 127-135. 





افصل‌السادس_ د ٣۲‏ 


للغموض. وبالنجاح الفني الظاهري كلية. أحد هذه الأفكار تلك الفكرة بأن 
العالم الفيزيقي ليس محتوما كلية. هناك cal ian‏ تستطيع أن تأتي بها تتعلق 
بهذا العالم ولكنها إحصائيةء ويحمل أي حدث Legh‏ من الدهشة أو المعجزة أو 
شيئاً لا تستطيع تصويره. فالفيزياء oan‏ ولكن داخل > cogs‏ عالمها خاضع 
لنظام» ولكن ليس AIS Lake‏ 


فكرة أخرى» وهي اكتشاف حدود BI‏ الذي نستطيع به القيام 
بالموضوعانية بدون رجوع إلى ما نتكلم ale‏ حقيقة بالمعني الإجرائي العملي. 
يمكننا القول بأن للإلكترون شحنة معينة ولا نجادل فيما إذا كنا نقول ذلك 
على أساس رؤيتنا له؛ فهو دائماً هكذا . ولا نستطيع القول ob‏ له مكاناً أو 
حركة. إذا قلنا ذلك نقصد ضمنا شيئاً يتعلق بما نقوم به أنفسنا - وأعني 
علماء الطبيعة وليس الناس. 


نقطة ثالثة. وهي ترتبط تماما بهذاء وهي التلازمية أو اللاانفصالية لما 
ندرسه والوسائل المستخدمة لدراستهء الاتصال العضوي بين الشيء والملاحظ» 
والملاحظ ليس في هذه الحالة إنساناء ولكن في ele‏ النفس يكون الملاحظ 
في بعض الأحيان إنساناً. 


ثم هناك e SUUS‏ منطقية لهذاء «فكرة الكلية» (wholeness)‏ فالفيزياء 
النيوتينية gh)‏ العلم الكلاسيكي) كانت تفاضلية differential‏ كل شيء يمكن تجزئته 
إلى عناصر أدق وأدق: وتحليله كذلك. لو نظر فرد إلى ظاهرة ذرية بين البداية 
والنهايةء فسوف لا تكون هناك نهاية؛ وإنما ستكون ظاهرة مختلفة: وأي زوج من 
الملاحظات يأخذ شكل «نحن نعرف هذاء إذن نتنبأ بذلك» هو شيء كلي» فلا يقبل 
التجزئة. 

وأخيراء كل حدث ذري هو حدث فردي. فهو ليس .في أساسياته. 
datei Lá‏ 

تلك طائفة من الأفكار التي نستخدمها دائماً: الفردية: GASH‏ العلاقة 


الوطيدة بين ما يري وكيف يبُرى؛ لا محدودية الخبرة وعلّيتها. ويمكنني الزعم 
فقط أنه إذا أبطلت الفيزياء كل هذه الأفكار لمدة ثلاث قرون ثم أعادتها في 














٤م‏ طم التقس الإنساني —À‏ — 


عشر سنوات» يمكننا القول أن كل الأفكار التي تتوارد في الإحساس العام هي 
أفكار سليمة كنقاط انطلاق. وليست مضمونة لكي تعمل ولكنها صادقة مثل 
مادة المتشابهات والمتطابقات التي نيدأ بها . 


لا تتحدد المهمة الكلية للعلم بالنفاذ إلى تلك المجالات التي تكون غير مألوفة 
في الخبرة العادية. فهناك الأعم ال الهائلة التي تتعاق بالتحليل؛ وبالتعرف على 
المتشابهات والمتطابقات» وبالتوصل إلى الإحساس بالطبيعة؛ وهناك الإحساس 
الكيفي العظيم بالعلاقات بين الفثات وبالتصنيف للظاه رات والأحداث. وليس 
من الفطنة دائماً أن نحاول التركيز على «التكمية» بالا لع yal‏ من 
الواضح دائماً أن لجوء الفرد إلى القياس أنه قد وجد Ve‏ يستحق القياس 
بدرجة كبيرة. حقيقة كانت المظاهر الأولى للقمر تستحق القياس - الملاحظة 
بواسطة البابليين LAY‏ كانت ذات قيمة عملية. فتنبؤاتهم وتكهناتهم وسحرهم لا 
تتم بدونه؛ وأعلم أن لدى كثير من علماء النفس ذات النوع من الأسباب التي 
تجعلهم يبتغون القياس. فالقياس صفة واقعية للعالم الواقعي الذي تقيسه» ولكنه 
بالضرورة الطريقة الأفضل لتقدم الفهم الحقيق يلما يجري. ولعلى اعتبر ذلك 
Log’ e‏ للتعددية فيما يتعلق بالطرق التي قد تعتبر مفيدة ومعينة. وخاصة في 
genda‏ لفرز وتعرف الخبرات المتعددة. وهذه الطرق ربما تساعد ليس 
كثيراً على تحقيق الموضوعية. ولا على طلب اليقين الذي لا يمكن ui‏ تحقيقه 
كلية. لكن يوجد مجال لاستخدام الطرق الطبيعية Naturalistic‏ وهو للاستخدام 
كطرق وصفية. لقد تركت زيارة ole)‏ بياجيه) لمعهدنا أثراً هائلا في نفسي. إذا 
نظرت إلى أعماله. لوجدت أن ما يستخدمه من إحصاء يتألف حقيقة من حالة 
أو حالتين. Leif‏ لبداية Las‏ إلا أني اعتقد أنه قد أضاف إلى فهمنا بدرجة 
هائلة. ولا يعني ذلك أني موقن من أنه على صواب» ولكنه قدم UI‏ شيئا یس تحق 
البحث لإقرار ما إذا كان صحيحاً. وقد أتيت بهذا العذر لكي لا نعامل بفظاظة 
أولئك الذين يحكون لك قصة. فلقد لاحظوا بعناية بدون أن يدعوا أنهم موقنون 
أن القصة هي القصة الكلية والقصة العامة. 


في ضوء ذلك أنظر إلى التنظيم الهائل للممارسة - فمع كل مزالقهاء ومع 
كل مخاطرها المرتبطة بما تأتي به من حلول غير ناضجة وغير سايمة: إلا أنها 
توفر قدراً هائلاً من الخبرة. 











الفصل ‌السادس ب Y‏ — 


لقف 
هل علم النفس الاكليتيكي O Lale‏ 
كارلتون بيريندا 
(جامعة أوكلاهوما) 

ما يثيره العنوان من تساؤل يتضح داخل إطار واسع وفي سياق أسئلة أخرى 
واتهامات عديدة. هناك من يقولء أو يقر ضمناء أن ele‏ النفس ككل ليس DES‏ 
بعلم» وأن ele‏ النفس الإكلينيكي ونظريات ديناميات الشخصية والتحليل النفسي 
ليست إلا مجموعة من طرق فنية عملية وتأملات تصورية أو غامضة. وقد ينظر 
إلى العمل الإكلينيكي في علم النفس على أنه فن أكثر من أن يكون علماً: فسواء 
كان لدى الفردء أو لم يكن لديهء «إحساس بهذا العمل؛ لكنه لا توجد قواعد أو 
قوانين علمية يستطيع بها الفرد توجيه نفسه في هذا المجال». ولقد اعتّبرت 
الاختبارات والمقاييس النفسية في بعض الأحيان على أنها الجانب العلمي حقيقة 
من هذا العمل لأنه يتم بها الحصول على بعض الأعداد أو الأرقام الإحصائية, 
أما بقية المجال فغالبا ما أقصي Labs‏ كتعاوين غامضة وحدسية وغيبية. 


قد يكمن وراء هذه التساؤلات افتراضات قبلية أخرى تتعلق بطبيعة «العلم 
الحقيقي». ونستطيع أن نذهب إلى أن المرشد وال معيار لذلك العلم هو ele‏ 
الفيزياء — مجموعة من القوانين الطبيعية المتقنة, والكمية, والاستدلالية — 
المنطقية, والقابلة للتحقيق. 


وتأتي المشكلة بالنسبة لهذا المعيار غالباً من التصور الخاطى من جانب 
أولئك الذين يناصرون هذا المعيارء فكثيراً ما تتلون نظرتهم إلى الفيزياء 
الحديثة بمفاهيم غيبية متضمنة ترجع إلى كوبرنيكوس وجاليليو وكيبلر 
وديكارت ونيوتن. ومن الواضح أن هذا التصور GLE‏ كان ليتدعم بعمق في 
ثقافتتاء طالما أنه قد لقي اعترافاً صريحا حتى في كتاب مشهور للأطفال!". 


(*) C. W. Berenda: Is clinical psychology a science? Amer. Psychologist, 1957, 12, 
723-729. 
(1) A. de Saint - Exupery: The little prince. New York: Reynald & Hitchock. 








۳۹ طم التقس الإنسائيي — 


«إن الكبار يحبون الأرقام. إذا أخبرتهم أنك قد حظيت بصديق جديدء 
فلن يسألونك أبداً أية أسئلة بموضوعات أساسية: لن يقولون لك أبداً: «ماذا 
يشبه صوته؟ ما هي الألعاب التي يفضلها؟ هل يجمع الفراش؟» وبدلاً من 
al T‏ يطلبون: «كم عمره S‏ كم أخأ له 5 ما وزنه 5 ما مقدار دخل الأب5». ومن 
هذه الأرقام فقط يعتقدون أنهم قد عرفوا شيئاً عنه.. لكن ولا «d‏ بالنسبة 
لأولئك الذين يفهمون ala‏ أن الأرقام شيء قد لا يُكترث به». 


يمكن العودة بجذور هذا النوع من «سحر الرقم» إلى ١6٠١‏ سنة مضت, إلى 
فيثاغورسء ثم إلى yp bo Hah‏ والرياضيين والفلكيين» حتى كوبرنيك وس . وينبع 
الاعتقاد بأن الحقيقة القصوى يتم فهمها في ضوء الأرقام والأشكال الهندسية 
والنسب من هذا التقليد القديم ويبلغ ذروته لدى جاليليو وديكارت. العالم 
الحقيقي يصبح هو العالم الكمّي للرياضيات؛ : «الخواص الأولية» primary)‏ 
للعالم تكون قابلة للقياس: المكان والزمان والحركة ALSH S‏ بينما 
تكون «الخواص الثانوية» (Secondary qualities)‏ هي فحسب : الألوان والروائح 
والأذواق والأصوات. Lal‏ «الخواص الثلاثية» (tertiary qualities)‏ فهي الأفكار 
والرغبات والانفعالات والأحكام القيمية المعنوية والجماليةء وغير ذلك. الخواص 
الثانوية والثلاثية تكون في العقل الإنساني بحيث أنها في بعض الحالات تكون 
حبيسة في الدماغ والجسم. ويمكن فهم الدماغ والجسم الإنسانيين في ضوء 
الخواص الأوليةء ولذا فهي جزء من العلم تماماًء أي جزء من دراسة الحقيقة 
القصوي (الرياضية). ولكن الخواص الأخرى تكون في روح الإنسان وينبغي أن 
تترك للدين. تلك هي التصورات المتضمنة بدرجة أكبر أو أقل في آراء جاليليو 
وديكارت. وذلك هو «تشعب الطبيعة» (Bifurcation of Nature)‏ الذي أتى به 
ديكارت حينما قسم العالم إلى : العالم الفيزيقي للرياضيات الهندسية res)‏ 
(extensa‏ والعقل الإنساني Ler‏ ينطوي عليه من إحساسات ومشاعر ورغبات 
وأفكار وغيرها (res cogitans)‏ 


بعد نجاح cis‏ كان هناك تأثير بالتدرج على تفكير الناس إرتباطاً بصورة 
العالم التي كان فيها الإنسان ترساً صغيراً في ماكينة كونية كبيرة تسير وفقا 
لقوانين طبيعية ثابتة وحتمية. والعالم الموضوعي الحقيقي هو عالم لا شخصيء 
مضبوطء عالم الرياضيات» عالم خاضع لقانون gle‏ محدد في كل سلوكه. 





الفصل السادس د ۳۷ 


وعلى هذا النحوء اعتبر الجسم الإنساني وسلوكه كمجرد ماكينة أكثر تعقيداً . 
لقد كانت ميكانيكا الإحصاء وديناميكية الكهرياء والكيمياء والتطور البيولوجي 
في ظل القوانين الطبيعية الثابتة مفاهيم مضافة لصورة العالم هذه؛ ولكن» 
من منظور أوسع» بقيت الفكرة العامة عن الإنسان والكون كما هي أساسا. 
وتعتبر س AS pL‏ واطسونء في أوائل القرن العشرينء نتاج هذه الصورة عن العالم: 
الإنسان «ماكينة انعكاسية كهروكيميائية» „(electrochemical reflex machine)‏ 


تسيرء مع صورة العالم ونظرية الإنسان: فكرة منهجية: فلكي نفهم ذلك 
العالم» ينبغي أن نتشبه به - أن نكون موضوعيينء رياضيين. مدققين. ولكي 
نكتشف بالتفصيل القوانين الطبيعية للسلوك الإنسانيء ينبغي أيضا التسليم 
بهذه الإجراءات. هناك توجد القوانين: أذهب إليها واعشر عليها. ذلك هو 
طريق العالم والسيكولوجي الحقيقي. 

عند هذه النقطة ينبغي أن نؤكد أن المؤلف لا يقصد نبذ الطريقة العلمية, 
ولا يذهب بالتأكيد إلى أن أصولها توجد جزئياً في ea‏ سحر الأرقام. فإذا 
قمنا بتتبع الأفكار تاريخياً إلى الأوهام والأساطيرء فليس من المنطقي أن 
نرفضهاء وإنما علينا ببساطة أن نصير أكثر وعياً بالحقيقة الهامة التي تقرر 
أن العلم» كالدين والفلسفة وغيرهما من الأنشطة التصورية: هي «أنشطة 
إبداعية بواسطة الرموز والنظريات» وأن النظريات الموجودة اليوم ربما تكون 
«أوهام» الغد. وفي صورة العالم المحدد التي ارتسمناهاء يوجد مزيد من 
التحقق بأن الإنسان. لكونه مبدع ا وتخيليا وعاطفياً. قد خرج من صورة 
العالم» لكي يفسر بعيداً بطريقة تصورية في عبارات (ابتدعناها نحن!) عن 
الآليات الدقيقة: الموضوعية؛ الكمية: Aa‏ لسلوكنا الجسمي. 


وقد كان علم الفيزياء هو الذي قدم رفضه الثوري لهذه النظرة إلى 
العالم. ولن نشير كثيراً إلى أفكار مثل hve‏ هييزنبرج عن اللامحدودية في 
نظرية الكم - رفض العلية الآلية الكلاسيكية في الطبيعة النووية - ولكن نشير 
إتى شي أكقراساسية ويه gt‏ لعن el apad cu aU‏ الحريكة النظرة 
القديمة إلى العالم بطريقتين: (T)‏ بحفت إمكانية آية صور أو نماذج يمكن 











ley) oil طم‎ ۳۸ 


تخيلها Lee‏ يسمي بالعالم الحقيقي للذرات. iie‏ (ب) بحثت طبيعة ومكانة ما 
يسمى بالقوانين أو المعادلات الفيزيائية الطبيعية. 


فيما يتعلق بالبند «أ» : تجاوزت نظرية الكم الحديثة»ء وكذلك نظرية 
النسبية: بعيداً إمكانية النماذج الآلية العادية لكي تمثل معادلاتها أو قوانينها 
الأساسية. في نظرية الكم خاصةء من يستطيع الادعاء بأنه يكشف بالنظر 
«الدقائق الموجية» wave - particles‏ كما توجد في المعادلات الخاصة بالضوء 
(الضويئات (photons‏ والكهيربات «electrons‏ والبروتونات 5 والنترونات 
53 الخ؟ لقد صار من الواضح الآن لعالم الفيزياء النظرية أن علمه 
لم يعد يدخل في مهمة تقديم صورة تكشف عن البنية القصوى للحقيقة. بل 
تكونت (ولم » تكتشف») معادلاته الرياضية التجريدية بواسطة تخيل العباقرة 
الإبداعي الذين اشتركوا في «المحاولة الإنسانية» لتقديم نظام استدلالي - 
منطقي ينظم ببساطة واتساق بعض ال معالم القابلة للوصف لعالمنا الملاحظ 
الخاص بالخبرة العامة (وليس عالم المادة الآلي الذي لا لون له). 


وفيما يتعلق بالبند «ب»: لم تعد القوانين الطبيعية تعتبر أوصافاً فريدة, 
جلية؛ صادقة تماماً عن حقيقة قصوى معينة موجودة« موضوعيا» وإنما 
نشأت نظرة جديدة بين علماء الفيزياء. لقد $ as‏ في الإمكان تقديم أكثر 
من نظرية واحدة محققة لموضوع معين: قدم «ديراك» Dirac‏ نظرية عن 
«البوسيترون» positron‏ (إلكترون ذو شحنة إيجابية): بينما قدم لنا «فيينمان» 
1 نظرية أخرى. ولقد تأيدت المعادلات الأساسية لكلا العالمين تجريبياً! 
وییدو هذا مستحیلاً إذا لم نتلخص من التصور القبلي بأن الفيزياء تدخل 
في الكشف عن الطبيعة القصوي «لعالم موضوعي حقيقي»» معين وراء عالم 
الظاهرات أو الخبرات العامة. وعلاوة على LTS‏ فقد انبري فيينمان لإثبات 
أن نظريته ونظرية ديراك «متكافئتان» - فأحد النظريتين (وهي مجموعة من 
المعادلات الرئيسية) يمكن أن « تترجم» إلى النظرية الأخرى برمتها - أقرب 
كثيراً إلى الترجمة من الألمانية إلى الإنجليزية. بعبارة أخرى» يمكن التحقق 
من أكثر من نظرية واحدة في نفس ميدان البحثء وأنه يمكن اس تخدام إحدى 
النظريتين أو كلاهما بطريقة تبادلية. بقدر ما ترى عالم الفيزياء. فالنظريات 
Y‏ تعطينا مجرد صورأو قوانين عن حقيقة مطلقة؛ ولكن (كما يؤكد جون ديوي) 














Y 4  _سداسلا‌لصفا‎ 


هي مجرد أدوات أو وسائط عقلية ابتدعتها عقول فذة لتناول بعض الجوانب 
المختارة من الظاهرات القابلة للملاحظة بطريقة ملائمة. ولنسوق اقتباساً عن 
عالمين محدثين في Mele sail‏ 


كيف نعرف أن Lille‏ هذا قابلاً للكشف إلى أقصى Saa‏ هل يوجد نظام 
فريد للتفسير الفيزيائي؟ إذا كان ALIAS‏ ويقوم عالم الفيزياء بتعلمه sedan‏ 
تكون مهنته أشبه بالمصور الفوتوغرافي الذي يأخذ عدداً هائلاً من الصور 
في دراسة موضوع من الموضوعات. إلا أنه إذا لم يكن هناك يقين بشأن هذه 
AE LAT‏ لكان عمله ليس بتصوير فوتوغرافيء وإنما هو خلق فنى. ويبدو أن 
الخبرات المتراكمة تؤيد البديل الأخير. 


في إطار خلفية الملاحظات السابقة يمكننا البحث عن إجابة لسؤالنا 
الأساسي الخاص بعلم النفس الإكلينيكي كعلم. يستلزم النظام العلمي ألا 
يحاول تزويدنا بنظرية فريدة عن الظاهرات, ولا يستلزم أن تكون مفاهيمها 
المجردة قابلة لرؤيتها بالبصر على أساس تخيل حسي أو ميكانيكي؛ ولا يستلزم 
أن تكون النظرية كمية. ويستطيع عالم النفس الإكلينيكي أن يستخدم أكثر 
من نظرية للشخصية أو للعلاج. ومن الممكن أن تبدو المصطلحات المجردة 
للنظريات المختلفة (وهي كلها «محققة») متكافئة. وأي من هذه النظريات 
يستخدمه العالم الإكلينيكي قد يكون موضوع ا للتفضيل الشخصيء يتفق مع 
مزاجه أو توجهه الخاص. ونستطيع فحسب أن نسعى لبناء نظام متسق Vis‏ 
من التجريدات أو المفاهيم التي ela‏ منطقياًء ببساطة بقدر الإمكان: مجالاً 
Ligne‏ من الظاهرات في ميدان السلوك الإنساني. وهنا يكون في الإمكان تور 
أكشر من نظام واحد. 

ولم يعد التقسيم القديم بين العلم والفن: بين الحقيقة الآلية الموضوعية 
والرمزية الإبداعية الذاتيةء واضحاً كما كان ييدو من قبل. فلكي تكون 
«موضوعيا» (Objective)‏ ينبغي أيضا أن تكون لديك «أهداف» \(objectives)‏ 
وحتى الإنسان كالعالم يكون موجهاً نحو الهدف وكذلك خالقاً للأهداف أو 


(1) Lindsay, R. & Margenau, H. Foundations of Physics. New york: Wiley. 











eee —‏ لمم التقس الإنساني —— 
منتقيآ لها - بالإضافة إلى ما يتمتع به من ثراء من الأهداف المثالية (أي 
الهدف المثالي لعلم الإنسان). 


في ميدان غني ومتنوع كالسلوك الإنساني. يكون من الواجب علينا أن 
نصير أكشر تعرفاً بعمق على موضوعنا لكي يكون إلهامنا بتكوين مفاهيم مجردة 
وبتنظير مبدع متأصلاً جيداً في خبرات حسيةء ولكي يُوَجّه «إثبات» تلك 
النظريات إلى التخلص من بعض غموضه الحالي. ولا يعتبر تعدد النظريات 
«المتضاربة»» ولكن المثبتة والمحققة بدرجة متساويةء في حد ذاته خطيئة علمية. 
وفي ميدان ele‏ النفس الإكلينيكي الغني كيفياًء علينا أن نتوقع؛ بل وأن eet‏ 
وجود مفاهيم وافتراضات مجردة مختلفة تكونت في سياق نظريات محققة 
متعددة. فالعلم موضوع لدرجة من التنظيم المنطقي المنظم للظاهرات؛: وعلم 
النفس الإكلينيكي ele‏ بالدرجة التي سوف تنشا قياسا إلى تلك «التنظيمية» 
t(systematization)‏ ولكن ما نرجوه لذلك النشوء أن يعتمد على حرية التفكير 
الإبداعي المتجسد في المنبت الدافىئ والحي للخبرات الشمولية والتعاطفية 
والكيفية في الميدان الإكلينيكي. 











الفصل pts‏ £3 — 
النصل السايع 
الإجرائية 


يتمثل التحدي الأكبر من أي بحث علمي في الإجابة على السؤال التالي: 
كيف نتحقق من صدق مفاهيمنا؟ لقد عول الدارسون: في القرون الماضية قبل 
أن تحقق ag tell‏ وجودها المستقل عن الفلسفة: بقوة على التعقل الاستدلالي 
في تفسير الظاهرات الطبيعية: يبدأون بملاحظات ذات طبيعة عامة جداً 
يتحقق منها الآخرون. ثم يتفكرون من قضية لأخرى حتى يصلوا إلى نتيجة 
حتمية على نحو افتراضي. مثال ذلك الإدراك العام للإنسان ككائن اجتماعي 
قادر على التفكير والشعور وحل المشكلات» والذي هو في نفس الوقت كائن 
قلق وشغوف وطموح. ومن تلك البدايات الإمبيريقية يمكن استقراء مفهوم 
الطبيعة البشرية والجوانب الأخلاقية للسلوك. وهذه الطريقة حتى اليوم: هي 
الطريقة الوحيدة المتيسرة لبحث بعض المش كلات الإنسانية التي لا تخضع 
للملاحظة والقياس. 


ويشيع إلى حد ما نفس هذا الإجراء في التجريب الموضوعي. فالتكوينات 
لا تكتشف كلية كما تكونت في البيانات الأصليةء ولكن ينبغي أن تتضح إجتهاداً 
بواسطة التعقل الاستدلالي والاستقرائي بعد استكمال المعالجات الإحصائية. 
ويختلف المنهج العلمي عن الفلسفةء ليس في إبطال الحاجة إلى عمليات 
التفكير المنطقي التي تتضح في ul all‏ ولكن في الحاجة إلى مزيد من 
الملاحظة الدقيقة والمتقنة. ويؤدي اختبار وإعادة اختبار البيانات الأصلية إلى 
زيادة ثقة العالم في أن نتائجه هي أكثر من مجرد تدريبات على المنطق. 
ويعتبر الاتساق الداخلي أقل المتطلبات التي يستلزمها أي تفسيرء ولكن إلى 
أن يثبت ملائمته للواقع وكذلك لقواعد التفكير السليم» يظل التفسير كفرض 
من الفروض. 

العلم أسمى من الفلسفة في دراسة الظاهرات الطبيعية إلى الحد 
الذي يستطيع معه أن يحرر نفسه من العوامل الذاتية. ويسعى النظام المعقد 
الخاص بالضوابط والإجراءات والطرق والأدوات المستخدمة في الدراسات 
الموضوعية إلى محاولة التغلب على الأخطاء التي تعزى إلى التحيز والهوى: 




















—— gy) نكمم النفس‎ — ٣ — 


وإلى الإدراك GLEN‏ في جمع البيانات. وثمة احتياطات وتحفظات ables‏ 
ينبغي اتخاذها في المرحلة الثانية الأقل موضوعية من البحث التي تقوم على 
تكشف ما تنطوي عليه البيانات المتوفرة بين أيدينا من معاني. ويمكن وضع 
بعض الخطوط الإرشادية العامة للإقلال من احتمال الخطا إلى الحد الأدنى. 
فبقدر ما يختفي النشاط المعرفي للفرد من الإدراك الحسيء تكون صعوبة 
التحقق والإثبات. ومن ثم» ينبغي أن تظل التكوينات العلمية على اتصال وثيق 
بقدر الإمكان من الملاحظة التجريبية (الامبريقية). ويمدنا التفكير في ضوء 
أشياء وأنشطة حسية بجسر بين التأمل وعالم الحقيقة. وإذا كان من الصحيح 
أن المفاهيم الأكثر تجريدية وعمومية نظاماً أوسع للتطبيق. فإنها لذات السبب 
أكثر صعوبة في التحقيق والإثبات. 


تقرر طريقة «التحليل الإجرائي» (operational analysis)‏ المألوفة لأي 
عالم» هذا المبدأ في شكل موجز . يحدد (هنري مارجيناو) «الإجرائية» 
(operationalism)‏ على أنها «اتجاه يؤكد الحاجة إلى اللجوء — حيثما يتيسر 
ذلك - إلى الإجراءات الوسيلية أو الأدائية instrumental procedures‏ حينما 
يستلزم الأمر إقرار المعاني». فهي تتحدد في الكلمة والتكوينات والنظريات 
بالمعالجات والحسابات التي تشتق منهاء مثال ذلك التعريف الإجرائي لإحدى 
المأكولات كما يقدمه الطاهي بأنه وصفة أو صيغة طهوية معينة في كتاب 
الطهى. 

















— XY بيني‎ giat الفصل‎ 


بالرغم من أن الإجرائية ترتبط بمجالات علم الفيزياءء فإنها قد 
أسهمت بطريقة هامة في تقدم علم النفس ولا زالت تؤثر فيه بدرجة 
هائلة؛ بالرغم من الحقيقة بأن قلة من علماء النفس قد تبنت هذه 
الحركة رسميا. فإذ سعى هؤلاء العلماء إلى التخلص من الافتراضات 
غير القابلة للتحقيق لدى العلماء السلوكيين الأوائل» فإنهم قد هيأوا 
بذلك الطريق للإجرائية أمام النظرية السلوكية الحديثة. 


س{ عم النفس الإنساني — 


(OY) 
المعقول واللامعقول في الإجرائية‎ 
جوستاف برجمان‎ 


(جامعة ولاية آيوا) 

لقد كان فضل الإجرائية على علم النفس هائلاً. وهنا من السهل أن 
نفهم ذلك» فلقد صارت الإجرائية. حينما طَبقت على المفاهيم النفسية: ما 
يعرف «بالس لوكية المنهجية» (methodological behaviorism)‏ - أي السلوكية 
التي صَحَت من غفوتهاء واستعادت وقارهاء وتخلصت من غيبياتها . لذا 
كان لالإجرائية الفضل في تيسير الانتقال من الواطسونية Watsonianism‏ 
إلى النظرية السلوكية المعاصرة. لكنه» بالإضافة إلى ALS‏ كان هناك بعض 
اللامعقول: معظمه سوء فهم يرجع إلى السذاجة الفلسفية لبعض علماء 
النفس. ولحسن الحظ أن سوء الفهم هذا قد تلاشي » أو على الأقل قد 
صار واضحا للعيان. وتكمن جذور المشكلة في أن بعض علماء النفس في 
غمرة حماسهم قد اغفلوا قيمة الإجرائية بالنسبة لكل فلسفة العلم» إن لم 
يكن بالنسبة لكل الفلسفة. لذا اعتقدواء أولاً :أن الإجرائية تقدم أيضا قواعد 
لتأكيد أهمية المفاهيم المحددة بطريقة ملائمة. ولا يوجدء بالطبع» مثل هذه 
الأحكام. Lot‏ إذا كانت العمليات الإجرائية operations‏ بالمعنى الملائم هي 
تناولات وليس أي شى آخرء فقد رأوا تلك العمليات في كل مكان. فمن ناحيةء 
خضعت إدراكات العالم إلى التنميق لتكون Legs‏ من العمليات. ومن ناحية 
أخرىء كانت نشاطاته التقديرية اللفظية أقرب إلى ما يطلق عليه العمليات 
الرمزية التي تأتلف مع نفس المجموعة. وقد أدى هذا الاستخدام غير المحدد 
تماما لمصطلح «عملية» إلى إشاعة الارتباك والفوضى. مثال إيضاحي على 
ذلك: يرفض البعض, استناداً إلى المبادئ الإجرائية, «التعميم» من حالة في 
التجربة إلى الأخرى إذا كان الجهاز في الوقت ذاته قد تحرك إلى ركن آخر 
بالحجرة. ومع ذلك لا توجد قاعدة قبلية لتمييز المتغيرات المناسبة عن غير 
المناسبة. كما لا توجد الأوصاف النهائية. لقد قدم النموذج الإجرائيء بصفة 
عامة؛ بعض الحجج الوجيهة إلى أولئك الذين يمقتون كل أنواع التنظير أو 
حتى التصور. لكن ريما كان من المفيد أن علم النفس قد سار في هذا الاتجاه. 








— 8 ety الفصل‎ 


تعتبر الإجرائية - بالمعنى الواسع جداً - أكثر قليلاً من صورة 
مستحدثة لما كان يقوم به العلماء دائماً للتحقق من أفكارهم. ولكن ثمة 
قناعة في بعض الدوائر بأن المبدأ الإجرائي قد لقي اهتماماً زائداً . 
يبعد «بردجمان» نفسه صراحة عن الشرط أو المطلب الذي يقرر أن 
أي تعريف ينبغي صياغته في عبارات إجرائية: وينظر إلى الإجرائية 
كوجهة نظر عامة وليس كفكرة جامدة (دوجما) أو كفلسفة للعلم. ومن 
شأن العالم أن يقع في أخطاء أقل إذا اعتاد أن يوجه إلى نفسه السؤال 
التالي:« ما الذي فعلته حتى وصلت إلى هذا المفهوم5» كذلك لا يعتبر 
«بردجمان» الإجرائية على أنها الخاصية الفريدة للعلم. حتى التعريفات 
الغيبيةء مثل فكرة نيوتين عن الزمان المطلقء تصير أوضح حينما تخضع 
لتحليل مماثل. 


سا طم التقس الإنساني 


ay) 
ملاحظات حول الإجرائية‎ 
ب. بردجمان‎ 


لعلى أنجح في إثارة مناقشة تتعلق تاريخياً بذلك الشيء الذي يعرة 
«بالإجرائية». ye bly‏ باختصارء أني قد خلقت «فرانكنشتاين» وقد انصرف 
بكل تأكيد بعيداً عني. إني أبغض كلمة» الإجرائية» التي تبدو أنها تتضمن 
فكرة جامدة «دوجما» أو على الأقل فكرة من نوع معين. والشيء الذي أتصوره 
بسيطا للغاية حتى يُبّجل بتلك التسمية المفتعلة, وأكثر من AUIS‏ فهو يعتبر 
اتجاهاً أو وجهة نظر مس تخلصة من الممارسة المستمرة للتحليل الإجرائي. 
ومهما كانت الفكرة الجامدة (الدوجما) المتضمنة هناء فهي تبدو مفيدة: لأنها 
تأخذنا إلى ما هو أبعد من nds‏ إلى تحليل الأفعال والأحداث وليس الأشياء 
أو الموضوعات. 


ما أود تضمينه هنا قد يكون أوضح قليلا إذا فهمنا الخلفية Ania ll‏ 
وأرجو أن تسمحوا لي إذا كنت أدخل بعض الملاحظات الشخصية. يرتبط ذلك 
بكتابي «منطق الفيزياء الحديثة» (The logic of modern physics)‏ وخاصة 
حينما كلفت فجأة بمهمة تدريس مادتين متقدميتن في الديناميكا الكهربية. 
وكان مما تضمنتاه مادة من نظرية النسبية: وقد سبب لي ذلك lius‏ حاولت 
التخفف منه بقدر ما استطعت» وسبب آخر للضيق كان الموقف بالنسبة للتحليل 
الْبَعغدي/ تحليل الأبعاد (dimensional anlysis)‏ الذي كان غالبا ما يثير الشك 
حينما يكون العمل التجريبي ضرورياً حقيقة. وقد تبين أن الموقف Saad‏ 
بسيط إلى حد ماء وتمكنت من تناوله بما أدى إلى شعوري بالرضا - وهي 
خبرة coal‏ إلى زيادة معنويتي الذهنية: وقد تشر التحليل الذي كان إجرائيا 
في جوهره» بالرغم من أن كلمة إجرائية لم تستخدم. وأعتقد أن كلمة عملية 
إجرائية Operation‏ قد استخدمت بصراحة لأول مرة في مناقشة أثرتها في 
ندوة ببوسطن عقدتها «الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم» (AAAS)‏ عن نظرية 
النسبية اشتركت فيها مع (جورج بيركوف) و(هارلوشابلي). 








الفصل السابع د ل۷ 
لقد كتبت (منطق الفيزياء الحديثة) في فترة وجيزة ومزدحمة. وفي نطاق 
هذا الوقت المحدودء كان Cle‏ رسم خريطة بالأسئلة التي بدت بالنسبة لي أكثر 
إلحاحا ومتفقة مع المناقشات التي يمكن أن أقول عنها أنها (على الأقل ينبغي 
أن تصدق بدرجة كبيرة وأن تكون > 25 من الصورة النهائية). وألا أحاول القيام 
ببرنامج طموح لتحليل كامل. وباختصارء ارتضيت بالتحليل (الضروري) كما 
يتعارض مع التحليل (الكافي). وكان من نتيجة ذلك أن خطوات هامة كثيرة 
قد تُركت بدون تكشف: على سبيل المشال» تحليل ما يجعل العملية الإجرائية 
ملائمة لصياغة مفهوم علميء وهناء بأي مصطلحات يمكن تحديد العمليات 
الإجرائية. وفي الحقيقة: كان مما أثار دهشتي اهتمام الآخرين بالقضايا 
المنهجية المجردة التي أوجدها السعي إلى إقامة نظام فلسفي من نوع معين 
بدلاً من محاولات تنبع الخطوات الأكثر تحديداً ووضوحاً. 


منذ كتابة هذا الكتاب» لم أتمكن أبدأ من تكريس اهتمام مثابر بهذا 
المجال» ولكني اكتفيت ببعض التعديلات القصيرة التي تمخضت عن مقالات 
كثيرة وكتابين صغيرين. إلا أنه في نفس الوقت,. مع الممارسة المستمرة للتحليل 
الإجرائيء تغيرت أفكاري وتطورت وارتقت إلى العمومية. وإذا كان lé‏ أن Vul‏ 
اليوم في استجلاء اتجاهي بطريقة منظمة؛ لاختلف نظام تقديم هذه الأفكار. 
لقد قدمت وجهات النظر العامة في بداية معالجتهاء مع تجنب الكثير من 
الخلط والالتباس. وأعتقد غالبا أنه يوجد جانب معياري (لالإجرائية)ء ذلك 
الجانب اعتبر أنه (الدوجما) وبأن التعريفات لذلك ينبغي أن تصاغ بعبارات 
العمليات الإجرائية Operations‏ . وكما أرىء لا يوجد من وجهة النظر العامة 
شيء معياري. فالتحليل الإجرائي ممكن دائماً؟ وهو تحليل لما وقع أو حدث. 
ويمكن تقديم التحليل الإجرائي لأكثر التعريفات الغيبية غموضاً؛ مثل تعريف 
نيوتن للزمان المطلق ش أنه في ذلك شأن التعريفات التي تبدو بذاتها منسجمة 
ومتسقة. وما هو أكثر من ذلكء أن أي شخص يستطيع بتحليل إجرائيء 
سواء تقبل el‏ لم يتقبل» يعتقد أم لا يعتقدء أنه ميدأ (الإجرائية). وسواء 
اعتقد أنه يضيع وقته بلا فائدة في عمل ذلك. فما يميز «العالم الإجرائي» 
(operationalist)‏ عن (العالم اللاإجرائي) هو اققاع الأول بآنه من المجدي 
غالبا عمل تحليل إجرائي. وفي شعوره الخاص أيضا — وهذا ما أشك فيه - 














— ۸ م نكمم النفس الإنساني 


أن (العالم اللاإجرائي) غالبا ما لا يريد الاعتماد على التحليل الإجرائي بسبب 
التخوف من أذ ه قد يتمخض عن تغيير في اتجاهه. 


إذا استخدمنا التحليل الإجرائي بطريقة متسقةء أعتقد أن وجهة نظرنا 
العامة سوف تكتسب Leaks‏ معيناً واعتبارات معينة تتأكد في هذا التفكيرء 
وهذا ما نحاول وصفه باختصار. فمن Ayo‏ نحن نتأثر بالملاحظة ob‏ 
التحليل الإجرائي يمكن أن يدقع دائماً إلى الحد الذي تختفي الحدة معه. 
فمفاهيم fis‏ إشارة (نعم أو لا ) في النظرية الحديثة للمعلومات ومبدأ (الكل 
أو لا شيء) في عمل الوحدة العصبية (النيرون) لدى عالم الفسيولوجيا 
وغير ذلك من المفاهيم» تفقد حدتها حينما تعتبر كعمليات تحدث في 
زمان معين. وتفقد عمليات المنطق حدتها حينما يدفع التحليل إلى حد 
الشك في الذات. وبالإضافة إلى ذلك نحن نتأثر بذلك الحشد المعقد من 
التركيب اللفظي الذي كونه الإنسان عبر العصور. هنا يوجد عالم تلقائي 
ذاتي (autonomous world)‏ يستطيع فيه الإنسان:ء وغالباً ما يستطيع؛ أن 
يعيش وجوداً منعزلاً ومستقلا بدرجة أكبر أو أقل. ومن ناحية أخرى بالرغم 
من الحشد المعقد للعالم اللفظيء يعتبر العالم الخارجي الخاص بالأشياء 
والواقع والأحداث أكثر تعقيداً بدرجة هائلة - معقداً إلى درجة أن كل جوانبه 
لا يمكن استعادتها بواسطة أي تركيب لفظي. وحتى في الفيزياء لم يلق 
هذا بعد التقييم الكافي كما يتضح: مثلاء في استعادة الطاقة. فالمجموع 
الكلي للمواقف التي تغطيها الجوانب المختلفة ag gal‏ الطاقة معقد للغاية 
حتى يمكن استعادته بواسطة أية حيلة لفظية بسيطة. وأشعر شخصياء 
كنتيجة للتفاعل المستمر بين العالم اللفظي والعالم (الموضوعي))؛ بقيمة 
تحليل عملياتنا الإجرائية بقدر الإمكان داخل مكوناتها الأدائية أو الوسيلية 
(instrumental)‏ ومكوناتها الخاصة (بالورقة (älg‏ وأعتقد أنه Y‏ يزال 
يوجد الكثير مما لم يتكشف؛ كما أعتقد هنا أنه يوجد الكثير مما نعمله في 
الميادين اللاعلمية وفقا لهذه الخطوط. فعلى سبيل المثال» أتوقع أن نجد أن 
الكثير من عمليات الفلسفة تكون بالضرورة لفظية وغير قادرة على الدخول 
في العالم الإجرائي أو الأدائي أو الوسيلي. وأعتقد أن نتائج عظيمة سوف 
تعقب التحقيق الكامل لحتمية ورسوخ العزيمة الإنسانية. 














— Y $4 eee الفصل‎ 


في الدراسة التاليةء وهي نموذج للاختصار والدقةء يتوقع «هنري 
مارجيناو» احتمال إثارة سؤالين لدى القارئ: ما هو الإجراء الأدائي أو 
الوسيلي؟ وإذا كانت التعريفات الإجرائية ضرورية في البحث العلميء 
لماذا تكون غير كافية للغرض الذي ينشد تطوير النظريات5 . 


— تلم الف الإنساني‎ vo c 
(yt) 
في تفسير وسوء تفسير الإجرائية‎ 
هنري مارجيناو‎ 
(جامعة ييل)‎ 


أظن أنه من الملائم عند تناول (الحالة الراهنة للاجرائية).: أن أعرض 
ملاحظاتي مختصرة Aale g‏ تاركا النقد والتقدير للآخرين. 


الإجراءات الوسيلية أو الأدائية تتبدى حينما يستلزم الأمر إقرار المعاني. 
ينكر (بردجمان) مكانتها كفلسفة لأنها كنظرة عامة تكون قابلة للنقد من 
ناحيتين: أولاً. أنها لا تستطيع تحديد معنى (الإجراء الأدائي أو الوسيلي) 
بطريقة تنقذ هذه النظرة من أن تكون إما بغير ذات معنى (وهي حقيقة تكون 
كذلك إذا كانت الأدائية أو الوسيلية تفسر بحيث تتضمن العمليات الرمزية 
والعقلية وعمليات الورقة - والقلم)» أو تقييدية للغاية ( إذا كانت كل العمليات 
إجراءات معملية): ABE‏ أنها تخفق في إضفاء المعنى على المفاهيم الكونية. أي 
المفاهيم المتعلقة بالكيفيات أو الكميات القابلة للتحديد إجرائيا. لإيضاح هذه 
النقطة الأخيرة: من الممكن. في ضوء الإجراءات الوسيلية الأدائية؛ تعريف 
الشحنة والكتلة وغيرها في الإلكترون ولكن من الصعب تحديد الإلكترون 


ومع ذلك يشعر كل عالم بقيمة الاتجاه الإجرائي. سبب ذلك هو أن نوضح 
أن التعريفات الإجرائية تشغل مكاناً حاسماً في منهجية العلم وطرق البحث 


فيه . 


وإذا كناء كما جرت العادة في الكثير من الفلسفة التقليدية: نعترف 
داخل نطاق خبرتنا المعرفية بركيزة ين أساسيتين: الركيزة التعقلية rational‏ 
(المفاهيم» التكوينات. الأفكار. وغير ذلك) والركيزة المباشرة fis) immediate‏ « 
الإحساسات والملاحظات والبيانات)- فإنه Co‏ إذن مشكلة إقامة الوصل 
والربط بينهما. فمن الواضح أن المفهوم ليس متوحداً معء أو مشتقاً بطريقة 
استدلالية منء مجموعة من المدركات. ويمكن إقرار المتطلبات اللاتجريبية 

















Oy ety الفصل‎ 


(اللاإمبيريقية) التي توفر الجدوى والاتساق لمكونات نظرية من النظريات في 
(طبيعة الحقيقة الفيزيائية) مما يمكن أن نطلق عليه «المتطلبات الغيبية» بدون 
الرجوع إلى ملاحظات فعلية. ومن هناء فإنها لا تحقق صدق أو موضوعية 
المكونات التي تتضمنهاء ولكن تقررها فقط كمجموعة أو فئة متسقة داخلياء 
أي كنظرية شكلية (formal theory)‏ فالمتطلب الإمبيريقيء أو إمكانية القيام 
بالتحقيقات الحقيقية التي تتوسط بين البيانات الملاحظة والتكوينات؛ توفر 
الصدق. ومثل هذه التحقيقات تكون مس تحيلة بدون تعريفات إجرائية 7 على 
أساس الإجراءات المعملية المُمارسة أو المخيلة. 


يتضمن هذا أن العمليات الإجرائية ليست الوسائل الوحيدة لتحديد 
المفاهيم العلمية. حقيقة يبين التحليل بدقة لماذا تعتبر وحدها غير كافية. 
فالمفهوم الصادق ينبغي أن ينتمي إلى نظرية مقبولة تخضع لقواعد ميتافيزيقية. 
وهو Y‏ يستطيع أن يؤدي ذلك إلا إذا كان موضوعا للهدف. فالتعريف شكلي 
يرتبط بطريقة لا إجرائية بالمفاهيم أو المصطلحات الأخرى للنظرية. ولكنه 
ينبغي أن يكون أيضا قابلاً للتحقيق بطريقة إمبيريقيةء وهذا يتطلب وصلا 
وربطا مع الملاحظات من خلال الإجراءات الإجرائية. لذاء من الضروريء 
وكما يبين استعراض الطريقة العلمية حقيقة Ad‏ أن لكل كمية علمية مقبولة 
قابلة للقياس على الأقل تعريفين: أحدهما شكلي (formal)‏ والآخر إجرائي 
أو أدائي أو وسيلي (instrumental)‏ وإنها لمهمة عظيمة أن نبين كيف أن بعض 
العلوم تخفق في أن تصبح محكمة ومتقنة لأنها تغفل هذه الخاصية المزدوجة 
لعملية التعريف. ويؤدي إغفال التعريفات الإجرائية إلى تأمل ade‏ وإلى 
غيبيات تعيب ذلك النظام وتفضحهء كما يؤدي إغفال التعريفات الشكلية gh)‏ 
«التكوينية» (constitutive‏ إلى تجربية (إمبيريقية) عمياء تعوزها قوة وجمال 
علم الفيزياء . 














س د عم النفس الإنساني —— 


لقد J Sf‏ التحليل الإجرائي في العلم لكي يطهره من كل العناصر 
الذاتية. فبواسطة ربط مضمون المفاهيم والنظريات بعمليات إجرائية 
محددة يمكن التحقق منها بسهولة: يبدو العالم كما لو كان يحرر نفسه 
من التحيز والهوى وغير ذلك من السواقط الإنسانيةء ولكن «الأفكار 
الثانوية» (second thoughts)‏ قد تكون أكثر رصانة. pall‏ 48 في خاتمة 
ube!‏ لا يمكن أبداً أن تكون موضوعية مثل الأشياء الموجودة في العالم 
الخارجي. المعرفة اقتناء شخصىء يعتمد كلية على النشاط الذاتي سواء 
في اكتسابها أو استخدامها على حد سواء. وكل فرد ينبغي أن يفعل أي 
شيء في مقدوره لكي يتأكد من صدق ما يعرفه. ولكنء إلى أن يحاول 
تحقيق موضوعية أفكارهء فإنها لا تزال تظل خبرة داخلية. 


٢٥۳ tty الفصل‎ 


(vo) 
ai zwi 
فلوريد ماتسون‎ 
(جامعة كاليفورنيا)‎ 

لقد اكتسب الحافز لدى كل مناء والذي أشار إليه شرنجتون: وهو للتخلص 
من ربقة «التشُكلية الذاتية» (subjective automorphism)‏ دعمه الأعظم من 
خلال طريقة «التحليل الإجرائي» التي قدمها بيرسي بردجمان عالم الفيزياء 
الرياضية. فمن منظور الإجرائيةء يكون ine‏ قضية من القضايا هو ببساطة 
مجموعة معينة من (العمليات الإجرائية) operations‏ اللازمة لتحقيقها 
أو إثباتها. يتمتع مفهوم بردجمان بميزة إرضاء تشوق العالم الوضعي إلى 
الموضوعية المطلقة (absolute objectification)‏ إلى التخلص تماماً من ذلك 
الوجود المنتشر في كل مكان ومن ذلك الملاحظ الإنساني بأصابعه المرتجفة 
وتحيزاته المفسدة. لقد أعقب نشر كتاب (منطق الفيزياء الحديثة) أن عكفت 
أعداد من الفلاسفة العلميين والسيكولوجيين العلميين على احتضان طريقة 
برجمان وذهبت إلى حد أنها قد أولتها التبجيل الكامل ومطابقتها مع ما أطلق 

عليه (روللوماى) مصطلح «الطرائقية» (methodolatry)‏ 


ولكن في ذلك الوقت كان هناك شيء عجيب يحدث. فلقد بدأ مؤلف 
الإجرائية نفسه في إعادة تقييم وتعديل مفهومه في ضوء التطورات الجارية 
في ميادين الفيزياء والرياضيات» وخاصة تلك الميادين المرتبطة بمبدأ الكم 
لدى (هييزنبرج) ونظرية المنطق لدى (جودل). وتؤكد النتيجة التي توصل إليها 
بردجمان نفسه عن البصيرة (بآننا لا نتخلص أبداً من أنفسنا) = ob‏ العمليات 
الإجرائية المتضمنة في أي أداء علميء أو لذلك السبب في أي عمل إنساني: 
هي عمليات فردية بالدرجة الأولى. ويقرر بأثنا لا نس تطيع ببساطة الهروب 
من السند الشخصيء تلك الخاصية الأصيلة للشخص المتفرد صاحب المعرفة 
في أداء عمله. في وقت من الأوقات أدى هذا الخط من التفكير ببردجمان 
إلى تقدير (التشكلية الذاتية) بعمق وصراحة حتى أنه اضطر مراراً إلى أن 
يدافع عن نفسه ضد الاتهام العنيف بالذاتية المفرطة (الأنانة -(solipsism‏ 








سيه تلم النفس الإنساني س 
ذلك الاتهام الذي وجه إليه خاصة من تلاميذه في وقت ماء أي من العلماء 
الإجرائيين. ويمكن القول أن بردجمان: باستخلاصه للمعنى والصحة من الذات 
الإنسانية من خلال عمل بارع من الجراحة تجاوز حدود مهنته قد أصبح 
بذلك مناصراً صريحاً لفكرة «التضمين الشخصي» (personal involvement)‏ 
في السلوك سواء لدى الناس في الشارع أو العلماء في البرج. 


لقد لقي الاعتراف بأن «المعرفة شخصية» مقاومة هائلة استاداً 
للافتراض بأنها تولف اعترافا بالضعف الإنساني وبالتالي (كما اعتبرها 
«هل») هي شورى اليأس. ولا شك بالنسبة لأولئك الذين يقتنعون ob‏ رصيد 
المعرفة الإنسانية يتزايد بنسبة مباشرة للمسافة بين الذات والموضوع: تأخذ 
فكرة (المعرفة الشخصية) مظهر الإخلال بالمنطق. لكن من المفيد أن نعيد إلى 
أذهاننا تلك الحقيقة بأنه خلال قرون مسيرة التقدم العلمي لم يخمد أو يزول 
الشك الذي لا نستطيع أن نخلص أنفسنا منه - وربما لا ينبغي ذلك. وبقول 
آخر. تلك نظرة تؤكد أن الاعتراف بالبعد الداخلي الشخصيء وكذلك في 
ملاحظة السلوك. لا يعني أن نستسلم لهذا العيب القدري ولكن أن نحدد فيهء 
ونستمد منه. مصدراً للقوة - ذلك الامتياز الفريد للشرط الإنساني الذي يوفر 
الأساس الوحيد للتواصل والتفاعل الخلاقين بين الإنسان والإنسان, وبالتالي 
لفهم الأصوات الأخرى والعقول الأخرى والأنماط السلوكية الأخرى. 














الفصل —Yoo — (8I‏ 
المْصل الثامن 
توسيع آفاق المنهج العلمي 

«لقد اعتاد علماء النفس - كما يذهب دافيد ما كليلاند في أحد دراساته 

في هذا الفصل - أن يهتموا بما يجري في أدمغة الناس». لم يكن من المعتقد 

أن علم النفس ينبغي ألا يهتم بالخبرة الداخلية الإنسانيةء واعتبر التفكير 

والتخيل والشعور والاختيار أبرز ما يميز كل الأنشطة الإنسانية: بدونها قد 

تنشا فيزياء أو فسيولوجيا الإنسانء ولكن ليس علم النفس. وقد أدت نشأة 

السلوكية إلى تغيير هذه النظرة. وإذ قام «جون واطسون» بتزعم ثورة ضد 

تجاوزات الاتجاه الاستيطاني: لكنه من ناحية أخرى قد أقصى المضمون 

العقلي من علم النفس. ومن هنا جرى اعتبار أن علم الإنسان ينبغي أن يحدد 

نفسه بتلك الجوانب من السلوك أو «العمليات» القابلة للملاحظة من الناحية 

الخارجيةء موضحاً «كيف» يحدث النشاط النفسي أكثر من اهتمامه بما يجري 
في العقل. 


ورغم أن افتراضات واطسون الأصلية قد تعدلت كثيراً في سياق تطور 
النظرية السلوكية الحديثةء فلا يزال هناك الكثير من علماء النفس ممن يشك 
في أن المضمون العقلي يمكن دراسته علمياً . ويذهبون إلى أن الأفكار متنوعة 
cala‏ ونسبيةء ومرتبطة بالملاحظة الخارجية: Ley‏ يجعل في الإمكان الاعتماد 
على الاتجاه التجربي (الامبيريقى). يذهب ماكليلاند إلى أن الاستجابة الوحيدة 
لهذا التحدي أن نثبت أن الأفكار يمكن دراستها بنجاح. وقد سقنا هنا أمثلة 
تكشف عن تجارب ناجحة من هذا النمط» ولكن قد حاولنا أولاً أن نبين على 
أسس نظرية: لماذا يعتبر هذا ممكناً. 


يرتبط أي اعتبار للمضمون العقلي ارتباطاً Lady‏ بفكرة الوعي. ولفترة 
طويلة اعتبر الوعي كمرآة داخلية منعزلة عن الواقع. فإذا رغب «الأنا» في 
معرفة ما يجري خارجه» فإنه ينظر في y ab‏ وليس من خلال نافذة مفتوحة. 
لذا تم الحصول على المعرفة الإدراكية من خلال تفسير الإحساسات كخطوة 
وسيطة. يوحد «جوزيف نوتان» (في تناوله لعدم ملائمة ذلك المفهوم) الوعي 











١ه e‏ الققس الإتسسائي — 


بالخبرة الفورية المباشرة للواقع: فالوعي هو انغماز ذات الشخص في الأشياء. 
والعالم المدرك هو العالم الحقيقي أو السلوكي: وليس تأملاً له. وإذا لم يكن 
الأمر كذلكء لا تكون البيانات العلمية موضوعية لأنهاء كالاستبطان: تكون 
دائماً خطوة واحدة منعزلة عن الواقع. وينبغي بالضرورة لذلك أن يتوسط 
التفسير كعمل ذاتي بين الاتصال الحسي والإدراك. 


إذنء إذا كان الوعي مرتبطآ ارتباطا وثيقاً مع خبرة العالم السلوكي» 
لماذا لا يوشق في طريقة الاستبطان كثيراً؟ أولاً وقبل كل شيء: ينبغي أن 
نميز بين جانبين للوعي: «الوعي الأولى» (primary consciousness)‏ الذي 
LB‏ في اتصال إدراكي فوري مع الأشياء المحيطة بناء و»الوعي التأملي» 
(reflective consciousness)‏ أو الاستبطان: وذلك ما يشير إليه «نوتان» على 
أنه «الحضور البديلي» (Vicarious presence)‏ للأشياء في غيابها من خلال 
الذاكرة والتفكير والتخيل. يختص الوعي الأولي بالخبرة الواقعية الجارية 
التي يمكن أن تصدق بالفعل بواسطة تكرار ملاحظات الفرد» أو مقارنة 
الملاحظات مع الأشخاص الآخرين:. أو الاستفادة من طرق البحث العلمي 
المتقنة. أما في عملية الوعي التأملي. فمن المحتمل AST‏ أن يضل الفرد 
كلما رجع إلى مضمون الخبرة الداخلية المباشرة لكي يُقَيّميها أو يُصَنّفها أو 
يصفها بطريقة معينة. فخبرته الأولية بامتلاكه لفكرة أو صورة؛ أو بالشعور 
بعاطفة أو انفعال لا تختلف أساسا عن إدراك الشيء الخارجي.وهي تشبه 
في ذلك الألم في الظهرء فحقيقة أن الألم يحدث داخل الشخص. ولكنه لا 
يفقد دلالته كبيانات للملاحظة الفورية يمكن تناولها موضوعيا كأي بيانات 


أخرى. 


إن التحليل التأملي للإدراك هو موضوع آخر . يرى ماكليلاند أن أكبر 
ضعف في طريقة «تيتشنر» يتمثل في استخدامه لنفس المفحوصين أولاً 
للحصول على الملاحظات الأصلية ثم لتصنيفها إلى فئات. في ضوء المناقشة 
السابقة يتطلب الاتجاه الاستبطاني من المفحوص أن يستخدم كلا من وعيه 
الأولي والتأملي. فهو يقرر ليس فحس ب حضور فكرة أو صورة ولكن يف Lg‏ 
بطريقة ما وفقا للتعليمات التي يتلقاها . تقوم طرق البحث العلمي في دراسات 











— لإا‎ S 


دافع الإنجاز 7 على حصر التقرير اللفظي بحقائق الإدراك المباشر والفوري 
- الأفكار التي تتواتر لدى المفحوصين حينما تعرض عليهم صور على شاشة. 
ولا يطلب من المفحوصين التعليق على القصص التي كتبوه ا أو تصنيف تأويل 
تخليهم. ويقوم المجرب بمجرد جمع المادة الإدراكية الخام التي لا تختلف عن 
نوع الملاحظات المألوفة في الدراسات النفسية التي تتطلب أحكاماً عن وزن 
الموضوعات وفقا لوضوح الأفكار. فبواسطة تسجيل واستخدام البروتوكولات 
بطريقة موضوعيةء يمكن التخلص من عيوب الطريقة الاستبطانية: لذا يقدم 
لنا نوتان وماكليلاند أساسا عقلياً للطرق السيكولوجية القادرة على دراسة La»‏ 
يجري في أدمغة الناس». 


(Y)‏ للاحاطة بوصف مختصر لطريقة قياس دافع الانجازء أنظر: 
D. C. Me Clelland: The achieving society. Princeton, N. J., Van Nostrand, 1961, pp.‏ 
.39-46 














e vo —‏ النفس ly)‏ 
any)‏ 
الوعي والسلوك والشخصية O‏ 
جوزيف نوتان 
(جامعة لوفان) 


لا يزال مفهوم الوعي مرتبطا بواحدة من أكشر الخبرات الصادمة في 
تاريخ علم النفس العلميء. وهي الاستبطانية introspectionism‏ . ولم تلتئم 
الجروح بعدء فلا يزال الوعي يعني بالنسبة للكثيرين تهديداً للعلوم السلوكية. 
لذالا ينبفي الدفاع عنه لنتجنب مخاطرة إثارة ردود أفعال انفعالية لو عمدنا 
إلى إعادة تقديم الموضوع. فإذا لم يكن ثمة أمل في التخلص من المشكلة وكان 
من الضروري إعادة صياغتهاء فإن هذا قد يستلزم بعض التأثير العلاجي وفي 
النهاية يساعد ele‏ النفس في تطوره إلى مزيد من النضج. ويعني» حقيقة: 
دخول علم النفس في اتصال مع العالم السلوكي الحقيقي ومواجهة المشكلات 


الناشئة فيه. 


الوعي هو فقط ما JRE‏ الإنسان في اتصال مع illl‏ السلوكي. فينبغي 
ألا يعتبرء خلافاً لما شاع الاعتقاد فيه أن الوعي يرتبط بالضرورة بالاستبطانية 
وبدراسة ما يعرف ب «حالات الوعي». 


الإدراك والنظرية التمثيلية للوعي: 


تؤكد بعض اتجاهات علم النفس دور الوظائف المعرفية أو الإدراكية في 
السلوك. وربما يكون هذا خطوة dala‏ في اتجاه مفهوم سليم للسلوك. إلا أني 
أرى ثمة خطورة في الحقيقة بأن نظريات النشاط المعرفي والإدراك لا تزال في 
الغالب تعمل بمفاهيم متبناة من علم النفس الاس تبطاني. لقد جرى فهم العالم 
الإدراكي على أنه «تمثيل» (representation)‏ «داخل» الفرد للعالم الذي يوجد 
«خارج الفرد». لذاء يكون هذا التمثيل كمطابقة أو كنسخة طبق الأصل للعالم 
الخارجي: مطابقة توجد »25 الفرد». في ندوة عن النظرية المعرفية وتوظيف 
J. Nuttin: Consciousness, behavior, and personality. Psychological Rev., 1955, 62,‏ )*( 
.349-355 











الل tty‏ “= ۹ے 
الشخصية تردد على لسان المشاركين أنفسهم تلك المصطاحات المتعلقة بالتمثيل. 
ويذهب « شيرر» Scheerer‏ إلى أن «النظرية المعرفية تفترض أن الكيان الحيوي 
(الأورجانزم) يتجاوب مع بيئته خلال وسيط التمثيل الانتقائي». ويذهب «سويت» 
Sweet‏ إلى أنه » عن طريق وسيط العمليات الحسية: تتحقق تمثيلات البيئة» . 
فهذا التمثيل الإدراكي يعتبر «استجابة إدراكية موجودة في الكائن الحي». 


في ميدان العمليات المعرفية والإدراكية: كما في العلوم السلوكية بصفة 
cale‏ يبدو أنه من الضروري حقيقة العودة إلى ما كان يسمى بالحقائق 
«الطبيعية» أو الأولية. وإذا لم يتحقق ذلك ربما يفقد علم النفس الصلة مع 
الظاهرة المعنية المراد استيضاحها وتفسيرهاء ألا وهي الإنسان السالك في alle‏ 
الخاص بالمواقف الحياتية الملموسة. من وجهة النظر السيكولوجية أو السلوكية, 
لا شيء يطابق الواقع أقل من أن نعتبر الإدراك كتمثيل «في الإنسان لشيء ما 
يوجد خارجه» والإدراك هو اتصال مباشر مع العالم الخارجي ذاته. فليس من 
وسيط, ولا من مطابقةء ولا من تمثيل يتداخل بين الفرد وعالمه. 


تنبع هذه النظرية التمثيلية عميقة الجذور من مشكلات فلسفية 
وفسيولوجية. فعلى سبيل SLAM‏ تدرس سيكولوجية الإحساس العمليات 
الفسيولوجية المتضمنة في الإدراك: ومن هذا المنظورء تكون الاستجابات 
الإدراكية في الواقع «حالات عضوية» (حيوية) organismic states‏ يأتي بها 
الكيان الحيوي (الأورجانزم) في الجهاز العصبي والتي تمثل «الشيء المدرك 
e‏ 

وتثير الفلسفةء من ناحية أخرى. مشكلة «الحقيقة» الموجودة خارج 
موضوع العمليات المعرفية. فالشيء أو الموضوع ارك يعتبر فقط تمثيلاً أو 
مطابقة لتلك الحقيقة غير المعروفة كما يفترض أنها توجد بذاتهاء مستقلة 
عن الشخص السالك. أما من وجهة النظر السلوكية أو السيكولوجيةء فلاشك 
أن الإنسان يدرك الأشياء ذاتهاء أي العالم ذاته؛ ولا يعطيه الإدراك تمثيلا 
للعالم» ولكن حضوراً مباشراً direct presence‏ للعالم ذاته في الوعي. 


فالنظرية التمثيلية (representational theory)‏ مسئولة عن إدخال 








— ۹ عم النفس الإتسسائي — 


مفهوم lol‏ للوعي. لقد اعتبر الوعي على أنه عالم التمثيلات الداخلية 
المحصور في الفرد. وفي الحقيقةء وفقا لانظرية التمثيلية؛ يوجد alle‏ الأشياء 
الموضوعي ة والقابا ة للملاحظ à‏ الذي يرقى بالنشاط النفسي من ناحيةء ومن 
ناحية أخرىء هناك العالم السيكولوجي للوعي حيث تجري عملية تمثيل العالم 
الموضوعي داخلياً . نفسياً. فالتمثيلات الداخلية للأشياء الخارجية تعمل في 
أداء تمثيلي يعكس تلك الأشياءء ولكنه غير قابل للتوصيل. ومن ثم تعتب 
النظرية التمثيلية مسئولة عن إدخال تصور مزدوج لعالمناء وحتى عن عالم 
مزدوج: العام الموضوعي والعالّم النفسي. 


الوعي: انفتاح على العالم الخارجي: 


من الحقائق المعروفة أن علوم السلوك لا تهتم بطريقة مباشرة بالعالم 
الخاص (الذاتي) للوعيء غير القابل للتوصيل. وقد كان علم النفس على حق 
في التحول إلى العالم ذاته القابل للملاحظةء حيث يسلك الإنسان حقيقة. 
لكن التحول إلى الأشياء الموضوعية القابلة للملاحظة لا يعني إنكار الوعي. 
وعلى العكسء هذا العالم من الأشياء والزملاء والمواقف «يوجد بالنسبة لناء» 
موجود داخلناء إرتباطاً بصميم حقيقة «انفتاح» الإنسان أو تعرضه للأشياء 
الخارجية. هذا التعرض المتميز يؤلف الوعي. 


لذاء فالحقيقة الواقعية التي ينبغي أن تعود إليها العلوم السلوكية هي أن 
الإنسانء في أية لحظةء يجد نفسه في عالم من الأشياءء والزملاء؛ والمواقف 
والأحداث ذات المعنى. وليس سلوكه أكثر من مجرد كونه LLG‏ مع elle‏ 
المواقف الحياتية هذا أوتغاملاً مه ه. بقول آخرء إن الحقيقة الأولية التي 
ينبغي أن توضع في الاعتبار في تصور ودراسة السلوك هي الحقيقة بأن 
«العالم الخارجي حاضربالنسبة لنا». هذا الحضور للعالم الخارجي داخانا 
يتألف من الاتصال المباشر مع الأشياء والناس خارج ذواتنا. ويعني هذا أن 
الإنسان ليس بنية مغلقة في ذاته؛ ولكنه يتكون وينشط أساسا «كانفتاح» 
95 أو «تعرض» exposure‏ للعالم الخارجي. وفي هذا الصددء يعتبر 
مفهوم «التعرض» و«الانفتاح» و«الحضور» المباشر للعالم بالنسبة لنا مفهوما 
أساسياة: فهو يكمن وراء إمكانية «مواجهة» الناس والأشياء والتعامل معهم» 




















=n الفصل‎ 


وبالتالي إمكانية السلوك كتعامل مع مواقف: فالنظر إلى شيء ماء التكلم مع 
أشخاص مستمعين. حضور مؤتمرء الخروج من المنزل أو البقاء بهء الشعور 
بالإحباط وغير ذلك يعني ويتضمن كوننا في حضور عالم خارجي ذات معنى. 


هذا الحضور للعالم الخارجي بالنسبة لنا لا a gat‏ بالطبع: على أنه 
حقيقة فيزيقية (التجاور الفيزيقي مثلا) . قد تتموضع الشجرة أو الحجرة 
في نفس A all‏ الفيزيقية مثلناء إلا أنهما لا تتعاملان مع هذه البيئة على أنها 
« عالمها» Lega‏ لا يوضحان أن العالم حاضر Legh‏ أو أنهما يعيشان في عالم. 
فاستجاباتهما محدودة بردود الأفعال الفيزيقية أو الكيميائية cul el‏ أما 
حضور «العالم ذات المعنى» (meaningful world)‏ بالنسبة لناء فهو حقيقة 
سيكولوجية أو سلوكية. 








يعني الوعي في معناه الأولي تعرض أو انفتاح الكائن الحي (الأورجانزم) 
للعالم» أو بعبارة أخرى الحضور المباشر للعالم بالنسبة لنا. فالحقيقة. Ua‏ 
بأن المستمعين حاضرون بالنسبة لي أو موجودون ule‏ كجزء من عالمي أو 
موقفي في اللحظة التي أخاطبهم فيهاء تشتق أساسا من الحقيقة بأني gly‏ 
Si‏ حالة من الوعي. فالوعي يعني التعرض للعالم الخارجي؛ وليس الانغلاق 
في د«الذات الداخلية, (inner self)‏ وبالإضافة إلى ald‏ لا يعتبر الوعي - أو 
الحقيقة بأن الإنسان يجد نفسه في حضور عالم خارجي - كمسألة «خاصة» 
للحياة الداخلية. وإنما على العكس» فهو موضوع للإدراك المباشر. فرؤيتي 
لإنسان يتكلم مع أشخاص آخرين أو يقود سيارة. أدرك الحقيقة olo‏ الشوارع 
والمنازل والناس حاضرون لهذا الإنسان: بأنهم يوجدون بالنسبة at‏ بأنه واع 
بهم» بأن الكائن الحي (الأورجانزم) منفتح لهم- أي حالة من الوعي. 


ولكى تتجنب أي سوء فهم» ينبغي أن نؤكد أن الاعتراف بهذه الحقيقة 
الأولية للوعي كتعرض أو انفتاح للعالم الخارجي لا يتعارض مع نظرية الإدراك 
كمملية انتقائية وبنائية. فالمضمون الحي للعالم السلوكي الحاضر بالنسبة 
لنا هو تنظيم انتقائي وظيفي للشخصية السيكوفسيولوجية. ولكن ليس ثمة 
مضمون للعالم الإدراكي يمكن أن يتكون إذا لم تتوفر هذه الخاصية الأساسية 
في نشاط الكائن الحي (الأورجانزم) مما يعرف بالوعي. بعبارة أخرى. ليس 











٣ —‏ تم التقس الإثسسائي — 
تعرض الإنسان للعالم هو النتيجة أو المجموع الكلي لسلسلة المضامين الإدراكية 
الملموسة. وعلى العكسء يمكن فح سب أن نفهم الإدراك الانتقائي والبنائي 
كنشاط مستمر لنوعية العالم الخارجي ال ذي يجد الإنسان نفسه متمرضا 
له. تلك الحقيقة الجوهرية: التعرض للعالم الخارجيء هي ما نعنيه بالوعي. 
ويسدون Iyaa‏ الكائن الحي (الأورجانزم) الأساسية لكي ينفتح أو يتعرض للعالم 
الخارجي» تختزل العمليات الإدراكية إلى مستوي التغيرات الحيوية الداخلية. 
ومن ثم» يعني «نقص الوعي الانغفلاق أو الانحصار» في نطاق التفاعلات 
الفيزيقية والبيوكيميائية . الوعي نشاط سيكوفسيولوجي يكمن وراء كل العمليات 
السيكولوجية أو السلوكيةء بقدر ما تكون موجهةء من الداخل - الذات نحو 
الأشياء. وحتى ما يعرف بالدافعيات والنماذج السلوكية واللاشعورية أو 
اللاواعية إنما يفترض حالة الوعي بهذا المعنى. 


ولا شك أن العلوم النفسية والفسيولوجية مطالبة بدراسة العمليات 
المتضمنة في تعرض الفرد للعالم. لكن الاختبار العلمي لهذه العمليات ينبغي 
ألا يهدم الحقيقة السيكولوجية الأساسية بأن pala «Slat!‏ بالنسبة لناء أو 
يوجد لأجلناء وأن سلوك الإنسان هو تعامل ذو معني مع هذا العالم. وهدف 
علم النفس العلمي هو استيضاح وتأكيد هذه الحقيقة؛ وليس استبدالها بعمليات 
جوهرية ولكن مختلفة. بقول آخرء ينبغي أن ترتبط العمليات الجوهرية التي 
يكتشفها البحث العلمي ارتباطاً Lads‏ بالظاهرة السلوكية الفريدة المراد 
استيضاحها. ولا يقدم مفهوم الوعي حلاً لأي مشكلة علمية عن السلوك؛ ولكنه 
ضروري لأي تصور سليم عن السلوك ذاته؛ ولأي اتجاه واقعي عن المشكلات 
السلوكية. 


لذاء لا يعني تقديم فكرة الوعي ردّة إلى الاستبطانية . وعلى العكس» تعني 
بسباطة الأمكراف ينأ الخاصية الجوهرية المميزة للسلوك ذاته هي ارتباطها 
بالعالم الخارجي ذي المعنى الذي يجد الفرد نفسه في مواجهة معه وحضور 
فيه. وينبغي ألا يغيب عن ذاكرتنا أيضا أن البحث العلمي ذاته شكل من أشكال 
السلوك» أي شكل من التعامل مع العالم الذي نعيش فيه. أما توصيل النتائج 
العلميةء فهو شكل آخر للسلوك» ويتضمن كلا النشاطين ما نسميه بالوعي. 

















الفضل (8l‏ ٣ے‏ 
الحضور البديلي للعالم في الوعي: 


لقد اعتبرنا الوعي» حتى الآنء على أنه يضعنا في اتصال مباشر مع العالم 
الخارجي ومع الحقائق السلوكية الخارجية. إلا أن مشكلة الوعي تصير معقدة 
إرتباطاً بالحقيقة ob‏ العالم يمكن أن يكون حاضراً بالنسبة لنا بطرق مختلفة . 
الإنسان قادر أن يجد نفسه في حضور شيء أو موقف لا يكون فوراً حاضراً 
بالنسبة له من الخارج. وهذا ما أطلق عليه «الحضور البديلي» Vicarious)‏ 
(presence‏ للشيء. هذه الإمكانية الخاصة بالحضور البديلي للأشياء بالنسبة 
لناء عن طريق الصور والمفاهيم والرموزء حقيقة سيكولوجية رئيسية. وهي 
توسع بدرجة هائلة من العالم الذي يعيش فيه الإنسان. وبالتالي توسيع 
إمكانات أو احتمالات أو آفاق السلوك. وبهذا الحضور البديلي يذهب تعامل 
الإنسان مع المواقف إلى ما هو أبعد من حدود الاستجابة للأشياء الحاضرة 
بالفعل. فالإنسان. مثلاء «يفكر aL gud‏ أي يتعامل معها بطريقة معرفية. وليس 
التفكير والتخيل في حقيقة الأمر أكثر من كونهما طرقا أخرى لتناول العالم 
وللتعامل مع مواقفه. هذا التعامل المعرفي الداخلي مع المواقف يكون من 
الناحية الداخلية موجهاً إلى أو منعكساً نحوء عالّم خارجيء ويكون — كقاعدة 
— تجهيزاً أوبديلاً للسلوك الخارجي الفعال. في بعض الظروف - كما في 
حالة العلم مثلا - يؤلف التفكير في الأشياء بالفعل الشكل الفعال للسلوك 
ذاته. وفي واقع الأمرء أن الإنسان يجد نفسه أيضا في هذا الموقف الخاص 
بأن العالم ندركه كمشكلة تخضع للحلء أي يعالج بطريقة معرفية. 


حضور الإنسان بالنسبة لنفسه: 


لا يجد الإنسان نفسه في حضور عالم خارجي فحسب. ولكنه أيضا 
يكون حاضراً مع نفسه. فقد تصير أنشطته بالنسبة لنفسه موضوعات إدراكه 
ومعرفته» كما هو الحال في الإستبطان. بهذه الطريقة يجد الإنسان نفسه 
حاضراً مع أنشصطته وأفكاره ومشاعره عن العالم: فهو يتفكر ويتأمل في EN‏ 
وفي أنشطتهء وفي مضمون وعيه التلقائي أو المباشر. هذا الحضور الداخلي 
اللإنسان بالنسبة لنفسه والتأمل في آنشطته قد يسمى بالوعي التأملي أوالوعي 
المتحرك إلى القوة الثانية. 








ع ple,‏ الثقس الإثسسائي — 

الوعي التأملي طريقة أخرى وآلية فعالة يتجنب بها الإنسان «الانغلاق» 
في نفسه. وارتباطاً بحقيقة كون الإنسان قادراً على التأمل في نفسه. لا 
يجت الإسحان Lol a ads‏ متفلقة و معصورا كية فني لجاب الواقعي للتفاعل 
مع البيئة. فالإنسان. بتأمله فيما هو عليه وفيما يفعله»ء «يخرج» من نفسهء 
يتسامى بتحديدات وقيود المكان والزمان للذات بواسطة تقديره وتقييمه لنفسه 
ولنشاطه. 


وفي نفس الوقت» يؤدي حضور الإنسان بالنسبة لنفسه إلى تمكينه من 
النظر إلى نفسه وإلى العالم من وجهات نظر مختلفةء وإلى أن dass‏ في أي 
وقت وإلى حد ماء على إعادة تشكيل شخصيته ذاتها . وهو يمكنه من التدخلء 
بقصد» في مسار نموه لكي يعيد بناء علاقاته مع البيئة. وتبدو هذه الإمكانية 
أيضا متضمنة في بعض مراحل العملية العلاجية. 


مرة cy ST‏ هذه الوظيفة الأسمي للوعي تُوسّع عالم الإنسان والذات 
بطريقة ذات مغزىء وهي تحرره من الانغلاق في ذاتيته وتمكنه من النظر إلى 
الأشياء وإلى نفسه من وجهة نظر «موضوعية». هذه الإمكانية هي أساس 
تلك الأشكال من السلوك كالعلم والجهود القصدية الموجهة إلى تحسين 
الذات وتنمية الذات. ومن ثم. فإن الوعي بوظائفه المختلفة يحرر الإنسان 
من الانغلاق والانحصار في كيانه العضوي(الأورجانزم). وفي العالم الفيزيقي 
co tall‏ وفي ذاتيته. وبينما تبدو درجة معينة من التعرض للعالم متضمنة 
في كل السلوك» تكشف الوظائف العليا للوعي عن نفسها فحسب في أشكال 
معينة من السلوك الإنساني AGI)‏ والثقافة). 


الوعي والعلوم السلوكية: 


من الحقائق المقررة: أن الحضور التعويضي للأشياء والوعي التأملي 
للإنسان في نشاطه يحدثان على مستوى التمثيل الداخلي. إلا أن هذه الوظائف 
الأكثر تعقيداً للوعي تفترض الوعي في معناه الأولي - أي الحضور المباشر 
للعالم الخارجي للإنسان. 


فمن الضروري بالنسبة لعلم السلوك ألا نفصل «الوعي التمثيلي» 














الفصل الثامان ببسب 0 


(representational consciousness)‏ عن التعرض المباشر للعالم» كما أنه 
من الأهمية بمكان ألا نفصل الطريقة التمثيلية لمعالجة المواقف عن السلوك 
الفعال. فالمستوى التمثيلي للوعي لا يدرس في حد ذاته على أنه يتعارض مع 
السلوك الحقيقيء أي على أنه فحسب alle‏ الخصائص «الوجودية» للخبرة 
الداخلية. لقد بين ele‏ النفس الإكلينيكي والطرق الإسقاطية كيف ترتبط هذه 
التمثيلات والصور ارتباطاً وثيقا مع السلوك الحقيقي للإنسان في العالم 
الذي يعيش فيه. ومن ies‏ فإن البيانات الاستبطانية للوعي التأملي والعالم 
الحاضر بديليا على مستوي التمثيل ينبغي أن تخضع للدراسة في علاقتها 
الوظيفية بالسلوك ككل. وحتى بالنسبة لعلم النفس الإكلينيكي. من الأهمية 
بمكان تأسيس بصيرته على نظرية سلوكية فيها تترابط وظيفياً الممستويات 
التمثيلية والإجرائية للسلوك. 


ومن ناحية أخرىء لا يمكن للعالم ذي المعنى Ald‏ كما هو حاضر بالنسبة 
لنا بواسطة الوعي المباشرء أن ينفصل عن السلوك. وفي الحقيقةء يعتبر عالم 
الأشياء والمواقف ذات المعني تجسيداً أو تكثيفا للنماذج السلوكية. فذلك الشيء 
المادي أو ذلك الجزء من الفضاء المحيط. يصبح منضدة أو تليفونا أو Lise‏ 
بقدر ما يتضمن فيه من محصلة كلية من التعامل السلوكي وإمكانيات هذا 
التعامل. بهذه الطريقةء يكون الوعي بالمعنى الموضوعيء بأنه «العالم الحاضر 
بالنسبة لنا« هو «السلوك (crystallized behavior) «pg Act)‏ . 


أضف إلى ذلك» أن «الحضور الواعي» (conscious presence)‏ للانسان في 
العالم هو «حضور سلوكي» (behavioral presence)‏ ويعني هذا أن الشخصية 
الإنسانية تجد نفسها في حضور عالم يتضمن ويستلزم بالضرورة تعاملاً 
سلوكياً مع العالم. وبهذا المعنى. يكون الوعي أو التعرض للعالم «سلوك ضمني» 
(implicit behavior)‏ بالفعلء بينما يكون السلوك ذاته هو «وعي مستخرج» 
(externalized consciousness)‏ أو (realized presence) «3.325 5s vas»‏ 
للعالم. وعلى أية Jos‏ بدلاً من إقامة التعارض بين الوعي dsl alls‏ ينبغي أن 
نتحقق من أنه لا توجد Ad‏ حقائق واقعية إنسانية تكون أكثر اتحاداً بطريقة 
غير قابلة للفصل بينها. 











et‏ طم التقس الإنساني 


الوعي؛ والشخصية:؛ والدافعية: 


وقي النهايةء من الواجب أن أوضح باختصار العلاقة بين الوعي ومفهوم 
الشخصية. يفهم علماء النفس - كقاعدة- الشخصية على أنها تنظيم داخلي 
للسمات والاتجاهات والاستعدادات والاتساقات السلوكية. ARAS‏ الشخصية 
هي ذلك التنظيم الداخليء ولكن الخاصية الأكثر أساسية الميزة للش خصية 
تختفي في ذلك التعريف. الشخصية أساسا بنية تتجاوز تنظيمها الداخلي. 
فأبرز معالمها المميزة تتركز في الحقيقة بأن النظرة إلى العالم والتعرض له 
تكون متضمنة في تكوينها. 

الشخصية «طريقة للوجود والسلوكء (Way of being and behaving)‏ في 
عالم يوجد بالنسبة للذات. فالنظرة إلى العالم أو الموقف الحياتي هي مكون ضروري 
في الشخصية ذاتها . بهذا المعنى؛ تكون البنية الأساسية للشخصية هي «وحدة 
الأنا - العالم .(EZO—world unity)‏ ولا شيء يشوه مفهوم الشخصية أكثر من 
إغفال جانب التعرض للعالم هذا والذي يعتبر مكوناً «أساسياً» للشخصية. هذا 
التعرضء. كما سبق ذكره؛ هو ما نعنيه هنا بالوعي. وإذا كان صحيح ا كما يقول 
ليفين. أن الشخصية التي تحكم السلوك هي جزء من المجال النفسيء فإنه 
ينبغي ألا ننسى أن المجال النفسي 30 A‏ من حيث المعنى coll‏ وهو «العيش في 
عالم»» يدخل في تكوين الشخصية. 


وفهم الشخصية بهذه الطريقة على أنها «بنية الأنا - العالم» يزودنا 
بأساس سليم لنظرية عن الدافعية الإنسانية. ويمكننا القول أن نظرية 
الدافعية قد تميل إلى مَوْضّعة الحاجات في الكائن الحي (الأورجانزم) ذاته. 
لكن من وجهة النظر السلوكية: ينبغي أن نفهم الحاجات على أنها نماذج 
5 أساسية لعلاقات بين الكائن الحي - البيئة أو لعلاقات الأنا - العالم 
اللازمة بالفعل للانسان ولتوظيف الشخصية (personality functioning)‏ - 
وفي الحقيقة: تتألف الشخصية من أنماط مختلفة من تلك العلاقات: ليس 
فحسب على مستوى التفاعل البيوكيميائي بين الكائن الحي - A ul‏ ولكن 
أيضا على مستوى العلاقات المعرفية والوجدانية بين الأنا - العالم. وبينما 
تعمل النماذج الأساسية للتفاعل البيوكيميائي - وبالتالي الحوافز الأساسية 














الفصل الثامن بسب RYAN‏ 


في هذا الجانب - في التكوين الفسيوئوجي للكائن الحىء تكون علاقات الأنا 
- العالم الراسخة معرفياً أكثر ش خصية في أصلها وطبيعتها . والدافعيات على 
هذا المستوى من السلوك تبدو بذاتها AS‏ كل متغير غير محدود لعلاقات الأنا 
- العالم في حالات التوتر eis.‏ الحاجات الأساسية على مستوى الأنا أنها 
اتجاهات معينة dele‏ وذات مغزى يمكن ذ ي النهاية أن تكتث شف في A‏ تلخص 
ay od gl‏ مق هذا الفلا اتر مآ اليب التي بها يحاول الفرد إدراج 
ذاته Lau Stig‏ في alle‏ يمكن أن نطلق على هذا الاتجاه العام» «الحاجة إلى 
تحقيق الذات». فهذا «المغزى» يُكتشف في أو يُستخلص من. الأشكال الملموسة 
اللاحصر لها للتعامل السلوكي للإنسان مع عالم زملائه من الناس والمواقف 
الحياتية. 


وتختلف نماذج علاقات الأنا — العالم التي تؤلف الشخصية لدى الأطفال 
عن بنية الأنا - العالم لدى الراشدين. إلا أن نفس الاتجاهات ذات المغزى قد 
تكتشف في كليهما. وبهذه الطريقةء قد توجد الأشكال الطفلية والراشدة لنفس 
الحاجات الأساسية: كما توجد نماذج طفلية وراشدة لعلاقات الأنا — العالم. 
وليس هناك من سبب يفسر (SLL‏ جرى اعتبار الشكل الطفلي على أنه الحاجة 
الأساسية: وأن النموذج الراشد هو الحاجة المشتقة أو الثانوية. فكلاهما ينبغي 
أن Lag‏ كأشكال متغيرة لنمط أساسي من علاقة الأنا — العالم التي يحتاجها 
الفرد لكي Go‏ ويحافظ على البنية الوظيفية للكائن الحي - البيئة وللأنا — 
glad‏ ألثي تؤلف بنية الك خضية ي مرحة Rinne‏ من تموهاء 


خلاصة واستنتاجات: 


إن علماء النفس الذين يعملون في ميادين النشاط المعرفي والإدراك كثيراً 
ما يعتبرون العالم odi TE‏ على أنه تمثيل داخلي لعالم خارجي حقيقى. هذه 
النظرية التمثيلية تضرب في أعماق علم النفس: ولكن أصلها يرتبط بالتأمل 
الفلسفي الذي يثير قضية الحقيقة الواقعية الكامنة وراء موضوعات المعرهة. 
ومن وجهة نظر الدراسة النفسية لسلوك. لا يعتبر العالم adi T‏ بأي حال 
من الأحوال تمثيلاً داخل الإنسان (داخل الوعي) لشيء معين يقع وجوده 
الحقيقي خارجه. إن العالم cd, dl‏ هو العالم الحقيقي ذاته؛ ويتألف الإدراك 




















— iy) oil طلم‎ ۸ s 


من الاتصال المباشر مع البيئة. لهذا السبب تكون فكرة الوعي. كما تطورت 
داخل إطار علم النفس الاستبطانيء في حاجة إلى تعديل. فالوعي لا يشير 
أساسا إلى elle‏ داخلي يتكون من تمثيلات: فهو يتألف من وعي مباشر ومن 
حطحون فوري للغالنم ذاته. 


يشير الوعي إذن؛ قبل أي شيء آخر؛ إلى التعرض إلي؛ أو الانفتاح على؛ 
العالم السلوكي الحقيقي؛ وليس انحصاراً في عالم داخلي من التمثيل. الوعي 
هو إقرار للإنسان ككائن يعيش في العالمء وبالتالي يعتبر الوعي جانباً أساسياً 
للسلوك. أضف إلى ذلك. أن العالم قد يكون حاضراً أيضا لدى الشخص 
السالك بطريقة تعويضيةء عن طريق التمثيل؛ وأن الإنسان يمكن أن يكون 
حاضراً بالنسبة لنفسه بواسطة الوعي التأملى. هذه الوظائف «العليا» للوعي 
تحرر الإنسان أيضا من أشكال عديدة من ADMI‏ 


وبالنسبة لمفهوم الشخصية: ليس هناك من شيء أقل مسايرة مع الواقع 
من أن نفهم الشخصية كبنية داخلية خالصة تتألف من السمات والاستعدادات: 
وغيرها. الشخصية تشير إلى «نهج نوعي» Specific modality)‏ ( من الوجود 
والنشاط؛ يتميز بحقيقة الاحتواء أو الانضواء في موقف أو في العالم. لذا تكون 
البنية الأساسية للشخصية هي وحدة الأنا — العالم» وليست تنظيما داخليا 
للأنا . ويدخل المجال النفسي ذاتهء بدرجة أساسيةء في تكوين الشخصية. 


أما الدافعية فينبغي النظر إليها أيضا ارتباطا بحقيقة أن الإنسان يعيش 
لعلاقات الكائن الحي - البيئة والأنا - العالم التي تكون لازمة حقيقة في 
توظيف الكائن الحي وتوظيف الشخصية. 

إن إدخال فكرة الوعي لا يستبعد مفاهيم علمية ملموسة تتعلق A glial;‏ 


ولكنه ضروري لترشيد هذا المفهوم لكي يحدد ويستبين مشكلات السلوك 
والشخصية بطريقة واقعية. 











٣۹ =n tty الفصل‎ 


(ry) 
اعود إلى سيكولوجية المحتوى العقلي‎ 
دافيد ماکلیلاند‎ 
(جامعة هارفارد)‎ 


لقد اعتاد علماء النفس أن يهتموا Les‏ يجري فى أدمغة الناس. ولقد ظل 
هذاء في حقيقة الأمرء لآلاف السنين هو كل ما كانوا يهتمون به من الناحية 
العملية. لقد اهتم علماء النفس ابتداءاً من أرسطو حتى جون ستيوارت مل 
أساسا بالأفكار والترابطات بين الأفكارء ولكن مع ظهور علم النفس العلمي 
فقدنا الاهتمام بالأفكار. بقليل أو كثير. وتاريخ هذا التطور معروف جيداء 
ولكن لنستعرضه بعض الشيء. 


لقد انهارت سيكولوجية المحتوى العقلي في الولايات المتحدة الأمريكية 
بتأثير ضربتين ثقيلتين: أولاً. فقد بدى الاتجاه الاستبطاني أنه يمضي إلى 
نهاية معدمة. لقد ناقش «تيتشنر» بشجاعة الدراسة العلمية لمضامين sinl‏ 
وذهب فيها إلى نوع من الكيمياء العقلية التي تُكتشف وتُفرز فيها كل العناصر 
الأساسية؛ لكن ببساطة أخفقت مختبراته في تقديم بيانات كافية لتعضيد 
موقفه النظرى. لم يكن موقفه هكذا حرجا على نحو لا يمكن الدفاع عنه. 
وكان الوضع فحسب هو أن البيانات التي تجمعت على أيدي الاستبطانيين لم 
تكشف أنها تؤول إلى أي مكان - إلى فروض مثمرة مثلاً. تستخدم في تكوين 
معني نظري نابع من JIS‏ الأحداث العقلية. 


أما الضربة الثانية فكانت أكثر إيلاماً وتدميراً. وقد جاءت: بطبيعة الحالء 
مع الثورة السلوكية. لقد بدأ علماء النفس. في الولايات المتحدة خاصة: في 
مناقشة أن المحتوي الواعي لا يكون أبداً أساسا seal‏ في حين أن السلوك 
هو الذي يستطيع توفير ذلك الأساس. قاد «جون واطسون» الثورة باسم 
الموضوعية العلمية. فهل تس تطيع أن ترى أو تلمس أو تشعر أو تسجل فكرة أو 
شعوراً بواسطة ماكينة؟ والآن يظهر من جديد ما هو أقرب إلى الانقباضات 
العضلية - حركة العينء تراجع القدم: الالتفاف الصحيح في متاهة. ذلك هو 





ley) طلم النفس‎ tn, 


ما يمكن أن يري ويُلمس ويُشعر به ويُسجل غالبا بطريقة آلية تماماً بواسطة 
Y Le‏ شخصي. آلى. هنا توجد المادة التي يتألف منها علم حقيقي وعلى 
نحوما تذهب السلوكية الكلاسيكية .١‏ 


إذا نظرنا إلى الوراء نستطيع أن نبدأ في رؤية لماذا كانت هذه الحركة. 
مع Lge itl‏ ونصيراً. ففي المحل Sg‏ أنها قد وفرت نوع ا من Aue gos‏ 
إذا تكلمنا من ناحية المنهج العلمى: Les‏ لم يتحقق أبدا لعلم النفس من قبل 
وبالتالي زودت علم النفس بسند حقيقي يدعم كونه Lake‏ من العلوم. ثانياء 
أن هذه الحركة قد لقيت قبولاً من الاتجاه الوضعي الأمريكي التقليدي من 
حيث تفضيل العمل والأداء على الفكر أو الشعور الذي اعتبر بصفة عامة 
مفاهيم أوروبية قديمة العهد. وبالإضافة إلى ذلك» أن ما يشيع في الولايات 
المتحدة هو التأكيد على ما يحسبه الإنسان أو يحصيهء وليس على ما يقوله 
أو يفكر فيه أو يشعر به. ولا يزال هذا الاتجاه في علم النفس الأمريكي 
يسيطر عليه بحيث أنه بالنسبة لكثير من علماء النفس الأمريكيين يعني التنبؤ 
بالسلوك فقط - التنبؤ بسلوك حركي هائل أكشر منه تنبؤ بأفكار وصراعات 
وظنون وتخيلات ومشاعر وغير ذلك مما ينعكس في السلوك اللفظي. ثالثاء أن 
المدرسة السلوكية قد جنحت إلى تركيز الانتباه على مشكلات كانت ذات أهمية 
محلية حيوية في بلد جديد يحاول فيه الكثير من مواطنيه التكيف مع أساليب 
الحياة الجديدة. وفي الواقع: أن التكيف أو التعلم قد صار هكذا المفهوم 
الأساسي. وكان هذا طبيعياً في بلد يفرض على المهاجرين الكثيرين وعلى 
أطفالهم التخلص من أساليب السلوك الأوروبية التقليدية لتحل محلها نماذج 
أمريكية جديدة من العادات. وكان علم النفس عند هذه النقطة قد أصبح يهتم 
في معظمه ب «متغيرات العملية» :(process variables)‏ كيف ينحو الناس إلى 
عمل الأشياء أكثر من الاهتمام بما يفعلونه. لقد جرى هذا في الوقت الذي 
أكد فيه «وودورث» بأننا ينبغي أن نعيد كتابة علم النفس على أساس اس تخدام 
كلمات تعني التشغيل والتعميل والتوظيف (ding, words)‏ - مثل أن ندرك 
أن ead‏ أن eli ofp Sai‏ وغير ذلك perceiving, emoting, thinking,)‏ 
(learning‏ ولم يهتم أحد ب Lev‏ الذي» فكر فيه الناس: Long‏ الذي» ya]‏ 1098 
Leng‏ الذي» تعلمونه. الخ؛ فبدلاً من ذلك يجري الاهتمام فقط بالقوانين التي 
تحكم عملية إدراكنا وتعلمنا ومعرفتناء الخ. 














Nt الفصل‎ 


وحتى الشخصية وعلم النفس الاجتماعي» وهما بالتحديد ذات توجه نحو 
المضمون: وبالتالي ينبغي أن يقاوما هذا الاتجاه. قد وقعا تحت تأثير هذه 
الحركة ذائعة الصيت. في علم نفس الشخصية نهتم أساسا بمقاييس الوصف 
الذاتي self — descriptive inventories‏ التي يجيب Lai‏ المفحوص على كمية 
من الأسئلة تتناول أوجاعه وآلامه وقلقه. ولكن: حقيقة: نحن لا ننظر إلى 
إجاباته؛ ولكننا نجمعها Lee‏ لكي نحصل على درجة العصابية أو درجة السيطرة 
أو عدم ظهورهما . فنحن لا نهتم حتى هنا بما قاله عن نفسه: وفيما كانت 
أفكاره. وإنما نهتم فقط بالحد الذي أسهمت به إجابته في الدرجة الكلية 
التي تعني شيئاً ما آخر. ومما يؤكد ذلك» أن عالم النفس الإكلينيكي إذا 
ذهب بعيداً إلى حد النظر في الإجابات الحقيقية التي أعطاها الشخص في 
مقياس للشخصية. لم يكن ليعتبر Mle‏ وفي علم النفس الاجتماعي بدت 
المشكلة كما لو أننا نسير على درب لا نهتم فيه كثيراً بالمحتوى. وفي المقابلء 
لقيت المشكلة حلا بمساعدة مفهوم «الاتجاه» (attitude)‏ والاتجاه أساسا هو 
ما أطلقت عليه « متغير العملية». فنحن نهتم ب «كيف» تتكون الاتجاهات. كيف 
يمكن أن نقيسهاء في اتساقهاء في جمودهاء في عموميتها أو نوعيتهاء الخ - 
وهذه كلها متغيرات العملية. لكننا لا نهتم بماهيتها خاصة. فأي اتجاه قديم 
سوف يعمل على تحقيق غرضناء كما هو JUI‏ في دراسة التعلم. وأي عمل 
قديم سوف يعمل على تحقيق غرضنا - à as‏ أو رافعة يضغط عليهاء أو 
قائمة من مقاطع غير ذات معنى. لذا اختار علماء علم النفس الاجتماعي تلك 
الاتجاهات التي تخضع للبحث مهما كان هناك من اهتمامات جارية بها - مثل 
الحرب العالميةء الحركة النازية. حركة السلام: التعصب العنصري» وغير ذلك. 
وهناك قلة ممن تفكر فيما إذا كان من المجدي أن نسأل عن أي الاتجاهات هي 
« المهمة» لكي تستخدم في وصف شخص أو ثقافته. ومن المحتمل أن كثيراً من 
الناس يتعجبون مما إذا كانت تلك الأسئلة تقع حقيقة داخل نطاق علم النفس. 


وعلى أرضية هذه الحركة الاجتماعية الهائلة في gle‏ النفس» نس تطيع أن 
نرى بدايات حركة الاختبارات الإسقاطية على أنها مصدر التغير في الاتجاه 
الذي يرتبط بنجاح الاختبارات الإسقاطية. لكن مما لا شك فيه أن الاختبارات 
الاسقاطية لم تبدأ كحركة تمرد واعية ضد هذا الاهتمام بالعملية Sally‏ 








ses —‏ — عم النفس الإنساني 


صحيح. فاختبار الرورشاخ» كواحد من هذه الأدوات. قد لقي قبولاً هائلاً كما 
حدث في الولايات المتحدة لأنه أصبح أساساً «موجهاً نحو العملية» process-)‏ 
(oriented‏ فلقد أصبح يهتم ب «كيف» يدرك الناس» بينما يبدي اهتماماً 
ثانوياً فقط ب «ماذا» يدركون. ce aas‏ الطرق الكمية وفقا لمقدار الاستجابات 
التي تتحدد أساسا بالشكل واللون والحركة وغير ذلك. إلا أن الأخصائيين 
الإكلينيكيين المقتدرين قد وجدوا غالبا أن المحتوى الخاص بالترابط الذي 
يعطيه المريض كان ذا قيمة بالنسبة لهم في فهم الشخص . وكان هذا هو الحال 
Latte‏ مع الإخصائي الإكلينيكي المقتدر. لقد كان عليه أن يهتم ب «ماذا» يفكر 
فيه المريضء بالإضافة إلى اهتمامه ب «كيف» يفكر فيه . وحتى إذا كان تدريبه 
السيكولوجي الشكلي لا يزوده إلا بمساعدة ضئيلة جدأً على هذا المستوىء فهو 
يعلم أنه لكي يتناول هذا الشخص الخاص, عليه أن يهتم بأفكار المريض وآرائه. 
وهذاء كما يبدو ليء كان الإسهام الهائل والمستمر للعيادة النفسية والاختبار 
الإسقاطي في وقت قرر فيه أصحاب نظريات علم النفس اهتمامهم بالمحتوي 
جملة. ويحضر إلى ذاكرتي هنا تعليق ذكره لي ذات مرة واحد من أكثر زملائي 
حدةء ذهب فيه إلى أنه لا توجد ثمة آراء جديدة old‏ أهمية قد ظهرت في 
الجامعات. فعادة ما تظهر خارج الجامعات Voi‏ ثم تتناولها الجامعات تدريجيا 
بالإيضاح والتفسير. ولا شك أننا لو فكرنا للحظة في رجال مثل ديكارت أو 
داروين أو فرويد أو أينشتين. لتبين أن هنا بعض الشيء مما يقوله. وقد يصدق 
هذا التطور على هذه الحالة التي نناقشها. فحركة الاختبارات الإسقاطية قد 
تطورت بدرجة هائلة خارج التقليد الأكاديمي المحافظ. وفي النهايةء بسبب 
نجاحها الإكلينيكي» تمكنت من أن توفر الضمان الرصين الذي به نبذ الكثير 
من علماء النفس النظريين كل مشكلات المحتوى العقلي. 


لكن علينا أن نستمر مع ما أعرضه من قصة هذه الحركة. لقد أتى 
التغير الحقيقي مع التطور الذي جاء به «هنري موراي» وزملاؤه بشأن «اختبار 
تفهم الموضوع» (التات) Thematic Apperception Test‏ . والآن للمرة الأولى 
لدينا أداة كان اهتمامها الأولي ليس بالش كل ولكن بالمضمون. فالش خص الذي 
يقوم بتفسير سجل للتات ينبغي أن يوجه أسئلة: مثل: ما هي الدوافع التي 
تحرك هذا الشخصة ما هي الصراعات التي تجتاحه؟ ما هي أساليب الدفاع 

















الفصل الثامن سب ۷۲ 


التي يتخذها؟ ما هي الخصائص أو المعاني التي يحملها العالم بالنسبة Sal‏ 
فلم نعد نهتم أساساء كما هو الحال في PLE yoy!‏ ب «كيف» يقبل على مهمتهء 
بالرغم من أن البعض قد حاول تحليل التات على هذا النحو. ومما ساعدنا 
في تحليلاتنا لذلك المضمون:ء أننا قد Lge‏ بقوة على التحليل النفسيء ذلك 
النظام الوحيد «لعلم نفس المضمون» (content psychology)‏ الذيء بانعزاله 
في العيادة النفسيةء استطاع مواجهة الهجوم الكبير للسلوكية في المختبر. 
لقد حاول موراي في نظامه الأصلي لتحليل التات أن يزودنا بحصيلة لفظية 
هائلة لتحليل المحتوىء ولكن اعتمدنا 7 بقليل أو كثير - في تحليلاتنا lacus‏ 
على بعض المفاهيم العامة القليلة للتحليل النفسي مثل الجنسء والعدوان» 
والعلاقات بين الوالدين والأبناءء وغير ذلك. وهذه» وفقا لطريقتي في التفكيرء 
مجموعة جدباء من المفاهيم لتناول المحتوى العقليء ولكنها مع ذلك كانت 
المجموعة الحقيقية والحية في الولايات المتحدة. 


ماهي الدلائل التي تثبت أن هذا الميل للاهتمام بالمحتوى العقلي يحمل 
تأثيراً آخذاً في التطور ؟ أولاً. ينبغي ألا نقلل من تقدير المقاومة المحافظة 
للاعتقاد بأن علم النفس يمكن أن يكون على هذا النحو. وحتى تعميمات 
فرويد الخاصة بأهمية بعض الصراعات الأساسية مثل تلك الصراعات 
المتضمنة في عقدة أوديب تخضع لهجوم مستمر. وهذا الهجوم يكون Le gate‏ 
إلى حدا ما بالاعتقاد بأن التعميمات الخاصة بالمضمون تكون غير ممكنة في 
الحقيقة. ويذهب الجدل إلى أنه لا توجد مفاهيم عامة يمكن أن تستخدم في 
وصف الموقف الإنساني في أي مكان أو زمان في التاريخ. ماذا عن «النسبية 
الثقافية» S(cultural relativism)‏ يختلف الأفراد بدرجة شاسعة فيما يفكرون 
uda yia‏ تختلف الثقافات. البعض لديه عقدة أوديب والآخر تختفي لديه. 
كيف نستطيع أن نقوم بالتعميم لأي شيء عدا العملية التي يصل بها الأفراد 
إلى أفكارهم؟ الأفكار ذاتها نسبية تماما. ربما يستطيع الفرد أن يكون Lage‏ 
بهاء ولكن ليس Gale‏ فيها . هذا هو الجدل المحتدم وليس هناك من إجابة 
عليه» فيما عدا أن نثبت أنه يمكن أن يتم بطريقة مثمرة. فالكثير Lis‏ مقتنع 
بالفعل» مثلاء أنه بالرغم من التغايرات الفردية والثقافية: فمن الانجازات 
العلمية الهائلة تركيز الانتباه على إطار العلاقة بين الأم والإبن كعلاقة ذات 











س{ عم النفس gy)‏ — 


أهمية أولية في نمو الفردء واستخلاص نوع من التصنيف لهذه العلاقة وما 
يأتلف معها من علاقة مع الأب. 


وفي خلال ذلك» جرت بعض التطورات الجديدة التي تشجعنا على الاعتقاد 
أن «علم نفس المحتوى» Ley‏ يكون ممكنا. ولنأخذ على سبيل QUIM‏ تقرير 
البحث الخاص عن «الشخصية التسلطية» „(Authoritarian personality)‏ 
فقد يحتدم النزاع ob‏ القضايا الأساسية التي أثارها هذا البحث هي قضايا 
في علم نفس المحتوى. يمثل البحث إلى حد ما تقارباً لمفاهيم البنيوية للتحليل 
النفسي مع بعض المفاهيم المأخوذة من الأيديولوجية السياسية. وسواء كنا 
نحبذ هذا التقارب أو Y‏ نحبذه. فإنه لا يعنينا كثيراً حقيقية . فهو fies‏ من 
وجهة النظر المنهجية. خطوة مهمة للأمام طالما أن أصحابه قد عولوا على 
الأيديولوجية السياسية بالإضافة إلى التحليل النفسي أيضا لكي تساعدهم 
على تكشف بنية الشخصية. وحينما ينضج علمنا إلى الحد الذي نستطيع 
معه أن نعتمد ليس فحسب على الأيديولوجية السياسية ولكن أيضاً على 
الأيديولوجيات الاقتصادية والدينية والجمالية وغيرهاء عند ذلك سوف نكون 
في طريقنا إلى تطوير علم نفس غني حقيقة بالمحتوى العقلي. 


لقد أسهم بحثنا عن «دافع الانجاز» (Achievement Motive)‏ كثيراً في 
هذه النتائج كأي شيء آخر. لقد بدأنا بمهمة بسيطة نسبياء وهي تحديد 
أنماط التخيل في سجل على نمط التات أوضحت وجود دافع للإنجاز أو 
النجاح. وبعد أن US‏ من أن نحدد بثبات هذا البند الخاص بالمضمون العقلي» 
استطعنا انتقاء أفراد تضمنت عملياتهم التفكيرية قدراً من تلك البنود وأفراد 
آخرين ممن تضمنت عملياتهم التفكيرية قليلاً من تلك البنود. لقد ووجهنا 
إذن بالسؤال: كيف اختلف هؤلاء الناس؟ هل يس لكون على نحو مختلف؟ نعم 
يسلكون على نحو مختلف. فالأشخاص الذين يتمتعون بقدر من «المخيلة 
الانجازية» (achievement imagery)‏ يميلون إلى التعلم بدرجة أسرع» وإلى 
العمل على نحو أفضلء وإلى إقرار مستويات مختلفة من الطموح» وإلى التمتع 
بذاكرة أحسن عن الأداءات أو الأعمال غير المكتملةء وإلى إدراك العالم بأبعاد 
مختلفة: الخ. وربما يكون أكثر أهمية السؤال: كيف نهجوا ذلك الطريق؟ كيف 
يميل البعض غالبا إلى التفكير بدرجة أكير في ضوء الانجاز؟ وهنا رجعنا 

















٢۷ ttt الفصل‎ 


إلى الوراء إلى العلاقة بين eS‏ والابن ووجدنا أن التدريب على الاستقلال 
يبدو مرتبطآ بدافعية الانجاز. فالأمهات DU‏ عمدن إلى تشجيع أبنائهن 
على أن ينموا بطريقة استقلالية: وأن يتعلموا طريقهم اعتماداً على أنفسهم: 
كان أبناؤهن يتصفون بدوافع أعلى للانجاز. لكننا دفعنا بالسؤال خطوة واحدة 
إلى الوراء. كيف تساعد بعض الأمهات على التدريب على الاستقلال SST‏ 

من الأخريات؟ وقد أثار هذا قضية القيم: والقيم أثارت قضية الأيديولوجية 
الدينية. ثم وجدنا أن الاتجاهات نحو التدريب على الاستقلال لا تتوزع عشوائياً 
خلال المجموعات الفرعية المختلفة في المجتمع. وربما يبدو أن الوالدين من 
البروتستانت واليهود كانوا يشجعون على التدريب المبكر على الاستقلال أكثر 
من الوالدين الكاثوليك» وهذا بدوره قد يتفق مع نظم المعتقدات والاهتمامات 
ASLAN‏ في هذه الأديان الثلاث. وإذا كان الأمر كذلك. يمكننا أن نبدأ في تتبع 
بعض تفاصيل العلاقة بين البروتستنتية وظهور الرأسمالية كما أوضح ذلك 
بعمق «ماكس Max Weber « pris‏ و«تاوني» RH. Tawney‏ 


لذا قادتنا بحوشا إلى العلاقة بين القيم الدينيةء والتدريب على 
الاستقلالء ودافعية الانجاز. والنمو الاقتصادي. ونعتقد أننا بصدد اكتشاف 
بعض الارتباطات بين هذه الظاهرات التي يمكن تتبعها بدرجة معقولة من 
الثقة العلمية. لكن سواء نجحنا af‏ لم ننجح» فإن النقطة التي نبرزها هي أنه 
بالتركيز على بند واحد من المحتوى العقلي. ألا وهو المخيلة الإنجازية: إنما 
نقدم مجموعة جديدة كاملة من المشكلات في العلوم الاجتماعية يمكن بحثها 
بواسطة علم النفس. 

ولنتوقف الآن لحظة ونحاول أن نتناول من جديد ماقد حدث في 
الحقيقة. تتضمن «النظرة الجديدة» في دراسة المحتوى العقلي لا الاستبطان 
ولا الاختبارات الإسقاطية في أشكالها الخالصة. وبدلا من ALIS‏ من الأفضل 
أن أطلق عليها «عينة التفكير» oly (thought smapling)‏ استخدم تشبيه 
«عينة الدم» من المختبر الطبي لإيضاح ما يجري في ذهني. فكما نحتاج إلى 
عينة من الدم لحساب كرات الدم البيضاءء فإننا نحتاج إلى عينة من الأفكار 
والآراء لتقدير حساباتنا عن المخيلة. وبصفة عامة»ء نحن نحصل على هذه 
العينات بأن نطلب من المفحوص أن يكتب قصصا لمثيرات معينة: عادة لفظية 




















س ple, KV‏ الثقس الإثسسائي — 
أو بصرية. وحينما نحصل على عينات من التقكيرء علينا أن نتعلم التعرف على 
أنماط معينة من المخيلات. مثلما يتعلم الطبيب أن يتعرف على خلية دم بيضاء 
حينما يرى إحداها. ويتضمن هذا قدراً هائلاً من العمل الأولي لكي نس تطيع 
تحديد خصائص المخيلة بعناية ثم ندرب الأفراد على التعرف على ما يبحثون 
عنه. يتطلب هذا تدريباء لكن من المحتمل ألا يكون تدريباً أكثر مما يحتاجه 
الطبيب حتى يستطيع تمييز نمط من خلال الدم عن نمط آخر. 


وإذا وضعنا «النظرة الجديدة» إلى المحتوى العقلي في إطار هذه المفاهيم 
الجديدةء يكون من الواضح على الفور أن لدينا عدداً من المشكلات التي 
تتطلب حلاً . فمثلاً. توجد مش كلة تحديد العينة: تحت أي الظروف ينبغي أن 
نحصل على عيناتنا التفكيرية؟ ما هي الإشارات أو الإلماعات cues‏ الت 
BERS‏ ارتسا عل نات اران وميا قير 
ماذا عن حالة المفحوص؟ كيف تؤثر في المحتوى؟ هنا يصبح من الواضح 
الاختبارات الإسقاطية التقليدية تكشف فقط عن شريحة حم + 
الأنماط الممكنة للمحتوى العقلي. فإلى الحد الذي نبقى فيه داخل الإطار 
المحدود لبطاقات (التات) التقليدية. نضطر إلى أن نحصل على عينة متحيزة 
لما يجري في عقل الإنسان. 





ومن المشكلات الأكثر أهمية إقرار أي «الفئات» نستخدمها لتحليل 
المحتوى. ذلك هو لب AISA‏ طالما أننا سوف نحصل نظريا على نتائج 
cal‏ معنىء أو تعميمات تنسحب على مجموعة كبيرة من المواقفء فقط إذا 
اخترنا الفثات الصحيحة aid‏ بها. كيف نكتشف الفئثات الصحيحة؟ تذخر 
دراسات العلوم الاجتماعية بتحليلات المحتوى لكل شيء من المقابلات المفتوحة 
إلى التحليلات التي ترتبط بالغرض العملي المباشر. فالفئات ينبغي أن تكون 
ذات معني : فينبفي أن ترتبط بنظرية من النظريات؛ وينبغي أن تكون «ممتدة 
المواقف» (trans - situational)‏ — أي تكون قابلة للتطبيق على مواقف أكثر 
من الموقف الذي كانت تنطبق عليه في البداية. واكتشاف الفئة يتطلب إلهاماً 
أوحظة او غاد قري ad of‏ 5 ذلك كما دث في البيولوجيا لاكتشاف أي 
الطرق أكثر جدوى من بين طرق كثيرة ممكنة لتصنيف خلايا الدم. ومن 
Lal,‏ ارتباطا بخبرتناء أن نختار هذه الفئات التي تبدي تحولات هامة كنتيجة 




















الفصل الثامن د YNN‏ — 


للعمليات التجريبية. ولا أعلم ما إذا كان هذا قاعدة تقييدية لا لزوم لها. وعلى 
أية حالء فهي تستبعد فئات كثيرة ممكنةء وتبدو على أنها الفئة الوحيدة التي 
يستخدمها علماء الكيمياء في تحديد تصنيف العناصر. 


ويعود بنا هذا إلى الوراءء إلى تيتشنرء نستطيع أن نرى أن «علم النفس 
البنيوي» (Structural Psychology)‏ لديه قد أخفق a}‏ ببين: أولاً- ز م تكن 
Lis»‏ المحتوى» (Content categories)‏ التي اختارها مجدية. فلم ترتبط 
بالعمليات التجريبية من ناحية أو بأنماط السلوك الأخرى من ناحية ثانية. 
لهذا السبب أو لغيره من الأسبابء فإنها لم تؤد إلى تطور نظري. لذا كانت 
فئات خاطئة. 


Lei - Lab‏ السبب الثانيء وهو ذو أهمية منهجية Ala‏ فيتلخص في 
أن تلاميذه قد قاموا بتحديد lis‏ بياناتهم. فجوهر الاستبطان أن الشخص 
ذاته يستخدم كمصدر للبيانات وهو «المُحَدّد لفثاتها» (Categorizer)‏ على حد 
سواء. وينطوي هذا على نقطة ضعف Amal)‏ وهو عيب استمر في مقاييس 
الوصف الذاتي للشخصية. فقد يكون لدى الفرد ببساطة فكرة غير كاملة أو 
غير صحيحة عن أي الفئات تنخرط فيها أفكاره: وربما يكون هذا لأن فثاته 
مختلفة عن الفئات التي نريد كعلماء أن نس تخدمها أو لأنه ربما يسيء إدراك 
ذاته حقيقة. وقد كان الإسهام الهائل الذي أتى به كلا من فرويد وحركة 
الاختبارات الاسقاطية أنهما لم يطلبا من المفحوص إبداء الحكم على أفكاره 
كما تبدو له. فكلاهما قد سعى ببساطة إلى الحصول على عينة من تلك 
الأفكارء ثم تركا عملية تحديد الفئات إلى شخص ملاحظ خارجي. وقد كان 
هذا تقدما منهجياً Lele‏ بدأنا فقط في تقدير أهميته ومغزاة. 1 


وإذا كان لعلماء النفس أن يعاودوا دخول ميدان المحتوى العقلي» وأن 
يشرعوا في تصنيفه col ial Laag‏ تحددها نظريات 3 i33‏ فإني أتخوف من 
أنهم قد يرتدوا إلى نظم قد نيذوها من وقت طويل. فمع تطور الس لوكية, 
كنا نفخر بأننا لا نعرف شيئاً عن الدين أو الفن أو التاريخ أو الاقتصاد أو 
السياسة (عدا أن يكون بطريقة شخصيةء أو غالباً فجة). ولا نكون في حاجة 
إلى المعرفة بهذه الأشياء إذا كنا نهتم فقط بمتغيرات العملية. يمكننا اختيار 




















ses A —‏ م عم النفس gy)‏ — — 
موقف عملي - مثلاً. الفآرفي متاهة - وما نكتشفه هنا عن كيفية تعلم الفآر 
اجتياز المتاهة ينطبق بدرجة متساوية على كل مواقف التعلم (بما فيها المواقف 
الإنسانية). ويمكننا أن نتحمل تجاهلنا لأشياء كثيرة قد فكر فيها الإنسان. 
لكن إذا كان لعلم نفس المحتوى أن يتقدم» كما أعتقدء علينا أن نعود للحصول 
على تعليم واسع وعام. ولا شك أنه لا يوجد شيء في تدريبي ILS‏ نفس 
يؤهاني لتناول مشكلات في نظم المعتقدات الدينية أو النمو الاقتصادي؛ وهذه 
هي صميم المشكلات التي أعتقد أنها سوف تبدأ في الظهور بطريقة متزايدة 
غالبا في علم نفس المحتوىء ولا نستطيع ببساطة أن نكون ساذجين وندعّي أن 

بحوث الدارسين في هذه الميادين لا تتضمن شيئاً نفيد منه. 


إذا كان تحليلي صحيحاء نكون على مشارف تطور جديد وهام في علم 
النفس. وعلينا في هذه AILS!‏ لأسباب تنشد منها إدخال تحسينات في 
طرق البحثء أن نعود مرة أخرى إلى بعض المشكلات في «المحتوى العقلي» 
التي اعتبرت سابقا كجزء أساسي من علم النفس. وفي يقيني أن حركة 
الاختبارات الاسقاطية تستحق التقدير والثناء لاحتفاظها بالاهتمام بالمحتوى 
حيافي حقبة انشغل فيها معظم علماء النفس النظريين» ولتزويدها إيانا 
بالتقدم المنهجي في طرق البحث بما مكننا من تجنب الانجراف في الزقاق 
المغلق الذي قادنا الاستبطان إليه. 











الفصل الثامن ببح X4‏ 


الوعيء بالذات وبالعالم الخارجيء يقابل في بعض الأحيان الأحداث 
«العامة» بطريقة تفترض أنهما متضادان على نحو متبادل. فالصورة 
التي تعتمل في التجويفات الداخلية للدماغ ليست مكش وفة لكي يتحقق 
منها الآخرون كما هو الحال بالنسبة لومضة الضوء أو لسقوط نجم من 
السماءء إلا أنه يمكن توصيلها بطرق متعددة. فرسم بالزيت أو رسم بياني 
يوضح كيف أن الخبرة الخاصة يمكن أن تصير خبرة عامة. وبدون التمتع 
بقدرة معينة لجعل الناس واعين بوعيناء لن يتيسر أي تواصلء لأن كل 
المعرفة توجد كخبرة واعية خاصة يمكن التعبير عنها بطريقة ما . 


sees A —‏ مم عم النفس y)‏ — 
(Y^)‏ 
الوعي والذات Awol gt‏ 
هارولد جريير ماك كيردي 
(جامعة نورث كارولينا) 
لقد سادت فكرة عن الكائن الحي الإنساني على أنه كائن بيولوجي يمكن 
أن نلاحظه من الخارج على أنه شيء في فضاء. أما الآنء فإننا نفهم الكائن 
الحي الإنساني على أنه كائن واع بذاته وبما يحيط به. 


وحتى إذا كنا نهتم فقط بالتنبؤ بالحركات الجسيمةء لكان علينا أن نهتم 
بالوعي وبالذات الواعية oS‏ الكائن الحي الإنساني الواعي - كما يؤكد «آرثر 
كومبتون» Compton‏ عالم الفيزياء 7 يستطيع أن Lats‏ بسلوكه بدرجة من 
اليقين أكبر مما يستطيع عالم الفيزياء أن يتنبا بسلوك الأشياء التي يدرسها 
علم الفيزياء. أو إذا كنا نهتم أساساً باللاشعور كما يراه أنصار التحليل النفسى. 
فإنه علينا أن نهتم بالوعي وبالذات الواعية, لأنه بدون الاعتراف بحقيقة 
الوعي يستحيل مفهوم اللاشعور ذاته. فمن الناحية التاريخية والمنطقية على 
السواء تسبق دراسة الوعي دراسة اللاشعور. لذا ينبغي أن تحتل هذه القضية 
مكانة بارزة في أي كتاب أو عمل علمي عن الشخصية. 


وإنه لتحول يثير الدهشة في تاريخ علم النفس - وكما يشير أحد 
المستعرضين لندوة عن «مشكلة العقل - البدن» بصدد تعليقه على دراسة «زينر» 
Zener‏ عن «مغزى خبرة الفرد بالنسبة لعلم النفس» أنه تحول محزن ومؤسف 
- بحيث أن أي اعتذار يكون مطالباً بطرح قضية الوعي في مناقشة سيكولوجية. 
إلا أننا ينبغي أن نتحقق كيف تثار القضايا . وقد وضعها هيلجارد „aaa‏ 


tM‏ علماء النفس إطلاقاً على مكانة الخبرة الخاصة (الوعي) في علم 
النفس . ويعتقد بعض المتطرفين أنه ليس للخبرات الخاصة أية مكانة a‏ 

(*) Harold Grier Mc Curdy: The Personal World: An Introduction to the Study of 
Personality. Harcourt, Brace & World, Inc. 


(1) Ernest R. Hilgard: Introduction to Psychology. Harcourt, Brace and World. Inc., 
New York. 1957, p. 4. 





يي 








الفصل الثامن د ۸١س‏ 


qe dall‏ ويعتقدون أن تلك الخبرات تنتمي إلى ميدان الفن أو الشعر. إلا أن 
معظم علماء النفس يؤكدون أن هذه الخبرات الخاصة هي بدرجة كبيرة جزء 
من العالم الحقيقي مثل أكثر الأنشطة القابلة للملاحظة: ويتقبلون التقرير 
اللفظي لهذه الخبرات كبيانات للعلم. 


وعلى هذه الأرضية ينبغي أن تتم مناقشة الوعي. لكن لكي نتجنب اللبس 
والخلط ينبغي أن نقرر بوضوح أن من يهتم جاداً بالوعي لا يعتبر «الخبرات 
الخاصة» على أنها أقل قابلية للملاحظة من «الخبرات العامة» ولا يتقبل 
«التقرير اللفظي» أو أية دلائل أخرى لعمليات الوعي كبديل لها. يتمسك سكنرء 
الذي يقبل الفصل بين الأحداث العامة والخاصة:؛ برفض استراتيجية توحيد 
التقرير اللفظي مع الحدث الذي oy Ba‏ 


التقرير اللفظي استجابة لحدث gold‏ وقد يستخدم كمصدر للمعرفة 
بشأن هذا الحدث. ويمثل التحليل الناقد لصدق هذه الممارسة أهمية أولية. 
لكن ربما نتجنب النتيجة الغامضة. بقدر ما يهتم العلم؛ بأن التقرير اللفظي 
أوأية استجابة تمييزية أخري هي الإحساس. 


ولا استطيع في هذا الصدد إلا أن اتفق مع سكنر. 


لكنه من الواجب أن نبرز المفارقة بشأن «العام» و»الخاص». قد يتكلم 
شخص بثقة وبصدق عن مشاهدته لأشياء ارتآها في الحلم كما لو أنه قد 
رأي وجهه في مرآة أو الشمس في السماء. كل هذه أشياء قابلة - بدرجة 
متساوية - للملاحظة بالنسبة له. ينطبق هذا أيضا على مشاعره ومقاصده 
وقراراته» رغم أن هذه لا يمكن أن alias‏ على أنها قابلة للرؤية أو حتى على 
أنها «أشياء». ومن ناحية أخرى. من المشكوك فيه ما إذا كان شخص آخر 
يستطيع أن يتابع بالضبط وجهة نظر الشخص الأول مع اعتبار أي من مضامين 
الوعي هذه. وفي هذا تكون أي خبرة من الخبرات التي يمر بها الشخص 
خاصة بالنسبة له- الوجه في المرآةء الشمس في السماءء شأنها في ذلك شأن 
بقية الخبرات. لكن هناك حقيقة «الاتصال» المدهشة. فبواسطة الكلمات أو 


(1) 8. F. Skinner. Science and Human behavior. MacMillan New York. 1953. .م‎ 





eee —‏ عم التقس الإنساني 


الإيماءات أو الحركات والتعبيرات الوجهية أو الرسم أو الموسيقى: نتدبر في أن 
ننقل للآخرين بعض الوعي بوعينا وحتى» في حالة التكلم» نتواصل بمضامين 
وعينا الخاصة مع الآخرين لكي نتناولها ونقّيمها. ومن ثم يصير الخاص 
Lite‏ أي يشترك فيه شخصان أو أكثر . هذا الاتصال يعطينا سروراً بالغاً؛ 
فهو الأساس الضروري لتلك الأعمال العظيمة - وهي العلوم. لكن لن يتوفر 
ثمة اتصال إذا لم يكن هناك شيء لتوصيلهء فكل اتصال ينشأ في مضمون 
وعي الفرد. والآنء Sb‏ بعض هذا الاتصال شكل الإشارة. يستطيع شخص 
أن يشير إلى الشمس في السماء أو إلى الوجه في المرآة. ويستطيع آخرون 
تتبع الإصبع المشير ويكتش فون أمامهم شيئاً يتفق مع ما كان يشار إليه. وفي 
بعض الحالات يكون هناك خلط قليلء ويرى الشخص طائراً بدلاً من الشمس 
أو إطار المرآة بدلاً من الوجه فيها؛ GS‏ مع الإصرار والتركيزء نسعى إلى 
تبديد هذه الاختلافات. BLE‏ مع ذلك؛ لا تكفي عادة لموضوعات الأحلام 
أو للمشاعر والمقاصد والقرارات. مشكلة الاتصال هنا تكون أكثر صعوبةء لكن 
من حيث المبدأ هي نفس المشكلة. ريما لا تكون أكثر صعوبة - فجانب كبير 
يتوقف على حالة الوعي لدى الأشخاص القائمين بالاتصال. فأن نشير إلى 
الشمس لشخص لا يستطيع الإبصارء يعد مسلكاً عديم الجدوى. وفي هذه 
الحالة قد تبرز اتجاهات أخرىء فمثلاً. حرارة الشمس يمكن أن يدركها كل من 
المبصر والكفيف. أما الوجه في المرآة فيبدو كمشكلة أكثر صعوبة. 

وبالنسبة للأحلام والمقاصد وغير ذلك لا تكون المشكلة في الحقيقة 
هكذا حادة إذا كان لنا أن نتناول شخصاً يكون Lely‏ بأحلامه ومقاصده ذاتهاء 
فهو يستطيع على الأقل أن تكون لديه معرفة عامة بما تعنيه. لكن إذا كانت 
مضامين الوعي مضطربة أو غريبة عليه تصبح مشكلة الاتصال حادة للغاية, 
أشبه في حدتهاء حقيقة: بتوصيل الوجه في المرآة إلى الشخص الكفيف. 

وقد نبدي تعجبنا في هذه الحالة بشيء من الرقة أو الغفيظ: of)‏ أود لو 
أن تعرف). وباختصارء مشكلة الاتصال هي أساساً مشكلة الخبرة العامة أو 
المقدرة عليها. 


وكم يوجد الكثير من عدم اتفاقاتنا في علم النفس ينبع من تباين خبراتنا 














الفصل YAY eet‏ — 
ولم AUS Ca AS‏ ولكن معظمها قد يكون هكذا خارج الوعي. لنأخذ. Sis‏ 
التصور البصريىء أي قوة استدعاء صورة بصرية لشيء ما قد رأيناه من قبل. 
لقد وجد «جالتون» منذ فترة طويلة متعجب اء أن هناك علماء عديدين Y‏ 
يمتلكون هذه القوةء والذين. علاوة على AUS‏ يميلون إلى إنكار وجودها لدى 
أي شخص آخر. «فليس لديهم فكرة عن طبيعتها الحقيقية أكثر مما يوجد 
ygu‏ خص أعمي الألوانء لا يدرك ضعفه. من فكرة عن طبيعة اللون. فهم 
لديهم ضعف عقلي فيما هم غير واعين به». ومن الطبيعي أن نفترض أن أولئك 
الذين يحظون بإمكانات عقلية وخصائص Ag te‏ كانوا خياليين. لقد كان لدى 
«جالتون» ذاته القوة لذا فقد شاء له بصعوبة أن يبدأ البحث. ومن بين علماء 
النفس المحدثين كانت نسبة العلماء ممن لم يكن لديهم تخيل بصري عالية 
بدرجة هائلة. قفي دراسة عن العلماء الباحثين الأفذاذ في أمريكاء سألت 
«روا» Roe‏ بعض العلماء في البيولوجيا والفيزياء وعلم النفس والأنثروبولوجيا 

أي نوع من التخيل يستخدمونه في التفكير في مشكلات بحوثهم: 


وقد اعترف OB]‏ من بين تسعة من علماء النفس التجريبيين وأربعة من 
Lele‏ النفس في ميادين علم النفس الإكلينيكي أو الاجتماعي أو النموء أنهما 
يستخدمان ثمة تخيلاً بصرياً في عملهم» وكانا من علماء النفس التجريبيين. 
وقد اعترف عدد منهم باستخدام التخيل البصريء وربما كان لهذا علاقة 
بالاهتمام بالتقرير اللفظي. الذي يميز الكتابات السيكولوجية عن التفكير 
والمشاعر. وقد تقوم دراسة «روا» رغم اعتمادها على أعداد صغيرة: دليلاً على 
بعض الجدل المحتدم بيننا بشأن الوعي. فعلماء النفس الذين يتصفون بدرجة 
عالية من اللفظية أو اللاتخيلية قد يلقون صعوبة في التحقق مما يعنيه التخيل 
البصري القوي حينما يبفون تخيل شيء ماء وريما تتفق القلة الصغيرة من 
العلماء الذين يتصفون بالتخيل البصري مع الأكثرية التي تتصف بالقدرة على 
التلفظ. ومهما يكن من أمرء فقد وجدت «روا» فرقا جوهرياً بين علماء النفس 
وعلماء الأنثروبولوجيا من ناحية وعلماء البيولوجيا والفيزياء (العلماء الطبيعيين) 
من ناحية أخرى. وهذا يعني أن نقص التخيل البصري ليس شرطأ لازما لكل 
عمل علمي ذي مستوى Sle‏ بالرغم مما يذهب إليه «جالتون» من أن التفكير 
العميق ريما أدى إلى خفض مقدرة التخيل البصري لدى العلماء الذين عرفهم. 











— qmi | عم النفس‎ — esses Ag — 


لقد أوردت ما يبدو من تباين في الخبرة في مجال خاص نسبياً من 
الوعي كسبب ممكن ل ما يدور من خلافات علمية. ومن السهل أن نسوق الكثي 
من التباينات الشديدة ذات طبيعة أكثر عمومية. إلا أني سوف أسوق واحداً 
فقط من هذه التباينات» من خارج نطاق علم النفسء حينما توصل «كيرينكوف» 
Cerenkov‏ لأول مرة للاكتشاف المعروف الآن ب (إشعاع كيرينكوف) Cerenkov‏ 
ala ul s; radiation‏ تشعيع المياه النقية بواسطة أشعة جاماء لم يكن قادراً على 
إقناع الكثير من علماء الفيزياء الذين أتوا لرؤية ما كان قد تألق حقيقة. لقد 
كانوا «متشككين بدرجة هائلة وألمحوا إلى هلوسات بصرية» - فقد كان هناك 
مبدأ راسخ بأنه ليس هناك من شيء يتحرك أسرع من الضوء» وأن ما توصل 
إليه كيرينكوف يبدو أنه يقوض هذا المبدأ. لكن التشككية ينبغي أيضأً ألا 
LORI‏ إلى شيء أكثر عمقاً من الحساسية البصرية LBM‏ حدة من هذا . 
حقيقة الأمر أن ذرات معينة يمكن أن تتحرك أسرع من الضوء في أوساط 
معينة sl)‏ ليس في فراغ) وبالتالي يشع c al‏ وهي ظاهرة لم يعترف بها 
قبل أن يضطلع كيرينكوف بتجربته . ولنفترض؛ مع ذلك» أن تجربة كيرينكوف 
- تحت وطأة هذه التشككية - لم تتكرر ولم تتوسع » فإنها ربما تثبت موجة 
من «الهلوسات». وإذا كان ذلك يحدث في الفيزياءء فمن المؤكد أنه يحدث في 
علم النفس. لذا ينبغي أن نكون على وعي من إنكار حقيقة خبرات الأشخاص 
الآخرين فقط بدعوى أنها تقع خارج نطاق إدراكنا ونظريتنا. 

















الفصل الثامان ب Y A8‏ — 


الدافعية الإنسانية من الموضوعات القليلة في ele‏ النفس التي أبدت 
مقاومة وعصيانا أكبر على البحث العلمي. فإذا كان تفسير فعل واحد 
قد يحير جماعة من المتخصصين. فإن تحديد العوامل الشعورية التي 
تشكل النموذج الحياتي الكلي لأي فرد يقدم تحدياً أكبر. من رأي بعض 
علماء النفس أن العلم ينبغي ألا يحاول البحث في العالم الداخلي للقصد 
الإنساني حيث لا نتمكن من ملاحظته خارجيا. وطالما أن ما Say‏ فيه 
الشخص ويشعر به لا يمكن معرفته بكل يقينء فإن علم النفس ينبغي 
أن يهتم بالعمليات القابلة للملاحظة. ويتمثل القصور الأكبر للدراسات 
القائمة على هذه الفالسفة في نطاقها المحدود. وتتناول الحفزات 
الفسيولوجية والعوامل العضوية الأخرى التي تعتبر بسيطة نسبياً جانباً 
واحداً فحسب من سلوك الإنسان. ومن الصعب أن يتكامل الإبداع ونسق 
القيم في نظرية جامدة عن الحاجات والدوافع. ويقدم علم النفس 
الدينامي عند فرويد إيضاحا للس لوك «ASH‏ ولكن نظريته في الدافعيةء 
القائمة على الملاحظة الإكلينيكية. تخفق في تناول نزعات تحقيق الذات 
لدى الشخص السوي. 


تقدم دراسة «شارلوت بولر» مثالاً يوضح كيف أن هذين الاتجاهين 
يمكن أن يتكاملا. لقد افترضت. استناداً إلى ملاحظاتها الإكلينيكية وما 
تيسر لها من كل المعلومات cp SM‏ أربعة أهداف أساسية في الحياة 
تؤثر بقوة في الفرد في سعيه لتكامل الذات: وطا ما أنه يمكن التحقق من 
صدق نظريتها فحسب عن طريق دراسة الدوافع الحقيقية للناس؛ فقد 
اختبرت بكل دقة العديد من الطرق التجريبية في هذا الصدد . ويوضح 
التقرير التالي كيف أنه. مع الجهد والمثابرةء يمكن تطوير طرق تتناول 
مشكلات تنطوي على «مضمون عقلي». 














ley) طم التقس‎ nF“ 


(Y9) 
Ohoh بعض المقاربات‌التجربيةفي دراسةالأهداف الأساسية في‎ 
شارلوت بولر‎ 
(جامعة جنوب كاليفورنيا)‎ 
من أكثر المشكلات حدة وصعوبة في دراسة الأهداف الأساسية للحياة‎ 
الإنسانية - مشكلة كيف أن الأهداف المحددة العديدة التي نسعى إليها في‎ 
حياتنا اليومية تلتحم مع المجموع الكلي لأهدافنا في الحياة.‎ 


هذه بالطبع» كانت القضية التي طرحها وتناولها فرويد بذكاء في وقت 
اعتبرنا جميعاً أنه من المستحيل تناولها على الإطلاق. وقدم التحليل النفسي» 
في غضون النصف القرن من وجوده. ثروة هائلة من المادة العلمية التي تجيب 
على هذه المشكلة. 


إلا أن بعضنا قد شعر أنه من الضروري أن يحيد عن الإطار النظري 
للتحليل النفسي. والسبب في ذلك أنه داخل هذا الإطار بدى من المستحيل 
تقديم تفسير معقول لظاهرات معينة خاصة بالنمو السوي. من هذه الظاهرات: 
الطبيعة الأولية للإبداع؛ وللواقعية الإيجابيةء ولبعض نظامنا القيمي. 


وبالنسبة لي» فقد قدمت في عديد من أعمالي الأسباب التي أراها ضرورية 
لهذا التخلي. وبينت أيضاء استناداً إلى كل المعلومات المتعلقة المتاحة. كيف أني قد 
اس تخلصت أربع أهداف أساسية في الحياة أطلقت عليها: إشباع الحاجة need‏ 
satisfaction‏ — موائمة تحديد الذات «Self — limiting adaptation‏ الاتساع 
الإبداعي Creative expansion‏ الارتقاء بالنظام الداخلي upholding of‏ 
the internal order‏ . وقد أطلقت على الهدف الغائي الكلي مصطاح «الإكمال 
«fulfillment‏ تفضيلاً على مصطلح تحقيق الذات: OV‏ مفهوم الإكمال يسمح 
باستيعاب أنماط ممكنة مختلفة من الخبرات الإيجابية. 
Charlotte Buhler. Some empirical approches to the study of life’s basic tendencies.‏ )*( 


In L. N. Solomon (Ed.), A symposium on human values. J. humanistic Psychol., 
1962, 2, 89-111. 














— TAY  — الفصل الثامن‎ 


يتضمن «إشباع الحاجة» أساساً ذلك المجال الذي يغطيه مفهوم التفريغ 
الذي ذهب إليه التحليل النفسى. ويشير إلى حاجات ملحة بدرجة أكبر أو أقل 
من أي نوع تتطلب إشباعا. وتعني «موائمة تحديد الذات» نزعة لا شعورية أولية 
متأصلة في الطفل. ويتحقق نموها على المستوى الثانوي كس لوك واع إلى الدرجة 
التي قد يخبر فيها الفرد التثبيطات والضغوط والمتطلبات كوقائع سلبية. 


كذلك يعني «الاتساع الإبداعي» و«الارتقاء بالنظام الداخلي» عمليات لا شعورية 
أولية متأصلة في الطفل. يبد الاتساع الإبداعي في الحركات الاستكشافية لدى 
الطفل الوليد ويصير موضوعا لاتخاذه كهدف واع وتخطيطأ لإنجازات من حوالي 
سن سنتين أو ثلاث سنوات» حينما يبدأ الطفل في بناء المكعبات في لعبةء وحينما 
يبدأ في الشعور كشخص مزود بقوة عمل الأشياء وتحديدها. 


يشير مفهوم «الارتقاء بالنظام الداخلي» أساسا إلى التنظيم والتكامل 
الداخليين للعمليات. وهو يبدأ على مستوى لا شعوري وعلى المستوى الواعي 
الثانوي» ويصير عمل النظام مرتبطا بالمبادئ والقيم التي يمكن أن نطلق عليها 
موضوعات الضميرء حيث يلعب تقييم الذات self — assessment‏ دوراً كبيراً . 
ويبدأ هذا أيضاً من حوالي سن سنتين أو ثلاث سنوات. 


وفي اعتقادي» أن كل هذه النزعات تعمل داخل كل فرد في كل الأوقاتء 
ولكن بدرجات مختلفة فردياً. وفي نماذج مختلفة Lys yb‏ شعوريا ولا شعورياً. 
كل هذه النزعات ضرورية للحياة والبقاء. فكل فرد يحتاج إلى إشباع حاجاتهء 
وعلى كل فرد أن يتواءم» ويحتاج كل فرد إلى أن ينتج أو يبدع في شكل إنجازات 
مخططة؛ وعلى كل فرد أن يتسامى بدرجة معينة بالنظام الداخلي على أساس 
من التوظيف المتكامل والمتسقء وعلى أساس من اعتبار مبادئ الضمير. 


إلا أن الأفراد المختلفين يبدون اختلافهم وتباينهم منذ البداية - وهنا أشير 
إلى الملاحظات على الأطفال في ضروب النشاط وغير ذلك مما يكشف عن 
الفروق الأولية الأخرى - فهم يبدون ميلاً أكثر إلى أن يحركوا أنفسهم إلى هذا 
أوذاك من هذه الاتجاهات . وقد تقوم المؤثرات البيئية والخبرات بتزكية أو 
بتعديل هذه الميول. ويتمخض عن ذلك «نماذج اتجاهي (directional patterns) «à‏ 

















sees PAA —‏ عم النفس الإنساني 


تصبح فيها الاتجاهات ذات الجانب الواحد بدرجة أكبر أو أقل في بعض الأحيان 
مسيطرة على نحو ثابت. قد يتصف بعض الناس أساسا بأنهم «مُشُبعون 
لحاجاتهم» ( (need — satisfiers‏ فقد استقروا منذ البداية على السعادة على 
أساس الراحة والسرور والحب. والشخص الذي يكون متوائماً أساساً؛ يبدو 
دائما متأثراً بقصور الكائن الحي الإنساني في مواجهة القوة الطاغية للظروف 
والعالم المحيط به. فمشاعر هذه الناس إزاء الضعف الإنساني تستثير فيهم أن 
يخفضوا من رغباتهم في سبيل الأمان المرتبط بالخضوع لسلطة من نوع أو آخر 
يرجون منها أن تشملهم بالرعاية والحماية. 


وعلى العكس من ذلك» يكون «الفرد المبدع» على نحو متسع Vb‏ من 
i 393‏ ومن قدرته على التحكم في الظروف» وعلى تحسين وتغيير العالم لكي 
يلائم حاجات الإنسان. 


Lal‏ الفرد الذي يكون مهتمأ أساسا بالارتقاء بعالمه الداخلي يبدو محكوماً 
في الغالب بالحاجة إلى «الانسجام الداخلي» «(inner harmony)‏ وإلى «سلام 
العقل» (pease of mind)‏ وهذا ما يسعى إليه بتبنيه لمعتقدات وقيم معينة. 
وبواسطة هذه المساعي يحاول توكيد قيمته الذاتية وتقديره لذاته. 


LL‏ كانت كل من هذه الأهداف تتحقق لدى كل الكائنات الإنسانية بدرجات 
مختلفة. فإن كل فرد يطمح إلى قدر معين من الحب والسعادة والراحة وإلى 
الانتماء والتقبل o as‏ وإلى السيطرة والاتساع والإبداع» وكذلك مشاعر 
الجدارة والانسجام داخل نفسه. 


ويبدو أفضل الأشخاص توافقاء والذين توفر لي دراسة تواريخ حياتهم 
وشخصياتهم» أنهم يستقرون على توازن سعيد بين أهدافهم في الحياة. وقد 
صار من المقرر بوضوح أن الأفراد الذين يشعرون بقوة بتحقيقهم لذواتهم» 
وبأنفسهم» أنهم يهتمون أساسا بإبداعهم و(أو) بتمتعهم بالحياة. يقدم «أ.ماسلو» 
أمثلة بارزة لهذا النمط من الأشخاص. فالأغراد الأكثر رعاية لأنفسهم وتكرسا 
لأنفسهم يميلون إلى أن يكونوا متوافقين و(أو) مهتمين بعمق بنظامهم الداخليء 
بسلام عقلهم» وبضميرهم. 








الفصل الثامن ب ۲۸۹ 


Lal‏ الفرد العصابي والذهانيء فهو يعاني من سيطرة بالفة لأحد هذه 
الميول أو لصراعات غير قابلة تللفك والحل بين الأهداف أو النزعات فى 
الحياة. 


وفيما يليء نعرض للمسار الارتقائي لهذه الأهداف أو النزعات الأساسية 
الأربعة. هذه الأهداف أو النزعاتء كما ذكرناء تعمل في كل الأوقات داخل 
الشخصء رغم ما قد يبدو من تأكيد أحادي على بعضها أو الآخر. بجانب هذا 
التأكيد الأحاديء نجد أيضاً سيطرة نمائية في المراحل المختلفة من الحياة. 
نستطيع أن نلاحظ ما يترتب على السيطرة الأولية لنزعات إشباع الحاجات 
من نتائج لدى الطفل الصغيرء والتي بتع باتجاهات توافقية في الطفولة. 
فإن هذا يتبع ثانية بسيطرة الاتساع الإبداعي في المراهقة والرشد. ثم يتبع 
هذا بتأكيد على تقدير الذات Lees‏ للنظام الداخلي في سنوات اليأس. وقد 
يخبر أفراد كثيرون نكوصا إلى نزعات إشباع الحاجات المميزة للطفولة الغضة 
أو إلى محدودية الذات المميزة للطفولة: والتي يفرضها التقاعد وكبر السن 
عليهم» في حين يبدو آخرون بقدرة على الاحتفاظ باتساعهم الإبداعي. 


تمثل الأهداف المنشودة في هذه النزعات جزئياً قيماً حقيقية factual)‏ 
(values‏ كما تمثل 55s.‏ «قيماً معيارية» (normative values)‏ إذا شئنا 
استخدام مصطلحات مارجيناو. 


وسوف أعرض هنا للدراسة التجربية (الامبيريقية) التي اضطلعت بها 
لهذه الأهداف الأساسية الأربعة في الحياة: 


تعتبر المشكلة المنهجية في دراسة الأهداف والقيم مشكلة صعبة كما 
نعلم» ارتباطا بالحقيقة بأن معظم الاستجابات اللفظية الواعية تمثل فحسب 
معلومات سطحية أو مُغلّفة. وتسعى أكثر الدراسات نجاحاً في هذا lag‏ 
مثل دراسات «كورت ليفين» وتلاميذه أو تلك الدراسات التى تفول على الطرق 
الاسقاطية: إلى أن تخلق مواقف تحدث فيها اختيارات m:‏ معلومات غير 
مباشرة بدلاً من الإجابات المباشرة عن الأسئلة. 


إلا أنه في اختبار أحد الفروض كالذي يتعلق بهذه الأهداف الأساسية 














س nF‏ طم النفس ly)‏ 


الأربعة: يبدو بالنسبة لي أنه لا يمكن تجنب الاتجاه الفظي ولا أرى كيف يمكن 
أن نجعل منه اتجاهاً غير مباشر كلية. أما الاتجاه غير المباشر الذي سعيت 
إليه في دراسة القرارات الهامة إنما تتمخض عنه أنماط من البيانات الأولية 
للغاية ولا تؤول إلى بصيرة بالبنية الفردية لهذه الأهداف الأساسية . 


وسوف أعدد الآن باختصار للطرق التي جربتها ثم استعرض بدرجة أكبر 
لمحاولتي الأخيرة التي تبدو بالنسبة لي أكثر رجاءاً وتوفيقاً. 


biography لقد سعيت إلى الحصول على بيانات تتعلق بسيرة الحياة‎ -١ 
بدرجة من الوفرة التى تكفى لتفسيرها‎ . autobiography والسيرة الذاتية‎ 
ولقد‎ (conscious self —determination) في ضوء «التعيين الواعي للذات»‎ 
استخدمت هذه البيانات في الطبعة الألمانية من كتابي «النسق الإنساني للحياة»‎ 
وقد آل بي هذا إلى افتراض أطوار ثلاث للتعيين‎ (Human Course of life) 
الواعي للذات في الحياة النامية. وأطلقت عليها الطور الأولي؛ والطور المحدد‎ 
لتعيين الذات, ثم الطور الثالث وهو طور تقدير نتائج الحياة.‎ 


وفي رأيي أن هذه البيانات قد ساعدت إلى حد ما على إيضاح تشكل 
الحياة في تتابعها النمائي. ولكنها كانت بيانات غير Aus‏ بقدر ما كان 
الاهتمام موجها إلى النزعات اللاشعورية: وتنطبق أساسا على الناس التي 
تعيش نوع ا من الحياة المنظمة مع نفس الاستمرار الداخلي. 

Questionnaire about) ولقد جربت «استخباراً عن الأهداف»‎ -Y 
وفي بناء هذا الاستخبار تلقيت مساعدة من إثنين من الاخصائيين‎ (goals 
في بناء الاختبارات» وهما:« هيرمان هارفي» و«رايموند كورسيني». ولكن‎ 
كما توقعناء فقد توصلنا فقط إلى تكوينات واستجابات سطحية بالرغم مما‎ 
توخيناه من حرص شديد في أسئلتنا.‎ 


Y‏ درست سجلاتي الخاصة بالعلاج النقسي» ووضعت في الاعتبار 
المعلومات التى تكشف عن أهداف الْمَرَضَّى. ومن الطبيعي أن يمثل هذا الطريقة 
الأكثر صلاحية بقدر ما كان الاهتمام موجها إلى عمق المادة. إلا أنه إذا كانت 
التقريرات الخاصة بالأمداف في سجلات الحالات عرضية: تبدو النتائج 














الفصل الثامن د ۲۹س 
المستخلصة الخاصة ببنية الأهداف الأساسية مستندة جزئياً على التخمين. 


وهنا الاعتبار التقييدي الآخر الذي يتعلق بسجلات الحالات وهو تناولنا 
للأفراد العصابيين: ونحن لا نريد أن نقع في الخطأ الذي يشيع عن إقامة 
افتراضاتنا عن الناس الأصحاء على أساس مادة مأخوذة استتثثاراً عن الحالات 
الإكلينيكية. وكما أوضح «ماسلو» في دراساته للشخصيات السويةء أن قيمهم 
تبدو مختلفة تماماً عن شخصيات العصابيين. 


gy Sly‏ ومع عدم إغفالنا لهذه التحفظات. لا تزال سجلات العلاج النفسي 
هي المصدر الأكثر أهمية لعمق المادة. 


-٤‏ أجريت مقابلات خارج مواقف العلاج النفسيء كتلك التي يستطيع أن 
يقوم بها الأخصائي الإكلينيكي ولفترة طويلة كافيةء حتى نستطيع النفاذ إلى 
ما وراء المعلومات السطحيةء هذه المقابلات ينبغي أن تنظم إلى الدرجة التي 
تبرز بها الأهداف الأساسية إلى المقدمة. 


القرارات في الحياة. وقد أدى هذا إلى معلومات تبعث على الاهتمام رغم ما 
تتصف به من كل عيوب المادة A SLAL‏ ومع ذلك فإني اعتبرها ذات قيمة بالغة. 


0- اقتفاءاً لاقتراح «بول لا زار سفيلد» صممت استخباراً عن اتخاذ 


c1‏ من بين الطرق الأكثر جدوى من حيث اكتمالها المنتظم وإتاحتها لدرجة 
من اللامباشرية - استخبار جديد حيث يُطلب من الأشخاص أن يختاروا أهدافاً 
من قائمة الأهداف المقترحة. وقد تم التوصل إلى قائمة الأهداف هذه في 
محاولتنا لتصور ما الذي يمكن أن يتمخض عنه تصنيف الأهداف الأربعة 
الأساسية في ضوء قيم محددة. ويتضمن هذا بالطبع بعضا من تكوين الفروض. 
وسوف اقتبس بعض الأمثلة القليلة: 

(T)‏ لديه ضروريات للحياة. 

(ب) يلقى تقبلاً في اتصالاته وعلاقاته. 


(z)‏ عدوانياًء يمضي esd‏ ويحاول دفعاً في الأشياء. 

















xàY —‏ ل عم التقس الإنسسائي — 

(د) لديه معتقدات وقيم ذات قيمة. 

لقد اس تخلصنا من هذا الحشد من المعلومات ستة عشر قيمة من هذه 
الأهداف الأربعة؛ أي جميعها أربعة وستون قيمة. تبدو هذه القيم من حيث 
الشكل في نظام مختلط. يطلب من المفحوص أن يضع علامة على أي من هذه 
الأهداف في الاختيار من فئات خمسة ممكنةء وهي : «ضرورية» «مهمة» 
A age pan‏ «ليست باهتمامى»» «مرفوضة». هذه الأهداف الأربعة والستون 
تلقى كلها قبولاً بدرجة أكبر أو أقل من الناحية الاجتماعية. ولم أرثمة فائدة 
في تضمين الأهداف غير المقبولةء على الأقل بقدر اهتمامي بالعمل أكثر مع 
الأشخاص الأسوياء والذين يقومون بوظائفهم في المجتمعء والذين لا يتبنون 
أهدافا غير مقبولة اجتماعياًء وحيث قد يتشككون في كل القائمة إذا قدمنا 
لهم مثل هذه الأسئلة التي لا تتفق مع توجهاتهم في الحياة. 

ومن الطبيعي أن يكون هذا موضوعا للتغيير إذا اتضحت جدواه. وقد 
أبرزت هذه القائمة التي طبقت على إثنى عشر فرداً اتجاهات أكثر استثارة 
للاهتمام: 

-١‏ معكل فرد برزت فة واحدة من الأهداف بدرجة أكثر تحديداً من 
الفئات الثلاث الأخرى للأهداف. 

-Y‏ الأشخاص الذين يتصفون بالعنف والشدة يعتبرون أشياء كثيرة أنها 
«ضرورية» بينما الأشخاص الأكثر استرخاءاً تطلق على أكثر الأشياء أنها 
«مرغوبة». 


-Y‏ في حالة التركيز على الطرفين المتناقضين - الأشياء التي يعتبرها 
الناس «ضرورية» والأشياء التي يرفضونها - وجدت نماذج محددة. 


4- تتفق عينة الأشخاص الأصحاء بالإجماع على بندين: أن gay‏ 
lig‏ الحب» وأن «تكون لديه معتقدات وقيم جليلة»» واعتبر هذان البندان 
ضمن فئة أهداف «ضرورية». واعتبر ol»‏ يحصل على إشباع جنسي» إما شيا 
«مهّمأ» أو Lge pon‏ وليس بأي حال هدفاً «ضروريا» . 














الفصل الثامن ب ۹۳ 


۵- وبالإضافة إلى وجود بنود معينة تتجمع معأء توجد بنود معينة متميزة 
على نحو فريد للغاية. فمثلاء Gb ple)‏ يعيش حياة بسيطة» أو «أن يقدم 
العون والفوث» هدفاً «ضروريا» فقط لدى مفحوص واحد من أتنى عشر فرداًء 
obs‏ ياقى اعترافاً واستحساناً من الآخرين» فقد رفضه بعنف مفحوص واحد 
فقط من الاثنى عشر وهكذا . 


1- تبين استجابات هذه العينة الصغيرة النموذج التالي: يوجد حشد 
واضح من الاستجابات التي تبدو مؤشراً لما نطلق عليه «النسق القيمي 
البثائي» (constructive value system)‏ أساساً لدى هؤلاء الأشخاص. ومع 
ذلك. توجد لدى كل فرد نقاط ضعف معينة تبدو في ش كل «التفكير الرغبي» 
(wishful thinking)‏ أو «أهداف خداعية للذات» «(self -deceptive goals)‏ 
أو أهداف تنزع بالفرد للحصول على مكاسب ALT‏ أو نزعات تكشف عن 
الشعور بعدم الأمان والقلق. يبدوهذا بالنسية لي صورة طيبة للكيفية التي 
يقوم بها الأشخاص الأصحاء أساسا بوظائفهم في Lon‏ وهي «حسن توظيف 
إمكاناتهم الشخصية. 


ومن الطبيعي أن تتطلب هذه التفسيرات معرفة بالأفراد من وجهة النظر 
الإكلينيكية. وييدو هذا أمراً جوهرياً. إذا أردنا الحصول على أقص استفادة 
ممكنة من هذه الاستقصاءات أو غيرها. 


والخلاصة:. أنه من بين عدد من الطرق المختلفة حاولت الحصول على 
مادة تجربية (إمبيريقية) عن الأهداف الأساسية للحياة. وطريقة الاستبيان 
هذه i‏ والتي تتطلب استجابة حيال أهداف مقترحة - تبدو AST‏ الطرق جدوى. 
وارتباطاً أيضاً باستخدام المقابلة الموجهة إكلينيكياً. أرى في هذا النمط من 
الاستبيانات أداة جديدة مفيدة في دراسة نسق القيم والأهداف لدى الناس 
في ضوء دراسة الأهداف الأساسية للحياة. 


تقريرعن المنحى التجريي في دراسة الأهداف الأساسية للحياة *): 
منذ أن نشرت هذه الدراسة عام VATY‏ تطور الاستخبارء الذي يعرف الآن 


(a)‏ أعدت المؤلفة هذا التقرير لإلحاقه بهذه الدراسة في المجلد الحالي 








sy) طم النفس‎ nF? L 


ب «مقياس الأهداف فى الحياة»» إلى الحد الذى صار معه أداة بالغة القيمة. 


وقد تم توسيع الاستخبار الأصلي من UE‏ سؤالا إلى 87 سؤالاً. وأجريت 
دراسات تعتمد على التحليل العاملي لعينتين اضطلع بها «أندرو كومري» 
(Andrew L. Comrey)‏ ودريتشارد كولمان» (Richard S. Coleman)‏ وقام 
«ولیام كولمان» (William S. Coleman)‏ بتطوير إجراءات حساب nb yall‏ بما 
تمخض عن «بروفيل» لأهداف الفرد كما يفصح عنهاء وهذا ما يتضمنه المقياس 
المشترك المعروف ب «مقياس الأهداذ في الحياة» (Life Goals Inventory)‏ . 
Hias‏ بروفيل الأهداف بيانياً توزيع الاختيارات بين إثنى عشر Male‏ مرتباً في 
مجموعات وفقا للأهداف الأساسية الأربعة. وهذه الإثنى عشر عاملاًء هي: 
ضروريات الحياة. السرور والحبء والأسرة, الاشباع الجنسيء تقبل حدود 
الفرد ونواحي قصوره. الخضوع.؛ تجنب العناء والمشقة, النمو الذاتي» القيادة 
والشهرة والقوة الدور في الحياة العامة القيم الأخلاقيةء القيم الاجتماعية, 
وإحراز النجاح. 


تبين «البروفيلات» الفرديةء التي تكشف عن أهداف مفضلة في مقابل أهداف 
أقل تفضيلاً أو حتى مرفوضة, نماذج دافعية معينة حينما تخضع للتحليل: 


أولاً - حينما نقارن «بروفيلات الأشخاص الأصحاء نسبيأً» نجد بانتظام 
تفضيلات صريحة يعبروا بها عن (الحب والأسرة). و(القيم الأخلاقية). و(القيم 
الاجتماعية). وإذ يعتمد الفرد على إمكاناتهء يكون لديه اعتقاد قوي أو قوي نسبياً 
في (النمو الذاتي)» ويتصف ب (تقبل ملائم لحدود إمكاناته)؛ وباعتقاد ملائم في 
(إحراز النجاح) . وتلعب (ضرورات الحياة) و(الإشباع الجنسي) دوراً متواضعاً. 


أما بقية البنود: ( الخضوع): (تجنب (ARAM‏ (القيادة)» (الدور في الحياة 
العامة) — فتتباين على نحو أكثر اتساعاً في توزيعها. 

ثانياً — في «بروفيل الشخص السوي نفسيأ» لا نجد درجات متطرفة. 
حقيقة؛ في حالات الأشخاص الذين يعيشون حياة قائمة على القناعة والرضا 
والهدوء تميل كل الدرجات إلى أن تتجمع حول الدرجة المتوسطة (الخمسين في 
الماكة). 








—À 8 tty الفصل‎ 


ثالتا - وعلى العكسء يميل الشخص العصابي إلى أن يكشف عن نماذج 
من البروفيلات ذات درجات متطرفة سواء ما يتعلق منها «بمطالب الفرد» أو 
«حدود إمكاناته». وقد توجد توقعات مفرطة تتعلق بالنجاح أو النمو الذاتي» 
أو القيادة أو الجنس. كما قد يوجد رفض تام للحدود الذاتية» أو توجد حدود 
ذاتية مفرطة وخضوع. وقد يوجد أيضا تأكيد زائد على القيم الأخلاقية أو 
على إنكار الذات في ضوء توقع الإشباع الضئيل لضروريات الحياة. وأخيراً » 
قد يوجد خوف من الجنس يتضح في درجات منخفضة جدا . 


Lely‏ 7 تشيع في بروفيلات الأشخاص العصابيين كثيراً الدرجات المتباينة 
المتنافرة. فقد ينشد العصابي «النجاح» غير العادي بدون ما رغبه في «تقبل 
حدود إمكاناته» أو بدون ما «اهتمام بالنمو الذاتي». وقد يبدي خضوعاً Lapse‏ 
أو حتى توقعا بأن يكون قائداً أو عدم الاعتقاد في نجاحه إذا ما طمح في دور 
يضطلع به في الحياة العامة. 


ونسوق مثالين واردين بكراسة التعليمات عن حالتين؛ فيما يلي: 


(#)ل ف Y Y‏ - الاسم المستعار (cr)‏ سيدة متزوجة تبلغ من العمر ثلاثة 
وثلاثين عاماء وهي أم لثلاث أطفال وزوجة لمعلم للفة الإنجليزية والدراما بإحدى 
الكليات. وهي إنسانة سعيدة وكذلك تتمتع بصحة نفسية, فتشعر بأن زواجها 
وحياتها الأسرية مشبعة لهاء وأن حياتها طيبة. Uy‏ كانت لا تعمل في أي مهنةء 
فقد صارت مهتمة بعمل زوجها وتشترك في كثير من مناشطه التي يقوم بها 
خارج المنهج. وكلاهما يحظي باهتمامات اجتماعية عالية. فزوجها معلم مرموق 
ويتمتع باهتمامات كثيرة. ويضطلع الزوجان بحياة ممتلثة وفعالة للغاية. 


يوضح بروفيل (ب) أن أعظم اهتماماتها تقع في اتجاه حبها وحياتها 
الأسرية من ناحية وقيمها المعنوية والاجتماعية من ناحية أخرى. وتتصف 
نزعاتها نحو إشباع الحاجات بأنها متوسطةء واهتمامها بالنمو الذاتي بأنه 
فوق المتوسط بقليل؛ وبينما يكون اهتمامها بالنجاح والأدوار الهامة في الحياة 
متوسطأًء نجد أن «مواءمتها مع حدودها الذاتية» أفضل من المتوسط. 

















vet —‏ طم النفس الإتسسائي — 


ولم تتضح معالم أساسية مميزة للشخصية العصابيةء وهي: التباين الهائل 
في الدرجات وانخفاض مستوى الموائمة مع الحدود الذاتية. 


(٭) ل م -YIA‏ الاسم المستعار (بيرت)» وهو صحفي وكاتب أعزب يبلغ من 
العمر ثلاثين Lele‏ وهو Leash‏ طالب بالدراسات العلياء إلا أنه يتلقى علاجاً 
نفسياً مع أحد الأخصائيين النفسيين. 


يتميز بروفيل هذا الشخص بالزيادة البالغة في مطالبه وفي نفس الوقت 
يبدي درجات منخفضة فيما هو راغب a‏ ي أن يقدم ه أو يتحمله. وهو ليس 
مفرط ف ب في توقعاته بشأن النمو الذاتي» ولكن أيضا بشأن القيادة 
والشهرة وكذلك النجاح. وقد أظهر أيضا مطالب عالية خاصة بالإشباع 
الجنسي وإرضاء الحاجات الأخرى. وحاجاته للحب والأسرة alle‏ ولكن قيمه 
الاجتماعية أقل من المتوسط مثل ميله إلى تقبل حدوده أو إلى تجنب العناء 
والمشقة. أما تأكيده على القيم الأخلاقية فهو متوسط. 


وقد أيد «الدكتور ألبرت فريمان» هذا التحليل غير المرئي لبيرت. فقد 
وصف هذا الشاب على أنه «كاتب طموح يريد أن يكون على قمة الحكومة؛ وهو 
ينتسب إلى أسرة مرموقة ويتطلع إلى مطالب هائلة تتعلق بالمكانة والدخل». 


إن هذه الطريقة لدراسة الأهداف الأساسية في الحياة بتضافرها مع 
طرق الاختبارات الأخرى وكذلك طريقة المقابلة المتعمقة؛ يمكن أن تؤول إلى 
نمط جديد من البصيرة بالعمليات الدافعية. 

Buhler, Charlotte: Theortical observations about life’s basic ten- 
dencies, Amer, J. Psychother., 1959, 13, 561-581. 

Buhler , Charlotte: Goals of life and therapy . Amer J. Psycho- 
anal, 1962. 22, 153-175. 

Buhler, Chrlotte: Questionnaire on goals and fulfillments . J. Hu- 
manistic Psychol., 1963. 111 . 1. 


Buhler, Charlotte & Coleman , W: Life goal inventory: Manul. Los 
Angeles, 1964. 




















الفصل الثامن ب ۹۷ 


ثمة حائط من الأيديولوجية أشبه بحائط برلين يقسم العلوم 
والإنسانيات إلى عوالم مختلفة رغم الأهداف والمطامح المشتركة الكثيرة. 
وتبدو هذه الأنظمة بلا رجاء على طرفي نقيض: مجموعة تعتمد 
كلية على الطرق الموضوعية في البحثء بينما تعول المجموعة الأخرى 
على الخبرة الذاتية. ولكن بالنظرة إلى ما وراء الطريقة إلى مزيد من 
الأهداف القصوىء يمكننا أن نكتشف بعض مجالات الاتفاق. فكلتاهما 
مدفوعتان «بروح علمية متفتحة للبحث» تسعى إلى البحث عن إيضاح 
وتفسير منظمين للظاهرات الطبيعية. 


ويمكننا أن نفتح ممراً كبيراً إذا هوجم الحائط من كلا الجانبين. 
ينبغي أن يتصدى العالم الإنساني لحل كثير من مشاكله عن طريق طرح 
فروض محددة تخضع للاختبار بكل وسيلة متاحة: بينما يسعي flle‏ 
النفس إلى البحث عن طرق التحقق من صدق الخبرة الواعية. إذا وضعنا 
Lats‏ لفترة الافتراض بأنه ليس هناك شيء نفعله إلا العلم: يكون في 
الإمكان أن ندرك جبهة كلية جديدة للطرق الفنية نس تطيع معها أن نتناول 
الخبرة الإنسانية على نحو أكثر تماسكاً ودقة. 





X44 —‏ لل سد طم النفس الإنساني س 
œ)‏ 
الانسانيات في عصرالعلم O‏ 
وبليس هارمان 
(جامعة ستانفورد) 


طبيعة البحث العلمي: 


دعنا نحاول أن نقرر بطريقة أكثر دقة أين تقع حقيقة موضوع الخلاف 
الأساسي فيما يتعلق بقضايا «الإنسانيات» (humanities)‏ وتلك التي يتصدى 
لها العلم. من الضروريء أولا » أن نتفحص باختصار طبيعة البحث العلميء 
لأني أفترض أن المشروع العلمي قد يتقيد ببعض الأصفاد المفروضة عليه من 
الداخل التي قد تعيق الوعي به كلية. 


ويبدو من المجدي أن نحاول تحديد ما نعنيه بمصطلح «روح البحث 
العلمي» وأن نميزها عن «الطريقة العلمية» كما توجد في أي علم من العلوم. 
وأعتقد أنه يمكننا أن نتفق بدون ما صعوبة تتعلق بالخصائص الأساسية. 
ومن المحتمل أن نستطيع تنظيم الخبرة الإنسانية بمساعدة التكوينات الفرضية 
التي نتوصل Leal]‏ بالحدس ونختبرها بالتجريب. ويعني هذا العمل على تطبيق 
الاختبارات الملائمة على هذه الفروض. وأن ننبذ النظريات التي يثبت الاختبار 
عدم ملائمتها (يتضمن هذا القيام بالاختبار والتمحيص بواسطة التجريب 
والملاحظة: وباستقاء خبرة الآخرين بواسطة مراجعتها مع غيرهم من أهل 
الثقة وأصحاب السلطة, وبالتاكيد على الاتساق المنطقيء وبالاختبار بطريقة 
حدسية - على سبيل SLAM‏ حينما يطبق اختبار خاص بالتقدير الجمالي 
ينبغي أن يُظهر أعمق الحقائق بحيث يمكن التعبير عنها ببساطة وكياسة). 

شيء آخرء يقوم العالم ببناء نظريات ونماذج تمثل إلى حد ما جوانب الكون 
التي يمكن إدراكهاء ويحدث في بعض الأحيان أن يتوفر أكثر من نموذج واحد 
ينظم البيانات المتاحة تنظيماً ملائماً. مثال LIS‏ نموذجاً النظام الشمسي: 


(*) W. W. Harman: The humanities in an age of science. Main current in modern 
thought, 1962, 18, 75-83. 


الفصل I tt‏ ۲۹۹س 


مركزية الأرض geocentric‏ (الأرض مركز النظام الشمسي)» ومركزية الشمس 
heliocentric‏ (الشمس كمركز). في اليوم الشمسي كما حدده كوبرنيكوس. 
لقد قام الاختيار على أساس عوامل متعددة - بساطةء وفطنةء وخصوبة 
النموذج في اقتراحه لتجارب جديدة. ويمثل المبدأ المعروف غالبا بمدية أكام 
Oecam's razor‏ - بأن النموذج ينبغي ألا يكون a2‏ وتقييديا أكثر من 
اللازم لكي يتواءم مع البيانات المتعلقة - أحد أسس الاختيار. ) في بعض 
ملاحظاتي التي سوف أشير إليها فيما بعد أذهب إلى أن «مدية أكام» قد 
أسيء استخدامها في بعض الأحيان بطريقة لم يقصدها الراهب الطيب أبداً 
— لتسويغ وتبرير نبذ أو عدم تصديق الخبرة الذاتية التي لا تتلاءم جيدأ مع 
النظريات المستندة إلى البيانات القابلة للقياس). 


ينطوي هذا الوصف للروح العلمية على مغزى يتعلق بما لا تفصح عنه. 
فهي لا تدعي أن Lele‏ كاملاً عن الإنسان يمكن أن ينشا على نماذج العلوم 
الفيزيائية. وهي لا تقرر أن كل جوانب الواقع متاحة لحواسناء بطريقة مباشرة 
أو غير مباشرة» أي أنك إذا لم تستطع أن Lats‏ أو تتذوقها أو تشمها أو تسمعها 
أو تلمسهاء فهي لا توجد. وتذهب» خلافاً لذلك» إلى أن المرء يستخدم حواسه 
لاختبار العالم الفيزيقيء وإلى أن الجوانب غير الفيزيقية للواقع كما تتبدى 
بذاتها تستخدم بطرائق ومسالك أخرى. 


فالقيام ببحث وفقا للروح العلمية لا يفترض قبلاً ( رغم ما قد يستنتج من 
عبارة «لورد Lord Kelvin «gp ahs‏ المشهورة) :«أنك حينما تتمكن من قياس ما 
تتكلم عنه» وتعبر عنه بأرقام» فإنك تعرف بعض الشيء عنه». إن كل الخصائص 
الكيفية تتضاءل للغاية أمام الخصائص الكمية (اللون يصير طولاً موجياً من 
خلال اختزاله إلى موجات مخية ذات شدة قابلة للقياسء الحب والكراهية 
يصيرا تكوينا كيميائياً لإفرازات youd‏ وهكذا). وخلافاً لذلك» يذهب إلى Lil‏ 
نقيس ما نقدر عليه وندرس الباقي بتواضع استناداً إلى طرق ملائمة لطبيعته. 
وهنا يذهب «سانت إكسوبيري» SEEXUpery‏ إلى قاعدة أكثر وجاهة مما ذهب 
إليه «كيلفين»:« الحقيقة ليست هي كل ما يقوم عليه الدليل والحجةء ولكن 
هي ما يكون ضرورياً ومحتماً». ف الحقيقة ليست بالتأكيد مجرد ما يكون «قابلا 
للصياغة الكمية» -(quantifiable)‏ 











tt —‏ عم الققس الإنسسائي سم 


إن الروح العلمية الحقة لا تنطلق من المقدمة بأن القيم هي ببساطة نواتج 
للثقافات الإنسانيةء وبآنه ليس هناك شيئاً من التكوين الفطري للقيم في 
الكون . خلافا HU‏ تتبني الروح العلمية اتجاهاً يقوم على ملاحظة الخبرة 
الإنسانية والمشاركة فيهاء وإسناد النتائج بطريقة اختبارية إلى تلك الخبرة. 
وما يعلنه البعض بأن «العلم لا معياري» (nonnormative)‏ يمثل ببساطة قيداً 


يفرضه العلماء على أنشطتهم» ولا يكون Lisa‏ مع «أن الكون غير معياري». 


لذاء لا تكون الروح الأساسية للبحث في العلم في أحسن حالاتها مناقضة 
للروح الأساسية للبحث في الإنسانيات أو مختلفة عنها. فتنظيم الخبرة الذاتية 
يمكن أن يقوم على نفس المبادئ الأساسية التي يقوم عليها بناء النظريات في 
العلوم الفيزيائية والبيولوجية. ولكن هذا لا يعني أن طرق وتعصبات العلماء 
الطبيعيين يمكن أن تنقل على نحو سليم إلى استكشافات الطبيعة الذاتية للإنسان. 
وإذا Liked‏ ذلكء فإنه قد يتمخض عن موقف يذكرنا ald Ley‏ به «ايدنجتون» الذي 
صار ينقب في المحيطات بشبكة ذات بوصة واحدة ثم أعلن في النهاية نتيجته 
بأنه لا توجد مخلوقات في البحر ذات A‏ مُستعرض أقل من بوصة واحدة. 


لا شك توجد فروق Aisle‏ ولكن يوجد أيضا تشابه ذو دلالة بين عبارة 
عن ag tell‏ الفيزيائية مثل« التشابه يحمل على الصد» وعدم التشابه يحمل 
على الجاذبية»» وعبارة عن مبدأ الحياة فيما يعرف بالمفارقة الهائلة للمسيحية 
«من يسعى لإنقاذ حياته يفقدهاء ومن يفدي حياته يجدها» هذه العبارة 
الأخيرة التي قيمها الشاعر الإنجليزي »| . هاوسمان» H.E. Housman‏ على 
أنها «الحقيقة القصوى التي تبقى slo‏ والاكتشاف الأعظم الذي تحقق dag‏ 
تشبه العبارة الأولى في أنها تنظيم جامع للخبرة الإنسانية. قابل للتحقيق 
بواسطة الملاحظة والتجريب. 


iol‏ إذنء يكمن موضع الخلاف الرئيسي الذي يجعل مواقع العام السلوكي 
والعالم الإنساني تبدو بعيدة عن مواقع الشاعر أو الفنان أو الفيلسوف الديني؟ 
إنهم Later‏ ينظرون إلى نفس الكون. Gp Sy‏ بحوثهم: أو ريما تُجرىء بنفس 
الروح من التفتح العقلي. 











الفصل EE‏ 
يبدو لي أن هذه المشكلة الرئيسية تتسحب على الجوانب الفيزيقية 
والروحية للواقعء أو إذا شئنا استخدام بعض المصطاحات الفاسفية المبجلة على 
العوالم الظاهرية واللاظاهرية. (العالم الفيزيائي أو الظاهري هو ذلك الجزء 
من الكون: متضمناً أشياءاً مثل المجالات الكهربية والنيترونات التي تلاحظ 
بواسطة فيض الطاقة الفيزيقية التي تتضح بذاتها في الإدراك الحسي. أما 
العالم اللافيزيقي: فيتضمن تلك العناصر التي تتعلق بعالم الشخص الملاحظ 
والمعلومات التي تفوق إحساساتنا — الهوية الشخصية: «مشاعري» «إرادتي» 
حركة الوقت غير المرتدة إلى الوراءء الخ). من الناحية العملية يميل العالم» 
على الأقل حينما يلعب دوره المهني» إلى أن يعمل على أساس الافتراض 
الضمني بأن للكون الفيزيقي فحسب واقع حقيقي» في حين يعيش الشاعر 
والصوفي مع كلا العالمين. ويميل العالم السلوكي إلى رؤية القيم على أنها 
تتعاظم وتكتسب ثقافياً. في حين أن الشاعر قد يراها كامنة في بنية الأشياء. 


ولكن إذا كان موضع الخلاف في الحقيقة قاطعاً مثل هذاء لماذا لا يكون 
هذا قضية تتقرر بالأشكال العادية للبحث؟ فالم OAS‏ المتعلقة بطبيعة الواقع 
لا تتقرر من خلال النزاع داخل أنفسناء ولكن من خلال الاضطلاع بتلك 
التجارب التي تمكننا من إدراك الطبيعة حقيقة. والمشكلة الخاصة بما إذا 
كانت توجد طبيعة إنسانية أساسية: مثل أن الحق والجمال والخير لا يتقرر 
بالاختيار الفردي cas at‏ تمثل ولا شك مجالاً صادقاً للبحث. 


الحدود الممكنة للنظرة العلمية: 


أود أن اقترح إجابة أولية للسؤال الوارد في الفقرة السابقةء تحدد جزثياً 
العوامل التي قد تعوق الاتجاه المستمد من الغاية العلميةء وتحدد جزثياً 
المعوقات التي تبدو أنها تشيع في الإنسانيات: 


أولاً Lies:‏ نختبر القضية التالية: تميل إلى أن توجد في نظرتنا الحالية 
للعلم قيود وأصفاد قد تتمخض عن صورة محرفة للواقع. لقد هيد العلماء 
بحوثهم بنظام المعرفة المكتسبة من خلال الإحساسات. (الاستشاء الوحيد من 
هذا هو المدرسة الاستبطانية في علم النفس). لذا لاقت محاولات باحثين» 














د ty‏ عم الققس الإتسسائي سم 


مشل (كارل يونج (YOUNY‏ في تنظيم الخبرات الذاتية للإنسان تقديراً من 
معظم علماء النفس ذوي الاتجاه السلوكي» ولكن لم يعتبرونها حقيقة داخل 
نطاق العلم. فهناك شيء واحد يستحق الإقرارء وهو أن العلماء يختارون العمل 
مع البيانات الحاسية والملاحظات «الموضوعية» أما الخبرة الذاتية بالتحديد 
فتقع خارج نطاق العلم. وليس من المنطقي أن نقفز إلى أن الخبرة الذاتية في 
مجال المعنى والقيم وَهُم وخيال وليس لها صدق في حد ذاتها. وقد يميل 
البعض إلى الافتراضء Lasy‏ أبعد مما نتحقق منه بوعي» بأنه إذا كان العلماء 
لا يدرسونهاء فإنها لا توجد أو ليست مهمة. فالعلماء لا يطرحون أسئلة عن 
القيم العليا والمعاني العميقة في الحياةء لذا تكون تلك الأسئلة غير ذات معنى 
ولا رجاء منها. 


وثمة اعتقاد أساسيء رغم أنه لا يتضح دائماً بجلاءء يرتبط بالباحثين 
في العلم والأشخاص العاديين الذين يتبصرون نتائج عملهم: من الممكن وضع 
حد فاصل بين البيانات الموضوعية والخبرة الذاتية. البيانات الموضوعية 
هي ما يتسير لنا من خلال حواسنا الجسمية (وامتداداتها التكنولوجية - 
الميكروس كوب الإلكتروني: الراديو تلسكوبء رسام المخ i‏ والتكنولوجيات الرقمية 
الخ)» وأنه على أساس هذه المعرفة «العامة» يمكن عمل تقريرات عن طبيعة 
العالم الموضوعي قابلة للقياس وذات معنى. لذاء فإنه عن طريق اختبار هذه 
البيانات الفيزيقية باستخدام طرق العلم (التي تحذو مثال علم الفيزياء)» 
سوف نتوصل إلى صورة كاملة عن طبيعة الأشياء كما يمكن أن تكون. 


ويلحق بذلك الاعتقاد بأنه لا توجد أسباب خارج العالم الفيزيقي. ويتبع 
ذلك إذن أن حرية الإنسان في اتخاذ القرار وهم وخداع. «فالفرض الذي 
يذهب إلى أن الإنسان ليس حراً ضروري لتطبيق الطريقة العلمية على السلوك 
الإنساني. ويعتبر الإنسان الحر من الداخل والمسئول عن سلوك الكيان الحيوي 
(الأورجانزم) البيولوجي الخارجي فحسب. بديلاً غير علمي عن أنواع الأسباب 
التي تكتشف في سياق التحليل العلمي. فكل هذه الأسباب تكمن خارج الفرد D‏ 


(1) 8. F. Skinner. Science and Human Behavior. The MacMillan Co., New York. 











— Y =n itty الفصل‎ 


كذلك يتبع الافتراض بأن الوجود فيزيقي تماماء الرفض الكامل للنظرة 
الغائية تفضيلاً للافتراض ob‏ تطور الكون والإنسان قد أتى بطريقة عشوائية 
AUS‏ نتيجة لأسباب مادية؛ وهو إصرار على أنه ليس في تطور العقل ولا في 
سعي الإنسان يوجد مسوغ GY‏ مفهوم عن الغرض من الوجود . 


ليست القضية إذن أن تستخدم البيانات عنوة لتفضيل هذه الافتراضات: 
وعلى ya Sall‏ يوجد قدر هائل من البيانات المتجمعة علمياً تقف في وجهها . 
لكن العقل الإنساني يتمتع بقدرة فائقةء وهي انتقائيته للبيانات التي تتوفر لناء 
وهي بيانات تتباين مع الافتراضات التي نعتقد فيها بعمق. 


نماذج الكون والإنسان: 


لا يوجد شيء بطبيعته يتصف باللاعلمية - (أي ليس بالروح العلمية) إذا 
عمدنا إلى عمل نموذج عن الكون توجد فيه جوانب لا يستطيع الإنسان أن 
يدركها خلال حواسه» وهي بالتالي جوانب غير «فيزيقية» على وجه التحديد . 
وفي الواقع؛ ليس هناك من شيء لا علمي بشأن استخدام نموذجين قد يظهراء 
على مستوى واحد من الفهم» على أنهمها متناقضان. لقد نشا هذا الموقف 
على وجه الدقة في الفيزياء حينما وُجدت صورة موجية للضوء ملائمة أكثر 
لتنظيم بيانات تجريبية معينةء وأثبتت الصورة الذرية الدقيقة أنها أكثر عونا 
على فهم الظاهرات الأخرى. 


ففي الفيزياء الذرية والنووية. حيث قد نقترب أكثر من بحث التركيب 
الأقصي ios SU‏ تكشف النماذج الميكانيكية بوضوح أكثر عن عدم ملائمتها. 
هنا علينا أن نواجه الاحتمال بأن عقولنا المنطقية. التي تعمل بدرجة هائلة مع 
رموز ومفاهيم قابلة للتصور البصريء قادرة على إدراك الحقيقة فقط على 
أساس نماذج غير ملائمة. 

وثمة Taye‏ هام يتعلق بموقف مماثل إلى حد ماء يتضح في الفيزياء: وهو 
مبدأ «التتامية» (Complementarity)‏ إذا تكلمنا من ناحية الصورة الموجية 


للضوء» نجد أن الطول الموجي هو أحد المقاييس الكمية الهامة الممستخدمة في 
وف موقف معين. ومن ug) TR a‏ إذا تكلمتا من ناحية الصورة الذرية 











سيلم عم النفس الإنساتئي —— 


srt, 


الدقيقة تمثل شريحة ذات دلالة من البيانات وضع دقائق الضوء أو 3a]‏ 
(الفوتون). ولنا حرية استخدام أي نموذج من النموذجينء وقياس الطول الموجي 
واتخاذ الوضع على النحو من الدقة التي نرتضيها . إلا أن الكميتين لا تظهرا 
في نفس النموذج: وإذا حاولنا أن نفكر على أساس النموذجين في وقت واحد 
إنما نرتطم بموقف متناقض. أما بالنسبة لمبدأً «التتامية» فيقرر أنه بقدر 
ما تزداد معرفتنا بالطول الموجى: يزداد تجاهلنا فيما يتعلق بالوضع؛ والعكس 
صحيح. فما يكون «حقيقيا» في نموذج asl‏ قد يكون تملصياء إن لم يكن 
وهمياء في الآخر. ومع als‏ فإن كلا النموذجين صادقان ومفيدان في تمثيل 
جوانب الواقع بشكل تس تطيع عقولنا السديدة أن تتناوله. 


لعانا في ضوء ذلك وارتباطاً بعلم الفيزياءء نستطيع أن نقترب بشجاعة 
أكبر من إمكانية التفكير على أساس نموذجّيّ الكون: الأول وهو النموذج 
العملي الفيزيقي الذي فيه تكون مفاهيم المكان والمادة والطاقة والوقت مفاهيم 
«حقيقية» في حين يكون الوعي مجرد ظاهرة مضافة وتكون القيم نسبية. 
والثاني» فهو النموذج الروحي الذي فيه يبدو العقل والإرادة والحب والحق 
والجمال والخير «حقيقيا» ولا يصد السمو بالمكان أو الزمان. أداة الإدراك في 
النموذج الأول هي المملكة الفيزيقية: أي الحواس» وفي النموذج الثاني هي 
المملكة العقليةء أي العقل العميق. 

هكذا Lil‏ بحاجة إلى ألا نفرط في الاهتمام Ley‏ إذا كان ما هو «حقيقي» 
في مملكة واحدة يبدو Leg‏ في المملكة الأخرى - فامتداد «مبدا التتامية» 
قد يكون هناء كما هو الحال في الفيزياء» هو انعكاس للحقيقة التي تقرر أن 
نموذجا واحداً بذاته غير ملائم. نحن بحاجة إلى ألا نؤخذ بالدهشة أو الفزع 
عند ظهور المفارقات: فقد تعلم علماء الفيزياء معايشة المفارقات. لذاء فإن 
الحتمية الظاهرة: حينما يُنظر إلى العالم من خلال الإطار العملي المرجعي؛ لا 
ينبغي أن تحول دون حرية الاختيار التي تتضح في النموذج الآخر. (شيء من 
هذا القبيل ييدو لازما لإبعادنا عن الوضع القاصر بأن «العالم الحر» الذي 
نحاول أن نصونه تنكره صراحة حتمية معظم العلم المعاصر بتآكيده على أن 
الحرية مجرد سلوك لم تجد له سبباً بعد). 











— Y tty الفصل‎ 


في إطار مرجعي واحد قد يبدو «الحب» نتاج الحافز الجنسيء بالإضافة 
إلى الغاية القصوى الخاصة بحفظ الجنس البشري» وهذا ينبغي أيضا ألا 
يمنعنا من النظر إلى الجنس في الإطار المرجعي الآخر كش كل أولي للحب» 
ali d‏ كمدخل لخبرات الحب التي ارتقت في سام التطور. بهذه النظرة قد 
تبدو خبرة الحب» كالخبرة الجماليةء نتاج جوع أساسي يتضح في تطور الجنس 
البشري وفي حياة الفردء من أجل الازدياد المضطرد في الشعور والوعي» من 
أجل المعرفة بالقوى الإبداعية التي قد توجد في الحياة وتنظيمهاء ومن أجل 
الرابطة النفسية والروحية مع الآخرين ومع الكون. 


إن الاعتراف بكلا النظامين: الفيزيقي والروحيء إذا كان هذا يبدو ضرورياً 
للإحاطة بكل الخبرة GL ua‏ ليس أقل من حيث الروح العلمية من التأكيد 
بجمود دوجماطيقي على أنه ينبغي أن يكون هناك العالم الفيزيقي وليس أي 
شيء آخر. وفي ARO‏ قد تكون القضية أعظم من هذا . 


ولعل البحث في خبرة الإنسان الذاتية ينحو إلى أن يقع بين الكراسي. 
فليس لدى العلماء الإنسانيين تقليد لهذا النوع من البحث, وبالإضافة إلى 
LSS‏ يشعرون بالغثيان حيال احتمال عدم تكشف العلاقات مع ذوي البصيرة 
الثاقبة والباطنيين أو الجوانيين ومتعاطي المخدرات. 


فالعلماء الاجتماعيونء من ناحية أخرى. يستأثرهم الاهتمام بما يمكن أن 
يكون قابلاً للقياس بعبارات كمية بواسطة وسائل cola‏ ويميلون إلى الشعور 
بعدم الارتياح نحو أي مجال تبدو فيه إمكانية وجود تعريفات إجرائية قاطعة 
للمفاهيم الرئيسية بعيدة SLU‏ إن لم يكن احتمالاً . 


لكن مشكلة من عليه تقع المسئولية في أن يفعل ذلك5 هم العلماء 
الاجتماعيون أو الإنسانيون. وتلك هي المشكلة الأكثر حسما في سبيل تطور 
هذا النوع من البحث. فمن الأهمية بمكان أننا بحاجة إلى نمط جديد من 
te eal‏ يختلف بطرق كثيرة عن البحث العلمي التقليديء لغته أقرب بكثير إلى 
لغة الشاعر منه إلى لغة عالم الرياضيات» GY‏ المعرفة التي ينبغي إقرارها في 
هذا الصدد تتتاول المشاعر والأفكارء ولذا لا تكون الرموز الم تخدمة موضوعاً 











— ومع ااا د عم النفس الإتنسائي —— 


للتناول الرياضي. أما طريقته فسوف تختلف. لأن الباحث يتزع إلى أن يصبح 
هو أداة البحث. 


لعلنا نشهد بعض نماذج هذا النمط من البحث بالفعل في ميدان علم 
النفس المتعمقء وفي أعمال كارل يونج وغيره. فحالماً بدأ هذا الميدان في 
بلورة أصوله الإكلينيكيةء تطورت بعض طرقه في استخدام وسائل وأدوات 
ذات قيمة في تكشف المجالات الأكثر بعداً من الخبرة الذاتيةء وأظهرت بعض 
مفاهيمه جدوى بشكل يبعث على الاهتمام. فالاهتمام «بالعالم الجواني الذاتي» 
8 إذا استخدم على نحو ملائم» قد يبدو أداة قيمة للبحث. ومن 
المحتمل أن الاكتشافات الجديدة والمثيرة سوف تنطلق بعد ما نحرر فكرنا من 
«المنحى الفيزيائي» physiealism‏ الذي صار مسيطراً من خلال ما حققته 
العلوم الفيزيائية من نجاح هائل. 














Ye“ tty الفصل‎ 


لا زالت تواجهنا حتى اليوم المشكلة القديمة الخاصة بقضية 
«الواحد» أو «القلة» مقابل «الكثرة». فالمش AIS‏ المحتدمة في علم النفس 
الخاصة بالمناظرة بين المنحي الفردي (الإكلينيكي) والمنحي المعياري 
(الناموسي) idiographic-nomothetic debate‏ تمثل أحد القضايا 
الأساسية التي تسعى إلى المصالحة بين المتطلبات المتعارضة للخاص 
والعام؛ للحس والمجرد . ينشا الكثير من التوتر بين المذهب الإنساني 
والعلم بنفس الطريقة. الشعراء وكتاب القصة هم ملاحظون حساسون 
للمشاعر الإنسانية: لا يذهبون أبعد من وصف الخبرة الحية للفرد . وقد 
of id‏ التحليل السيكولوجي من مغزاه الشخصي. ومن ناحية أخرى. يهتم 
العلماء أولاً باستخلاص رحيق المعنى الشخصي من بياناتهم للوصول إلى 
نتيجة تنطبق على كل شخص. ومع ذلك. فإن كل اتجاه من الاتجاهين 
لتناول الخبرة الإنسانية لا يكشف عن الحكاية برمتها: فأحد الاتجاهين 
يعوزه الدفء الإنساني. والآخر تعوزه العمومية. وتعمل البصيرة المشتركة 
على إثراء كلا الميدانين. 


ee‏ عم النفس الإنسائي س 
FY‏ 
العلم والإنسانية والإنسان O‏ 
هادلي كانتريل وتشارلز بومستيد 
(جامعة برنستون) 


التكاملية بين العلم والإنسانية: 


«إن الدراسة الملائمة للإنسان هي الإنسانء والإنسان فحسب» هكذا يقرر 
«جيمس ثوربر» „James Thurber‏ لقد صارت حياة الإنسان بتعددها وتعقدهاء 
بسبب التقدم التكنولوجي الهائلء تزداد اقتراباً من بعضها الآخر.ء وبالتالي 
تبدو المشكلات الأكثر إلحاحاً هي مشكلات علاقة الإنسان بالإنسان. ويمكن 
التوصل إلى حلول لتلك المشكلات بقدر ما نزيد من فهمنا لطبيعة الإنسان». 


إننا نقدر أن العلوم» وخاصة علم النفس» يمكن أن GB‏ بدرجة ALa‏ إذا 
كنا لا نقلل من قيمة التقدم في فهم الحياة الإنسانية الذي حققه العلماء بما 
فيهم علماء النفس؛ وأن مكونات هذه العلوم تكتسب إمكانية أكبر وقابلية أكثر 
على التطبيق على مشكلات الحياة: إذا أولت اهتماماً أكبر بالبصيرة التي تتوفر 
Lite‏ في العلوم الإنسانية. وهنا أيضا يهتم العلماء الإنسانيون أساساً بطبيعة 
الخبرة الإنسانية والتواصل الإنساني بكل أنواعها المختلفة. ومن e‏ ينبغي أن 
يعتبر الشعر أو الرسم أو الصلاة على أنها بيانات سيكولوجية شأنها في ذلك 
شأن تحديد العتبة الفارقة الحسية في المختبر أو قياس نسبة الذكاء. ومن 
الأهمية هنا أن نلاحظ تعريف «قاموس وبستر الدولي الجديد» لكلمة «حقيقة» 
على أنها: «ماله وجود حقيقي. سواء من الناحية الذاتية أو الموضوعية؛ أي 
حدث. عقلي أو مادي؛ واقعة أو خاصية أو علاقةء تتضح حقيقتها في الخبرة 
أوقد تستلخص منها على أساس من اليقين...». 

وإذا كان على عالم النفس أن يفيد من العالم الإنسانيء فإن العلم وخاصة 
علم النفس ينبغي أن يُعطي للتوجه الإنساني أبعاداً جديدة بتعظيمه للقيم 


(*) H. Cantril & C. H. Bumstead: Science, humanism, and man. In Reflection of the 
human nature. New York: New York Univ. Press, 1960, pp. 1-6. 


ent الفصل‎ 

الكامنة التي قد يتناولهاء وبتمكينه للشاعر أو الموسيقار أو الرسام أن يجد 

بعض الإلهام والتوجيه في «الحقائق» التي يكتشفها العالم والتكوينات التي 
يبتد عها . 


تبدو البيانات الأصيلة للحياة الإنسانية. سواء تلك التي يبحثها الشاعر 
أو e Tall‏ - وهي طبيعة الخبرة والسلوك البسيطة - بعيدة المنال أو على الأقل 
غير قابلة للإقرار والتسجيل. وكما يقرر «آمييل» Amiel‏ : «أن تتكلم معناه أن 
تتشتت وأن تتبدد . فالكلمات تعزل الحياة وتحددها في نقطة واحدة إنها 
تلمس فقط أطراف الوجودء إنها تحلل وتعالج شيئاً واحداً في وقت واحد». 
وهنا قد يزودنا التوجه الإنساني في الحقيقة بالمدخل الأوثق للبيانات الخام 
والوصفية التي ننشدها. «فالشعر الصادق أكثر صدقاً من العلم» لأنه تركيبي 
Synthetic‏ ويس تحوذ مرة واحدة على ما يستطيع حشد كل العلوم في الغالب 
أن يتوصل إليه كنتيجة نهائية». 


إذن» النقطة الأكثر أهمية للفهم. هي أن اعتبار الخبرة كالخبرة, كما 
تحدث مستقلة عن أي عرض للوصف أو التحليلء يكون في الغالب صعب 
المنال سواء بالنسبة للعالم الإنساني أو لعالم النفس. وبالتالي تبدو الخبرة 
الإنسانية الجارية والساذجة غير قابلة للإقرار والتسجيل والتعبير عنهاء ولكن 
ما نسميهم «بالعلماء الإنسانيين» هم الذين يبلغون هذه الخبرات غير القابلة 
للتصور والتعبير. ومن ثم نعود إليهم مرة أخرى في محاولة لأن نعلو بأنفسنا 
إلى مستويات من الخبرة أكثر إرضاء. توضح هذه النقطة بجلاء فقرة مأخوذة 
عن «روح الفن» لروبرت هنري: 

«هناك لحظات في حياتناء هناك لحظات في اليومء حينما يبدو أننا نرى 


ماهو أبعد من المعتاد — فنصبح بعيدي النظر. بذلك نتوصل إلى الحقيقة.تلك 
لحظات سعادتنا الكبرى. تلك لحظات حكمتنا العظمى. 


«وفي طبيعة كل الناس تكمن هذه الخبرات» ولكن في ظل حياتنا بتشعباتها 
ليست هناك إلا قلة نادرة فحسب قادرة على الاستمرار في الخبرةء وعلى أن 


تجد تعبيراً لها . 











لا ple ey‏ التقس الإنساني 


«في بعض الأوقات قد توجد أغنية تتساب من داخلناء أغنية ننصت 
إليها. تملأنا بالدهشة: ونؤخذ بها. وعلينا أن نستمر في سماعها. لكن AB‏ 
هي التي تقدر على أن تمسك بزمام نفسها في حالة من الإنصات لأغنيتهم 
ذاتها. وإذا كانت التبصرية الذهنية تتجلى فينا حينما تكون الأغنية المنسابة 
داخلنا ذات حساسية أكبرء لكنها تتقهقر وتتحسر في حضرة الذهن المادي 
البارد. فهذه التبصرية تتصف بالارس تقراطية وتآبي أن تربط نفسها بالوضع 
العادي — فنعود لنصبح ذواتنا الأصيلة. إننا نعيش في ذاكرة هذه الأغنيات 
التي تكون متاحة لنا في لحظات الصفاء الذهني. 


«إنها أبراج خبرتناء وتعتمل فينا رغبة التعبير عن هذه الإحساسات 
الصادقة. إنها الأغنية المنبعشة من داخلنا التي تحرك الدافعية لدى أصحاب 
كل O) os cial‏ 


وما كان الطفل الصغير غير قادر على إقرار طبيعة elle‏ خبرته في 
عبارات aad‏ فإن الشخص الراشد USS‏ حينما يقوم بعمله في هذا العالم 
لا يستطيع وصف وتسجيل عملية الأحداث التي يخبرها. وفي ذلك تتوفر 
بيانات توضح أنه حينما يكون هدف الفرد وصف وتسجيل الخبرة: فإن نفس 
بنية الخبرة وتواترها يكون خاضعاً للتغير. وقد يبدو من المجدي تصور عملية 
المعيشة على أنها عملية مفردةء موحدة, لا تتجزأء ولكنها عملية مركبة للغاية 
لا يستطيع رمز بمفرده التعبير عنها. لذا يكون الوصف بالضرورة تحليلياً 
وتتابعياً. إننا نغفل بعض الأشياء حالما نبدأ في ISH‏ أو الكتابة. وباختصارء 
نحن نتناول بالفعل خيالات أو تجريدات أو مفاهيم تغفل على الأقل بعض 
الجوانب من البيانات الأصلية. وبالإضافة إلى ALIS‏ من المعروف أن لدى كل 
شخص خبرات يشعر بها لا يستطيع توصيلها كلية إلى غيره من الأشخاص. 


لذا قد توفر الأوصاف الدقيقة للخبرة الإنسانية التي يأتي بها غير 
العلماء بروتوكولات من البيانات قد يبدأ بها العالم مهمته ذات الطبيعة متعددة 
الاختبار والتمحيص في محاولته للوصول إلى مجموعة من التكوينات يستطيع 


(1) Robert Henri: The Art Spirit. J. 8. Lippincott, Philadelphia. 














الفصل الثامن سس R34‏ 


في ضوئها تلخيص وفهم وتفسير عملية الحياة الإنسانية والتنيؤٌ بها على 
نحو أفضل. و بالنسبة للعالم الذي ينشد تصوراً رشيداً لوجودناء عليه أن 
يحلل ويصنف ويفيد من التجريدات والمفاهيم -- وهي خيالات قد تكون مفيدة 
ومجدية: ولكنها لا تظل أبداً كخيالات. يقول «هوايتهد»: «حقيقة الحقيقة 
taped‏ نتوصل aul)‏ عن طريق تحديد التفكير بالعلاقات الشكلية الخالصة 
التي تبدو على أنها الحقيقة القصوى. يفسر هذا لماذا يرتد العلم» في صورته 
الكاملةء إلى دراسة المعادلات التفاضلية. وهكذا قد انزلق العالّم الحقيقي 
الحي من فتحات شبكة العلم»2. 


تتضح وظيفة المفاهيم والتجريدات من ملاحظة «هافيلوك إيليس»: «إن 
تفكيرنا ذاته يصير متميعاً إذا لم نحصل عن طريق الخيال على مواقع وحدود 
خيالية نتحكم بها في تدقق الواقع. إنه الفن pol Sal‏ وموضوع التفكير أن 
نتوصل إلى الوجود بواسطة طرق مختلفة تماما عن الوجود ذاته. قتصوراتنا 
وإشاراتنا الاصطلاحية تقوم على وظيفة تخيلية تستخدم في العمل والأداء. إن 
التفكير في مراتبه الأدنى أقرب إلى العملة الورقيةء وفي أش كاله الأرقى هو نوع 
من Cu pail‏ 


ومن الأهمية بمكان ترسيخ مفاهيم «القيمة» (value)‏ و«القيّميّة» 
(valuing)‏ داخل نطاق العلم من فترة لأخرى؛ وهنا ينبغي على علماء النفس 
أن يولوا آذاناً صاغية لأولئك العلماء الإنسانيين الذين جعلوا من دراسة القيم 
مهمتهم. فسعياً وراء الأهداف القصوى للحياة: فإن ما نعرفه على أنه العقل 
أو المنطق أو الذكاء قد يلعب كله دوراً ضئيلاً للغاية: تاركا المشاعر والقيم التي 
تنفذ إلى صميم الخبرة الإنسانية برمتها. ونورد هنا بعض الملاحظات التي 
يغفلها «الاتجاه العلمى» التقليدي: 


«حينما تفهم كل شيء عن الشمسء وكل شيء عن الطقس الجويء وكل 
شيء عن إشعاع الأرض؛ فرما لم تتوصل بعد إلى شعاع غروب الشمس» 
(هوايتهد). 
A. N. Whitehead: Modes of Thought. The MacMillan Co., New York, 1938, p. 25.‏ )1( 
Havelock Ellis. The Dance of life. Houghton Mifflim, Boston, 1923, pp. 101-102.‏ )2( 











yy -—‏ عم النفس الإنسسائي — 


«حينما تعلم أن أوراق النبات مليئة بالحامض الكربوني المتحللء وأنها تهيء 
«Sn‏ جين لناء نبدأ في النظر إليها بشيء من اللامبالاة كما لو LAT‏ ننظر إلى 
عداد للغاز. لقد صارت آلة.. . ولا يعد انبعاث الضوء الأصيل xS‏ (راسكين). 


وكما يعلم كل فردء أن الخبرة من وجهة النظر الأولى للشخص - من وجهة 
نظرك - تختلط بالمشاعر وبالنغمات التوافقية للقيم cgill(value—overtones)‏ 
لا تتحدد بالمكان والزمانء حتى رغم استدعائها إلى العمل في أل «هنا والآن». 
هذه المشاعر والنغمات التوافقية للقيم ينبغي أن تتمايز بعناية عما يسميه 
عامة عالم النفس بالانفعالات: ويشير إليها غالباً كانفعالات Las‏ من الأفعال 
المنعكسة. فالمشاعر والنغمات التوافقية للقيم في الخبرة هي ما يزود خبرة 
الإنسان بخصائصها «الإنسانية» المميزة. وهذه المشاعر والنغمات التوافقية 
للقيم ينبغي أن تتمايز بعناية عن عمليات التفكير الرصين. 
جوقة (أوركسترا) الحياة: 

حياة كل فرد منا أشبه بسيمفونية. فآلاف الأحداث تأتلف في لحن ما 
نسميه بالخبرة - أو على نحو أفضلء ما نسميه »5,3 «(experiencing)» a‏ 
طالما أن الخبرة داثما متواترة وضي صيرورة. في بعض الأحيان يكون التواتر 
Gus,‏ ومنسجماأء وفي أحيان أخرى يكون فظأ ونشاذا. وقد تتكرر الموضوعات 
الأساسية من آن لآخر في وسط التواتر المستمر بنغمات توافقية جديدة 
ومتنوعة. ويذخر مدى الحياة من الميلاد حتى الموت بحركات تتصف كل حركة 
منها بتأكيد معين. في بعض الأحيان قد يتم اللحن بواسطة آلة واحدة أو آلات 
قليلة ولكن غالباً ما يتم بواسطة تشكيلة من الآلات حيث يتناغم صوت كل آلة 
مع اللحن الكلي ويتوه فيه. 

إن الموضوعات الأساسية لأية سيمفونية هي حياة قد تتحقق بواسطة 
وراثتنا الفريدةء لكن النسق النهائي للحن حياتنا يتألف مع تواتر حياتنا. 
فنحن نبني نموذجآً كلما تقدمناء وهو نموذج يصبح من الصعب أن نحيد عنه. 
ونسعى إلى تنقية اللحن من بعض الأصوات التي قد تفسد النسق العام. 
في بعض الأحيان يكون الإيقاع سريعا ومرحاًء وفي أحيان أخرى يكون Vds‏ 




















الفصل الثامان د ۲ 


وتقليديا. ويميل بعضنا إلى أن BL‏ مع أسلوب يتفق مع الأساليب المألوفة 
أو التي تلقى قبولاً في وقت معين: بينما يميل آخرون إلى المغايرة والخروج 
على المألوف. فالس يمفونية التي تؤلف حياتنا تكون سيمفونيتنا الخاصة تفرداً 
بكل واحد منا. ويسمع الآخرون من آن لآخر أجزاءاً فقط منها حيتما نسمعها 
بأنفسنا. وكثير منها يمكن أن نسمعه بأنفسنا فقط حينما نكون مع أشخاص 


آخرين. 


فقد كان لبيتهوفن أو موزارت عبقرية أن يُوَصّل للآخرين سيمفونية كاملة 
يسمعها هو نفسه. وعلى هذا النحوء يتمتع بعض الأفراد بموهبة نادرة في 
أن يوصلوا بالكلمات مجموع خبراتهم بطريقة يكون فيها لحدث معين خاصية 
العموميةء وتنعكس العموميات في أشياء حية محسوسة. أولئك الأفراد يقدمون 
«إلماعات» و«بصائر» لا يستطيع عالم النفس أن يتجاهلها. ومن الطبيعي كذلك 
أن يسعى e Ja‏ الإنساني إلى فهم الحياة الإنسانية على هذا النحو. لذاء 
بالرغم من أن طرق العلم توفر واحداً من أكثر طرائق المعرفة ue Là]‏ فإن 
العلم محدودء على الأقل كما يجري ونفهمه ale‏ بطبيعة المشكلات التي 
يتصدى Lgl‏ فعلى سبيل SLAM‏ يبدو العلم عاجزاً عن أن يجيب وحده على 
السؤال: ما الذي ينبغي أن يكون عليه هدف أو أهداف الإنسان في الحياة؟ 
وعالم النفس خاصة بحاجة إلى أن يفهم على نحو أكثر دقة وحساسية الدور 
الذي تلعبه الجوانب الخاصة بالقيم في الخبرة في تحديد أهدافنا ومراميناء 
سواء المباشرة أو القصوى؛ وهذا الدور الذي تلعبه في كل السلوك الإنساني 
ليس محكوماً بالانعكاسات أو المبادئ البسيطة للاتزان العضوي. لهذا السبب» 
وليس لأي سبب آخرء ينبغي أن نولي اهتماماً بما يتكشف من خلال المسالك 
الأخرى المؤدية إلى «الحقيقة». وبطرائق البحث والتنقيب التي تختلف عن 
طرائق العلم. فمعظم الناس تحقق حياتها وتعلمها وملاحظاتها خارج نطاق 
مختبر العالم أو تكوينه العلمي. ولهذاء فإن هذه الطرائق لا تنوء نسبياً بعبء 
الحاجة إلى أن تتسق في ضوء مجموعة قائمة من التجريدات. 

ومن المعروف عامة أن بعض الشعراء أو الفنانين أو الكتاب أو غيرهم من 
الملاحظين يتمتعون بحساسية مرهفة غير عادية للجوانب غير الرشيدة في 
الحياة. وبالرغم من أن علم النفس قد أخفق في بحث هذه الجوانب المجردة 











سإ عم التقس الإنساتئي — 


من الخبرة الإنسانية: وبالرغم من أن الكتاب اللاعلميين قد أرهفوا انتباههم 
إليهاء فإنه يبدو أن هناك فارقاً في الاهتمام بدور المشاعر والقيم. وفي تقدير 
هذا الدور بين العلماء والعلماء الإنسانيينء على الأقل في الثقافة الغربية. 


ولا نقصد في هذا الصدد بالطبع أن نشير إلى الإنسان على أنه «عاقل» 
rational‏ كلية أو «غير irrational «J ale‏ كلية: أو إلى أن علم النفس مطالب 
بأن يتناول استتثثاراً العمليات العاقلة: وأن الشعر (من حيث المعنى الكلي) 
مطالب بأن يتناول المشاعر استئثارا. ولا نتقصد كذلك أن نعطي انطباعا Ob‏ 
الشعراء يخبرون مشاعر «خالصة» بينما يكون العلماء خالين من المشاعر. 
فكلاً من علم النفس والشعر يكشف عن حقائق هامة عن كل الحياة الإنسانية, 
Las‏ فيها من جوانب عقلية وغير عقلية. ولكن ما يبديه كلاهما من اهتمام 
وتأكيد يبدو مختلفاً. ومن شأن الاعتراف بهذه الحقيقة أن يوفر بعض التوازن 
لأي فرد يهتم بالتعلم من كل من علم النفس والشعر. 





الج الثاليه 
علم النفس والقيم الإنسانية 


— yy ett a 
التاسع‎ uct 
الخراتط المعرفية20‎ 


لقد أبدى علماء النفس دائماً تناقضاً حيال القيم. فإذا أثرنا قضية 
الهدف النهائي» فلا شك أنه سوف يستدعي اصطداماً في الرأي. العلم 
gl ay‏ كما يقال LE‏ الحقائق» وليس القيم. «هذا الاتجاه - كما يشير 
«ديوك» قد تغلغل في علم النفس بواسطة «تيتشنر» الذي في تحمسه لجعل 
علم النفس أكثر علمية كان يقلد الفيزيائيين التقليديين واستبعد القيم من 
العلم الجديد وما تنطوي عليه القيم من معان وفوائد. 


لا يستطيع أي عالم أن ينفي اهتمامه بالهدف بدون أن يتورط في تناقضات. 
Ulag‏ يحول اهتمامه من دراسة العمليات الجزئية المعزولة إلى دراسة الإنسان: 
فإنه يجد نفسه مضطرأ إلى الأخذ بأحكام قيمية عن سلوك الإنسان وعن 
علاقته ذاتها بالناس الذين يحاول مساعدتهم أو دراستهم. يلاحظ «ميس» أن 
«عالم النفس التربوي يسلك كما لو أنه يعرف ما هو صالح للطفل. ويسلك 
المعالج النفسي كما لو أنه يعرف ما هو صالح للمريض. ويسوق عالم النفس 
المهني نفسه كما لو أنه يعرف ما هو صالح للعاملين. وعلى هذا النحو يسلكون 
في à Ball‏ وليس من المعقول أن خبرة كوننا بشراً لا تلقي بعض الضوء 
على ما هو ملائم للبشرية عموماً. وفي الواقع أن الخلافات النظرية في هذا 
الموضوع لا تصل عادة إلى حيز التطبيق. فما يسعى المعلم أو المعالج النفسي 
إلى تحقيقه في الفصل المدرسي أو في المقابلة الإكلينيكية هو تقريباً نفس 
الشيء رغم الاختلافات في الاتجاه الفلسفي. 


ومن الواضح أن القيم تفترض قبلاً وجود غاية أو هدف. فالأشياء في 

حد ذاتهاء كما هو واضح من تجارب التعلم. تكون مرغوبة فحسب إذا كانت 
تخدم غرضاً مفيداً: العصا تكتسب «قيمة» بالنسبة لقردة الشمبانزي حينما 
تستخدم للحصول على العنب. وهي تفقد الاهتمام بالعنب في الحال حينما 
W. F. Dukes, Psychological studies in values. Psychol. Bull., 1955, 52, 24-50.‏ )1( 


(2) C. A. Mace. Homeostasis, needs and values. In John Cohen (ed.). Readings in 
Psychology. London: Allen Unwin, 1964, p. 104. 











۳۸ طم النفس الإنساني 


تخفق العصا في أداء الغرض منها. وفي حالة الإنسان: يؤلف السعي الهادة 
عشرقةالشخصية 22233 الاتجاهات والتزعات المتسقة المرتبطة بالأشياء التي 
يفضلها نمط سلوكه. فالمفتاح الأكيد لمعرفة الشخص هو فهم نسق القيم لديه. 
ورغم أن الكتب الدراسية لا تعالج هذه النقطةء فإنه ييدو أن هناك اتفاقاً 
كبيراً في هذا الصدد. يشير «هول ولندزي»: «هكذا ييدو أن معظم أصحاب 
نظريات الشخصية عامة يدركون الإنسان كمخلوق غرضيء ولكن حينما لا 
يؤخذ هذا الموضوع كقضية مسلمة لا يبرز كقضية يحتدم فيها النزاع»(. 


ولا ينبغي أن يؤخذ هذا بمعنى أن إغفال تيتشنر للقيم قد اختفى AUS‏ 
من علم النفس كما قد يتراءى للبعض. فما يبديه بعض علماء النفس من 
تخوف هو أن الاهتمام بالقيم سوف يؤول حتما إلى مشكلات الغرضية التي 
تقع خارج نطاق البحث التجريبي. فالحصول على إجابات نهائية لأسئلة مثل 
«لماذا خلق الإنسان؟» ليس ميسوراً بالملاحظة والقياس ولكن ينبغي البحث 
عنها في أنظمة أخرى. وإثارة أسئلة حول طبيعة الإنسان تستدعي جدلاً لا 
ينتهي يحمل طبيعة فلسفية. إذن هل من الأفضل تجاهل جوانب القيم في 
الشخصية بقدر المستطاع؟ يلزمناء أولاً وقبل كل شيءء» ألا نسعى إلى الضغط 
على دراسة القيم إلى نقطة الانفجار. فالسؤال» لماذا خُلق الإنسان؟» يحمل 
إجابات كثيرةء معظمها متمركز ضمناً في الطريقة التي بها يصمم العلماء 
السلوكيون تجاربهم ويطبقون مبادئ علم النفس على تلك المجالات المتشعبة 
مثل le‏ الجمال والإرشاد النفسي والهندسة البشرية. ثانياًء يتم التوصل إلى 
القوانين النفسية المرتبطة بالتفكير والعمليات الإنسانية الأخرى على أنها 
«رواسب سلوكية» (behavioral residue)‏ بعد صهر كل الفروق الفردية. هذه 
القوانين تصف البشر عامة أكثر من وصفها لهذا الشخص أو ذاك. وقبل أن 
تستخدم بطريقة ذات معنى في دراسة فرد من الأفرادء ينبغي استعادة بعض 
المعادلات الشخصية التي ضاعت في عملية التعميم. وليس أقل في الأهمية 
من بين هذه الاعتبارات «الخرائط المعرفية» (cognitive maps)‏ التي تعمل 
على توفير الوجهة التي يأخذها كل هذا السعي والكد. 


)1( 0. 5. Hall and 0. Lindzey. Theories of personality. New York: Wiley, 1957. p. 539. 























٣۹ ct الفصل‎ 


إن علماء النفس كجماعة وكأفراد تحركهم أهداف غائية. وإذا كان لنا أن 
نثبت مدى الحاجة إلى الأهداف القصوى لمهنة علماء النفسء يكفي للتدليل 
على هذا ما يعرف ب «المعايير الأخلاقية لعلماء النفس» التي أصدرتها الجمعية 
الأمريكية لعلم النفس» (APA)‏ ومن المقترح لتدريب طلاب علم النفس أن 
يسجلوا كل الأحكام القيمية الأساسية الصريحة والضمنية التي تظهر في 
القسم الثالث الخاص ب «المعايير الأخلاقية في التدريس». 


ورغم أنه من الممكن أن يتمركز المحور الأساسي لمقاومة تقبل القيم (التي 

يرد ذكرها) Ulli‏ حول مشكلات المنهج أكثر من أن يتمركز حول وجود القيم 
في العلم فمن المحتمل أن Lid‏ تطرقنا لأهداف نهائية بتشويش فلسفي. 
ويمكن أن تضيف مناقشة هذا الموضوع في القسمين التاليين عمقا كبيراً 
لفهمنا لمسئوليتنا الشخصية والمهنية. 














— رم عم النفس الإنسساتي — 


cry) 
علم النفس — الصيرورة واللاصيرورة“‎ 
Ac 


(جامعة أونتاريو الغربية) 
يذخر علم النفس بالمحرمات: وأحد هذه المحرمات ما يتعلق بالأهداذ 
«القصوى أو الغائية» „(Ultimate aims)‏ 


مقل هذه الموضوعات الدقيقة تيعد عادة من الكتابات المتخصصة 
في علم النفس ومما يجري من حوار ونقاش بين علماء النفس. وعلينا ألا 
نذهب بعيداً للبحث عن أسباب ذلك. وأكثر ما يتضح في هذا الصدد شيوع 
المناخ الفلسفي الخاص بالوضعية المنطقية أو الامبيريقية العلمية؛ مع إنكاره 
col ua‏ وهو إنكار لا طائل تحته. وهنا نجد أن أكثر المتحمسين له يعمدون 
إلى تجنب الأهداف الغائية على أساس من الاعتقاد الشخصي. وآخرون 
يلجأون إلى ذلك على أساس من اللامبالاة بمشل هذه القضايا الكبيرة: أو من 
عجزهم عن التوصل إلى حلول لها . ولا يزال آخرون ريما يعرضون أين يقفون 
ولكن يعتبرونها كقضية شخصية, أو قد يخفقوا في تناول المحرمات بالاحترام. 
ومهما كانت الأسباب. فإني اعتبر مؤامرة الصمت هذه على أنها مأساة ولذا 
سوف أجعل هنا من قضية الأهداف والغايات موضوع اهتمامي الأول. 


بما أن الأهداف الغائية أو القيم تلقى ذلك الاهتمام الضئيل: فإني أستطيع 
أن أذهب إلى القول بأننا بدونها قد تردينا في حالة من الضياع سواء في 
حياتنا المهنية أو الخاصة: إلى أي مدى يستطيع السيكولوجي الإكلينيكي الذكي 
أن يقوم بمهمته بدون أن يتملكه تعجب وبعمق عما يحاول أن Salai‏ هل مهمته 
أن يساعد على محو الأعراض غير المرغوبة:؛ أو أن يختزل الألم النفسي؛ أو 
أن يعمل على تحسين الكفاية: أو أن يستعيد مستوى سابق للوظيفة: أو أن 
يسهم في النمو أو الاستقلاليةء أو ماذا5 هل يرى الصحة النفسية على أساس 
إيجابيء وإذا كان الأمر LISS‏ فما هي الحالة المرغوبة التي يهدف إليها؟. 


(1) G. H. Turner: Psychology- Becoming and Unbecoming. Canad. J. Psychol., 1960, 
14, 153-165. 





R4 et ا‎ 


ولا تختلف عن ذلك مشكلة الأخصائي في علم النفس الصناعي. هل 
وظيفته أن يساعد على تحقيق أهداف عميله أو على زيادة الإنتاج والكفايةء 
أو على تحسين العملية الإدارية: أو على مشاركة العميل بتصوراته الخاصةء 
أو على المساعدة في تحقيق الأهداف الموجهة اجتماعياً: أو ماذا ؟ يستجلي 
القسم الرابع عشر من دستور «الجمعية الأمريكية لعلم النفس» هذه المشكلة 
بوضوح هائل باقتراحه أن يقوم طلاب الدراسات العليا قي علم النفس 
الصناعي بتنمية وعيهم «بحقائق» العمل والحياة الصناعية. وإذا كان لي أن 
أفسر هذه العبارة تفسيراً صحيحاء فإنها تعني أنه لكي تكون Langs‏ ناجحاً 
ينبغي أن تعرف أهداف عميلك وأن تساعده على تحقيقها - وهو اقتراح برئ 
كما يبدو لي ! ويواجه المدرس بالجامعة والإداري صعوبات ممائلة. هل Jad‏ 
من برامج الدراسات؟ ولأي هدف؟ هل الهدف هو إصلاح المنهج المحوري. أو 
تنمية المهارات الموجودةء أو تخريج علماء. أو ماذا S‏ . 


Lies‏ نلمس عصبا أكثر حساسية aly‏ المشكلة إلى أذهاننا. كيف 
نستطيع تنظيم حياتنا الخاصة ونحقق لها الصحة والاستقرار إذا لم تكن لدينا 
أهداف أو قيم نمتطي صهوتهاء إذا وطأنا أرض النشاط بلا هدف أو قصدة 
فبدون وجود نظام هرمي للقيم تكون الحياة فوضى وبلا معنى. وبدون الوعي 
بقيمناء كيف يمكن أن نتقبل المسئولية بالنسبة لها ونتجنب أن نصير عبيداً 
لما قد تباشره المؤثرات الثقافية الهابطة فينا؟ وإذا توفرت لدينا مرغوبية 
الوعي بالذات. وتكامل وائتلاف الفكر والمشاعر والعمل؛ فإن المشكلات المهنية 
والعلمية والأكاديمية والخاصة تبدأ في أن تتبلور في مشكلة واحدة: ألا وهي : 
ما هي أهدافنا القصوى؟ وكيف يمكن أن تتجسد في حياتنا الخاصة والمهنيةة. 


ولكن ما الذي نهتم به في الوقت الحاضر؟ إذا US‏ نتجنب الدخول في 
مجنادلات حول الفلسفة اؤ حقى حول nba sal‏ سوف شرف صراحة 
بمطالب الأهداف القريبة البسيطة والمألوفة مثل زيادة الإنتاج والكفاية والربح: 
أو على نحو أفضل تحسين العلاقات بين أصحاب العمل والعاملينء أو تحسين 
التوافق الشخصي. أو تيسير عملية التطبيع الاجتماعيء أو رفع المستويات في 
المهنة» أو تدريب علماء بمستوى أحسن: وأفضل من هذا aS‏ الإضافة إلى 
المعرفة أو تطوير علم النفس كعلم وكمهنة. وإذا كانت هذه الأهداف تحظى 

















eee —‏ عم النفس الإنسساتئي سم 
بالاحترام فإنها تلقى أيضاً نوع من عدم الرضا. فهي كلها تترك السؤال بلا 
إجابة: فلماذا الحيرة؟ فإذا كنا نقف بعجز أمام قوة alll‏ أو الشيطان أو الدولة 
أو الإنسان الكامل أو غير ذلك من البدائل الغائيةء فإن ذلك يعني أننا نعترف 
Y Lal‏ نعرف ما نفعلهء أو إذا كنا نعرف» فإننا لا نعير عنه. 


ومن GLE‏ مفهومنا الكامل عن الإنسان أن يزودنا بخريطة معرفية أساسية 
تتلاءم فيها كل خرائطنا الصغيرة إذا كان لنا أن تكون لدينا نظرة متماسكة 
للحياة. ولكنه لم تتوفر لدينا نماذج ALLS‏ كما أن الأجزاء والشذرات التي تؤلف 
الأحكام الاتفاقية إنما تتصف بافتراضات غامضة وبعدم اتساق وبمغالطات 
جسيمة وبصدق مشكوك فيه. وإذا لم نكن هكذا على بَيّنة من طبيعة الإنسانء 
فكيف نتأكد - كمرشدين وموجهين ومعالجين ومعلمين - من أننا نفعل كل ما 
هو أفضل بالنسبة له؟ كيف نكون على يقين من معرفتنا بأفضل الأسئلة التي 
نطرحها عن طبيعة الإنسان موضوع دراستنا؟ فمن الصعب أن نجد إجابات 
جيدة لأسئلة رديئة. 






لا تظن أن هذا ليس من عملناء أو أنه يمس فقط اهتمامات أصحاب 
النظريات التأملية في الشخصية. هل نتخلي عن مشاركتنا في رسم السياسة؟ 
هل نحن راضون بإصلاح قرارات الآخرين؟ إذا كان هذا ليس من عملناء فما 
هو إذن؟ + 


ثمة اعتراض يتراءى للكثيرين يتلخص في أن هذا لا ينطوي على أهمية 
مباشرة بالنسبة LU‏ كعلماء, GY‏ علماء النفس لا يعرضون بدرجة كافية كيف 
يقدمون صورة متكاملة عن الإنسان. وتتحدد إجابتهم هكذا «أعطنا مائة سنة 
أو أكثر ليكون لدينا شيء old‏ أهمية نستطيع أن نقدمه». إن تجاهل ذلك لهو 
أمر lg ee‏ ولكن مناقشته في هذه الحالة تكون أكثر إقناعاً إذا لم تضع في 
الاعتبار تلك الحقيقة بأن نفس عالم النفس يعيش الحياة الحقيقية لش خص 
حقيقي بالمن زل وبالمجتمع وبين زملائه المهنيين: ويناضل من أجل ما يعتقد 
أنه صواب» ويشق طريقة في elle‏ حقيقي: وذلك على أساس من افتراضات 
حقيقية حول طبيعة الإنسان. 














ety الفصل‎ 


فاجتيازنا للشوط كله وتحديدنا لهدفنا النهائي سوف ينتهي بالطبع إلى 
لا شيء سوى إلى كلمات إذا لم نكن في نفس الوقت نتتبع خطواتنا ونحدد 
في نظام هرمي أهدافنا؛ ومن هذا النظام الهرمي للأهداف فحس ب تنشأ أية 
تضمينات واضحة للسلوكء والتي بها يمكن تقييم السلوك على نحو منظم. 
وبذلك يكون الشخص السوي الذي يتصف ذهنياً بالحيوية والنمائية واعياً 
بأهدافه. مهيا أبداً بالحاجة إلى تعديلها وإلى تغيير سلوكهء ومن ثم يحقق 
أهدافه على نحو أفضل. 


وإذا كان القارئ يتوقع منا أن نصل إلى اتفاق حول الأهداف» فليس هذا 
بمعقولء بالرغم من أن الكثير من اختلافناء كما اعتقد عن يقينء يرتبط 
بمعاني الكلمات أكشر من أن يكون اختلافاً حقيقياً. أي حواجز هائلة يمكن أن 
نقيمها في وجه التواصل الفعال؟! أي خطأ في التعبير يمكن أن نأتي به؟! 
يستطيع المرء بكل اعتزاز أن يعترف بالتردد أو الخلط. ولكن ما الذي يمكن أن 
يقال عن أولئك الذين ينكرون المشكلة أو يتجاهلونها؟. 


إذا كان لنا أن نقبل مسئولية اتخاذ القرارء مهما كان Ligh‏ فإن الأسس 
النهائية التي نقيم عليها حياتنا قد لا نشكلها بعمق طالما أن الإجابات متضمنة 
بالفعل في سلوكنا . فلكل فعل من أفعالنا هدف معين نتبناه. ولكن هل هناك 
ماهو أصعب من أن يكشف المرء عن افتراضاته ويجعلها صريحة؟ وأكثر من 
ذلك. فإن القيم التي نأخذ بهاء والغايات المتضمنة في سلوكناء لا تفترض legi‏ 
من الوجود المستقل. وعلى العكسء فهي تتغلفل في نظرة الإنسانء وفي تصوره 
لطبيعة الوجود ولمكانة الإنسان فيه: ما طبيعته؛ ما الذي يحتاجه: إلى أين هو 
ذاهب» كيف تكون مسئوليتنا نحوه؟ تحدد إجابتنا على هذه الأسئلة الترتيب 
الهرمي لأهدافنا. 


ولعلي أسلم بأن معرفتتا محدودة وبأن مفهومنا عن الإنسان ينبغي أن 
يتبلور مع افتراضات مستعارة أو مستحدثة. ولكن مما لا شك فيه أنه ينبغي 
أن نسعى باستمرار إلى الربط والتكامل بين تلك المعلومات كلما توفرت لدينا . 
وما بت على الس خرية EO T‏ التفين PSU NH‏ 
الأسس التجربية (الأمبيريقية) للمعرفة الخاصة بالإنسان, Laip‏ يعيش حياته 

















سإ تكلم النقس الإنسساتئي — 
على أساس مسلمات لا تضع في الاعتبار المعلومات المتوفرة بالفعل في علمه. 


ولعلنا لا نقع في هذا الخطأء وفي المقابل أن تكون مهمتنا إلقاء الضوء 
على طبيعة الإنسان. وعلينا في ذلك - كأش خاص عمليين وواقعيين - أن 
نتكرس تماما للتعرف على تلك الآراء المتعلقة بالإنسان والتي نعتقد أنها أكثر 
صلاحية. إننا مطالبون - كعلماء نفس - أمام أنفسنا وأمام الآخرين أن تحدد 
أي الافتراضات التي adi‏ أنفسنا للعمل على التحقق منهاء وذلك بغية إيضاح 
فكرنا وإعطاء وجهة أكثر اتساقا لعملناء وكذلك بالنسبة لعملائنا لكي يتأكدوا 
من ثقتهم فينا حينما يلجأون إلينا . 


إذا فعلنا ذلك سوف نجد أننا لا نعد بعد نعلن عن المعرفة من أجل 
ذاتها. ولا نعد نعتبر علم النفس كفاية في حد ذاته — كطريقة للتفكير زحفت 
إلى كتبنا الدراسية وإلى مقالاتنا لتناقش. مثلا أهمية ele‏ النفس في التدريب 
والاختيار isa LE‏ أو الخطر من علم النفس بالتخصص المبكر فيه؛ وغير 
ذلك- تلك فحسب طريقة للكلام: ولكنها قد تكون طريقة سيئة. فالمبالغة غير 
المقصودة تؤدي بسهولة إلى تأليه غير مقصود . وبينما لا يزال يوجد تساؤل 
كبير حول فاعلية ele‏ النفس كوسيلةء فمن الصعب أن نجرؤ على تحويله إلى 
غاية. 

إن الإنسان قد يحتاج قدرأ من الأشياءء ولكن الشيء الوحيد الذي يحتاجه 
بالتأكيد هو نظرة سليمة إلى نفسه» وهي نظرة تكون متسقة مع معرفته 
الكاملة بنفسه وبعالمه ومتغلغلة فيها. هنا يكون دور le‏ النفس ملائماً وفعالاً. 
فالعاكم لا يدور لكي يلائم علم النفس. وتشتق دراسة علم النفس تلك الأهمية 
من قوته في إسهامه في معرفتنا الخاصة بالإنسان وبآفاق تقدمه وإبداعاته. 


ومن المستحسن هنا أن Sai‏ أنفسنا بأن ele‏ النفس ليس إطلاقاً بالمصدر 
الوحيد للمعرفة عن الإنسان وعن الآفاق المتعلقة به. وكم من السهل أن ننحني 
إجلالا للعلوم الطبيعية؛ ونهمل العلوم الاجتماعية الأخرىء ونغفل الفلسفة 
والمصادر الفنية في الأدب والتاريخ والفنون. ولكن كم يعتبر هذا اتجاهاً ينطوي 
على عدم الحكمة وسوء التقدير. فالأنظمة الأخرى ليست مجرد « مصادر 











الفصل YO tc‏ — 
مفيدة لفروضنا» ولكنها تعد مصادر لمعظم مفاهيمنا وتقريبا لكل أفكارنا 
الجديدة. ومن أين نحصل على المسلمات التي بها ندير حياتنا؟. 


يتطلب ذلك إيضاحا أكبر. وسوف أقتصر على إقرار افتراض بأنه لن 
ينقضي وقت طويل إلا وسيصبح لعلم النفس والعلوم الإنسانية لغة تعبيرية 
أفضلء وحتى في المؤسسات العلمية قد يقوم علماء النفس أنفسهم بتدريس 
الفلسفة لطلابهم لنفس الأسباب التي من أجلها يدرس الإحصاءء وخاصة لأنه 
توجد مهمة خطيرة لا يمكن تركها لأقسام أخرى. 


وفي هذا الصدد كنت مهتماً باكتشاف أن المشكلات العملية المشتركة 
يمكن أن تجذب Les‏ ثلاثأ من العلماء - elle‏ في الدين وعالم نفس وطبيب 
نفسىء بهدف أن يضطاعوا بمهمة جادة تدور حول مقارنة وجهات نظرهم عن 
الإنسان واستنباط نقاط التشابه والاختلاف بينهم مع التركيز على التطبيقات 
العملية في مجالات الإرشاد والعلاج. لقد نشرت النتائج في ندوة بعنوان «ما 
هو الإنسان. إذن (what , then , is man) «S‏ لقد أثار دهشتي ذلك النجاح 
الواضح وتلك البادرة المشجعة بأننا قد نسير في تطور وتقدم. فإذا كان لعلماء 
الدين وعلم النفس أن يتعاونوا بفاعلية في سبيل التوصل إلى حلول لبعض 
المتاعب والمشكلات.» فينبغي ألا يكون من الصعب على علماء النفس أن يتصلوا 
ببعضهم الآخر إذا كان لهم أن يعقدوا العزم حقيقة على التصدي لمشكلات 
الإنسان. 


من الصواب أن نتذكرء عندئذ» أن ale‏ النفس لا يستطيع أن يدعي لنفسه 
مكانه الصدارة الوحيدة في دراسة الإنسان. فبالإضافة إلى ذلك ينبغي أن 
تكون لدينا الشجاعة لنؤمن بأن هناك أكتافاً أخرى بجانبنا تحمل المسئولية 
وتدفع العجلةء هناك الكثير مما يتوقف علينا ويكون مرهوناً بناء ولكن - 
لحسن الحظ - ليس كل شيء. 

وربما نتوقف أيضا للتبصر عجباً كيف أن الوظائف المعرفية للإنسان 
عظيمة بحيث تخفف من وطأة الأشياء المفجعة في خبرة الإنسان: وكيف نكون 
على استعداد للتسليم بأن العلم والمعرفة والحكمة هي كل ما يهمنا في الحياة. 


























— ااا لاا ااا للخلا عم النفس الإتسسائي سم 


وكما نعترف في علم النفس بتلك المآخذ التي تتمثل في تجزئة الفرد بهدف 
الدراسة: علينا أن نعترف أيضا بخطورة تجزئة الحياة من أجل العيش في هذا 
العالم» كما نفعل حينما نعمل كما لو أن X pall‏ هي كل شيء. لذا حينما نعود 
إلى وضع علم النفس في هذا «seal!‏ علينا أن نضع في الاعتبارعلم النفس 
داخل العلم؛ في سياق المعرفة الإنسانية؛ داخل سياق الحياة الإنسانية. فلا يكفي 
فحسب وجود من يعمل في مزرعة العنبء ولكن توجد أشياء أخرى ينبغي 
عملها بجانب دراسة العنب. ربما نستخدم هذا الوصف المجازي لتلخيص كل 
ما ذكرته وأيضا لتغطية كل ما أخطط الآن لإضافته. 


ملاحظتي التالية؛ o3]‏ تتحدد في أنه يبدو أننا لا نعطي للإنسان ما 
يستحقه من احترام إذا اعتمدنا في أحكامنا على النظريات السائدة. فلا 
شك أننا لا نعطي إلا اهتماماً ضئيلاً لخصالة الرفيعة ولإنجازاته الفذة. 
وإذا كان لنظرية في الشخصية: أن Gai‏ قبولاً عاماء فتوفر إطارأً مرجعيا 
للحياة وللتنظيم الانتقائي للخبرة وللملاحظة العلمية المنظمة › فإني أتفق مع 
«برونفينبرينر» (Bronfenbrenner)‏ وآخرين من شاكلته ممن يشعرون أن نضج 
علم النفس كعلم مرهون أساساً بما نضطلع به من أعمال في هذا الميدان 
لمستقبل هذا العلم. 


وبقدر ما يمضي التنظير في هذا الصددء يتملكني بعض من عدم الرضا 
حيال الافتراضات AHI‏ التي يمول عليها. ولعلنا نقرر منذ البداية أن معظمنا 
يبدو أنه من «التجريبيين المعرفيين» (epistemological empiricsts)‏ الذين 
يهتمون أساسا بتتبع كل المعرفة المتعلقة بالخبرة الحاسية: كما لو أن البيانات 
الخاصة بالخبرة توحد نفسها في مبادئ أو مفاهيم أو تعميمات مترابطة. ولا 
يوجد للتأمل الذي لا يتعلق بحقائق الملاحظة أو الذي لا تحكمه هذه الحقائق 
مكان في علم النفس,» ولكن لا ينبغي ألا ندع حماسنا في سبيل الموضوعية 
يعمينا عن الحقيقة بأن الشخص الملاحظ الفعال هو الذي يدرك البيانات 
الحاسية ويفطن إليهاء ويقدم الأطر المرجعية التي بدونها لا يكون للحقائق 
معنى. وما اعترض عليه هو أن الإنسان لا يأتي بشيء للموقف الذي لم يكتسبه 
من خلال الملاحظات السابقة. هذا واحد فقط من التوجهات التي أدت إلى 
اختزال النشاط النفسيء والتي أدت كذلك بتفكيرنا إلى أن يتجزأ وينش طرء 











RN ath القصل‎ 


والتي جعلتنا نخفق في تقدير إمكانية وجود وضع وسط معين (وسط فاضل). 
مثل الجمع بين التجربية (الامبيريقية) والعقلانية. 


وإذا مضينا بهذه الفكرة أبعد من ذلك قليلاًء ينبغي على سبيل المثال أن 
نتوقف عن ادعاء أن البصيرة العلمية يمكن تحقيقها باقتفاء مسار منطقي من 
التعقل الذي يتبع سلسلة من الملاحظات. فلا تنشاً نظريات العالم تلقائياً من 
البيانات ولا من تطبيق أساليب منطقية للتفكير. فإسهاماته النظرية تقوم ليس 
فقط على تلك الإنجازات العقلانية القابلة للتدريب: ولكن أيضا على المصادر 
اللاعقلانية والغامضة بعد عن حياته النفسية. ولا يعتبر التدريب العلمي على 
الإجراءات التحقيقية (مثل اختبار الفروض) Liles‏ لانطلاق الإبداع العلمي 
لتطوره. 


وإذا اتفقنا مع المدرسة التجربية (الامبيريقية) المتعمقة, نجد بصفة عامة 
«النظرة الواحدية المادية» (materialistic monism)‏ التي تذه ب إلى أن كل 
الأحداث النفسية؛ من حيث المبدأء قابلة للاختزال إلى أحداث فيزيقية. وهذه 
النظرة تحمل في ثناياها إلى حد بعيد «قانون الاقتصاد» (parsimony)‏ أي 
القلة من غير إقلال. وهي تتطلب منا أن نتقبل أن العمليات النفسية ذاتها التي 
بها نتفطن إلى العالم المحيط بنا يمكن اختزالها إلى الأشياء أو الموضوعات 
التي يمكن إدراكها وفهمها . ويؤدي ذلك إلى تصعيب معالجة الوعي» وإلى أن 
يكون مشالاً آخر للميل إلى الاختزال من النشاط النفسي الإنسانى. فللشائية 
مشكلاتهاء ولكن هل هي أكثر جسامة من المشكلات الكامنة في النظرة 
الواحدية؟ إن الثنائية قد تبعث على الانزعاج والضيق» ولكنها تشدني لكونها 
أكثر واقعية. 

نظرياتنا Lai‏ هي في معظمهاء آلية بعد أن قدم «كتشوم» (Ketchum)‏ 
مقاله الرائع المقنع في مجلة Canadian Psychologist‏ عن مزايا «الآلية». وقد 
يبدو من الحماقة أن نتخذ Lidge‏ بش أنها . لكنه وقع في خطأين: Sgt‏ هو 
إشارته إلى زملائي ممن يشايعونني من علماء نفس تحقيق الذات الغائيين 
على أنهم قبيلةء ولا أعتقد أنه يقصد من ذلك الثناء. ومن تلك اللحظةء 
أيقنت أن الآلية لا يمكن أن نسمح لها أن تستمر دون تحدي. لا شك أن هناك 











eee A —‏ كلم النفس y)‏ سم 


سراً غامضا يتعلق بالآلية بدرجة كافية لدى أي فردء كما أنه لا شك أن الآلية 
ضرورية كافتراض منهجيء» ولكن ل اذا تبدو كافتراض غيبي؟ الخطأ الثاني» 
LS‏ أشعرء هو افتراضه أن nits‏ الحيوي البيولوجي» (biological vitalism)‏ 
هو البديل الوحيد للآلية. المنحى الحيوي قد يكون أو لا يكون بعد توجهاً بغير 
ذات بال» ولكن من الضروري العمل عل أن نمعن النظر في منحى الانبثاقية» 
.(extistentialism) dicil, (emergentism)‏ وماذا als sis‏ سوف لا 
يكون هناك غيرها؟ . 


ولنتناول إيضاحاً آخرء وهو ما يجري من اعتراض شديد لمنحى «الحتمية» 
(determinism)‏ وحرية الإرادة. فالأشخاص الذين يشعرون بأن إحساسهم 
بالحرية والمسئولية ليس Lamy‏ يتملكهم الانزعاج من ادعاءات أنصار الحتمية 
العلمية. ويبدي العلماء الاجتماعيون اضطراباً حيال متضمنات مبدأ حرية 
الإرادةء إلى الحد الذي يدفعهم إلى أن يضيفوا إلى قائمة متغيراتهم واحداً 
يبعث على المنازلة والحرب» ولكن لا يكون قابلاً للضبط أو السيطرة من 
حيث المبدأ. فهم ينزعون إلى الشعور بأنه إذا كان لهذا النوع من الأشياء أن 
يستمرء عليهم أن يحزموا أمتعتهم ويعودوا إلى منازلهم — وهو قرارء أن يكونوا 
على استعداد لأن يتخذونه بكل ثقة ومسئولية. ومن الواضح أنه توجد بعض 
الصعوبات هنا تحتاج إلى حل. ولكن القضية تبدو مهمة لأسباب أخرى. فلا 
يستطيع أحد أن يعطي تقييما جامعاً وشاملاً للإنسان بدون أن يرتطم بهذا 
الموضوع. أضف إلى ANS‏ أن النظرة التي يتمسك بها عالم النفس التطبيقي 
أو غيره من الممارسين الذين يتصدون للمشكلات الإنسانية تؤدي إلى التأثير 
في اتجاهه أو فهمه أو معالجته أو نصيحته. 


لم يبد أصحاب الحتمية العلمية انزعاجاً وقلقا مثلما أبدوه حينما أصبحوا 
على وعي تام بوجهات نظر دعاة حرية الإرادة السوفس طائيين الذين لم يروا 
في الإنسان حرية نفسية غير محدودة في ظل كل الظروف. وإنما حرية 
محدودة؛ وإذا كانت ذات أهمية بالغة فإنها تكون في ظل ظروف معينة- وكل 
هذا في إطار حتمية ضرورية للغاية. لذا لا تكون حرية الإرادة متعارضة مع 
الحتمية ولكن تواكبها وتعليهاء ويكون الخصّم الحقيقي للحتمية هو اللاحتمية. 
هذه الآراء قد أحكمت وأتقنت بسفسطة فلس فية وسيكولوجية أكثر مما يمكن 








الفصل Y X4 ect‏ سس 


أن أعرض at‏ على يدي «فيذر مايلوكس» F. Mailloux‏ في دراسة له في 
«المجلة الكندية لعلم النفس» تستحق قراءة عميقة. واتخذ «فيجل» (Fiegl)‏ 
نفس الموقف في دراسته المختصرة عن هذه المشكلة في مجلة «السيكولوجي 
الأمريكى» (American Psyshologist)‏ ولكن استبدال اللاحتمية بحرية الإرادة 
كخصم حقيقي قد جعل من الصعب أن يكون له تأثير في à Sad‏ أعصاب 
صاحب المنحى الحتمي. وهو في ذلك يستطيع لفترة أن يلجأ محتكما إلى 
محافل العلوم الطبيعية. عندئذ يتوصل إلى الاكتشاف غير الرصين بأن علماء 
الطبيعة - من بين الناس جميعاً - هم خير مثل جدير بالاحترام العلمي؛ فقد 
أدخلوا ذلك المبدأ المتمرد الفظ الخاص باللاحتميةء خاصة فيما يتعلق بسلوك 
Gal‏ الجزئيات والذرات: ولكنه ينطوي مع ذلك على مزايا كاملة. الحتمية 
العلمية إذن هي في معضلة مزدوجة, وعليها بالتالي أن تتوصل إلى نوع من 
السلام مع الحرية. ومع اللاحتمية. 


ومن حسن الحظ, أن علماء النفس قد بدأوا في الاعتراف بهذه AKAN‏ 
وفضي أن يفعلوا Lid‏ بشأنها . يقترح «بول میهل» ) (P.Meehl‏ ثلاث اختيارات 
أمامنا في هذا الصدد: 


الأول؛ ويطلق عليه «الحتمية المنهجية: sas (methodological determinism)‏ 
ذلك الاتجاه الذي يدفعك إلى البحث عن قوانين في مجال السلوك الإنسانيء وإلى 
أن تتوقع التوصل إليها. وإذا وجدت قوانين راسخة i352)‏ فسوف يمضي كل شيء 
على خير ما يرام وإذا كان لك أن تتوصل إلى قوانين احتمالية. فسوف يكون هذا 
عظيماً بقدر ما سيكون مفيداً . ومن الواضح أن الإنسان يستطيع أن يتوصل إلى 
كل هذاء وإلى حرية الإرادة أيضا. 

النمط الثانيء ويطلق عليه «الحتمية التجربية, (empirical determinism)‏ هنا 
تبدو النظرة الأصعب GY‏ إذا كان افتراض الحتمية قد استبعد أشياءاً حسنة وفي 
نفس الوقت قد أوجد بالفعل نظاماً هائلاً في السلوك فإن التوقعات الواضحة ترجع 
في الغالب ولا شك إلى معلومات غير ALAS‏ وبالتالي فإن الافتراض في هذه الحالة 
يتحقق تجربياً ويرس خ إلا إذا ظهرت بيانات أخرى مضادة قوية. أصحاب هذه النظرة 
يمكنهم على الأقل أن يجلس وا ويتكلموا عن حرية الإرادة بدون ما انفعال. 


eee. —‏ عنم النفس الإنسائي —— 


الفئة الثالشة والأخيرة. وهي «الحتمية الغيبية» metaphysical)‏ 
(s (determinism‏ هذا ببساطة في القضية التي تذهب إلى أن كل الأحداث 
النفسية تقع Laag‏ لقوانين كونية عامة تتماسك كافتراض قبلي غيبي لا يعتمد 
بأي حال على البيانات التجربية. وهؤلاء الذين يتمسكون بهذه النظرة هم 
أولئك الذين عليهم أن يعترفواء إذا كانوا متسقين. بدون ما فخر أو خجل بأنهم 
قد يكونوا سعداء في الحياة ومسرورين لكونهم جزءاً من الحياة ولكنهم لا 
يتخذون موقفا يستطيعون منه أن يُمَيّموا أو يلوموا أنفسهم على ما يفعلونه أو 
مالا يفعلونه» والذين ينبغي أن يكونوا على استعداد للاعتذار إذا تكلموا بسبب 
عادات متأصلة» كما لو أن أي شخص ينبغي أن يفعل أي شيء. 


إننا مطالبون بالتوصل إلى حل في هذا الصدد بطريقتنا الخاصة. وأود 
فقط أن أقرر أنه إذا كنا جميعاً نتكلم ونعمل كما لو أنه يوجد لدينا قدر يسير 
من الحرية, وإذا كانت الحياة تبدو لكثيرين كدعابة أو أضحوكة رديئة لولم 
تكن لدينا بعض الحرية؛ فإني بالأحرى أتمنى أن نكون على درجة كافية من 
الأمانة والاتساق حينما نمضي إلى ما وراء نتائجنا ونحكي قصتنا القصيرة 
عن الإنسان. وذلك مما قد لا يغير قيد أنملة من مستوى الثقة لأي oU‏ 
إحصائي واحد. من ناحية أخرى. قد تؤدي إلى جعل نظرتنا أكثر انسجاما 
مع سلوكنا وخبرتناء وكذلك إلى أن يكون لدينا تأثير مرغوب على اتجاهنا نحو 
الكثير من المشكلات العملية. 


ولعل النقطة الأكثر أهمية والجديرة بالاعتبار بشأن التجربية والنظرة 
الواحدية المادية والآلية والحتمية. وبشأن عدد من المسلمات أو الافتراضات 
القبلية الأخرى الكامنة وراء ما نأتي به من تنظير عن GLAST‏ هي أنه لا 
الفلسفة ولا العلم يستطيعاً أن يستوضحا ضرورتها. فهي تمثل تفضيلات: 
وليس نوعا من الحقيقة القصوى. وإذا كانت تؤثر في تحديد طرق دراستنا 
by‏ تقييد تنظيرنا عن الإنسان: فقد نتخلى عنها أو Clas‏ كما نريد . وعلينا 
أن نقاوم الضغط الاجتماعي طالما أن علماء النفس: شأنهم في ذلك شأن 
الآخرين: يفرضون ضغط] هاقلا من ش خص على الآخر بهدف aL La‏ 2 لذا 
دعنا نتخلى عن الفكرة التي تذهب إلى أن القليل الذي نعرفه هو المقياس 
الكامل عن الإنسانء وإلى أننا نكتب عنه بلغة تعطيه بعض ما يس تحقه من 


















الفصل Y Y ett‏ — 
قضائله العقلية والانفعالية والمعنوية كاملة. فالصورة ينبغي أن تكون متسقة مع 
معرقتنا العلمية ولكن ليست محدودة بها. 


وثمة ثلاث قضايا عامة أخرى تشيع في النظرية السيكولوجية: أرى Ll‏ 
ليست بذات قيمةء لأنها لا تبدو ذات أهمية منهجية وتخلق صعوبات نظرية 
وعمليةء ومن ثم تؤثر في التقييم العام للإنسان. أحد هذه القضايا يمكن أن 
نتتبعه حتى ديكارت. أما الآخرتان فترجع أصولها أكثر إلى التطورات الجارية 
في علم النفس. 


أولى هذه القضايا وأقدمها يتمثل فيما تأصل فينا من عادة تجعلنا نعمد 
إلى تجزئة مفحوصنا الإنسان إلى عدد من العمليات المنفصلة: نعزلها بهدف 
القيام بدراسة أكثر ملائمة. أننا نففل في دراستنا للعمليات النفسية - كما 
يذكر «سنيج» (SYS)‏ - المبدأ التوحيديء وهو الشخص الذي فيه تستقر 
تلك العمليات» ثم نتعجب بعد ذلك لماذا لم نستطع التوصل إلى العمليات لكي 
تتلاءم معأ في صورة معترف بها عن الكائن الحي الإنساني. 


إن نزعتنا إلى تجزئة موضوع دراستنا إلى شذرات لا تبدو بوضوح أكثر 
مثلما تتجلي في الانشطار المفجع لعلماء النفس ولبناة نظريته إلى ثلاث 
معسكرات: المتحمسين التجريبيين -- الفسيولوجيين: والمتكرسين على دراسات 
علم النفس الاجتماعي.ء وإتباع ديناميات الشخصية. وقد أدى هذا التقسيم 
إلى قدر كبير من سوء الفهم. وإلى التنافس والتنازع. ومما لا شك فيه أن 
كل واحد قد تملكته نزعة إلى أن ينظر باس تخفاف إلى الآخرين,» وبالتالي لم 
تكن محاولات حل الخلافات ناجحة تماماًء من المحتمل بسبب ما كان يعوزها 
بوضوح من أساس نظري للوحدة - على الأقل إلى أن جاء المعالجون النفسيون 
الوجوديون في أوروبا. فهم يعتيرون الفرد على أنه «كل موجود» في وقت واحد 
وبلا اجتزاء من حيث الجوانب البيولوجية والاجتماعية والشخصية لعالمه. 
وبدلاً من أن يلجأوا إلى المفاضلة واستفراد مآثر أحدها على الآخر, فإنهم 
يصرون على أنه لا يمكن إغفال أي جانب من هذه الجوانب. ويس تطيع أي قارئ 
لكتاب «روللو ماي» عن «الوجود» (Existence)‏ أن يقف على أن ما يس تخدمونه 
من مصطاحات على «gil!‏ وهي: Lei] Umwelt, Mitwelt, Eigenwlt‏ تعني 








Y*YY —‏ معلل( عم النفس الإتنسسائي سم 


أساساء ما يطلق عليه «نوتان» الجانب النفسي - جسميء والجانب النفسي 
- اجتماعيء والجانب الروحي . وقد يبدو هذا كاقتراح متطرفء إلا أنه سواء 
ربط مناصرو الجانب البيولوجي Umweltrs‏ أنفس هم Les‏ يدرك Und‏ على أنه 
السلالات الصغيرة أم لا إنما يظل الموقف واضحاً. ولا شك أنهم ملزمون أن 
يفعلوا ذلك وإلا أصبح من المتعذر إقامة الروابط بين الجوانب المختلفة. 


ومن الافتراضات الأساسية المتضمنة أيضاً في الكثير من الأنظمة 
السيكولوجية افتراض نسبية القيم. ولا يتضمن هذا فحسب تلك الحقيقة بأنه 
توجد اختلافات واضحة بين المجتمعات فيما يتعلق بمفاهيم الصواب والخطاًء 
ولكن أيضا الاعتراض الأساسي بأنه «توجد قيم كونية عامة» إلا إذا ظهرت 
ثقافة عامة في التاريخ. 


وإذا كنا على استعداد لاعتبار «الأنسجة السليمة» (healthy tissues)‏ و«الأنا 
القوية» (strong ego)‏ على أنها أفضل من الأنسجة المتمزقة والأنا الضعيفة, 
فإنه يمكن تخطي الفجوة بين الحقيقة والقيمة وإقامة الجسور بينهماء ويصبح 
من الواضح أن الافتراض الأساسي الخاص عن «القانونية الكونية» universal)‏ 
(lawfulness‏ يحمل معه الافتراض الخاص بالقيم الكونية. ونعلم أن الناس في 
الثقافات المختلفة تشبع حاجاتها بطرق مختلفة بدرجة شاسعة. ولكن إذا كانوا 
يشبعون نفس الحاجات الأساسية:؛ وإذا كان إشباع الحاجة يعتبر قيمةء فإن 
هذه القيم ينبغي أن تعتبر إذن قيماً عامة. وإذا لم يكن الأمر ALIAS‏ فإننا لن 
نستطيع أن نخرج بمعنى لا من علم النفس ولا من الأخلاق الإنسانية. 

ولا يمثل هذا إطلاقاً نقطة OY alas a‏ نسبية القيم - من حيث كونها 
البديل الوحيد للأخلاق المسيحية - تفترض أن عدم الاستحسان الاجتماعي 
بالنسبة لغير المتدينين هو العامل الوحيد الذي يوضع في الاعتبار في تقويم 
سلوك الفرد. ولا نستطيع ألا نتبصر عقلانيا التأثيرات الاجتماعية على 
النظريات التي تطرحهاء وأن نشجع نتيجة مثل هذه- ففي تقديري أن كلاهما 
ينطوي على قصور وعدم مسئولية. 


وإذا احتفظنا بتصور القيم على أنها نسبية يعني تقبل الضمير كمفهوم 














الفصل التاسع اا — 


فرويدي Lokal‏ كاستدخال للمعايير الوالدية. ولا نستطيع بالطبع أن ننكر حقيقة 
الضمير الفرويدي» ولكن نستطيع أن ننكر استتئثاره بالموقف. خاصة وأنه لا يمثل 
إطلاقا البديل الوحيد للضمير. يشير «روجرز» coll‏ ويسلم «ماسلو» بشجاعة 
ب «ضمير داخلي»» وهو تكوين فرضي ينطوي على صدق تجربي هائل وعلى 
مفاهيم نفسية جيدة كثيرة تلقي تقديراً كبيراً. ومن الناحية الفلسفية؛ أعتقد 
ol‏ هذا يمان S usa‏ «للمدرسة الحدسية (ethical intuitionism) «a BAY‏ 
على «المدرسة التجربية (ethical empiricism) «à 435. S‏ وهو تفضيل أميل 
إليه لنفس الأسباب التي تجعاني أتقبل عمومية القيم الإنسانية الأساسية. 
لكن هذا موضوع آخر قد خضع للمعالجة المتعمقة بواسطة المعالجين النفسيين 
الوجوديين بمفهومهم عن «الذنب الوجودي» (ontological guilt)‏ وهو شكل 
من الذنب ينشا على الأقل جزئياً من إضاعة وتبديد إمكانات الفرد الكامنة. 
وهم يتكرسون على تقديم التدعيم الدنيوي القوي لذلك الموقف الذي جرى 
الدفاع عنه في علم النفس - وهو موقف بسيط ولكنه هام GU‏ ونعني به 
«عمومية القيم الإنسانية». 


والنقطة الأخيرة التي أود أن أتناولها تتعلق بجانب صعب على وجه 
الخصوص من حياة عالِم النفس. ألا وهي أن عالم النفس هو نفسه يمثل 
في الحقيقة جزءاً من موضوع دراسته. ونتيجة لذلك» إذا كان للسيكولوجي أن 
يحتفظ بتكامل عقلي وانفعالي. فإن كل ما يتعلمه عن الإنسان ينبغي أن يجد 
طريقه إلى التطبيق في حياته ذاتها. في معظم الأنظمة العلمية الأخرى قد 
تقدم النظريات الجديدة أو التصورات الجديدة تحدياً عقلياً حقيقياً. ولكن هذا 
لا يمثل إلا جانباً فحسب من المهنة ولا يؤثر إلا على الجانب الفني (التقنيات) 
فحسب من أفكار الدارس وأفعاله. أما عالم النفسء فهو مطالب بأن يعدل 
باستمرار ليس فحسب من موقفه النظري ولكن بأن يأتي في نفس الوقت 
بتوافقات ملائمة في نظرته الكلية للحياة وفي أسلوب حياته. وإذا كان يتبني 
فلسفة غير مباشرة: فعليه أن يغير بعض سلوكه. 

هذا الموقف يفرض على عالم النفس بإلحاح وجدية بأن يضع في الاعتبار 
الأفكار الجديدة- الإنسانية والإيجابية: وهي ولا شك مدعاة للعناء والمشقة. 
ولكن إذا لم يفعل ذلك» فهو إما أن يكون شخصاً مختلاً أو إنساناً مخادعاً. فكل 








YYí —‏ ااا ب لط عم النفس الإنساني 


الدلائل تشير إلى ضرورة تركيز الاهتمام على مقاصدنا ومرامينا ومعتقداتنا 
الشخصية: وعلى سلوكنا الشخصي. ومن الضروري بالنسبة لعالم النفس» أكثر 
من أي شخص آخرء أن يولي اهتماما فائقاً بنموه الشخصي السوي من حيث 
أنه الأساس السليم الوحيد لتقديم أية مساعدة للآخرين. 


والخلاصة:؛ ثمة نظرة متفائلة للغاية تسيطر على تفكيري من حيث 
مستقبل علم النفسء ليس ببساطة فقط استناداً إلى منجزات الماضي ولكن 
بسبب الإمكانية الهائلة التي لا تزال كامنة في الاتجاه العلمي نحو فهم الإنسان 
ومشكلاته. ويقيني الشخصي» مع ALIS‏ أن إمكانات علم النفس.ء كعلم وفن 
على حد سواء. سوف تتحقق كلية إذا كنا على ALG‏ أكبر بالأهداف القصوى 
التي نعد أنفسنا للعمل من أجلهاء وإذا كنا نعمل في بحوثنا على أساس 
«التوجه نحو المشكلة» (Problem-oriented)‏ أكثر من اهتمامناً «بالتوجه نحو 
الطريقة» (method-oriented)‏ وإذا كنا أقل نزعة إلى فرض استنتاجاتنا التي 
نتوصل إليها بشأن طبيعة الإنسان على الافتراضات القبلية التي تكمن وراء 
مناهجنا في البحث وعلى نطاق من المعلومات متقيد بمجالنا. بقول آخر, 
نحن مطالبون بالتخلص من المزالق المنهجية والفلسفية التي جعلتنا متورطين 
بالفعل في حبائلها . ولكن ماذا عن هذه المزالق والحبائلء وما الذي يمكن أن 
نفعله بشأنها؟ فقد قدمت بعض المقترحات التي اخترتها من بين العديد مما 
قدمه الآخرون: لقد تحدد انتقائي بطبيعة الحال وفقا لاتجاهي الخاص الذي 
يمكن وصفه بأنه إتجاه إنساني يسير على درب «ماسلو» وبتأثير من المدرسة 
الوجودية. وعلى أية حال؛ فقد أوضحت في أي اتجاه أسيرء وعذري في ذلك 
ليس في أنك ملزم ob‏ تأتي معي؛ رغم أني أسعد كثيراً بالصحبةء ولكن في 
أنه من واجبك أن تدع الآخرين يعرفون إلى أين أنت ذاهب. وإذا كان الوصول 
Lal‏ غير مضمون. فهو لا يمثل عذراً يبرر الإخفاق في الكشف عن الوجهة 
المقصودة. 











الفصل A‏ ب 9 — 
(ev)‏ 
نحو مسئولية علمية ومهنية(“ 
م. بريفستر سميث 
(جامعة كاليفورنيا) 
كيف تترابط المسئولية والقيم؟ بالنسبة للقيم أعني معايير الاختيارء 
الضمنية أو الصريحة. لدى الشخصء بقدر ما تكون محكومة بالالتزامات 
أو المتطلبات. وترتبط القيم ارتباطاً وثيقا بالغايات أو الأهداف» ولكن ذلك 
لا يعني أن كل الأهداف قيم - فأكل السبانخ مثلاً. بالنسبة للطفل الأمريكي. 
يصبح محملاً بالقيمة أكشر من IST‏ البوظة (الأيس كريم). Lal‏ المسئولية. 
فتتناول علاقة سلوك الشخص بقيمة. وقد تتضمن كذلك نوع القيم التي يلتزم 
بها الشخص. ولتبسيط مهمتي» سوف افترض أن معيارنا الجديد الخاص 
بالأخلاق يكشف أننا على اتفاق طيب بشأن عدد من القيم التي تلقى قبولاً 
بصفة عامة. وفي رأيي أن مشكلاتنا الأخلاقية ترتبط بعلاقة قيمنا بما نفعله 
حقيقة كعلماء نفس أكثرمما ترتبط بما تكون عليه قيمنا بالفعل. 
ووفقاً للمصطلح الذي أقصد اس تخدامه في هذا الصددء يتصرف الشخص 
بمسئولية إلى الحد الذي يتفق فيه سلوكه على الأقل مع الشروط التالية: 
أولاً - أن يكون واعيا بالسياق القيمي الذي يعمل في نطاقه؛ وتخضع 
أهدافه للفحص الواعي» ويرتبط سلوكه صراحة بقيمة. 


ثانيا- أن تتم اختياراته في ضوء فهم ملائم لنتائجها المحتملة التي يستطيع 
أن يتوصل إليها. وتخضع العلاقات التي يفترضها بين الوسائل والأهداف 
للفحص الناقد ولا تؤخذ كقضية مسلمة. 

LUG‏ - أن يكون مستعداً لإصدار أحكامه في ضوء اختياراته للأهداف 
والوسائل» وأن تكون لديه المرونة لإعادة النظر في كل منها . 


(1) M. B. Smith: Toward scientific and professional responsibility. Amr. Psychologist, 
1954, 9, 513-516. 











ل eee‏ عم النقس y)‏ سم 
بقول آخر. هو يضطلع بالمسئولية بالنسبة لقراراته وأفعاله. 


وإذا كانت هذه الملاحظات سليمةء فربما تكون مؤشراً لوجود اتفاق 
حقيقي بشأن اعتبار «المسئولية كقيمة في حد ذاتهاء. إلا أن الدوافع الشخصية 
والصراعات بين القيمء كما نعلمء غالباً ما تقف في طريق التصرف المسئول. 
وإذا كان البعض قد تناول مصادر اللامسئولية في الموقف الاجتماعي لعلم 
النفس. فسوف أتكرس في هذه الدراسة على تفحص بعض أش كالهاء وأتناول 
ثماني خطاياء فانية أو صغيرة. 


التثبت على الوسائل: 


يستطيع المرء أن يجد بسهولة في أنشطة علماء النفس أمثلة من نوع 
«الاستقلال الوظيفي للدوافع» حيث يؤدي التركيز الضيق على الوسائل إلى 
سلوك قد يعوق «قيم الهدف» (Goal values)‏ أي القيم الكامنة في الهدف. من 
التقدم نحو وجهتها المنشودة. ولنتناول: على سبيل JEM‏ زخارف العلم. هل نتتبع 
حقيقة تقدم الفهم ob‏ نسائل أنفسنا من وقت لآخر. أو هل نبتعد بحماسنا غير 
الواعي جانبا عن الوسائل المتبعة, أو أدوات البحث؛ أو ما هو متعارف عليه من 
تحليل إحصائي؟ قد يتمخض الولع بموضوعات وطرق الدراسة عن اتجاه شائع 
يأخذ باهتمامات ذات أهمية أقل من أن ينتج عن الإخفاق في الاحتفاظ بنظرتنا 
مستندة إلى أهداف داخل السياق الأكبر الذي يعطي أهمية لأنشطتنا العلمية. 
وقد يكون التركيز على الجزئيات البسيطة هو الأسهل بالنسية لنا بسبب 
السذاجة التي بها يحدد «الحس العام» وطلاب الكليات المشكلات بالنسبة لعلم 
النفس. ويعتبر الإصرار الواعي على صياغة أسئلتنا بطرق تسمح بالاضطلاع 
ببحث علمي» مجرد خطوة على طريق الحبك العلمي. 


فالوسائل يمكن أن تصير غايات سواء من الجانب المهني أو الجانب العلمي 
لعلم النفس. فمثلاً. هل التقليد الجاري في تفسير الرورشاخ يظل قائماً مهما 
كان الحال؛ كيف يكون جدول التغذية أو الاتجاه المتسامح مقدسا؟ إن الحرارة 
تميل إلى استبعاد الضوء حينما تؤخذ الوسائل كفايات في حد ذاتها: ومن 
حسن الطالع أن الاستقلال الوظيفي على هذا النحو يكون s‏ ناقصاًء كذلك 








۷ ety الفصل‎ 


يكون من النادر التخلي عن أهداف العلاج الفعال أو التشخيص أو التنشئةء 
رغم أنها تكون كامنة في بعض الحالات. فالنظرة الواضحة للوسائل كوسائل 
-أي في علاقتها بالآهداف- هي الضمان الأفضل ضد التثبت عليها. 


مطلقية الوسائل: 


يرتبط الشكل الثاني من أشكال اللامسئولية في القائمة التي أتناولها في 
هذه الدراسة بالشكل الأولء بدون ما تحديد قاطع بينهما. وأعني بمصطلح 
«مطلقية الوسائل» (absolutism of means)‏ فرض علاقة غير متغيرة أو جامدة 
أو حمقاء تؤدي إلى إغفال الحاجة إلى تقييم ملائمة الوسائل للغايات. وتتضمن 
الأمثلة التي تحضرني في هذا الصددء وهي أمثلة موضع Jus‏ اهتماماً واعياً 
بالوسائل بدلا من التثبت الأعمى. ولكن النتائج قد تكون متشابهة كثيراً. فمن 
خلال الإصرار على أن الأشياء أبسط مما هي عليهء يجعل عالم النفس يعفي 
نفسه من الاختيار المسئول. 


ولنتناول المبداً الأول للعملية الجماعية الديموقراطية. توضح البيانات 
المؤثرة أنه حينما يلجا المعلم أو القائد أو الإداري إلى دفع أعضاء الجماعة 
Lady‏ لمصادرهم» فإن التغيرات التي تحدث في معلوماتهم واتجاهاتهم وسلوكهم 
والتي تنبع من الداخل تنطوي على ثبات وأهمية شخصية لا يمكن تحقيقها من 
خلال الإجراءات التسلطية أو المفروضة من أعلى. ويمثل هذا اكتشافاً ata‏ 
ولا يتبع هذاء مع AS‏ أن التدخل التسلطي قد لا يكون ضرورياً في الغالب» 
ولا يعني أن الطرق الديمقراطية قد لا تستعمل في خدمة أهداف معقولة. 
هما يعتبر لا مسكولية, لأنه يستبعد الاختيار التمييزي حينما يكون الاختيار 
مطلوباء هو أن نفرض ذلك على الطريقة ذاتها بما يؤدي إلى إغفال البحث 
في مدى ملائمته للهدف أو ملائمة الهدف نفسه. من الخطأ أن نفترض» 
مثلاء أن العملية الجماعية الديمقراطية كما يستخدمها خبراء الإدارة تضمن 
Lula‏ نتيجة ديموقراطية تحتفظ بأفضل اهتمامات العاملين والرؤساء على 
حد سواء. فالكثير من الممارسات قد صارت أكثر معقولية باسم الديمقراطية. 


وعندما ترتقع إلى مستوى العقي دة (الدوجما): فإن الطريقة غير BLM‏ رة 
في العلاج النفسي قد تبدي أوجه نقص ممائلة. فإلى الحد الذي يكون معه 











eee A —‏ عم النفس الإنسسائي سم 
المعالج واعيا بدرجة وطبيعة تدخله. يستطيع فقط في هذه الحالة أن يوجه 
دوره في العلاج بمسئولية. 


إن الطريقة الحمقاء التي تقوم على إقرار العلاقة بين ما هو «بسيط 
ومركب» قد تجعانا نتجنب. أو نتخلص من» مسئولية إصدار الأحكام أمام 
ذلك التعقيد. وحتى إذا كانت محاولاتنا التي تستند إلى مبادئ بسيطة تبدو 
صادقة. فإن تطبيقها على مواقف حقيقية معقدة سوف يتطلب Lie‏ ولا شك 
ob‏ نأتي بأفضل الأحكام وأكثرها صراحة. 


مطلقية الغايات : 


هنا انتقل إلى قضية أخرى موضع جدل ومناقشة. لقد ساعد علماء 
النفس وغيرهم من العلماء الاجتماعيين على تقويض ال موقف المطلق للغايات 
والقيم التقليدية التي تلقى سنداً دينياً. وربما نكون على اس تعداد بدرجة كافية 
لأن نتكشف التنصل من المسئولية حينما يلجأ الأشخاص إلى تبرير اختياراتهم 
بالركون إلى تدبير للأشياء فوق البشر, أو إلى أساليب ثقافتنا التي تبدو 
كأساليب ملائمة للإنسانية. إلا أن البحث عن القيم لسد الفجوة التي تركها 
علم اللاهوت قد ظل LUE‏ كما هو بحثاً عن مطلقات أخرى تحمل نفس ما 
كان يشيع من قبل. ولقد قدم علماء o4 dill‏ أو فرضوا من جانبهم: قيمهم 
الجزئية كمطلقات مباركة باسم العلم. ويحضرني في هذا الصدد مثال مفهوم 
«التوافق» الذي يؤكد «أن نكون الكل وغايتقا «(be-all-and-end-all) « JS t‏ 
وهو مثال قد تردى في سمعة سيئة. فلا شك أنه ليس من غير المسئولية 
بالنسبة لعلماء النفس أن يفضلوا التوافق ويسعوا إلى تنميته»ء وإنما تأتي 
الصعوبة حينما نضال أنفسنا والآخرين بأن العلم يمنح سلطته وفقا لالتزام 
ينبغي التوافق معه. فالعلم بطبيعة الحال Y‏ يمكن أن يقوم بذلك. والادعاء بأن 
في مقدوره ذلك إنما يقف حائلاً دون تكشف المعايير البديلة. 


إن اختيار الغايات مسآلة شخصية, يتم التدريب عليها بمسئولية أو بغير 
مسئولية» أو يتم التخلي عنها تفضيلا لتقليد أو لمجرد المسايرة. إننا كعلماء 
لدينا مقدرة خاصة بها نستطيع أن نخضع مجال هام من الحقائق وفقا 








القصل Y Y eat‏ — 
لاختيار الغايات - وهي حقائق عن النتائج الجانبية والآثار التي تعود على 
اختياراتنا. فالشرك المنصوب لناء والذي علينا أن نتجنبهء هو إغفال ic‏ 
الاختيار الشخصي الذي يبقى طالما بقيت الحقائق بداخله. 


الهروب إلى النسبية أو« حيادية القيم»: 


إذا نظرنا إلى العلم على أنه لا يتمسك بالمطلقء قد يدفع علماء النفس 
إلى أن يقيموا سلاماً مع أنفسهم بواسطة رفع شعار the‏ الأنثروبولوجيا عن 
«النسبية الثقافية» القيم فرصة للتهذيب والتعليم نقبلها عن طيب خاطر 
Lax Las‏ آداب aa SU‏ اوقد ينكرون بمسظعية ان مجالات التحقيقة الغلمية 
والقيمة لا تتفق مع بعضها . لكن عالم النفس لا يستطيع أن يتوقف عن الأخذ 
باختيارات كعالم أو معلم أو معالج أو إخصائي في الهندسة البشرية. هذه 
الاختيارات قد تكون سديدة أو غير سديدةء مقصودة أو غير مقصودة. مسئولة 
أو غير مسئولةء ولكنها تتم وتؤدي إلى نتائج معينة. وينطوي تقبل قيم ثقافة 
الفرد كما هي وبدون تفحص على اختيار محافظ. ويرفع صوت عالم النفس 
لكي يتناغم مع المسايرة الكلية- وذلك اتجاه قد لا يكون إطلاقا على المدى 
الطويل محافظا لقيمنا التقليدية. ومن شأن الزعم بعلم متحرر من القيم. 
حيث يتجاوز الإصرار على الاهتمام المنظم بحقيقة اتفاقه أو عدم اتفاقه 
مع رغباتناء أن يعوق عناصر القيم في اختيار المشكلة, وفي تحديد البحث. 
وفي الإطار التصوري له. وضي اتخاذ قرار حينما تكون النتائج سلبية؛ أو 
حينما تكون النتائج قابلة لإقرارها في تقرير البحث؛ وهكذا إلى مالا نهاية. 
إنناء حينما نعرف فحسب ما الذي نختاره» وحينما تكون القيم المتضمنة في 
اختياراتتا فحسب صريحة: فإن القرارات التي نتخذها EREET‏ 
عزل القيم المتصارعة : 
٠‏ قد يكون لبعض الوسائل التي نقررهاء وكذلك آخرون, بالفعل جاذبيتها لأنها 
كُستخدم لعزل القيم المتصارعة عن بعضها الآخر. فالإصرار على حيادية القيم 


Lt‏ قد يؤدي إلى حصر الصراع بين القيم الكبري لدى عالم النفس الذي ينبغي 
أن يعتمد» كسند لعملهء على مصادر ليست متساوية في مدى استثارتها للاهتمام. 








ees —‏ تلم النقس الإنسسائي — 
قد يكون العزل - وهو «حيز مقيد منطقيا» - وسيلة ضرورية في مجتمع أو 
شخصية أقل تكاملاً أو eni‏ ولكنه يستبعد التفاعل المنتج الذي فيه قد نحقق 
ابتداع وسائل جديدة للحل وتشذيب قيم راسخة من قبلء والتي يمكن منها أن 
ينشاً اتفاق عملي قائم على الأساسيات والأولويات. والصراع: بعد كل ذلك مسألة 
جادة وقاسية يصعب مواجهتهاء وأصعب من أن نتحملهاء والأكثر صعوبة في الحل. 
وبقدر ما نكون أكثر قدرة على مواجهة البدائل في اتخاذ اختياراتنا بإنصاف بقدر 
ما يقل احتمال تعرضنا للصراعات الأساسية التي تفوق قوانا . 


دليل وفاء الضمير: 


من الاستجابات التي يقوم بها كثير منا نحو الصراعات القيمية في العلم 
والمهنة وكذلك فى الحياة الشخصية ما يعرف بوفاء الضمير. فكثيراً ما تتوفر 
لدينا كمكة طيبة ونتوفر على أكلها أيضاء ولكننا قد لا نتناول إلا قطعة صغيرة 
وغير مغذية. وقد يعتبر تقيدنا بين التزاماتنا نحو البحث ونحو واجباتنا 
التدريسية أو المهنية أو الإدارية مدعاة لإخماد الضمير بكتابة مقالات بحوث 
صغيرة — ليست جيدة وليست بذات أهمية؛ ولكنها لا تنتقص كثيراً من مزاولة 
التزاماتنا الأخرى. وقد نعمل في برنامج خاص ببحث تطبيقي لإرضاء العميل 
بتقديم دراسة منهجية تدخل في محراب العلم. وبإبداء التردد أو الصراع بين 
التعلق بالعلم وبين مسئوليتنا كمواطنين. فإننا نعمل كما لو Uil‏ نقوم بدراسة 
صغيرة عن التعصب مثلا قد تبين أننا نسير على الطريق الصحيح. 


ومن الواضح أن النتائج الحميدة تتأتي من هذه التوفيقات أو المصالحات. 
ولكن إذا كنا أكثر اكتمالاً في أنفسنا كعلماء وكمهنيين وكمواطنين. فربما نعمل 
على تقدم قيمنا بفاعلية أكثر. والكثير من البحوث التي تجرى من أجل الوفاء 
بتلك المسئولية الاجتماعية قد لا يتحقق كذلك. وغالبا ما يكون الموضوع الذي 
يؤخذ للتوفيق أو المصالحة غير استراتيجي £l ua‏ بالنسبة للتقدم العلمي أو 
بالنسبة للعمل الاجتماعي. وغالباً ما يكون الجهد الذي يبذل في البحث غير 
كاف لتحقيق ما هو أكثر من Juul‏ أوما هو أكثر من النتائج «المتوقعة». وإذا 
أمكن مواجهة الصراع بحكمةء فربما يكون الفرد إذن في موقع يختار منه بين 
قيامه بجهد أكثر طموحا أو بلا شيء على الإطلاق. فربما يقرر spall‏ أن يهتم 








ets القصل‎ 


بمزايا البرج العاجي بدلاً من أن يتحسر على عزلته؛ أو أن يلعب دور العالم 
والمواطن في ظروف منفصلة, وليس في وحدة مترابطة. أو ريما يعود الفرد 
إلى نفس المصالحة أو التوفيقية على أنها الحل الأكثر ملائمة وإرضاءاً. وفي 
كل الأحوال؛ ينبغي أن يكون القرار موضع اعتبار. 


التزمت وضيق الأفق: 


في الواقع أن تورطنا في معظم الأزقة المغلقة التي كشفنا عنهاء هو نوع 
من خطايا أو أخطاء العلماء - من نقص الكفاية المعرفية التي تجهض القرار 
الواضح والملائم. وقد يؤدي ضيق آفاقنا الخاصة كعلماء نفس إلى تقييد 
نطاق الاختيار الملائم. فعلى سبيل المثالء قد تؤدي شهرة نظرية «التمركز على 
الإدراك» (perception-centered)‏ في علم النفس الاجتماعي» بدون قصدء 
إلى أن ننشغل بالإدراكات الاجتماعية على حساب الحقائق الاجتماعية. في 
هذه الحالة تكون الحقائق خارج نطاق جُعْبة علم النفس. بينما يكون من 
السهل علينا أن نؤكد على نظرة الناس إلى الحقائق. ومن الأهمية بمكان 
في إدراكات الناسء أن مثل هذا الوصف الجزئي يشير بوضوح إلى أساليب 
العلاقات العامة للإنسان أكثر من أن يشير إلى المقاييس المباشرة لمواجهة 
المواقف غير الملائمة. وفي الحقيقة أن برامج الحرب النفسية والعلاقات 
بين العاملين تعتمد على ذلك حيث يؤدي التحايل بالمظاهر إلى عدم إخلال 
بالوضع الراهن. وريما ينسحب هذا أيضا على أساليب العلاج النفسي الذي 
يركز على تغيير إدراكات الشخص لذاته. 


وفي الحالات التي نسعى فيها إلى تطبيق المعرفة السيكولوجية على 
عالم الأشياء والموضوعات حيث يكون الجانب السيكولوجي واحداً فقط من 
جوانب متعلقة متعددة: يبدو التزمت وضيق الأفق خطراً حقيقيا. فعلماء 
النفس يستطيعون إسداء الكثير من الخدمات الإرشادية الصادقة في مجالس 
السياسة العليا إذا كانوا أقل ميلاً لاعتبار العوامل التي نعرفها في علم النفس 
على أنها العوامل الوحيدة الهامة. مشكلات التواصل وفش لهاء مثلاء تبدو US‏ 
كمشكلات نفسية أساسية: ونترك للعلماء السياسيين مشكلات تصارع القوى 
بين التكوينات الاجتماعية المنظمة. 























eee —‏ تكلم النفس الإنسساتئي —— 


ولكن إذا كنا نصف التواصل الأفضل على أنه ترياق لكل مواقف تصارع 
القوىء فإننا في هذه الحالة نقدم نصيحة فجة وغير مسئولة. وإذا «كانت 
الحروب تولد في عقول الناس»»ء فإن التوترات الفردية والصراعات وسوء الفهم 
às‏ بالمعني السياسي فحسب كما تقع في سياقات اجتماعية منظمة. وتتطلب 
التوصيات المسئولة في السياسة من عالم النفس فهماً لمكانة إسهامه المحدد بين 
إسهامات العلوم الاجتماعية الأخرى. فمعرفة حدودنا يزيد من قوتنا الحقيقية. 


الغرور المهني: 


من الأشياء التي لا تزال جديدة بالنسبة لعلماء النفس أن يجدوا نصائحهم 
بالنسبة للموضوعات العملية الهامة موضع اعتبار وتقدير. وربما يكون من 
الأفضل أن نتذكر الجوانب المحدودة لمجالنا التي مهدت بالفعل طريقنا وكسبت 
لعلم النفس آذان الرجل العملى: اختبارات الاستعدادء الإرشاد الإكلينيكي 
وغيرهما قليلء ولكن لا يوجد واحد من هذه المجالات يتناول الجانب النظري 
للعلم. Lily‏ كعلماء لا نزال نتلمس طريقنا - وربما كمهنيين أيضا. وحينما 
نخضع ol EU‏ عن طريق خيالات القوة لكي نحاول وضع العالم في نظام 
فإننا نكون بحاجة من حين لآخر إلى جرعة من التواضع العلمي. فالاتجاه 
المتصلب الذي يصر على الشك المنظم في حالة غياب التأييد والبرهان, 
ويتمسك بالقضايا القائمة في إطار من الإختبارية 7 يظل إسهامنا الخاص. 
ونحن لا نستطيع أن نتجاهل وظيفتنا كعلماء يتصدون لمواجهة المشكلات مهما 
كانت كبيرة. فمسئوليتنا ينبغي أن تقاس بكفاءتنا وأهليتنا . 


تتوجه إستراتيجيتي في هذه الدراسة إلى تركيز انتباهنا على متضمنات 
المسئولية على افتراض أنه إذا كانت المسئولية قيمة نتشارك فيها بالفعل؛ 
فإن:الصراحة, و«الوضوحية, بشأنها تجعلنا نتصرف بمسئولية كعلماء نفس. 
فالصراحة والوضوحية بشأن علاقة القيم - بما فيها هذه القيمة (المسئولية) 
- بسلوكنا تتاكدان كشرط ضروريء وإن كان غير IS‏ للتقدم الرصين صوب 
الأهداف القيمية. 











الفصل العاشر ٣‏ 
الفٌصلالعاشر 
الشخصية الحكيمة 20 


تذخر المحادثات العادية ببعض المفاهيم التي يس تخدمها كل فرد ويفهمها 
بوضوح» ولكنها قد تستعصي للغاية على التحليل. لقد أخفق مربون قليلون في 
إبراز موضوع «التربية الحرة» liberal education‏ . ولكن Y‏ زالت قلة أقل تتفق 
على ما يعنونه بهذا المفهوم.«الديمقراطية» كلمة أخرى تحمل الفكرة العامة 
عن الحرية والتسامح والمساواةء ولكنها تستخدم بمرونة تتلاءم حتى بالنسبة 
لأصدقائنا في المجتمعات الاستبدادية. 


ويشيع في مجال سيكولوجية التوافق موقف مماثل. من الذي لا يستطيع 
أن يعترف بالشخصية الناضجة c‏ ولكن - في نفس الوقت - من الذي يستطيع 
أن يحدد مفهوم «النضج» على وجه الدقة؟ لقد أكدت المحاولات المبكرة على 
فكرة «المسايرة» (conformity)‏ . فعادة ما يسلك الأشخاص ذوو المشكلات 
الانفعالية بطريقة تبدو منحرفة بالنسبة للشخص الملاحظ. وحتى مصطلحات 
«السواء» ودحسن التوافق» تفترض Legs‏ من «السلوك الاتفاقي» conventional)‏ 
(behavior‏ يرتضيه أصحاب هذه المصطلحات. ويعترض معظم علماء النفس 
على أي صياغة للسؤال الذي يعتبر الشخصية الحكيمة أو السوية دالة للبيئة 
أكشر من أن تكون دالة لشيء معين داخل الفرد . 


لقد كان للتحليل النفسي التأثير الأكبر على نظرية الشخصية. لقد اعتبر 
فرويد الإنسان كضحية ترزح تحت وطأة ثلاث فئات من القوي المتصارعة: 
الحفزات الغريزية: والضميرء ومطالب الواقع. ويتحقق للفرد النضوج حينما 
يصل إلى الحد الذي يكون فيه قادراً على خفض الصراع إلى الحد الأدنى. 
لقد اهتم (هنري موراي) بعدد كبير من الحاجات النفسية مؤكداً على «نموذج 
الحاجة» (Need-pattern)‏ الذي تتضح فيه الحاجات: بينما أبدى (سوليفان) 
و(هورني) اهتماماً أكبر بالمؤثرات الاجتماعية. ويركز (إريكسون) على الإحساس 


(*) Wholesome personality 





عم تكلم النقس الإنسساتئي — 


بالهوية أو على إجابة الفرد عن السؤال (من (UE‏ تلك الإجابة التي تحدد 
كيفية ارتباطه بالعالم الخارجي وبالأشخاص الآخرين. 


ولقد أكد (أولبورت) وآخرون قليلون دائماً على دور «السلوك القَرَضي» 
(purposive behavior)‏ وكان SLAY‏ الوجودية أكبر a AY‏ ي إحياء الاهتمام 
«بالمكونات القصدية» (intentional components)‏ في الشخصية - تلك 
المكونات التي طالما أغفلها علم النفس. ويعتب ر(ماسلئ المستوى الأعلى 
للحاجات على أنه يتألف من «حفز إستغراقي» (consuming Urge)‏ لأجل 
تحقيق الذات وتوظيف إمكانات شخصية الفرد . في الفصل الثامن من هذا 
الكتاب» تقرر (شارلوت بوهلر) أربعة نزعات أساسية أكتشفتها في سعي الفرد 
إلى «إكمال الذات» وإزكائها (Selffulfillment)‏ .. ويتكلم (فرانكل )(( عن حاجة 
المرضي العصابيين إلى أن يجدوا معنى مستحقاً في الحياة. فما يحتاج إليه 
الإنسان حقيقة ليس هو «استعادة الاتزان» (homeostasis)‏ ولكن ما أسميه 
«بالديناميات الراقية». أي ذلك النوع من التوتر الملائم الذي يحتفظ بالفرد 
Leo ys‏ بثبات نحو تحقيق قيم محددة, نحو إقرار معنى لوجوده الشخصي» 
وهذا أيضا ما يضمن ويعزز صحته النفسية؛ بحيث أن الهروب من أي موقف 
ضاغط سوف يؤدي إلى وقوعه في الفراغ الوجودي (ومن المشكوك فيه أن 
Bam‏ كهذه تكون ذات معنى). ويرى (ماورر) و(ساذ) علاقة وثيقة بين الصحة 
النفسية والعيش في سبيل التزامات معنوية وأخلاقية. 


ومن بين المحكات الأكثر شيوعا عن الشخصية الحكيمة: الإدراك الموضوعي 
للذات ca Bl lly‏ وتقبل الحدود الشخصية: والقدرة على منح العطف والود 
وعلى تلقيهماء وإكمال أو إزكاء إبداعي «creative self- fulfillment ela‏ 
وإحساس بالمسئولية وفلس فة ناضجة للحياة. ومن الواضح أن أي مناقشة 
شاملة للشخصية الحكيمة لا يمكن أن تخفق في إثارة أسئلة تتعلق بالقيم 
الشخصية والسلوك الأخلاقي. 1 


(1) V. E. Frankl: Dynamics, existence and values. J. existential Psychiat., 1961, 2, 5-16. 




















— # $6 tay الفصل‎ 


لقد كان للمرض النفسي منذ وقت طويل مهنة تهتم به وتبعث على 
الاهتمام. ففي سياق تاريخه وجد نفسه مرتبطا بأسباب متشعبة مثل 
التدخل الغيبي والتلبس الشيطاني والمرض الجس مي والصراع اللاشعوري. 


ويستوي في هذه التملصية مفهوم آخر يرتبط 43« وهو مفهوم 
ال اء. ولما كان هذا المفه م مشتق wo)‏ لا من القاعدة الإحصائية 
الخاصة بالمسايرة لمعايير معينة من السلوك» فقد اكتسب بالتدريج 
معنى أكثر عمقا. يقول (رويسي) في تعليقه على استبعاد العلية 
النهائية في الفيزياء الكلاسيكية: «إذا كان مفهوم المعيار Laude‏ بعمق 
بتصميم الشيء ( الفرضء السبب النهائي): فقد كان من السهل عزله 
بواسطة إجراءات إحصائية خالصة تقدم المتوسطات. والمتوسطات 
الآن تبدو مفيدة للغايةء ولا يكون الخطأ Likes‏ بالإحصاءء. لكن 
بسلامة الإجراءات الإحصائية المستخدمة؛ فإنها تسلم بمعايير dax»‏ 
على أساس الافتراض بأن معظم الناس (المتوسط) سوف تعمل وفقا 
للتصميم الفطري للطبيعة (السوية)'». 


وفي هذا الصدد يخلص (شوبان) إلى نتيجة تقرر أن «الطريقة 
الوحيدة لمواجهة هذا التحدي هي التسليم صراحة بمبدأ أساسي عن 
القيمة. ويدور الجدل الأساسي حول أن السلوك يكون (إيجابيا) أو 
(متكاملاً) إلى الحد الذي يعكس الخصائص الفريدة للإنسان. ولقد 
انقضى وقت طويل كان pad‏ فيه إلى السلوك السوي في ضوء مجرد 
غياب المرض. 


(1) J. E. Royce, Personality and mental health (rev. ed.). Milwaukee: Bruce, 1964. p. 49. 




















— ۳۹ عم النفس الإنسسائي — — 
(r£)‏ 
نحو مفهوم للشخصية السوية 2 
إدوارد جوزيف شوبان 
(كلية المعلمين بجامعة كولومبيا) 

لقد كان JS‏ اهتمام الممارسات الإكلينيكية والعلوم السلوكية منصباً 
على الجوانب المرّضَّية في دراساتها لديناميات الشخصية والسلوك. وبينما 
بقيت نقاط هامة كثيرة موضعاً لمزيد من البحث والدراسة»ء فقد توفرت 
معلومات تجريبية كثيرة ونظريات قيمة تتعلق بمفاهيم الشخص المنحرف 
والمريضء والعصابيء والمضطرب» وسيء التوافق. وعلى العكس من ذلك لا 
توجد إلا معلومات قليلة ووضوح تصوري أقل عن طبيعة «السواء النفسي» 
(psychological normality)‏ . وفي الحقيقة: هناك من يذهب حتى إلى أنه 
لايوجد ذلك الشيء الذي نسميه بالإنسان السويء يوجد فحسب أولئك 
الأشخاص الذين يديرون علاقاتهم البينشخصية بطريقة يكون معها الآخرون 
مدفوعين بقوة إلى تجنبهم» حتى ولو أدخلوهم إلى مستشفى للأمراض العقلية 
أو السجنء على عكس الأشخاص الذين لا يستثيرون مثل هذه الدرجة من 
النبذ الاجتماعي. 


هذه المناقشة تنطوي على خاصيتين: الأولى أنها تتخلص من المشكلة 
عن طريق توزيع الناس ببساطة على nation‏ بُعْد المرضية. إن كل الناس غير 
طبيعيين بدرجة ماء فإن بعضهم يكون أكثر من الآخر على هذا البعد. 


أما الخاصية الثانية. فتتشابه مع الفكرتين الأساسيتين المتعلقتين بالسؤال 
الخاص Lise‏ يؤلف السلوك السوي أو اللاسوي: التصور الإحصائي للشيء 
العادي أو المتوسطء وفكرة النسبية الثقافية. فإذا كانت «المرّضّية» (pathology)‏ 
gat‏ على أساس الحد الذي يكون فيه الفرد متحملاً من زميل له. فإن أي 
فرد يمكن وصفه نظرياً في ضوء بعض الدلائل التي تعكس درجة التقبلية 
الموجهة إليه. ويتمخض التوزيع الناتج بدقة عن تنظيم أو ترتيب كمي للناس 
E. J. Shoben, Jr. Toward a concept of the normal personality. Amer. Psychologist,‏ )*( 

1957, 12, 183-189. 




















۷ A الفصل‎ 


يمتد من أقلهم إلى أكثرهم مرضية. وعلى هذا النحوء إذا كانت الأوضاع على 
هذا «المتصل» (continuum)‏ تعتبر دالات لتقبل الفرد أو تجنبه من الآخرين: 
إذن يمكن تحديدها فحسب بالرجوع أو بالإحالة إلى جماعة معينة. وينطوي 
ذلك على تضمينات ذات شقين: 


الأولء ويذه ب إلى أن مفهوم المرّضّية نسبي بالضرورة: يختلف من جماعة 
لأخرى ومن ثقافة لأخرى. 


الثاني؛ وفيه تتحدد درجة المرّضّية على أساس اتفاق درجة المسايرة مع 
ules‏ > الجمامة::فيقدن ما يداد سلوف الفرد ممنايرة pula‏ الجماعة يقن 
احتمال تعرض الفرد للانحراف الاجتماعيء في حين أنه كلما ازداد انحراف 
السلوك عن القواعد» يزداد احتمال النبذ إلى حد الإيداع بالمؤسسات أو 
المصحات. 


المفاهيم الإحصائية والنسبية للسوية: 


إلا أنه من المشكوك فيه أن مثل هذه القضايا والمشكلات تتضح تماما 
بواسطة هذه الآراء الإحصائية أو النسبية الثقافية. هل من المفيد أكثر أن نعتبر 
السوية أو السلوك المتكامل على أنه يعكس فحسب حداً أدنى من المرضيةء 
أو هل من الأفضل الاهتمام بالجانب القوي في الشخصيةء وهي الجوانب 
الإيجابية للنمو الإنساني؟ يتبدى هذا السؤال على وجه الخصوص حينما نهتم 
بعملية التطبيع الاجتماعي أو بأهداف ونواتج علم النفس المرضي أو الجهود 
التأهيلية المختلفة. 


ويبدو من غير المحتمل أكثر أن نعتبر أن الأسرة ودور العبارة والمدرسة 
والوكالات الأساسية للتطبيع الاجتماعي توجد من أجل الإقلال من السمات 
المرّضّية المحتومة إلى الحد الأدنى لدى أعضاء الجماعة موضوع التنشثة 
والنمو. وبالأحرى. قد يسعى الآباء ورجال الدين والمربون إلى الإصرار على أن 
وظيفتهم تنحصر في تيسير نوع ما من النمو الإيجابي؛ والاكتساب الارتقائي 
لتلك الخصائص - بما فيها من مهارات ومعلومات واتجاهات - التي تسمح 
بدعم أساليب للحياة أكثر إنتاجية وإيجابية وإشباعاً . وعلى هذا Laig gaill‏ 











س —— تكلم النفس الإنسساتي —— 


يتقبل المعالجون النفسيون أحياناً الأهداف المحدودة التي تسعى ببساطة إلى 
محاولة كف العمليات المرضية. هناك ولا شك معالجون نفسيون ممن يتخذون 
Lodge‏ يعتبر أن قيمة العلاج تتحدد على أساس Sad‏ الذي يسهم به في إزكاء 
قدرة المريض على تحقيق إشباعات الكبار أكثر من أن يتحدد بكفايته الخاصة 
على اختزال الأعراض أو على الإقلال من الدفاعات المرضية. 


وثمة اهتمام عام لوجهة النظر هذه يبدو أنه قد نشا في ميدان الصحة 
النفسية العامة. إذا ابتدأنا بالتركيز على العلاج نجد أن مفهوم «الصحة 
النفسية المجتمعية» (Community mental health)‏ يجنح نحو الجانب الوقائي 
مع الاهتمام بتحديد مقدمات الاضطراب النفسي وبخفض معدلاته عن طريق 
مكافحة محدداته وأسبابه. وتعتبر شهرة ele‏ تحسين النسل eugenics‏ أحد 
المعالم الإيضاحية لهذه الاهتمامات. لكن ثمة نوع من عدم الرضا عن كل فكرة 
تفسير الحالات النفسية على أساس تشابهات المرض. 


وربما يمكن فهم النماذج السلوكية سيئة التوافقء؛ والعصاب- وربما إلى 
حد أقل - (oL all‏ على Ll‏ أساليب لحياة مضطربة وغير فعالة ودفاعية 
أفضل من أن نفهمها على أنها أشكال للمرض. ونتيجة AMI‏ يبدو ثمة ميل 
ينظر إلى مشروع الصحة النفسية العامة على أنه تركيز على النمو الإيجابي 
مع الاهتمام بالوقاية والعلاج من المرض باعتبارهما مبدأين حيويين ولكن 
ثانويين. 


ولكن مما يتألف النمو الإيجابي؟ وفي هذا لا نلقى ثمة عون كاف إذا 
اعتمدنا على المفهوم الإحصائي للمتوسط. قام «تييجر وكانز» على سبيل المثال» 
بدراسة أجريت على طلاب جامعيين» وفيها تم تقديرهم وترتيبهم وفقا لأربعة 
عشر سمة مختلفة من سمات العُصابية. وقد أدى توزيع هذه السمات اعتداليا 
إلى الإيحاء بأن المفحوصين الذين كان تقييمهم منخفضا ينبغي اعتبارهم «غير 
أسوياء» (غير عاديين) شأنهم في ذلك شأن المفحوصين - وفقا لهذا المعيار 
الإحصائي- الذين جاء تقييمهم مرتفعاً. هذا التصور قد يقدم نموذجا كمياً 
مصطنعاً 33 da‏ على حساب التناقض الذاتي والتعسف غير المجدي للفئات 
العادية من الأشخاص. وحتى في الحالة التي يبدو فيها لأول وهلة أنه لا تنشاً 

















الفصل العاشر ابي $4 Y‏ 


ثمة مشكلةء فإن المشكلة تظل كما هي. السلوك الإجراميء مثلاء يتوزع على 
شكل حرف «[» مع تركز معظم الحالات عند نقطة الصفر من حالات الإجرام 
وتمتد إلى حالات قليلة نسبيا من المجرمين ذوي السوابق الكثيرة. وهنا نجد أن 
قلة من الأخصائيين سوف تذهب إلى أن السلوك العادي في هذه الحالة ليس 
هو أيضا الأكثر «إيجابية». ولكننا قد نشك في أن التكرار الصرف للسلوك 
الخاضع للقانون يرتبط ارتباطاً ضئيلاً بطبيعته التكاملية المعترف بها. وإذا 
كانت مسايرة القواعد الاجتماعية تعتبر بصفة عامة أكثر مرغوبيةء فليس هذا 
بسبب معدل حدوثها ولكن بسبب نتائجها بالنسبة للمجتمع والفرد . 


لذا يتضح التركيز الإحصائي على «العادي» أو «السوي» كمحك للتوافق 
الإيجابي أو للسوية قائم على مفهوم نسبي اجتماعياً ومتضمناً لمحك المسايرة. 
وتعتبر مصطلحات «العادي» أو «الأكثر تردداً» أو «المتوسط» غير ذات معنى 
بدون الإحالة إلى جماعة معينة. وفي هذه الحالة تبرز مش كلتان: 


المشكلة الأولى: نعتبر المسايرة في حد ذاتهاء كما يوضع التاريخ؛ موشراً 
غامضا للسلوك. وإذا كان التجديد يعد أمراً ضرورياً للاحياء الثقافي شأنه 
في ذلك شأن التقليد والمحافظةء فإن المسايرة غالبا ما تعني التسليم بظروف 
تقوض النضج والنمو الإيجابي للإنسان بدلاً من ترقيته.وعلى مستويات 
شخصية أكثرء تبدو المسايرة في بعض الحالات مرتبطة بدرجة ما بعمليات 
الشخصية التي قد تتصف بأنها عمليات مَرّضية. 


المشكلة الثانية: تثير التصورات النسبية للسوية عدة تساؤلات جادة 
بالنسبة للجماعة المرجعية التي يمكن على أساسها قياس أي فرد. لقد 
أوضحت «بندكت» على سبيل JIL‏ أن السلوك الذي يبدو غير سوي في 
ثقافة قد يكون مقبولاً تماما في غيره من LBL‏ وأن أشكالا DA AMAA‏ 
اللاسوية التي تحدث في بعض المجتمعات قد لا يكون لها وجود في مجتمعات 
gg Si‏ وأن السلوك الذي قد يعتبر سوياً تماما في جماعة قد يعتبر مَرَضْياً 
للغاية في جماعة أخرى. مثل هذه الملاحظات. مع أنها مقبولة Sey WSS‏ أن 
تؤدي على الفور إلى استنتاجين باعثين على الإزعاج والقلق: الأولء أن جندي 
العاصفة ينبغي أن يعتبر على أنه النموذج الأصلي للتوافق التكاملي في الثقافة 








eee. —‏ عل النفس qai)‏ —— 
النازيةء وأن أعضاء المكتب السياسي poliburo‏ هم أفضل من يمثل السوية 
الإنسانية وفقا للأسلوب السوفيتي» وأن المراهق الأكثر إجراماً في عصابة 
جانحة هو أكثر أعضاؤها نوا من التاحية الإيجابية.أما الاستنتاج (92M‏ 
فهو أن أي حكم تقييمي للثقافات والمجتمعات ينبغي أن يعتبر LS‏ غير ملائم . 
فإذا كانت السوية يجري فهمها فحسب في ضوء المسايرة لمعايير الجماعة 

فإن الجماعة ذاتها ينبغي أن تكون خارج التقييم. 


لذاء فإن ما قد يشيع في بعض الجماعات من شك وعدم AB‏ ومن 
إحساس بالتفاهة والإتكاليةء ومن إقصاء وتنكيل يميز المجتمعات الاستبدادية 
- قد يؤخذ منطقياً فحسب كمعايير يمكن في ضوئها تفسير سلوك الفردء 
وليس كمؤشرات لنزعات غير سوية في الثقافات ذاتها . 


يذهب «فيجروكي»  Wegrocki‏ في نقده لهذه المبادئ النسبية؛ إلى أنه 
ليس نمط السلوك ولا الأفعال الحقيقية ذاتها هي التي تحدد خاصيتها السوية 
أو المرضية: ولكن وظيفة السلوك. فما يسميه ب «جوهر اللاسوية» يكمن في 
ردود الأفعال التي تمثل حيلاً هروبية من الصراعات والمشكلات بدلاً من 
مواجهتها. هذا التحديد» الذي يتضمن أن أشكال التوافق الإيجابية هي تلك 
التي تواجه الصراعات والمشكلات غالبا بطريقة مباشرة: يبدو متخلصا أساسا 
من الصعوبات الكامنة في التصورات الإحصائية وفي فكرة النسبية الثقافية. 
ولكنه يمثل صعوبات في حد ذاته. 


مثال ذلك ماذا تعني «مواجهة» المشكلة أو الصراع؟ على أي أساس» عدا 
المحك الأخلاقي الأكثر Lind‏ يمكن الدفاع عن هذه المواجهات على أنها أكثر 
إيجابية من التهرب؟ وأخيراً. هل لهذه المواجهة لمشكلات الفرد أية علاقة 
بموضوع المسايرة مما قد يساعد على إيضاح القرارات التي تتعلق بتقبل 
معايير الجماعة أو رفضها؟ . 


تتطلب الإجابة على هذه الأسئلة تيبصراً بيعض مش كلات «القيمة». عند 


هذه النقطة تتلاقي وتتفاعل العلوم السلوكية وعلم الأخلاقء ويبدو من غير 
المحتمل أن أي تصور للسوية يمكن أن يتطور بعيداً عن بعض الاعتبارات 

















٣١۱ tat) الفصل‎ 


العامة التي تعتبر أخلاقية معنوية Linked‏ وإذا ما حدث استبعاد للأفكار 
النسبية الخالصة عن السويةء يصبح من الصعب تجنب بعض الاهتمام بقضايا 
السعادة والسلوك القويم (أي السلوك الذي يؤدي إلى أكبر درجة من الرضا 
الإنساني) - تلك القضايا التي تمثل المجال التقليدي للتفسير الأدبي للخبرة 
ab ay‏ ولرجل الدين وللفيلس وف الأخلاقي. ويتمثل التحدي الأول هنا في 
تقديم أساس معقول وطبيعي لمفهوم التوافق المتكامل الذي يكون «متسقاً مع 
موقف وإسهامات العلم التجربي (الإمبيريقي) ومع ما قد جمعته الإنسانية من 
حكمة خلال تاريخها . 


الجوانب الرمزية والاجتماعية للطبيعة البشرية: 


والطريقة الوحيدة لمواجهة هذا التحدي تكون بالتسليم صراحة loas‏ 
رئيسي عن «القيمة». ويتمثل الجدل الأساسي الذي طورناه هنا في أن السلوك 
يكون «إيجابيا» أو «متكاملاً» إلى الحد الذي يعكس الخصائص الفريدة للكائن 
الحي الانساني. ولا شك أنه توجد طرق أخرى بها نتوصل إلى مفهوم ملائم 
عن السوية. 


ومع ALIS‏ فإن هذا التأكيد يتسق مع مضمون التطور العضويء ويتخلص 
من مغالطة مبدأ البقاء للأصلح في أش كاله المختلفة. ويسمح باس تخلاص 
محكات محددة أكثر للتوافق الإيجابي من الخصائص المحددة للانسان والمميزة 
لتفرده وأصالته. ولا تكون ثمة حاجة لافتراض عدم الاستمرار داخل «مقياس 
تطور الجنس البشري» .(polygenetic scale)‏ إلا أنه ييدو من الواضح أن 
o ay‏ بينما هو كائن حي بالتأكيد. يصعب وصفة على أنه D‏ شيء إلا» 
حيوان» وأن سويته أو تكامله تبدو أكثر اتساقاً في تحقق إمكاناته الفريدة مما 
هو في نمو تلك الإمكانات التي يشترك فيها مع الكائنات الحية دون المستوى 
البشري. 

ومن أهم هذه الإمكانات الإنسانية الفريدة: كما أوضح «كاسيرر ولا نجر» 
المقدرة الفذة على «الترميز.. فأبرز ما يميز الإنسان هو الاستخدام المتعاظم 
a all»‏ الغنية بالمضمون» أو «اللفة .12 «(propositional language) «à.‏ وإذا 














— م طم النفس الإنساني 


كانت هناك كائنات حية أخرىء» وخاصة الكلاب والقردة الراقيةء تس تجيب 
للرموزء فإن ملكتهم على الإتيان بذلك تكشف فقط عن قدرة للاس تجابة 
لمثيرات فورية ومباشرة. أما الإنسان» من ناحية أخرى. فيس تخدم الرموز ela‏ 


على تصاميم وخططء كنظام مفتوح لجمع الأحداث الماضيةء ولتناول الأشياء 
التي لا تكون حاضرة Lake‏ ولتوجيه الخبرة: والنظرة صوب المستقبل. يتوصل 
«جولدشتين» إلى نفس المنطقة عن «الاتجاه نحو مجرد الممكن» أي القدرة على 
تناول الأشياء التي تكون متخيلة فحسب أو التي لا تكون جزءاً من الموقف 
المباشر الحسي - العياني. هذا «الاتجاه نحو الممكن» يكون مضطربا لدى 
المرضى الذين يعاق كلامهم بسبب إصابات الدماغ. لذا لا يكون مرضى 
(aphasia) auidh‏ قادرين تماماً على أن يقولوا ol dt‏ مثلء «الثلج أسود» 
أو «القمر يضيء في وضح النهار» كذلك يبدون عجزاً في ادعاء تمشيط 
شعرهم أو أخذ كوب من الماءء رغم أنهم يستطيعون أداء هذه الأفعال حقيقة. 
مثل هؤلاء المرضي يبدو أنهم قد فقدوا المقدرة الإنسانية على «التفكير في 
الأشياء» وكذلك «التفكير بالأشياء» مباشرة. 


إن قدرة الإنسان «الرمزية» هي التي تجعله المخلوق الوحيد الذي يستطيع 
التعامل مع الأشياء في حضورها وغيابهاء و«التطلع إلى ما هو مستحيل». 
فالكلام الغني بالمضمون أو الكلام الخبري (propositional speech)‏ يمكنه 
من التعلم ليس فحسب من خبرته الشخصية ولكن أيضا من خبرة الآخرين 
وفي أوقات وأماكن أخرى. ومن التنبؤ بنتائج سلوكه. ومن أن تكون له مُثله 
وقيمه. هذه الخواص الرمزية الثلاث - الاستعداد للاستفادة من الخبرة: بما 
فيها خبرة الآخرين: عبر الزمنء والمقدرة على التبصر وبعد النظرء وعلى 
الضبط النابع من الداخل للسلوك من خلال توقع نواتجه» والقدرة على تخيل 
عوالم أخرى Lii‏ إلى قلبه — تؤلف المجموعة الأساسية للإمكانات الإنسانية 
الفريدة المحددة. 


أما المجموعة الثانية لتلك الإمكانات: فتبدو مرتبطة بتلك الحقيقةء وهى 
«الفترة الطويلة من الاعتماد الكلي» الذي يميز مراحل المهد والطفولة. هذا 
الطور من النموء ارتباطاً بالوصاية المفروضة على الطفل الصغير بسبب عدم 
اكتمال نضجه البيولوجي النسبي. قد يطول كلما أصبحت الثقافات أكثر 




















الفصل الماش د oy‏ — 


تعقيداً. لذلك يستطيع الأطفال في المجتمعات الأكثر بساطة أن يحققوا درجة 
أكبر من الاستقلالية في سن مبكر عن الأطفال في مدنيات أثر تعقيداً. حيث 
تؤدي الحاجة:؛ مثلاء إلى تعلم مهارات حياتية معقدة ومتخصصة إلى إطالة 
فترة الاعتماد حتى المراهقة أو حتى إلى المرحلة المبكرة من الرشد . ومع ذلك 
تتجلى النقطة الأساسية في أن الطفل الإنساني في كل الأوضاع الثقافية, 
خلافاً للصغار من أي نوع آخر من الكائنات الحيةء ينبفي أن يقضي E35‏ 
طويلاً. فيه يتم توسيط إشباع معظم الحاجات الأساسية بواسطة شخص 
آخرء ويعتمدون على علاقتهم بشخص آخر أو بالآخرين المعنيين. 


فالأطفال الصفار خلال مراحل نموهم المبكرة والأكثر تكوينية يخبرون 
«الحالة الإنسانية» وفقا لشرطين أساسيين للحياة الإنسانية: الشرط الأول 
ويفرض أن بقاء الفرد وإشباع حاجاته وشعوره بالرضا يتضمن عنصرأ حتمياً من 
الاعتماد على الأشخاص الآخرين. أما الشرط الثانيء فهو أن الاستقلال الذاتي 
النسبي والسلطة والقوة التي تميز أشخاص الوالدين وغيرهما ممن يرتكن إليهم 
الفرد في طفولته» Loita‏ ما يتم إدراكها بدرجة أكبر أو أقل إرتباطا بالمسئولية 
وبنوع من الغيرية. أي أن التمتع بمزايا الكبار وبمكانتهم يميل إلى حد ما أن 
يحدث ارتباطاً بالتقبل لمسئولية التوسط بطريقة ما لإشباع حاجات الآخرين. 
ويبدو أن «ماورر وكلوكهوهن» يتكلمان عن نموذج files‏ حينما يصفون عملية 
التطبيع الاجتماعى على أنها تقدم من الاعتمادية إلى الاستقلالية لدى الأطفال 
إلى إمكانية الاعتماد dependability‏ لدى الكبار. 


وبالإضافة إلى LIS‏ تميل هذه العلاقة التبادلية بين الاعتماد والمسئولية 
إلى أن تحدث على مستويات الكبار وكذلك بين الأطفال والآباءء بدرجة من 
التبادلية كوظيفة جزئية لتعقد الثقافة. وفي المجتمعات الأبسط. قد يضطلع 
عدد صغير نسبياً من الأشخاص بمسئولية أولية نحو كل حاجات الجماعة 
بالإضافة إلى المتطلبات الأساسية للحياة. أما بالنسية للمجتمعات المتمدينة: 
فإن التخصص الذي فرضته التكنولوجيا ونموذج الحياة الحضرية يعني أن كل 
شخص راشد يكون معتمداً على غيره بطريقة ماء وأنه بالتالي يكون مسئولاً 
بشكل ما عن رعاية مصلحة غيره من الكبار. إلا أن الاختلاف بين الثقافات 
الأبسط والأكثر تعقيداً يمثل درجة واحدة فقط. أما النقطة الأساسية؛ فهي 

















ل rot‏ ااا ا اي لخد عنم النفس y]‏ —— 


أنه من خلال المجتمع الإنساني يعتمد الناس بطريقة أو بأخرى على بعضهم 
الآخر سواء في المواقف المألوفة بين الوالدين والأبناء أو في سياق معيشة 
الكبار. هذا النمط من «الاعتماد المتبادل» يعطي للحياة ayi‏ انية خاصية 
اجتماعية لا نجدها في المملكة الحيوانية. وحتى بين الحشرات الاجتماعية 
المعروفةء تبدو نماذج المعايشة والتكافل التي نجدها بينها هي نتيجة لتقسيم 
محدد فطرياً للعمل أكثر من أن تكون تحقيق ا لإمكانية تبادل المسئوليات بين 
بعضهم الآخر. 

في هذه النقطة الخاصة بتحقيق الإمكانات الإنسانية الفريدة المحددة 
يمكن أن نتبصر بمصادر التصور الحقيقي للتوافق الإيجابي. فمن ناحية 
الخاصية الرمزية والاجتماعية للحياة الإنسانيةء يبدو من الممكن استكشاف 
الإمكانات التي يتمخض تنميتها عن شيء مختلف عن مجرد غياب المرض 
والتي تشكل Lana‏ يمكن به قياس درجة التكامل في الأشخاص. وإذا كان لنا 
أن نتقبل هذا المبدأء فإن علينا أن نسعى إلى بناء «نموذج معياري» normative)‏ 
(model‏ أو «نموذج مثالي» (ideal model)‏ للشخص السوي أو للشخص النامي 
بطريقة إيجابية: أو المتوافق بطريقة تكامليةء أو للشخصية السوية. 


: (A model of integrative adjustment) نموذج التوافق التكاملي‎ 


يبدو في المحل الأول أنه كلما نمت المقدرة الرمزية التي تهب الإنسان 
بصيرة» كلما صاحب ذلك تزايد في قدرته على ضبط سلوكه تقديراً لتوقع 
نتائجه بعيدة المدى. الشخص السوي هوء أولاً وقبل كل شيء» ذلك الشخص 
الذي تعلم أن يحقق أعظم إشباعاته أو إرضاءاته في مواقف كثيرة Al audes‏ 
التخلي عن الفرص الآنية المباشرة الداعية للراحة واللذة. وذلك في سبيل 
إثابات مُرّجَأة أعظم. فهو يعيش وفقا لما يسميه «بول إلمر elle — sce‏ 
اللاموت - ب «قانون المطابقة» :(law of contingness)‏ 


... تبرز ثمة حقيقة بسيطة وقاسية تقرر أننا ‏ سواء في العالم الفيزيقي 


أو العالم العقلي أو العالم الروحي؛ لا نستطيع التوصل إلى شيء بدون أن ندفع 
الثمن المطلوب. والشخص الأحمق هو من يتجاهل العناية الإلهية التي تحرس 














—Yoo ببس‎ stat) الفصل‎ 


قانون المطابقة هذاء والشخص الشرير هو من يعتقد أنه يعلو في الحكمة على 
هذه العناية.. فكل تقدم الإنسان مرهون بإخضاع اهتمام معين أو قيمة معينة 
لاهتمام أو قيمة أعلى. 


وقد توصل «ماورر وأولمان» إلى نفس النقطة في مناقشتهما استناداً إلى 
نتائج بحثية رصينة: إلى أن السوية تنتج في معظمها من القدرة المكتسبة 
على إخضاع impulses ozis‏ الفرد للضبط من خلال الدلائل أو «الإلماعات 
الرمزية» (symbolic cues)‏ التي يقدمها الإنسان لنفسه في سياق تقدير نتائج 
أو مترتبات سلوكه. فمن خلال «الترميز» يتم جذب النواتج المستقبلية لأفعال 
الفرد وسلوكه إلى حاضره النفسيء ونتيجة لذلك تتزايد قوة عوامل الإثابة أو 
العقاب الأكثر إرجاءاً» وبالتالي يحقق التأثير الكفيّ أو التيسيري بعيد المدى 
دوره في ضبط السلوك البدائي. 


يعني هذا التزايد في الضبط الذاتي تضاؤلا في الحاجة إلى الضبط من 
الخارج بواسطة السلطة الخارجيةء ومن ثم تصبح المسايرة موضوعاً بغير ذي 
أهمية نسبياً. فالشخص المتوافق توافقا تكاملياً إما أن يساير معايير جماعية 
لأن تقبلها يؤدي إلى أكشر النتائج إثابة وأبعدها مدى بالنسبة له» أو أن يتمرد 
على السلطةء سواء كانت سلطة الأشخاص أو القانون أو العادات؛ استناداً إلى 
أسس معقولة. هذا الشكل المعقول من المتمرد ينطوي على شيئين: 


gil‏ ويتمثل في اقتناع أمين بأن القواعد (أو واضعي القواعد أو الحكام) 
قد تكون في بعض الأحيان غير عادلةء وبأن إدخال الفرد لقيمه الخاصة من 
المحتمل أن تؤدي إلى حالة باعثة أكثر على الرضا. فنقد السلطة مثلا يكون 
مختلفا تماما عن أشكال التمرد التي تحدث نتيجة لحاجات أصيلة لتحقيق 
الذات أو لرغبات من أجل القوة أو كتعبير عن «عدائية إبدالية» displaced)‏ 
(hostility‏ . يتمثل البعد الأساسي للاختلاف فيما يلي: الأمانة أو الشرف كما 
تتناقض مع الخداع أو النصب. الشخص السوي يكون نسبياً واعيا تماما 
بدوافعه سواء في مسايرته أو تمرده. ومن ناحية أخرىء يميل الشخص صاحب 
التمرد المرضي إلى خداع نفسه وخداع الآخرين بشأن أهدافه ومراميه. فما 
يبديه من أسباب عن عدم مسايرته تمثل تبريراته لدوافعه وأهدافه- وتبريراته 











— ١د۳٣‏ يللد عنم النفس y)‏ —— 


هذه هي في حقيقتها إسقاطات من داخله. هذا النوع من انهزامية الذات أو 
«تخييب» الذات Self — defeating‏ ومن الخداع الهدام اجتماعياً يتضح بجلاء 
في الممارسات الإكلينيكية. 


أما الخاصية الثانية المتعلقة باللامسايرة nonconformity‏ لدى الشخص 
السويء فهو أنها ترتبط بتقبل أساسي للنتائج المحتملة. فهو إذ يضع المخاطر 
في الاعتبار Leake‏ لا ييدي ميلا إلى التخلي عن ساوكه التمردي إذا ألقى 
بالمتاعب أو المشكلات جانبا. وإذ يحتفظ «بقانون المطابقة» يكون راغباً في 
أن يدفع الثمن عن سلوكه وفقا لقيمه الخاصة. هكذا جعل «جون إرسكين» 
Erskine‏ هيلين طروادة تقول لأبنتها هيرميون: «نحن لدينا الحق لنقود حياتناء 
ولكن ذلك الحق يتضمن حق أ ST‏ - وهو أن نعاني النتائج..... أفعل كل ما 
في وسعكء وإذا وقعت في خطأء فلا تخفي s‏ وكن مسروراً من أن تعاني 
من أجله. وتلك هي الأخلاق». لكن التفسير النفسي لهذه الحكمة غير ملائم: 
فافتراض مسئولية الفرد عن أفعاله هو أحد الخصائص المميزة للتكامل 
الشخصي('. 


إن المسئولية الشخصية والضبط الذاتي يشتقان كجوانب للتوافق التكاملي 
من المقدرة الرمزية لدى الإنسانء وهنا تتأكد الخاصية الثالثة للمسئولية 
البينشخصية والتي يمكن استنتاجها من طبيعته الاجتماعية. فإذا كان الاعتماد 
المتبادل جزءاً أساسياً من الحياة الاجتماعية الإنسانيةء فإن الشخص السوي 
بالتالي يصبح هو ذلك الشخص الذي يستطيع أن يعمل في علاقته بالآخرين 
بطريقة يعتمد فيها عليه وفي نفس الوقت يعترف بحاجته إلى الآخرين. قد 
تكمن جذور ذلك - كما يذهب ماكليلاند - في إدراكات الدور التي يتعلمها 
الأطفال في سياق نموهم من إدراك أشخاص الوالدين والأعضاء الآخرين 


)1( يعتبرتصور المسئولية على هذا النحو تصورا غير حتمى. فالمرء - كما يشير «فينجاريت» Fingaretta‏ - 
يستطيع أن «يفهم» سلوكه أو سلوك الآخرين. من حيث تقريره أو التبصير به بطريقة رشيدة. بواسطة العملية 
الاسترجاعية لخبرات الماضى. والمسئولية. من ناحية أخرى. ليست استرجاعية في وجهتها ولا تفسيرية في 
وظيفتها. إنها موجهة نحو المستقبل وتشير إلى إعتبار الفرد مسئولاً عن سلوكه وما يترتب عليه من نتائج. 
وهكذا لا تكون المسئولية مصطلحاً من يتضمن العلمية. ولكن مصطلحا سلوكياً واتجاهياً. يصف مجموعة 
من الافمال الإنسانية. 














الفصل العاشر يي yoy‏ — 


المعنيين في عملية التطبيع الاجتماعي. فبإدراك هؤلاء الأشخاص كنماذج 
يتوحدون معهاء فإن الفرد المتوافق بطريقة تكاملية «يريد أن يكون» نفسه 
شخصا جديراً وغيريًا من حيث إمكانية الاعتماد عليهء ومن حيث عمله 
من أجل مصاحة الآخرين بقدر ما يستطيع أن يدركها على الوجه الأحسن. 
ومن ثم لا تعني الغيرية في هذا الصدد شيئاً عاطفياً. فهي تتضمن ولا شك 
وضع ودعم قواعد منظمة وفرض حدود سلوكيةء على شريطة أن تكون هذه 
الخطوات فحسب مدفوعة بميل إلى مساعدة الآخرين» وأن تعبر عن اهتمام 
وصدق أكثر من أن تعبر عن مجرد ضيق شخصي أو مكاسب نفعية أو عن 
القوة المستمدة من «مكانة عالية». 


وعلى هذا النحوء يتضمن الاعتراف بحاجات الفرد إلى الآخرين tal‏ 
مقدرة متعلمة على تكوين علاقات بينش خصية وطيدة وعلى الاحتفاظ بها. 
يشير «إريكسون» إلى هذا الجانب من الشخصية السوية على أنه اتجاه «الثقة 
الأساسية» (basic trust attitude)‏ وهو مفهوم لا يبتعد كثيراً عن مفهوم 
القدرة على الحب. وربما تكمن أصول هذه القدرة في الخبرة الطويلة أثاء 
الطفولة من خلال إشباع الحاجات التي كثيراً ما ترتبط بوجود شخص آخرء 
مماثل لشخص الوالدين. بهذا الارتباط وبعملية التعميم. 355 الفرد شعوراً 
وجدانياً إيجابياً نحو الآخرين. ولكن مع تطور نمو الطفلء يتعلم بالتدريج أن 
سلوك الآخرين هو «سلوك توسيطي الحاجات» (need-mediation behavior)‏ 
يتثبت فحسب في سياق من المتبادليةء بواسطة دخوله في علاقة من التبادل 
مع الآخرين. وإذا لم يكن هذا النوع من التبادلية مطلوباً منه. فمن المحتمل 
أن يطول اعتماده إلى ما هو أبعد من مرحلة مستواه البيولوجي للنمو ويحدده 
تعقيد ثقافته على أنه ملائم. أما إذا كان مطالباً بإبداء هذه التبادلية في وقت 
مبكر» فمن المحتمل أن يتطور لديه أسلوب مؤداه أن العلاقات البينشخصية هي 
بالضرورة موضوع ات لتبادل المصالح والمتاجرة فيهاء وبالتالي يكون الاتجاه 
بدلا من الثقة الأساسية: هو الاتجاه الرامي إلى الأخذ بأكبر قدر ممكن وإلى 
العطاء بأقل قدر ممكن. 


إن إخضاع هذه الفروض للبحث والتأمل يلقي قدراً كبيراً من الضوء 
على محددات إنسانية ومقومات إيجابية للحياة الفعالة وللسلوك الإيجابي 























— ۸و۳ عنم النفس الإنسائي —— 
كالصداقة والسعادة الزوجية والأبوة المؤثرة والتعبيرات الدالة على التكامل 
الشخصي الفعال المرتبط بالعلاقات مع الآخرين. 


ولكن لا يزال هناك اتجاه بينشخصي آخر يتعلق بتصور إيجابي للتوافق 
يختلف إلى حد ما عن التصور الذي ASL‏ بالعلاقات الودية والشخصية. 
فثمة إحساس يشعر معه كل فردء حتى ولو اعتبر نفسه غير محظوظ أو غير 
سعيد» بأن إنسانيته الأساسية تعزى إلى الجماعة التي مكنته من أن يرقى 
على طفولته العاجزة. وحتى السمة الأساسية المميزة للإنسان وهي الكلام ذو 
المعنىء كما تبين الدراسات التي أجريت على ما يعرف بالأطفال المتوحشين 
ضمن أدبيات علم الأنثروبولوجيا (وهم الأطفال الذين عثر عليهم في غابات 
يعيشون مع الحيوانات وبلا وجود إنساني) لا تصبح قابلة للاستخدام بدون 
ما استثارة وتوجيه من الآخرين. ومن ثم ينشا نوع من الالتزام على الفرد 
يصير معه رصيداً وقوةٌ للمجتمع بدلا من أن يكون Vae.‏ عليه. «يشير «آدلر» 
جزئيا إلى هذا الالتزام في تطويره لمفهومه عن «الاهتمام الاجتماعي» social)‏ 
(interest‏ كدالة للسوية. وإذا كانت هذه الفكرة تتضمن ولا شك تعلم الولاء 
للمجتمع والتواد الشخصيء فإنها تفوق أيضا الحدود الإقليمية للجماعات 
الاجتماعية مكانا وزماناً. فبسبب مقدرة الإنسان الرمزية التي تمكنه من أن 
يفيد من سجل التاريخ الإنساني ومن أن يتوقع المستقبل» وبسبب أن نموذجه 
في الاعتماد المتبادل الاجتماعي وخاصة في المجتمعات المتمدينة يتعدى حدود 
الوحدات السياسية والعلاقات | لودية المحدودةء ييدو من المعقول أن نتوقع 
أن الشخص النامي إيجابياً يسلك على نحو يسهم في سبيل المصلحة العامة 
لالإنسانيةء ويتخذ منها إطاره المرجعي الذي يتجاوز جماعته أو أسرته. 


وهنا تدخل الأيديولوجيات» ولكن ليس ثمة حاجة لأن نتشكك بشأن 
خصائص السياسة والقيم التي تتعلق بالفرض الذي يقرر أن الاتجاهات 
الديمقراطية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتكامل الشخصية. فالديمقراطية تتضمن 
اهتماما بالآخرين. وتقديراً وتفضيلاً للأشخاص فوق الأشياء. ورغبة أصيلة 
في المشاركة في علاقات متبادلة مشبعة مع فئات كثيرة من الأشخاص بما 
في ذلك الأشخاص التي لا يكون لدى الفرد عنهم إلا معرفة ضئيلة. 

















— #88 tat) الفصل‎ 


يعني التخلي عن الاتجاهات الديمقراطية بهذا المعنى النفسي تقييداً 
لإمكانية الفرد على الصداقة: وينطوي على اتجاهات نفسية سلبية قوامها 
الخوف من الآخرين. وتقدير للأشياء التي توحي بالقوة فوق الآخرينء والشعور 
بالتهديد والقلق الوجوديء وبالتالي تمثل خطورة تهدد الإثابة البينشخصية التي 
تنبع من اتجاه الثقة الأساسية. وهكذا يعني الاهتمام الاجتماعي الديمقراطي 
أنه بيساطة هو الطريق المباشر الأكثر إلى تحقيق المقدرة الإنسانية المحددة 
المتأصلة والمشتقة من الخاصية الرمزية للإنسانء ومن حتمية حياته الاجتماعيةء 
بقدر ما هو التوجه الذي يمكن أن يوفر الضمانات الأكثر أمناً لتحقيق إنسانية 
الإنسان. 


وأخيراء تفترض قدرة الإنسان على أن يتبنى «اتجاهاً نحو مجرد الممكن». 
أن الشخص السوي غني بالمثل والمعايير والقيم التي يحاول أن يعيشها حتى 
ولو تعدت عالمه المحدود . فالتوافق الإيجابي لدى الشخص السوي لا يقوم 
على تحقيق الكمال ولكن على السعي إلى العمل وفقا لأحسن مبادئ السلوك 
القويم. هذه الفكرة تتضمن. من الناحية الإجرائية. حداً أدنى من التباين 
بين مفهوم الفرد عن ذاته والأنا المثالية لديه. ويميل الأشخاص الذين يتسع 
لديهم هذا التباين بدرجة هائلة (في الجانب المثالي بطبيعة الحال) إلى أن 
[Py‏ أنفسهم لإحباطات شديدة تتعلق بعدم مقدرتهم على تحقيق أهدافهم 
وبانخفاض تقديرهم لذاتهم. ومن ناحية أخرى: يميل الأشخاص الذين يكون 
لديهم هذا التباين منخفضا إلى أن يبدون بتوافق أقل تكاملاً إما بسبب 
إخفاقهم في تحقيق مقدرتهم على تصور أنفسهم كما ينبغي أن يكونوا » أو 
بسبب المبالغة القائمة على خداع الذات في تقديرهم لأنفسهم. 


هذا النموذج الخاص بالتوافق التكاملي كما يتميز بضبط الذات» والمسئولية 
الشخصية: والمسئولية الاجتماعية: والاهتمام الاجتماعي الديمقراطي. والمثل 
العليا - ينبغي أن يعتبر فحسب في شكله الأولي الاختباري. فهو ينبغي أن 
يأخذ في الحسبان بعض الاعتبارات الواقعية. فهو يستبعد التصور المستحيل 
عن الشخص السوي بأنه ذلك الشخص الذي يكون سعيداً Lala‏ خالياً من 
الصراع: وبلا مشاكل. وبدلاً من ذلك. يفترض أنه قد يقلل من مثله؛ فبسبب 
الجهل» أو بسبب الحدود المقيدة التي يعيش في إطارها في مجتمع معقد؛ أو 





ade eee. —‏ النفس الإنسساتئي —— 
بسبب قوة الضغوط المباشرة: قد يتصرف في بعض الأحيان على نحو يثبت 
أنه قصير النظر أو مخادع لذاته. ونتيجة لذلك: فهو قد يعاني خبرة الذنب 
في بعض الأحيان؛ ولأنه يحاول أن يكون واعيا تماما بالمخاطر التي يتخذهاء 

فإنه من الصعب أن يخلو تماماً من الخوف أو الضيق أو القلق. 


أما الشخص الذي يتفق مع هذا النموذج: من ناحية أخرىء» فمن المحتمل 
أن يكون هو ذلك الشخص الذي يتمتع بدرجة عالية متسقة نسبياً من تقدير 
الذات» والذي يستثير في الآخرين ردود أفعال إيجابية ودافئة. وفوق ذلك 
هو ذلك «الشخص الذي يتعلم الحكمة» بدلاً من قسوة العداوة أو الانسحاب 
المرتبط بالخوف المرضي حالما يواجه بالفشل أو المعاناة. فالشعور بالذنب» على 
سبيل SLA‏ يصبح تحدياً لأمانته: خاصة مع نفسه ولكن أيضا مع الآخرين: 
ويرشده إلى الرغبة في تعديل سلوكه. وفي بذل مزيد من الجهد لكي يعيش 
a E‏ بدلا من الحاجة إلى الدفاع عن نفسه بميكانزمات (آليات) الحيل 
cia ga AUI‏ مثل التبرير أو الإسقاط. وأخيراًء يسمح هذا النموذج بتباين واسع 
في الأنماط السلوكية الواقعية التي قد يندمج فيها الأشخاص الأسوياءء كما 
يسمح أيضاً بمدى واسع من عدم الاتفاق بينهم. فالتوافق التكاملي لا يقوم 
على ملائمة ومسايرة الفرد لأنماط سلوكية مقررة؛ ولكنه يقوم على الدرجة 
التي بها تحقق جهوده الإمكانات الرمزية والاجتماعية التي تميزه كإنسان. 














— Y nt) الفصل‎ 


ثمة جانبآخر للشخصية السوية نادرأ ما اهتمت به كتب علم النفس» 
وهو عنصردالتلقائية»- أي شجاعة الفرد ليكون هو نفسه. يتمثل الجانب 
الأساسي للتلقائية في اليقظة المتعودة لما يشعر به الفرد بالفعل. فبدلاً 
من القلق الغامض الذي تصاحبه انفعالات قوية: تعتبر المشاعر الإيجابية 
القوية Like‏ متكاملاً من التوظيف النفسي السوي. 


وفي الدراسة الحالية الفذة: يزيج المؤلف الستار ليكشف عن الحياة 


الداخلية المفعمة بالحماس لدى «الشخص الأصيل» أو «الشخص الصادق» 
(authentic person)‏ الذي يشعر تماماً بسلام مع نفسه. 


— ٣ل‏ —— عم النفس الإنسسائي سم 


(Yo) 
O الاحساس بالذات‎ 
كلارك موستاكاس‎ 
ميتشيجان)‎ cag ias - (معهد ميريل بالمر للنمو الإنساني والحياة الأسرية‎ 

عندما جلست مرة إلى طفل» قابلته والحيرة الشديدة تتملكني» محاولاً أن 
استوعب بقدر الإمكان كل كلمة وكل حركة تصدر عنه. وساعياً عن عمد إلى 
فهم المعنى الحقيقي لتعبيره. لقد استخدمت كل قواي ومصادري لكي أفهم: 
من خلال أساليبه المتعددة وما وراءهاء تحريفاته للواقع: وأحاول أن اتيصر 
بمقاصده ومشاعره الأساسية. لقد كانت جهودي موجهة نحو مساعدته على 
التخفف من توتراته الداخليةء وعلى تحقيق إحساس لديه بالانسجام الداخلي 
inner harmony‏ وبالتكامل الشخصي. وكانت توجيهاتي التي بذلت فيها 
قصارى جهدي قائمة على التفهم والتوضيح: وعلى قول الكلمات الصحيحة 
فحسب التي تنقله إلى مستوى أعلى من الراحة أو الفهم. وإذ ساعدته فحسب 
على أن یری كيف أنه. في تعبيره عن رغباته واهتماماته وأساليبه. قد تخلى 
عن وراثته ومصيره الفریدین» وإذ ساعدته فحسب على أن يتحقق من أنه ذات 
جديرةء فإنه - وحتى في حالة افتقاده لأي شيء آخر - لا يزال يوجد كذات» 
oly‏ هذا الوجود لا يمكن استبعاده بأي حال من الأحوال. فأن يتحقق؛ Oly‏ 
يفهم» وأن يرىء بوضوح أكبر وبمعنى أعمق وببصيرة أعظم» وأن يجمع الأجزاء 
Lae‏ في كل متكامل» وأن يُقّدر ما أراه - تلك كانت بعض تغيرات الشخصية 

التي ميزت عملي كعلاج نفسي ناجح أو فاشل. 





ولكن ما الذي تم إيضاحه؟ وما الذي تم فهمه؟ وما الذي يقدمه اكتشاف 
الحلقات المفقودة وجمع الأجزاء المتناثرةة وما الذي يبينه اختبار العلاقة؟ 
هل هو الذات فحسب في سعيها الدؤوب إلى فهم ذاتها؟ هل هو فحسب 
سلسلة الاستجابات والتفاعلات Scal Allg‏ هل هو هحسب سلسلة غير ممزقة 
من الترابطات والأحداث؟ هل هو فحسب تنظيم لعناصر منفصلة؟ هل هو 
5 ب إيضاح لما يقوله ويفعلهء لعاداته واتجاهاته. لاسقاطاته ودفاعاته؟ هل 
Moustakas. The sense of self. J. Humanistic, 1961, 1 (1), 20-34.‏ .© )1( 














الفصل‌العاشر د — 


هذا كائن حي إنساني يشترك مع غيره من الكائنات الحية الإنسانية؟ هل هذه 
BLY‏ تعيشها كاملة من حيث المعنى الإنساني؟ هل هذه ذات تنمو كذات ارتباطاً 
بمصادر داخلية واتفاقاً مع الطبيعة والذوات الأخرى؟. 


ممالا شك فيه أن المواهب الإنسانية الفريدة الخاصة بالمنطق والتعقل 
ذات قيمة هائلة في إيضاح الأفكارء وفي فهم الأسباب والدوافع الأساسيةء 
وفي حل SE‏ وفي استكشاف المعاني الدفينة. وقي مواجهة التحديات 
واتخاذ القرارات. لكن التعقل والمنطق فحسب جوانب من الإنسان الذي ينخرط 
في أنواع معينة من التفاعل مع الكون. وماذا عن خبرة الألم والمعاناةء والحب 
والجمال» والشمس والنجوم والجبال والبحار؟ ماذا عن الإيمان Sall s‏ والطعام 
الذي أتقاسمه مع أخي. أو الجولة التي أقوم بها في صمت ضوء القمرء أو 
الألعاب التي ألعبها مع أولادي؟ وماذا عن الدموع التي أذرفها والبهجة التي 
تغمرني مع من أحبة ووحدتي وإحساسي عند ابتعادي حتى حينما أكون 
جزءاً من حياة الجماعة؟ ألا يوجد الكثير من الخبرات الإنسانية وراء المنطق 
والعقل تعطينا الشجاعة لكي نعيش معانيهاء ولكي نحتضن الآخرين؛ ولكي 
نشترك في رحلةء وذلك قبل أن يوجد أي فهم أو بصيرة أو إيضاح» وقبل وجود 
أي معرفة أو إدراك منفصلين؟ فالفرد الذي يشترك في الموقف الإنساني» 
يتكشف الحياةء حيث تكون الذات منضوية فيها- وتلك هي اللحظات المنعزلة 
من التأمل الذاتي الهادئ؛ ومن الخبرة الذاتية الخاصةء وهي اللحظات التي 
ألتقي فيها حقيقة بجاري الذي تربطني به اهتمامات وعلاقات وطيدة. وهي 
اللحظات التي أشعر فيها بأنني متعلق بورقة ساقطة من أوراق الشجر؛ بزهرة 
وحيدة في يوم تساقط فيه المطرء بالرعد والرياح والأمطارء حينما تستجلب 
إحساساتي Ule‏ متكاملاً من الإنسجام والألوان والأشكالء حينما يرتبط الكل 
SL‏ وينتمي إلى الكل ويبقي كما هو. يعبر «وليام ووردسوورت» عن ذلك 
الإحساس بالذات في الشعر التالي: 











سيل اسم م مم ade‏ النفس الإنسساتي —— 
لقد أحسست 


وجوداً يقلقني مع البهجة 
فكراً ساميّاء وإحساساً رفيعاً 
بشيء متمازج بعمق HST‏ 
موطنه هو ضوء شمس الغروب» 
والمحيط المستديرء والهواء الحيء 
والسماء الزرقاءء وفي عقل الإنسان - 
حركة وروح» تدفعان 
كل الأشياء المفكرة. كل موضوعات كل SAN‏ 
وتدور خلال كل الأشياء. 
هل خبرات مثل هذه لا تكون مهمة في حضور الذات5 ومع ذلك أين 
الفهم والإدراك. أي مفهوم أو تعريف أو مناقشة Ale‏ وأي مقالة معبرة 
تستطيع أن توصل عظمة ومهابة الخبرة الكلية حيث يكون الإنسان إنساناء 
الشجرة شجرة: والفجر فج رأ؛ ولكن كل عنصر يندمج في الآخرء وكل جانب 
يعطي معنى للآخرء وهي في وحدتها وتكاملها تخلق شيئاً جديداً ata‏ شعراً 
EN‏ 
منذ عدة سنوات. شهدت ميتشجان شتاءاً قارسا تعدت البرودة فيه 
معدلات درجة الحرارةء حيث عمت الثلوج والجليد والصقيع. في أحد أيام 
هذا الشتاء البارد والعاصف» اضطرني عنف ضجة الريح المزمجر إلى أن 
أمكث بالمنزل. ويعد يومين من هذا yp LA‏ بدأت أشعر بالكآبة وياللاإحساس 
نحو لعب الأطفال وبالأحداث التي تجري من حولي. لقد بدى كل شيء باهت 
اللونء خافت الصوت. تقد كنت على حافة القنوط واليأس: وفي ظلال الحياة 
وشعرت بأنني قد وقعت في شرك العاصفة العنيفة في الخارج. لقد أتى 
الريح مختالاً عبر الجدرانء صافعا ael il‏ محدثا صدى مدوياً في أرجاء 
المنزل. إلا أن هذه الذبذبات السمعية قد دخلت بعمق في وعي. لقد تعلمت 


الفصل العاشر ب 683 — 
أن المكان الأكثر أمانا في جو العواصف الثلجية هو الراحة الدافئة بالمنزل. 
وقد تراجعت عن هذا لمدة يومين على الأكثرء ليس بدون اختياريء ولكن 
بسبب التقليد والخوف. لقد كنت منزعجا من أن الريح العاتية قد أجبرتني 
على البقاء بالمنزل ومن أنني قد أذعنت لها بالطريقة العادية والذكية. لكن 
كان هناك شيء خاطئ. فقد كانت المناظر العادية بالمنزل تبعث على الكآبة 
والانقباض! لقد رأيت الأغطية فحسب وأحسست بالملل والضجر من الحياة 
الساكنة. وبقدر ما كنت أفكر في موقفي هذاء بقدر ما صارت تتملكني أكثر 
مشاعر الضيق والقلق. لقد أخذت تغمرني من الداخل مشاعر متدفقة عارمة. 
وقررت مواجهة الريح. إنني لم أواجه من قبل مثل هذه العاصفة الثلجية, 
ولكني قررت في هذه اللحظة - عن اختيار - أن أدخل هذه المعمعةء وأن أدلف 
خارج المنزل. 


وفي الحال خبرت شعوراً Lick‏ على البهجة والإثارة. لقد كان اندفاع 
الريح الباردة والمعربدة يجذبني إلى التقهقر والتراجع في كل اتجاه . وفي 
لحظة وجدت نفسي في لسعة البرد ومدفوعا إلى الوراء. وصرت متردداً هل 
استطيع التحرك قدماً إلى vale‏ ولكني cu‏ نفسي على الأرض؛ ووقفت في 
طريق الريح وتقابلنا وجها لوجه. ولقد عرفت لأول مرة المعنى الكامل للريح 
القاسية؛ وأحسستها في كل مسام جسمي. ووقفت بحزم» وبدأت تدريجيا 
وببطهء التحرك إلى الأمام رغم الريح العاصفة العنيفة التي صارت تعترض 
طريقي. وتساقطت الدموع من وجهي. لقد كانت خبرة A ga‏ ولكنها في نفس 
الوقت باعثة على الانتعاش والبهجة. لقد كانت باردة: ولكني كنت أشعر 
بالدفء من شحنة قوية من الانفعال. لقد شعرت بالحيوية حينما استكملت 
رحلتي. وكلما قابلتني الريح وحركتني» صرت واعياً بالجو كله. لقد كنت أشبه 
بدينامو قويء مشحونا بأصوات واضحة رنانة تمجد الفضائل الكونية في 
audi‏ :لقب ضارت إحساساتي مفمورة add lS i‏ ار تيع الفرققة 
والتكسير يملأ كل مكان» إلا أنه كان لكل صوت نوعيته الفريدة وكان x‏ رغم 
العاصفة المندفعة والكاسحة: إلى الحد الذي استطيع معه إدراك كل نغمة 
على حدة كوحدة متميزة. وصرت أسمع: وأخبر سلاماً ومتعة من الداخل في 
خضم التحطيم الشرس الذي ملأ الجو. وشعرت بعدم الخوف تماماً. وما 


























۳٦٦ —‏ —— عم النقس الإنسسائي سم 


يبعث على الغرابة أني قد صرت أتيه بنفسي عجباً: وفي خيلاء: كلما سرت 
إلى الأمام في عالم مشحون بالهياج والعنف. لقد كانت لحظة للتأمل والإلهام 
وانتصاراً داخليا على الخرافة والخوف. فلأول مرة في حياتي أفهم في 
الحقيقة معنى العاصفة الثلجية من خبرتي الشخصية المباشرة. وكان ما حولي 
هو عناصر لامعة وحادةء وأصوات نفاذة أستطيع رؤيتها وسماعها والإحساس 
بها بدون مجهود. ولقد كان كل شيء مفعم بالحياة والجمال. وانطبعت في 
نفسي عظمة وعمق هذه العاصفة. لقد بعث لقاء الريح في نفسي إحساساً 
بالانتعاش aa sls‏ وأوقفني على كل ما أتمتع به شخصياً من مصادر Alla‏ 
للطاقة والقوة.. وعدت إلى المنزل. لقد غدى كل شيء متألقا وجميلا. وصرت 
ألعب بشغف مع أطفالي» يدفعني حماس وحمية لا حدود لهما. وترائى لي أن 
التعب لم ينل منّي. وأخذت أقوم ببعض الإصلاحات والرسوم وأساعد في 
إعداد alab‏ العشاء. وفي استحمام «co gl‏ وفي إيوائهم إلى الفراش. وقضيت 
أمسية ممتعة في القراءة وفي التحدث مع زوجتي. لقد وجدت. من واقع هذه 
الخبرة العنيفة؛ متعة جديدة في الحياة. طاقة جديدة: تفرداً وجمالاً . وقهرت 
ol‏ وفتوري. واكتشفت في نفسي تجاذبا حيوياً مع كل شيء المسه. فكل 
شيء كان Luts‏ ومألوفاً أخذ رونقاً Ls‏ لقد تحققت كيف أنه من الخبرة 
القاسية المضطربة العاصفة يأتي إحساس بالبهجة والسلام al Solly‏ الداخلي» 
ومعه يتأتى التعرف على المظاهر الحيوية للحياة. وكيف أنه من الصراع الأولي 
يأتي إحساس بالحيوية الفرديةء وشهعور بالانسجام وبالقربي مع ريح غاضبة. 


ذلك بعد من الأبعاد قد تسميه البعد الروحي أو الخفي أو الجمالي أو 
الإبداعي؛ أوببساطة كون الإنسان إنسانا. هنا أتكلم عن قوى غير معروفة في 
الإنسان تمتزج مع قوى غير معروفة في الكون تجعل الظاهرات تقع على 
النحو الذي تبدو عليه؛ وتجعل الحقيقة والواقع مندمجتان معا لتجعلا ما هو 
غير Lana‏ في الفرد يلتقي مع ما هو غير متنبأ في الشخص الآخر. عندئذ 
يحدث انفتاح للذات حيث يقوم الفرد بما هو غير متوقع وغير متنباًء وحيث 

كيف يستطيع الفرد أن ينمي مصادره الكامنة ومواهبه الدفينة؟ كيف 
يستطيع أن يواجه الآخرين بإحساس ذات معنى عندما يكون مضطراً إلى 




















۷ tat) الفصل‎ 


المسايرة. وإلى التنافس والإنجاز والتقييم» وتحديد الأهداف5 كيف يمكن أن 
تأخذ فردية الشخص ش كلاً فی موقف iuo‏ حيث يكون Lally‏ تحت ضغط 
الاتصال وفقا لطرق محددةء ولمعايير ومستويات عاديةء ولتحقيق مطالب 


نمائية معينةة. 


أننا نعيش في عصر الفكر والتعقلء فيه تكون الذات منظومة self-‏ 
1 رمنظومة الذات» هي 2 لسلة من التعقلات والمفاهيم التي تستخدم 
في الوصف والتحدد. وفي هذه المنظومة تستخدم المهارات بهدف الفائدة 
والتوظيفء وفيها تكون الخبرات أنسب من الحقائق المجردةء ويكون الرمز 
أكثر واقعية من الشخص أو الشيء الذي تم ترميزه. نحن نعيش في عصر من 
الراحة: مهيأ للاستيعاب والاستهلاك» فيه يكون من الأفضل الالتزام بالهدوء 
وبالنظرة البعيدة حينما تكون هناك صيحة مدوية من أجل العدالة Godly‏ 
حينما يكون من الأفضل أن نقف على حافة العلاقات الحقيقية: oY‏ المواجهة 
الصادقة غالبا ما تجلب الألم والمعاناة والحزن: وكذلك البهجة والسعادة. 
نحن نعيش في وقت يكون فيه الصوت الهادئ والرصين والعاقل هو الطريق 
الحقيقي للوجود» وفيه تكون تلقائية الاستثارة والمتعة والسلام الداخلي؛ وفيه 
يكون الحماس والحمية الانفعالية؛ وفيه تخضع الصيحات الساخطة من أجل 
العدالة وتأكيد حقوق الفرد للتفسير والتبرير والتشويه بواسطة الأدعياء 
على أنها علامات لعدم النضج أو العداوة أو الأهداف الأنانية أو كإسقاطات 
للحاجات alkil‏ أو الحرمان الجنسي. 


نحن نعيش في عصر الآلات والمبتكرات والأساليب والإجراءات التكنولوجية. 
فيه يستطيع الفرد أن يحصل على قائمة بأتسب طرق الكلام والتواصل والعملء 
وكذلك بالسلوك غير الملائم لأي موقف في الغالب. 


نحن نعيش في عصر التوافق» حيث يكون الفرد مضطراً: إذا لم يتكيف 
عن طيب خاطرء إلى أن يخضع لأساليب الجماعة وتفضيلاتهاء إما بالسلطة 
أو بالاقتراع العام. ولا يعد إجماع الآراء ببساطة أمراً عملياً أو ملائماً. فمن 
غير بد أن تخلق الفروق الفردية أنشقاقاً داخل الفردء تصدعاً بين نفسه 
والآخرين. عندئذ إما أن تكون الجماعة أو يكون الفرد مريضاء ولكن لابد وأن 


























—— y] عم النفس‎ —— ۳٦۸ — 


كلاهما سوف يعاني. ولا تستطيع الجماعة ولا الفرد أن يَحْبّرا نموا وتقدمآ 
على الوجه الأكمل بدون الآخر. 


ليس هناك من سبيل لتحقيق الإمكانات الكلية في حياة الجماعة إذا كان 
هناك من الأفراد من يلقى نبذاً أو إهمالاً. أو هناك ما يحد من طاقاته إلى 
أقل Jala gfe Les‏ على أنه من مرتبة أدنى أو على أنه غير مقبول. وبقدر 
ما تنتشر الإرادة والنوايا السيئة والمشاعر المرضية: بقدر ما يجد كل شخص 
في الجماعة نفسه معاقاً وعاجزاً عن أن يحول مصادره المتاحة إلى تعبير 
إبداعي وتحقيق خلاقء أي يجعلهما حقيقة واقعة. 


فالإنسان لا يستطيع أن يحمل في قلبه من الأفكار والمشاعر والمقاصد 
والنوايا الشريرة بدون ما يورط نفسه في ذات الوقت ويقيدها داخل مراميه 
أو أغراضه أو وجهاته. وفي ذلك ينبغي أن يتصدي الإنسان لحالة الرفض 
هذه حتى تستطيع حياة الجماعة أن تتضمن وتستوعب عمق الروح والولاء 
والمشاركة الحقيقية. لذا يجب التصدي أولاً للمشكلات والمنازعات الشخصية. 
وللتحدي المفروض على الفرد في مواجهة الجماعة. وإلا فإن الانشقاق داخل 
الجماعة قد يعوق كل إنسان من أن يحصل على إحساس بالتكامل وإحساس 
بكونه كلا متكاملاً. ويمكن لنا فحسب أن نحقق مستوى عاليا وراقياً من حياة 
الجماعة إذا تعلمنا أن نعيش مع الشخص المختلفء إذا اعترفنا بحقه في 
الوجود» واحترمنا مشكلاته التي يبديها أو الصعوبات التي يخلقها. فالمسائل 
الشخصية ينبغي أن تتوطد أولاً .ثم تتبعها الحياة الاجتماعية. 

وهنا تتملكنا مشاعر عدم الرضا حيال الحركات والعادات والأهداف غير 
ذات المعنى للحياة اليومية الحديثةء وحيال الاغتراب الذي ينتج عن كون المرء 
جزءاً من وجود آلي يتسم بالُواء» أو عن تكريس طاقاته لدراسة غير ذات 
معنى يحاول بها أن يحقق لنفسه Lege‏ أو وجوداًء بدلاً من أن يعيش في وجود 
مستحق وتحقيق ذاته تفاعلاً مع متطلبات وتحديات مواقف الحياة. 

















الفصل الحادى tg:‏ 
المْصل الحادي عشر 
التوجه القيمي في الإرشاد COM‏ 
الحرية الأساسية في الديمقراطية هى حرية التحديد الذاتى والتوجيه 
الذاتي. فلكل فردء عل الأقل من الناحية النظريةء حق مقدس في تنمية 
إمكاناته كما يشاء طالما لا يتداخل ذلك مع نفس حقوق غيره من الناس. في 
المجتمعات ALS‏ يوجد اتفاق ضئيل بشأن الأهداف القصوى التي يسعى 


الفرد والجماعة ككل نحو تحقيقها. ومقابل ذلك» يواجه كل شخص Gre‏ هائل 
من الأنظمة التي عليه أن يختار منها نظاماً يبدو له على أنه الأكثر صدقاً. 


ومن شأن احترام حق كل فرد في تقريره مصيره أن يخلق موقفاً Las‏ 
للأخصائي في ميدان التوجيه والإرشاد النفسي. كيف يكون صادقاً مع نفسه 
ويظل على أصالته إذا أخفى نظامه القيمي في المقابلة الإرشاديةء ومن ناحية 
أخرى كيف يتحفظ ضد فرض فالس فة للحياة على عميل قليل الحيلة؟ تبدو 
أحد الحلول في ذلك في إنكار دخول قيم المرشد النفسي بأية طريقة في 
هذه العلاقة المهنية. فهو - كعالم مدرب - يقوم بمجرد تطبيق الطرق الفنية 
الموضوعية المختبرة في حل المشكلات الشخصية بدون ما تأثير في أغراض 
العميل وأهدافه. 


لقد ظل هذا الرأي سائداً لسنوات طويلة: لكنه قد صار من الواضح 
أنه ليس هناك من أحد يستطيع أن يتجنب توصيل معتقداته الأولية على 
الأقل على المستوى غير اللفظي. فالأحكام القيمية - كما يشير وليامسون - 
تكون متضمنة حتى في تركيبة الموقف الإرشادي وفي اختيار الطرق الفنية. 
فاختيار المرشد النفسي في هذه الموضوعات يكون موجهاً Les‏ يعتقد أنه ينبغي 
أن يكون نتاج الإرشاد. وفي هذه المشكلة تتجلى بقوة وجهة نظر «جاردنر 
Ma uas‏ .. إذا كان من يقوم بالتوجيه شخص «JalS‏ ذو أصول حقيقية في 
الثقافة الإنسانيةء فإنه لا يستطيع أن ينقل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة 


(*) Value Orientation in Counselling. 
(1) G. Murphy. The Cultural context of counseling. Personnel Guid. J., 1955, 34, 4-9. 





س ۷م طم النفس الإتسسائي — 


لكل عميل ما يراه ويشعر به هو نفسه. والمنظور الذي يعيش به حياته» . 
فالمعتقدات الشخصية التي ينظم حولها الشخص Gls‏ تفترض وجود عناصر 
غير رشيدة: ومن المحتمل أن يؤدي أي تحدٌ لصحتها حتى بطريقة غير مباشرة 
إلى استدعاء اتجاه دفاعي. ويفترض أن يتصف المرشد النفسيء بفضل تدريبه 
المهنيء بالتحكم الكامل في مشاعره الواعية: ولكن كثيراً جداً أن نتوقع أنه 
يتجنب كل خداع لا شعوري لردود أفعاله. 


ويفرض مجرى سير العمل الذي ينبغي أن يقوم به المرشد تحدياً أكبر 
كلما أدت الصعوبات السطحية البادية في المقابلة المبدئية إلى مشكلات تتعلق 
بالوجهة التي يتخذها الفرد في الحياةء متضمنة المشكلات الأخلاقية والمعنوية. 
وإذا لم يستوضح المرشد نسقه القيمي الخاص إلى الحد الذي يس تطيع معه 
أن يتفهم بصراحة دوافعه الأساسية: فإنه لا يستطيع أن يتحفظ ضد فرضها 
على الآخرين بطرق مستترة كثيرة. وعلاوة على HUIS‏ ينبغي أن يكون المرشد 
يقظا للسياق القيمي للمقابلة؛ ويُمّدَّر نتيجة ما يتخذه من ردود أفعال بشأن 
العميل. 


ويتضح من هذه الدراسات المختارةء أنه ليس بالضرورة أن يؤدي التعبير 
عن الأحكام القيمية. حتى ولو كانت أحكام المرشد ذاتهاء إلى الاعتداء على 
حق الفرد المقدس في اتخاذ قراراتهء ولا المناقشة الصريحة عن النطاق الممكن 
للقيم التي قد يختار منها العميل قيماً مغايرةٌ. فمن الأهمية بمكان أن يتذكر 
المرشد أنه حتى حينما يتكلم عن القيم كما تستقر نسبياً في حضارة المجتمع» 
فإنه يراها فى إطار معتقداته الشخصية. 











الفصل الحادى عشر ااا ١۳۷س‏ 


يميز «وليامسون» بين أدوار المرشد المدرسي والمعالج النفسي. فبدلاً 
من الصراعات المتأصلة التي تتطلب علاجاً نفس يأ ats‏ غالبا ما تتركز 
مشكلات المراهقين حول اختيار القيم لكي تستخدم كدوافع موجهة. في 
حالات كثيرة حيث يتطلب الأمر تقديم مساعدة خارجية قبل أن يتمكن 
المراهقون من حل المشكلات الصراعية ببصيرة واعيةء يكفي توفر علاقة 
علاجية معدلة ومبسطة. 


وقد يرغب القارئ في أن يجيب على بعض التساؤلات التي تثيرها 
الدراسة الحالية: كيف ترتبط مهمة المرشد المدرسي بالأهداف العامة 
للتربية؟ GL‏ معنى؛ إذا وجد» يكون المرشد معلما؟ بأي الوسائل يستطيع 
المرشد أن يفرض قيمه على الطالب بدون أن يكون Lely‏ بأنه يفعل 
ذلك؟ هل ينبغي أن يكون المرشد محايداً إزاء ما يقرره الطالب؟ هل من 
المفروض alo‏ أن يقوم المرشد المدرسي بتعليم القيم؟ وإذا كان الأمر 
كذلك» فأي نوع من القيم وتحت أي ظروف5. 


sr —‏ طم النفس الإنسسائي — 


an) 


التوجه القيمي في الإرشاد النفسي )© 
إدموند ج. وليامسون 
(جامعة مينسوتا) 


قد يعتقد بعض المرشدين النفسيين أنهم كمرشدين ينبغي ألا يكون لديهم 
أي توجه قيميء وبأنهم ينبغي أن يحتفظوا في إجراء المقابلات مع العملاء 
بدور أشبه بوضع الحياد. وقد يؤكد نفس هؤلاء المرشدين أن التوجه القيمي 
للعميل ينبغي أن يكون المحدد الوحيد لوجهة وحركة وهدف العملية الإرشادية. 


ويبرز في هذا الشأن جانبان يبعثان على الحيرة el]‏ هذه الدعاوي 
من أجل الحيادية. فالموجهون الذين يأخذون بهذه الدعاوي يبدون ميلاً إلى 
الاعتقاد بأن الفرد يمتلك كل المصادر اللازمة لتحقيق مستوى أمثل من النمو 
يستطيع أن يصل إليه. وإذا كنت لا أسلم لأي أحد بثقة في الإمكانية الهائلة 
للأفراد على دفع نموهم إلى مستويات أفضلء فإن ذلك يتناقض مع اعتقادي 
في «الفردية المستقلة ذاتيا» (autonomous individualism)‏ إلا أني أعتقد» 
ويوجد ما يؤيدني من دلائل تاريخية غنية في الحضارة الإنسانيةء أن الفرد 
بحاجة إلى غيره من الأفراد لمساعدته على تحقيق النمو الأمثل. وفي gill)‏ 
يشير تاريخ المجتمعات الإنسانية إلى تفسير مؤداة أن الحالة المتمدينة من 
التفاعل المتبادل تكون أكثر إنتاجية وملائمة للنمو الإنساني الأمثل مما يعرف 
بالحالة الطبيعية للاعتماد الذاتي الاجتماعي والنفسي. ١‏ 


وتتلمكني الحيرة أيضا بالنسبة للجانب الآخر الذي أطلق عليه دعوى 
الفردية المستقلة ذاتياًء وهذا هو دور المرشد النفسي ذاته في تلك العملية 
الإرشادية. فإذا كان المرشد يتبع هذا المفهوم حرفياًء عندئذ ينبغي أن يسعى 
إلى حالة من «إخفاء أو طمس الذات» .(self-effacement)‏ وإلى حالة على 
الأقل من التأثير الهامشي في الإرشاد. هنا يمكن اعتبار مفهوم التقريب 


(*) E. G. Williamson: Value orientation in counseling. Personnel Guid. j., 1958, 36, 
520-529. 


الفصل 430331( عشر —— YN‏ — 
لهذا الوضع أو الموقفء ولكن قد يتعذر على الفهم أنه يمكن التوصل إلى 
هذا الطمس في شخصية متكاملة. طالما أن الفردية تمثل جزءاً أصيلاً من 
الشخصية. لذاء يبدو جلياً أن بعض الأبعاد المتعلقة بالتوجه القيمي ويمعتقدات 
المرشدء على الأقلء ينبغي أن يدركها العميلء وبالتالي يخضع وظيفياً لبعض 
التأثير في العلاقة الإرشادية. وقد يكون صحيحاً من الناحية الإجرائية أن 
المرشد يستطيع أن يعمل بطريقة تقوم على طمس أو إخفاء الذات» ومع ذلك 
يحتفظ بفرديته في ظروف أخرى. ولعلي افترض أن هذا هو المقصود من هذه 
المشكلة الجدليةء رغم أن دعاة مبدأ إخفاء الذات يعترفون بالقليل من تلك 
القيود الخارجية للحيادية. 


:Counseling Model نموذج الإرشاد‎ 


ومهما يبدو من صحة في هذين الجانبين المحيرين لدعوى الحياديةء 
توجد أسس إضافية للتخلي عن ذلك الوضع تفضيلاً للتوجه القيمي المفتوح 
والصريح في الإرشاد النفسي. وقبل أن استطرد في تفاصيل مناقشتي هذه 
دعني أحدد مفهومي عن الإرشاد النفسي حتى أجعل القضايا التي تنطلق 
منها مناقشي واضحة وصريحة. سوف أحدد Lodged‏ للعملية الإرشادية التي 
تأثرت فيها كثيراً بكتابات الآخرين وبخبراتي في مجال الإرشاد. عندئذ سوف 
أتكشف بعض الطرق التي بها يؤثر التوجه القيمي للمرشد في تلك العملية. 
يتحدد مفهومي» بطبيعة الحالء بسياق خبرتي في الارشاد الذي أمارسه في 
الكلية مع الشباب. 


الإرشاد النفسيء من وجهة نظري» ليس مطابقاً للعلاج النفسيء وأن 
مضمونه ليس بعلم النفس المرضي» وقد تكون الأنماط الأخرى من الإرشاد 
إكلينيكية أو علاجية»ء ولكني أود أن أتكث تكشف oly‏ أقدم مفهوماً آخر يهدف 
إلى الجمع والتكامل بين التوجيه المهني والتربوي مع ديناميات الشخصية 
والعلاقات البينش خصية. 


الإرشاد النفسي نمط خاص لعلاقات إنسانية قصيرة الأجل نس بياً بين 
«معلم مخلص» (mentor)‏ ذي خبرة طيبة بمشكلات النمو الإنساني وبأساليب 














سيم عم النقس y)‏ —— 


تيسير ذلك النموء من ناحية: و«متعلم» من ناحية أخرىء يواجه صعوبات 
معينة ملموسة أو غامضة إزاء جهوده ومساعيه نحو تحقيق نمو قائم على 
الضبط الذاتي والتوجيه الذاتي مما ييسر ويعزز مسار نموه وارتقائه عبر دورة 
الحياة. هذه الصعوبات تتراوح في مضمونها من اختيار هدف مهني أو تدريب 
مهني إلى العلاقات المتصدعة مع الوالدين أوالأصدقاء . تلك أبعاد متعددة 
للعلاقات الإنسانية التي تجري في المقابلة الشخصية بين المرشد والمسترشد» 
وهي أبعاد تتعلق بمناقش تنا . 


ومن الاعتبارات الأكثر أهميةء أن مناخ العلاقة الإنسانية في الإرشاد 
النفسي ينطوي على نوعية خاصة. هذه العلاقات تكون شخصية بدرجة 
كبيرةء وهي بذلك تكون ذاتية أكثر منها موضوعيةء أو أشبه بعلاقة العمل؛ أو 
رسمية من حيث الأسلوب والمشاعر. فالمرشدء حقيقة: «يعتني» بالعميل بطريقة 
Auaris‏ وإن كانت هذه الرعاية تختلف Loc‏ يباشره الوالدان من رعاية عميقة 
وحانية بالنمو الشخصي للطفل. ومع ذلك فإن هذه الرعاية التي يحيط بها 
المرشد عميله تكون أكثر شخصية مما نخبره عادةٌ في علاقات الحياة اليومية. 
ويعد مناخ العلاقة هذا هو الشرط البيئي الأكثر حتمية لحل مشكلات النمو 
التي يواجهها العميل ويشعر بها ويدركها. وبدون ذلك ELUM‏ لن يتشجع العميل 
بفاعلية في سبيل البحث عن حل لمشكلاتهء أو في سبيل فهم نفسه وصعوباتهء 
أو في سبيل تقييم الأساليب المتاحة من واقع الصعوبة الحالية. وربما نصل 
إلى تعميم من خبرتنا مؤداه أن العلاقة في الإرشاد النفسي لا تستلزم أن تكون 
علاقة احتوائية وتوحدية كما قد نخير في التحليل النفسي أو في أي نمط 
آخر من أنماط العلاقة العلاجية العميقة. ومع ذلك ينبغي توفر المناخ المؤثر 
إذا كان للإرشاد أن يكون فعالاً. 


وينشا البعد الثاني في هذه العلاقة الشخصية من الحقيقة بأن الكثير 
من مشكلات النمو لدى العميل تنبع من اضطراباته أو صراعاته بشأن 
اختياره للقيم التي يتبناها كتوجهات دافعية مسيطرة لديه. قد يكون بعض 
هذه الاضطرابات Vua.‏ 12523 أ وبالتالي قد يتطلب علاجاً نفسيا متعمقاً 
وطويلاً بدلا من الإرشاد النفسي. ولكن حتى في الأشكال الأبسط من 
الاضطرابات» فإن هذه المشاعر الصراعية قد تحد من دافعية الفرد في أن 

















VO nite (43021 jail 


يتخذ ضبط ا لنموه قائما على الثقة والعدوانية التوكيدية. وفي تلك الحالات: 
وداخل المناخ الودي للمقابلة الإرشادية؛ قد يحتاج الفرد إلى «علاقة علاجية 
معدلة وميسطة» قبل أن يستطيع مواجهة مش كلاته بيصيرة واعية. 


:The Counselor teacher المعلم المرشد‎ 


كل هذه وغيرها أبعاد ضرورية للعلاقات الإرشادية. إن الإنسان «فرد ذو 
مشاعر وأحاسيس» (feeling individual)‏ ويمثل وجدانه بعداً ضرورياً Lions‏ 
لفرديته. ومن ثم» فإن مساعدة العملاء على أن يشعروا شعوراً Lalo‏ تمثل 
هدفا أساسياً للإرشاد النفسي. ولكن الخاصية الأساسية المحددة للإرشاد 
النفسي هي التعدد الخاص بحل المشكلات التي تتعلق بصعوبات موضوعية 
في العالم الخارجي وبما يصاحبها من اضطرابات انفعالية ذاتية.الإنسان في 
ثقافتناء لا يسعى فحسب إلى أن يشعر شعوراً طيباء ولكن أيضا إلى أن يصبح 
Le Lists‏ عاقلاً يستطيع حل مشكلاته وتوكيد ذاته. 


by‏ الواقع» عادة ما يتداخل وجدانه مع محاولاته ليكون SL Ble‏ وربما 
يصير غير عاقل إلى حد أن عقلانيته تتطلب إيضاحاً وإعادة بناء قبل أن 
يستطيع استعادة وضعه الرشيد وعمليته العقلانية. وبالإضافة إلى ذلك Bole‏ 
ما يكون وجدانه. خاصة عندما يكون من النوع «السوي» هو المصدر الأكبر 
الأساسي للدافعية في سلوكه كفرد يحل مش كلاته بطريقة عقلانية. ومن ثم 
لا ينفصل الوجدان Tal‏ عن العقلانية؛ وأنهما يرتبطان ببعضهما ارتباطأ Lady‏ 
Libel‏ بطريقة سلبيةء ولكن عادة بطريقة إيجابية منظمة متكاملةء بحيث أن 
أحدهما يدعم الآخر أو توجد بينهما علاقة تبادلية من نوع معين. 


في الإرشاد النفسيء يقوم المرشد كمعلم بمساعدة الفرد على تعلم كيفية 
استخدام اتجامات وطرق حل المشكلات في ضبطه الممكن لنموه. ويكون 
«منهج» الإرشاد النفسي (إذا استخدمنا مصطلحات رجال التعليم) هو الفرد 
نفسه وأسلوبه في الحياةء أخطاؤه المربكة واستجاباته «الصحيحة» في علاقاته 
بالآخرين. في الإرشاد النفسيء نسعي إلى مساعدته ومساندته كي يعيد إلى 
نفسه ذكاؤه أو عقلانيته محاولة aie‏ في اس تخدام قوانين معينة للمنطق أو 











eet —‏ طم التقس الإنسساتئي —— 


بصيرة سيكولوجية معينة حتى يقترب من العقلانية في ضبط حياته: وهي 
عقلانية نادراً ما يحققها كلية. ومن ثم يسعى إلى الاقتراب من حقه وفرصته 
في تحقيق الحرية ليصبح «ذاته الواقعية» من خلال تحرره من إعاقة جهل 
الذات» ومن خلال التحرر من المعوقات الأخرى التي تقف في وجه نموه 
الكامل. 


دور المرشد واضح إذن: وهو أن يعلم الفرد أن يساعده على أن يتعلم فهم 
نفسه وتقبلها على ساس مقدراته واستعدادته واهتماماته» وأن يحدد دوافعه 
وأساليبه في الحياةء وأن يُمَيّمها في ضوء نتائجها أو مترتباتها؛ وأن يستعيض 
ذلك بسلوك أكثر ملائمة لتحقيق الاشباعات المرغوبة في الحياة التي قررها 
الفرد كهدف ش خصي له . وبالتالي يتحدد دور المسترشد باستخدام نفسه كمنهج 
لتعلم كيفية فهم نفسه ودافعياته المركبة وأساليبه المركبة في الحياة؛ ونتائج 
سلوكه؛ وكيفية تصحيح أساليبه التي تصل به إلى سلوك لا يرغب فيه. وهو 
يسعى أيضا إلى تعلم أنماط سلوكية بديلة تصل به إلى نتائج ومترتبات في 
حياته يرغب فيها وتضيف أكثر إلى عمقه وثرائه في تحرير علاقاته مع غيره 
من الأفراد. 


ومن الطبيعي ألا يكون العميل كلية أو مطلقا متكامل ls‏ أو متكافل 
ذاتياً في أهدافه. أو أسلوبه في الحياةء لأنه يحتاج أيضاً إلى نوع من الجبر 
والإلزام لتعديل حفزاته الداخلية بفضل عضويته في الجماعات والمجتمعات 
وعلاقاته المتبادلة مع الأفراد الآخرين في المدرسة والمنزل والمجتمع. وبفضل 
هذا التفاعل مع غيره من الأشخاص (وداخل نفسه» مع نفسه) يتعلم أن يحلل 
ويفهم ويصحح ويعدل في سياق المقابلة الإرشادية - وهي «عالم إنساني 
(microcosm) PHA‏ يتكون على نحو يستطيع معه أن يري نفسه ويشعر 
بها بطريقة 3933 وبدون تهديد لأمنه الذاتي. وعندما يتمكن المسترشد من 
أساليب الفهم والضبط التي يتعلمها في الموقف الإرشاديء يكون Lige‏ للمهمة 
الحقيقية لنقل هذه المهارات وعوامل الثقة إلى عالم العلاقات البينث خصية 
الخارجي الذي يفرض عليه توافقا للمعاير الخارجية والمبادئ الموجهة للسلوك 
وتوحداً معها. 




















الفصل الحادى عشر د ۷۷ 


وهكذا يكون التفاعل بين المرشد والمسترشد أشبه بالتفاعل بين المعلم 
والمتعلم» وهو لا يخرج عن أنه «تدريس cols‏ صبغة شخصية» persornalized)‏ 
yey (teaching‏ كونه عملي ة تعلم يكون فيها الاتصال في بعض الأحيان 
ليس شفهياً فحسب ولكن أيضا موقفياً وبما ينطوي عليه الاتصال من معاني 
ومغازي. وفي بعض LA‏ قد تتصف العلاقة بالتدريس من خلال تقديم 
إيضاحات أو تفسيرات صريحة: واقتراحات لفروض محتملة» ومساعدة في 
البحث عن حقائق ذات دلالة (استعدادات» اهتمامات» دوافع: الخ) تكشف 
عن مشكلات ca A all‏ وغير ذلك. وفي حالات أخرىء» قد تكون طريقة 
التدريس هي حسن الإصغاء القائم على الود والتشجيع والتعزيز. وقد يقوم 
العميل في حالات غير قليلة باتخاذ وضع المعلم لنفسه. أي أن المسترشد قد 
يستخدم موقف المقابلة الموجهة بعناية لكي يتمرس على تعليم نفسه كيف 
يفهم نفسه كما هي عليه وكيف يحقق لنفسه نضجا على أساس ما يمتلكه 
من رصيد القدرات والدوافع التي يكون قادراً على أن يدركها في ذاته . هذه 
الجلسات التدريبية تسمح له أن يتخذ لنفسه موقفا مع نفسه ويتبصر بها 
بطريقة موضوعية - هو موقف يصعب تحقيقه غالبا إلا في جو ودي وعاقل 
من العلاقات البينشصية مع المرشد . وقد يشعر المسترشدء بعد عدد من 
الجلسات التدريبيةء بالثقة والاستعداد لأن يعتمد على نفسه ويمضي وحده» أي 
ami‏ ويكامل داخل نفسه الأدوار المتبادلة بين المرشد والمسترشد . وهنا يصبح 
المسترشد معلم نفسه في الإطار الذي تحدده إمكاناته وغيرها من الظروف 
الأخرى. وبالتالي يقترب إلى درجة من التكامل تحقق له مزيداً من النمو 
والرضا عما يتمخض عن سلوكه من نتائج. 


القيم والأهداف في الإرشاد النفسي: 


والآن: ارتباطا بهذا النموذج» سوف أحاول تكشف دور التوجه القيمي في 
الإرشاد النفسي. وهنا يبرز سؤال أكشر تعقيدا وإثارة للبلبلة والحيرة حينما 
نسعى إلى تقييم أو حتى إلى تحديد الأهداف أو الأغراض المنشودة من خلال 
الإرشاد النفسي. والسؤال هو: هل الأهداف الخاصة بنمو الطلاب وارتقائهم 
تتحدد سلفاء LAS al‏ «على غرارها» (sui-generis)‏ في سياق العملية الإرشادية 
ذاتها؟ وهل تتحدد الأهداف بالعميل فحسب؟ دعنا نتفحص نموذج الارشاد 























— ۳۷۸ سسسب سح طلم النفس iiy!‏ — 
الذي نقدمه في ضوء موضوع الأهداف هذا - وهو الموضوع الأكثر أهمية في 
فهم قيم الإرشاد. وهنا نواجه على التو بالأسئلة التابعة التالية: لأي أغراض 
ونتائج نقدم خدماتنا كمرشدين؟ هل هي نتائج من نمط نس تطيع استساغته 
وتقبله؟ هل هي مفيدة اجتماعياً بالنسبة «للصالح العام»؟ وهل هي «مجدية» 
بالنسبة للفرد؟ 


في طرح هذه الأسئلة ينبغي أن تُذكر أنفسنا بأننا لفترة طويلة في الإرشاد 
قد تقبلنا بطريقة جامدة التعميم الذي يقرر ob‏ المرشدين ينبغي ألا يعبروا عن 
اتجاه قيمي سلبي أو عدم استحسان قيمي» أي إدانة لأي شيء يقوله أو يفعله 
العميلء أو يكون قد فعله أو سوف يفعله. هذا الاتجاه السائد يعكس الملاحظة 
العامة بأنناء المرشدون. نقلل من فاعليتنا بدرجة هائلة. خاصة حينما نقدم 
خدماتنا لعملاء مع الآخرين, إذا كانت طريقتنا تقوم على التوبيخ أو الحث أو 
الأمر أو الوعظ أو التدخل عنوة في سعي العميل لفهم مش كلته ولحلها. 


والآنء إذا كنا قد نتفق جميعاً على أن عبارات الإدانة أو التحريض أو 
الترغيب هذه ليس لها مكان في الموقف الإرشاديء فإنه لا يترتب على ذلك 
بالضرورة أننا بحاجة إلى تأييد تمسك المرشد بحيادية القيم من حيث 
علاقاتها بمفهوم العميل عن ذاته وبمثله وسلوكه. وبالعلاقات البينش خصية. 
ويوضع في الاعتبار أن مبدأ حيادية القيم هذا قد يمتد في بعض الحالات 
إلى النموذج النمائي الكلي للعميل: على افتراض أن الهدف المرغوب - الذي 
يتمثل في «نمو كل شخص بكل الطرق إلى أقصى حد يمكنه أن يصل إليه» 
- يمكن أن يتحقق على أحسن مستوى إذا كنا نحد بدرجة هائلة من التأثير 
الخارجي الباعث على التفكك والتصدع. 

هذا الهدف الخاص بالنمو الإنساني يؤكد عليه «لويد - جونز» Lloyd-)‏ 
(Jones‏ ودسميث» (Smith)‏ فهما يؤكدان على التوجه القيمي صراحة؛ وهو 
هدف يبعث في معظم المربين والمرشدين سعادة حينما يرون أنه قد تحقق. 
وهوهدف ذو قيمة بالغة لما يفرضه من مفاهيم ودوافع وبرامج للعمل في 
الإرشاد النفسي. ولكن مثل هؤلاء العلماء أنفسهم قد عمدوا إلى إعادة التحقق 
من بعض افتراضاته الضمنية. 








الفصل الحادی te‏ #8 — 


وقد تتبعت محاولتهم في إعادة اختبار ما جرى من جدل ob‏ المرشدين 
بحاجة إلى أن يكونوا محايدين فيما يتعلق بنتائج العملية الإرشادية. فعلى 
بيل المثالء إذا كان Lal‏ أن نتقبل هذه الأهداف بدون تمحيصء يبدو علينا 
أن نأخذ بالمبدأ بأن كل نمو يكون مقبولاً إذا كان يحقق شرطين فق ط: «بكل 
الطرق» و«الحد الأقصى الذي يمكن أن يصل الشخص إليه». ومبدأ كهذا 
ينطوي على قضية أخرىء وهي أن أي شكل من أشكال النمو تتضمن في 
ذاتها مقوماتها الكافية. ولكن قد تنشاً عندئذ بعض الأسئلة التي تثير الشك 
بشأن تقبل ذلك المبدأ العام: هل توصلنا إلى رؤية النمو الأمثل كما تأيد بدون 
ما اعتبار للمعايير والأشكال التي توجهه نحو هدف «سليم» بدلاً من توجيهه 
نحو «غاية رديئة»؟ هل نعتقد » نحن yg BU‏ أنه في الإرشاد قد «يجوز أي 
شيء» أو أن أي نوع من نمو السلوك قد يصلح شأنه في ذلك شأن أي نوع 
آخرة هل نعتقد أن النمو الأكمل لفرد واحد يؤدي حتماً إلى ترقية وتزكية 
النمو الأكمل لكل الأفراد الآخرين؟ هل لا توجد معايير ثابتة وصادقة للنمو من 
حيث الفردية؟ هل ينبغي لأي فرد أن يختار بين القطبين المتقابلين: الاستقلالية 
المطلقة للفردء ومسايرة الفرد لمعايير مفروضة للنمو من شخص أو مجتمع - 
أليس هناك من جوانب أخرى يختارها الفرد في إنمائه لحياته؟ 


وهل نخلص إلى نتيجةء إذنء بأن استجلاء وتقبل المعايير والحدود كمبادئ 
موجهة gall‏ هي بغير ذات دلالة وأهمية في UAI‏ إن لم تكن معوقاً له؟ 
هل مثل هذا الهدف قد يقيدنا بعائق «الدوران المستمر» حول نقطة بداية 
محدودة من التوجيه الذاتي المطلق والمستقلء وهي نقطة قد تحددت منذ 
وقت طويل ووجدت على أنها غير سليمةء على سبيل SUM‏ بواسطة «بوذا» 
فيما يتعلق بتربية لا ترتبط بفلسفة: أو على الأقل لا ترتبط بفلسفة صريحة؟ 


هذه التساؤلات قد تدفعنا إلى أن نضع في الاعتبار تطبيقات هامة سواء 
بالنسبة للطرق أو الأهداف التي نختارها في الإرشاد:: ما هو الجانب الذي 
ينبغي أن يبديه التعبير عن التوجه القيمي للمجتمع أو المرشد في الموقف 
الإرشادي؟ إن من شأن تقبل مبدأ الحيادية أن يدفع الكثيرن إلى الإجابة 
بالنفي. ومع ills‏ قد نتساءل Lee‏ إذا كان المرشدون: على الأقل أولئك الذين 
يعملون في المدارس والكليات. يستطيعون الوفاء بالتزاماتهم المهنية إذا ظلواء 











— i) النفس‎ gle ۳۸ — 


وفقا لعبارة «كارمايكل» مجرد متفرجين of‏ مشاهدين محايدين في النظر إلى 
التربية أو دورها في المجتمع. 


الحاجة إلى القيم: 


في محاولتي الكشف عن مكانة التوجه القيمي في الإرشاد. لا أكون 
كيماً بدرجة كافية إذا حاولت التوصل إلى إجابة نهائية. ولكني قد توصلت 
إلى وجهة نظر تؤكد ضرورة الاعتراف بالأهداف الأخلاقي 3 - المعنوي 3 
والاجتماعية في الإرشاد. وقد كنت استرشد في دراستي الطويلة لهذا الجانب 
المهمل للإرشاد بما وصل إليه «بول ميل» من نتيجة تقرر : أن الاهتمام الصارم 
والزائف (السوفس طائي) بأخلاقيات التوجه العلاجي بواسطة أصحاب الإفتاء 
قد فات عهده. وغالباً ما ينحصر الفكر الراهن في هذا الموضوع كليةٌ في 
کلاشیهات(). 


في سمي الحالي إلى صياغة للتوجه القيمي الذي يتعلق بنواتج الإرشادء 
سوف أضع في الاعتبار أولاً ما إذا كان ضرورياً أو مرغوباً فيه بالنسبة للمرشد 
أن يستبعد الأحكام القيمية من المقابلة الإرشادية لكي نعطي للعملاء الحرية 
اللازمة لدراسة مشكلاتهم ولحلها على أساس من المسئولية. 


وقد تبدأ بالتساؤل عما إذا كان في استطاعتنا حقيقة أن نفصل سلوكنا 
عن قيمنا الخاصة وعن قيم المجتمع في أي موقف من المواقف . فكل اختيار 
أو عمل- وفقا لتعريف«تايلور» للقيمه على أنها «فكرة يسلك الناس بموجبهاء 
أو Le‏ يحكمون به على كيفية تصرفهم وسلوكهم» C‏ ينبغي أن يستند إلى 
تقبل صريح أو ضمني للقيمة. وحتى أكثر العلماء صرامة وتزمتاً في نظامهء 
يث يفترض فيه استبعاده لقيمه من عمله لكي يصل إلى الموضوعية:؛ لا 
يستطيع أن ينهض بوظيفته مستقلاً عن قيمه. وفي ذلك يقرر «سميث»: 


(1) Paul 8. Meechl. Annual Review of Psychology. Stanford, California, 1955, Vol. 
6. p. 373. 

(2) Harold Taylor. On Education and Freedom, Abelard-Schuman Lty., New York, 
Lndon, Toronto, 1954, p. 208. 














A ete الفصل‌الحادى‎ 


إن الزعم بوجود «علم متحرر من القيم» (Value-free Science)‏ حينما 
يمضي إلى ما وراء الإصرار على الاهتمام المنظم بالحقائق سواء كانت تتفق 
مع رغباتنا أو تتعارض وإياهاء من شأنه إعاقة العناصر القيمية في اختيار 
مشكلات البحث. وفي الإطار التصوري له وفي اتخاذ القرار بشأن متى يمكن 
الاعتماد على نتائج سلبية: ومتى تكون النتائج قابلة للتقرير» وهكذا إلى مالا 
OR‏ 


ويفترض «كونانت» أيضا بأننا لا نعمل بدون أن نتكشف» صراحة أو Lincs‏ 
القيم المختارة بطريقة ذاتيةء والتي تستند على «الخبرة الشخصية وامتدادها 
عبر التاريخ». ويمضي إلى القول: 


إني أشك في قدرة معظم الناس على التهرب أو التملص من بعض 
العناصر لخطة تصورية ترتبط بالسلوك الإنسانيء أو بالمبادئ المعنوية أو 
القواعد الخلقية, أو بالأحكام القيمية". 


القيم حتمية: 


إذا كنا هكذا لنتفق على أن الأحكام القيمية متضمنة في كل عمل أو 
فعل نقوم به» علينا أن نتفق أيضا على أن المرش دين لا يستطيعون التهرب أو 
التملص كلية من تدخل نظمهم القيمية الخاصة في المقابلة الإرشادية. وبينما 
قد تكون معايير المرشد الأخلاقية والمعنوية غير واضحة للعملاء أو حتى 
للمرشد نفسه. فإنها تؤثر في استجاباته لعميله Uy‏ يحكيه العميل عن تاريخ 
حياته وتطور حالتهء وفيما يؤكد عليه المرشد في الموقف الإرشادي. واختياره 
للأهداف وللأسلوب الإرشادي. كما تؤثر في الطرق التي يستخدمها في تنفيذ 
الطريقة المختارة في عقد المقابلات مع الحالة. ١‏ 1 


ويكشف المزيد من التفكير على أنه بينما تعتمد الطرق التي يستخدمها المرشد 

جزئيأعلى افتراضاته الخاصة بمترتبات ونواتج الإرشادء فإن هذه الافتراضات 

(1) M. Brewster Smith: “Toward Scientific and Professional Responsibility”. American 
Psychologist, 9, 515, 1954. 


(2) James B. Conant: Modern Science and Modern Man. Double-day and Co., 1953, 
p. 181. 








ey -—‏ عم التقس الإنساني 


ليست هي المجموعة الوحيدة من القيم التي تساعد على تحديد طرقه وأهدافه. 
وفي الحقيقة: بالنسبة للمرشد المدرسيء أن المعتقدات السائدة داخل نظام الكلية 
أو المدرسة Lasa‏ يتعلق بالطبيعة البشرية وأهداف التعليم: وبمكانة الإرشاد والغرض 
منه» قد تؤدي إلى حد ما إلى تحديد الأهداف التي يتوقع أن يوجه المرشد جهوده 
نحوهاء والطرق التي يتوقع أن يس تخدمها . وبينما يبدو الممارس الخاص في 
الإرشاد. لأول وهلةء متحرراً من تلك الموجهات في علاقاته بعملائه. فإني أعتقد 
أن المزيد من الاختبار والتمحيص سوف يعين بعض الحدود «الخارجية» لحريته 
ارتباطا بمسئوليته في التأثير على العميل لاختيار معيار للسلوك بدلاً من آخر. 


يبدو من الواضح هكذا أننا لا نستطيع أن Sole‏ أو لا ينبغي حقيقة أن 
نحاول؛ استبعاد بعض الاهتمام بالقيم من الموقف الإرشادي. ومن الواضح 
أيضا أن معايير واتجاهات المجتمع والمعايير والاتجاهات السائدة في المؤسسة 
التربوية التي يعمل فيها المرشد. وكذلك معايير واتجاهات المرشد نفسه»ء سوف 
تنعكس في سلوك المرشد من خلال كل مقابلة. ومثل هذا الانعكاس ينبغي ألا 
ينطوي على تأثير غير ملائم أو على تأثير معوق يعترض جهود العميل في 
سبيل تحكمه في نموه ذاته. 


إلا أنه لا يكفي أن نعترف أن التوجه القيمي للفرد يحدد السلوك. فالفعل 
أو العمل قد يقع بلا مسئولية رغم هذا الاعتراف. إلا إذا خضعت القيم 
والافتراضات والأهداف الكامنة وراء الفعل أو التصرف للاختيار والتمحيص 
وأصبحت مفهومة بوضوح قدر الإمكان. 


وفي ذلك يقرر «سميث»: إن الشخص يتصرف بمسئولية إلى الحد الذي 
يتفق سلوكه على الأقل مع الشروط التالية: 

ERI‏ - أن يكون واعياً بالسياق القيمي value context‏ الذي يعمل في 
إطاره. وتخضع أهدافه للاستقصاء الواعيء كما يرتبط سلوكه صراحة بقيمة. 

Lab‏ - أن تتم اختياراته في ضوء فهم ملائم لنتائجها المحتملة كما 


يستطيع تحقيقها. وتخضع العلاقات التي يفترضها بين الوسائل والغايات 
للفحص ca SUM‏ ولا تؤخذ كقضية مسلمة. 











A عفار‎ gst القضل‎ 


ثالثا - أن يكون مس تعدا لإصدار الأحكام استناداً إلى اختياراته لكل من 
الغايات والوسائلء وأن تكون لديه المرونة لكي يعيد تقييم كلاهما . وباختصارء 
عليه أن يضطلع بالمسئولية إزاء قراراته وأضعاله(٠.‏ 


هذا التعريف للمسئوليةء كما ينطبق على المرشدينء ينطوي على عدة 
تضمينات ارتباطا بقضايا التوجه القيمي في الإرشاد النفسي. فهو يتضمن: 
ضمن أشياء أخرى. أن المرشدين بحاجة إلى أن يفهموا أهدافهم بصراحة 
ووضوح: وأن يختبروا الطرق والأساليب التي استغرقتهم وشغلتهم على أساس 
ملائمتها لهذه الأهداف. وهو يتضمن أيضا أن العملاء - الذين» شأنهم في 
ذلك شأن المرشدينء يسلكون ويعملون في ضوء قيم معترف أو غير معترف 
بها - بحاجة إلى أن يتعلموا تحديد وفهم مضامين مبادئهم الأخلاقية والمعنوية 
والاتجاهات القيمية الأخرى لكي يسلكوا ويعملوا بمسئولية. ويفترض هذان 
المضمونان السؤال التالي الذي أود هنا أن أضعه في الاعتبار: هل الوظيفة 
الملائمة للإرشاد هي مساعدة الطلاب على تعلم تحديد وتقبل الالتزام بتوجههم 
القيمي وتقبل المسئولية نحو السلوك المشتق من ذلك التوجه؟ 


بالنسبة للإرشاد الذي يتم في موقف تعليمي أو في مؤسسة تربوية؛ يقوم 
تحليلي لتحديد الأهداف الغائية المرغوبة على الافتراض بأن الإرشاد جانب 
أساسي» وليس فرعي. من التربية الديمقراطية. وفي رأييء أن أهداف الإرشاد 
في المؤسسات التريوية ترتبط بأهداف التربية عامة: وخاصة بالنسبة للمسئولية 
الاجتماعية للتربية في التأثير على نموذج النمو الذي يصل إليه تقدم الطلاب. 
عندئذ يبرز السؤال عما إذا كانت التربية عامة ينبغي أن تهتم بنمو قيم الطلاب 
والتزامهم Le‏ ويبدو لي أن التربية مطالبة بذلك. إذا كان لها أن تساعد 
الطلاب للإعداد للحياة وللرشد مما سوف يكون مُشبعًا ومجزياً بالنسبة لهم 
ولرفقائهم في الأسرة والمجتمع. وكما يقرر «فييجل» Yaa‏ «تفترض أهداف 
التربية قبلاً بعض المشل الخاصة بالطبيعة البشرية.. ومن شأن تلك المثل أن 

0) سنداً بواسطة الأحكام القيمية‎ Ls 
(1) Op. cit., p. 513. 


(2) Herbert Feigl. Fifty Fourth Yearbook of the National Society for the Study of 
Education: Part 1, Modern Philosophies and Education. Chicago, 1955, pp. 324-336. 














ees AE —‏ عم النفس الإنساني 
تنوعالقيم: 


يجري الكثير من الإرشاد في سياق تربويء ويكون موجها نحو haa‏ 
تيسير النمو والتغير الارتقائي لدى الحالات من الطلاب. وهنا أؤكد على أن 
المرشدين. كالمريين: ينبغي أن يعدلوا من ag gall‏ غير المحدد عن النمو المحدد 
بذاتية مستقلة عن طريق إدخال مجموعة من الأبعاد الملائمة (أي لا تكون 
جامدة ولا مفروضة). في مفهومنا الخاص بالأهداف المرغوبة للإرشادء Ley‏ 
يوسع من الخبرات التي قد تكون مرغوبة في نمط مجتمعنا الديمقراطي. 
ومن شأن سعي العميل لمجموعة متنوعة من النماذج الاختيارية والمرغوبة أن 
يُعطى ثراءاً foam‏ لفائدتنا التربوية كمرشدين. ولعله بسبب التعددية الثقافية 
والقيمية cultural and value pluralism‏ قد نكون في خطر ضئیل أو لا نكون 
في خطر, بشأن بناء نظام صارم aleg‏ يلتزم به كل مرشد نفسي. 


ونعني . ضمن أشياء gp Sf‏ باستخدام عبارة «مجموعة متنوعة من 
الأهداف الملائمة» loose-fitting goals‏ (أي ليست بالجامدة ولا pall‏ 325( 
تلك المعابير القيمية مثل التي يقترحها «تايلور» و«فييجل» في مناقشتهما 
الخاصة بضرورة إدماج التربية مع قيم أخلاقية - معنوية صريحة. 


توجد في خبرة الطلاب قيم أخلاقية - معنوية لا يستطيع أن يتجنب 
تقبلها - قيمة العقل» قيمة السلوك الشريف» قيمة التعاون. وإذا كان يرخض 
تقبلهاء فإنه لا يستطيع أن يظل طالباً. وهناك قيم معنوية أخرى - Aelg àl‏ 
الاستقلال: الاحسان: الكرم: الحساسية - قد لا يجدها في خبرته AUS‏ 
ولكنه ينبغي أن يوجدها فيها إذا كان له أن يكون متعلماً Os‏ 


ويقترح» فييجل» أبعاداً أخرى على التربية أن تعمل على تنميتها لدى الفرد: 

وبالإضافة إلى هذه الآراء الخاصة بالتفكير والسلوك الرشيدين. ينبغي أن تسعى 
التربية إلى تدعيم نمو «الاتجاهات Fara‏ وا constructive and benevolent) « 5 abl‏ 
(altitudes‏ والتربية مطالبة بأن تساعد كل فرد على الوصول بدرجة كافية إلى 
مستوى Jle‏ من الطموح الرامي إلى كمال الذات Self-perfection‏ 0« 


(1) Harold Taylor, op. cit., p. 35. 
(2) M. Brewster Smith, op. cit., 336. 








Nts gata jail 


وأكررء أننا لسنا بحاجة إلى أن نقيد أنفسنا بالنتائج التي يدافع عنها 
هذان الباحثان في التربية. ولسنا بحاجة إلى تآبيد أن المرشدين ينبغي أن 
يقنعوا الحالات من الطلاب لكي يلتزموا بهذه أو تلك من القيم الخاصة. وفي 
الحقيقةء لقد استشهدت بهما كأدلة نستند إليها في هذه المناقشة العامة بأن 
كل طالب في التعليم ينبفي أن يلقي عونا يُمكنه من التبصر بالمسارات الموجهة 
لنموه والمحركة لسلوكه الفعال: ومن اختيار تلك المسارات التي تصل بنموه 
إلى المستوى الأمثل وكذلك بنمو رفاقه ومجتمعه. وفي هذا الالتزام الأخي 
يقرر «ديوي»: ولكن إذا كان للديمقراطية معنى معنوي ومثالي؛ فهو المردود 
الاجتماعي الذي يك ن مطلوباً م ن الجميع 2. 


وهكذا يبدو اعتبار الارشاد النفسي على أنه غير مرتبط بالقيم هو 
قضنية مغاقضة UU‏ أن الرشدين pleas‏ على pe ead‏ تم و القرة:ذاخل الحدود 
التي يفرضها موقفه الاجتماعي. فمهمتنا تتمثل؛ على الأصح» في مساعدة كل 
غميل على أن يختار (اختياره الخاص) oe‏ يصبح هو نفسه» خصا معينا 
وليس شخصاً آخر. وأن يتوصل إلى مفهوم متكامل عن وجود يرتبط بحياته 
ويعطي لها معنى» كما يرتبط بحياة الآخرين وبإغنائها بالمعاني - وهو وجود 
يزوده بعبادئ أو قيم موجهة تؤثر في سلوكه اليومي. 


التحديد الذاتي للقيم: 

والآنء ربما نتفق على أن توفير التوجيه والتعليم في القيم يمثل وظيفة 
هامة للإرشاد النفسي. في هذه الحالة يبقي تساؤل آخر: كيف يتناول المرشد 
القيم في المقابلة الإرشادية. وهنا نعرض لبعض النقاط: 


أولاً - من الطبيعي أن يقدم المرشد نفسه في المقابلة بطريقة يكشف فيها سلوكه 
ذاته عن تمس كه بقيم شخصية ومهنية معينة - على سبيل المثال: احترام تكامل 
الطالبء وضوح الإدراك في تقييم الذات» حرية الفرد في اختيار التوجه القيميء 
وغيرها كثير. ومن ثم نعتبر المظاهر الس لوكية بطبيعة الحال طريقة «لتعليم» (للتأثير 
في) التلاميذ أن يختاروا منها ما يمكن أن يتبنوه لأنفس هم كتوجه قيمي. 


(1) J. Dewey. Democracy and Education. MacMillan, New York, 1916. 














ل YA‏ المي دل طم التقس y)‏ —— 


Lusi‏ إن الخط الأساء ي الوه للمرش دين في المدارس والكليات في 
سعيهم إلى أدوار فعالة في التوجه القيمي: تحدده الحقيقة بأن الآخرين الذين 
يعملون مع المراهقين قد يحققوا كفاءة أكبر ويصلون إلى تقدم أعظم في 
هذا المجال من النمو الإنساني والعلاقات الإنسانية مما حققناه أو يمكن أن 
نحققه. لذاء ينبغي علينا نحن المرشدين أن نتجنب التدخل الهدام والضاغط 
في تفردية وأولية علاقات الطلاب مع الأسرة ودور العبادة. إننا بحاجةء على 
وجه المخصوص: إلى أن نتكشف» في إطار الاستشارة الودية مع رجال الدين 
وغيرهم من العاملين بفاعلية في هذا البعد من النمو الإنسانيء الطرق التي 
يمكن بها أن نقوم نحن المرشدون بصهر أدوارنا الفريدة الخاصة مع أقصى 
علاقات العمل بروح الفريق في بوتقة مهمتنا العامة. 


LG‏ - يحتاج المرشدون إلى التحفظ في دورهم إزاء التوجه القيمي 
فيما يتعلق بالحساسية لدى المتمسكين ببعض المعتقدات الدينيةء وبميل بعض 
المرشدين إلى نقد بعض الأنظمة التي ترتبط بمعتقدات وقيم لا يتمسك بها 
المرشد شخصياً في حياته الخاصة أو يدافع عنها . وفي ذلك وغيره» يكون 
المرشد مطالباً باحترام حق العميل في «التحديد الذاتي» self-determination‏ 
لتوجهه القيميء كما هو الحال بالنسبة للتوجيه المهني والاختيارات الأخرى 
لدى الفرد الحر في ثقافة المجتمع. 


ولنعود إلى الجوانب الإيجابية لدور المرشد في المقابلة: هنا يتضح عدد 
من الاتجاهات: بعضها اتجاهات فعالة والأخرى غير Alles‏ فيها قد يتناول 
المرشد, كمربىء القيم في علاقاته بعميله في ALLAN‏ الإرشادية التي يسعى 
إليها العميل عن إرادة. فقد يستخدم: على سبيل JU‏ طريقة الدعاية في 
إقناع عميله بمجموعة من القيم محددة قبلاً لكي يفرض هذه القيم على 
الفرد. وقد يستخدم أيضا الإقناع في التأثير على عميله لكي يسير في 
الاتجاه «الصحيح.. لكن من المعروف جيداً من خيرات المرشدين أن هذه 
الأساليب مناقضة تماما للطرق الملائمة التي ينبغى استخدامها. وفى الحقيقةء 
أن الإرشاد في المؤسسات التريوية قد نشا ذ ي الكثير من جوانبهء كاحتجاج 
ضد الأساليب والطرق الضاغطة الإملائية التي تسعى إلى دفع الفرد عنوة 
إلى تبني وجهة قيمية معينة. وبينما قد يكون الفرض والإملاء ضروريين في 

















الفصل الحادى عشر د YAY‏ — 


بعض المؤسسات والمواقف. إلا أنه ليس إطلاقا بالطريقة الإرشادية المفضلة 
بالنسبة للتوجه القيمي في العلاقة الإرشادية العادية. 


ومن ناحية أخرىء قد يبدي المرشدون في بعض الأحيان ميلاً إلى أن 
يدللوا بالمنطق على ما يعرف بالتوجه القيمي «الصحيح». والآنء بينما قد يكون 
للمناقشة وتقديم الأدلة ميزة تبصر الطالب عقلانياً بأساس نسقه القيمي 
لكي يستطيع أن يتقبلهء إذا شاءء على الأقل عقلياً مع الاحتفاظ بدرجة معينة 
من الاستقلالية: إلا أن هذه الطريقة لا زالت غير مرغوبة في تزويد الطالب 
بخبرة تعلم عميق المعنى تظل محتفظة بتأثيرها الفعال إلى أمد طويل. 


تقييم القيم: 


وعلى العكس من ذلك» تهدف الطريقة الإرشادية الأكشر فعالية وقبولاً إلى 
مساعدة الطلاب على أن يطبقوا على مشكلة القيم تلك الأساليب الفنية من 
تحليل واستيضاح وفهم» التي نأمل أن يعتادوا تطبيقها على حل مش كلات النمو 
الأخرى. ويعني ذلك أن المرشد يساعد الفرد على استخدام عقله وعواطفه 
في تحليل موقفه النمائي (developmental situation)‏ وعلى تحديد نقطة 
الارتكازفي القضية - وهي» في هذه الحالة؛ القيم كمصادر لدافعية وتحديد 
السلوك. ثم يساعد المرشدء كمعلم.: العميل على تحديد وتقييم الأنساق 
القيمية البديلةء وعلى اختيار نتائج ومترتبات الإجابات البديلة للأسئلة 
المعنوية والخلقية. وهكذاء يتأكد دور المرشد كمعلم» مثلما يتأكد دور الطالب 
كفرد يتكشف المشكلات. ويختار القيم ويعمل بموجبهاء وبالتالي يَخْبّر نتائج 
اختياراته. وفي كثير من الحالات تتشابه أساليب المرشد وطرقه مع الأساليب 
والطرق المستخدمة في إرشاد الطلاب بشأن مش كلاتهم المهنية والتعليمية 
وغيرها من مشكلات النمو. 


أضف إلى هذه النقطة وجهة نظري بأن المرشد.ء كما يفعل المعلم في 
بعض col MI‏ قد يوضح بطريقة موضوعية قدر الإمكان. نطاق الاختيارات 
القيمية الممكنة عن طريق تبين توجهه القيمي؛ أو توجه ga I‏ نحو المشكلات 
الحياتية. حقيقةء قد لا يكون هذا الإجراء مناسباً دائماًء طالما أن خبرة المرشد 














EQ E‏ طم oil‏ الإنساني 


قد لا تتعلق بالمشكلات التي يواجهها طالب معين: أو قد لا ييدي الطالب 
اهتماماً بوجهة نظر المرشد. لكن حينما يكون ذلك ملائماء فإن المرشد لا 
يتردد في استجلاء موقفه بوضوح» UUs‏ أنه يت 


جنب إقناع الطالب أو التأثي 


وثمة نقطة واحدة تتطلب مزيداً من التأكيد في استخدام أية طريقة من 
طرق الإرشاد بالنسبة للاختيار القيميء وهي نقطة قد أكدها «تايلور» على 
النحو التالي: 


تتضمن الحريةء كما تتحدد بالمعنى الشخصيء اتجاهاً نحو الذات ونحو 
السلطة. وهي تقوم على الاقتناع ob‏ لكل شخص الحق في إعمال عقله بشأن 
حقيقة أو صدق فكرة من الأفكار استناداً إلى أفضل البيانات التي يمكن أن 
يجدهاء وبأنه ينبغي أن يحتفظ بحق اختيار طريقه في العمل داخل حدود 
إطار اجتماعي مقبول. 


ويعني ذلك أنناء في الإرشاد المتعلق بالقيم كما هو في حالة الإرشاد 
المهني والتربوي» نقصر أنفسنا على مساعدة الطالب على فهم حرية 
الاختيارات المتاحة at‏ على أساس قدراته ومسئولياته ومغزاها بالنسبة 
له. عند هذه النقطة. وفي داخل إطار المسئوليات والحدود التي تفرضها 
المؤسسات والمجتمع؛ يكون الطالب حرا في اتخاذ اختياره الخاص من بين هذه 
أو تلك من البديلات. 


وهنا يكون اختياره هو اختياره وحده (وهنا أيضا تكون مسئوليته بالنسبة 
لنتائج ذلك الاختيار)؛ ويمثل هذا في حد ذاته مبدأ معنوياً عزيزاً نتمسك به 
في ديمقراطيتنا متنوعة الاتجاهات. وأعتقد دائماً أنه ليس من الضروري أن 
ندلل على حق الطالب في اتخاذ قراره بشأن أي مشكلةء ولكني أصر على أن 
ممارسة ذلك الحق لا يحول دون المساعدة «المباشرة» من جانب المرشدين: أو 
من جانب أي شخص آخرء قبل اتخاذ الاختيارات أو بعدها. 








— Y A& pte فى‎ geet) ست‎ 
: خلاصة‎ 

من الواضح أن الإرشاد لا يمكن أن يكون مستقلاً عن القيم. سواء شئنا 
أولم نشا جعله حراً. وبالأحرى يكون LS‏ وخاصة في مؤسسة تربوية, 
موجها Lad‏ كما لا يكون مطلقاً على السواء فيما يتعاق بالأهداف التي تبرز 
من خلال مطامح ومساعي كلا من المرشد والطالب داخل علاقتهما الإرشادية. 
وقد ذهبت في إثباتي إلى أبعد من ذلك لكي أستبين صراحة توجهاتنا القيمية 
الخاصة كأفراد مرشدينء لا لكي نتبنى توجها تقليديا جامداً يسير عليه 
المرشد. ولكن لكي نحدد بمسئولية الوجهة الاجتماعية المعنوية لعملنا الفردي 
في ضوء الأهداف المرغوبة التي يختارها الطلاب صراحة. وقد اقترحت 
أننا نتقبل» تعليم» القيم كوظيفة للمرشدين, ولكن نظل على وعي بمخاطرة 
فرض مجموعة من القيم على الطالب وبحرمانه بالتالي من حقه في التحديد 
الذاتي وتقرير المصير ومسئوليته في ذلك. وفي مقابل ذلك ينبغي أن نساعده 
على استخدام الوضوح العقلي والوجداني في مواجهة مشكلاته. حتى يستطيع 
أن يختار من بين مجموعة من موجهات العمل تلك التي تبدو ملائمة له في 
دفعه قدماً إلى مزيد من النمو فيه وفي علاقاته بالآخرين. قد يعني هذاء 
بالنسبة لفرد معين. تمسكاً بدستور للقيم (الرسمية: أو الدينية أو غيرها) أو 
تقبلاً له. وبالنسبة لعميل آخرء قد يعني اختياراً لنسق قيمي أقل رسمية في 
بنيته وشموله. وعلى أية حال؛ ينبغي أن يساعد المرشد العميل على تعلم كيفية 
فهمه بوضوح أكشر لتوجهه القيمي الخاص.ء وكيفية توجيه سلوكه بطريقة أكثر 
عقلانية ورشداً iss‏ في ضوء المعايير التي يختارها . 





uth e eg‏ الإنساني 


قد يضيف تناولنا لموضوع الدين مزيداً من الحيرة لدى المرشد 
النفسي الذي يهتم بالفعل بالفروق في الأنظمة القيمية. فمن النادر أن 
نتخيل فلسفة للحياة تكون أكثر أساسية وقيمة من الفلسفة التي تعطي 
ine‏ وغرضا للوجود . وليس هناك من تنازع أو تخاصم بين علم النفس 
والدين: فهما يلعبان أدواراً تعزيزية في نمو الشخص الناضج. لذا ينبغي 
ألا يتجاهل المرشد الدين شأنه في ذلك شأن إمكانات الشخصية الأخرى 
التي يمكن اس تخدامها بطريقة بناءة. ومهمته هي أن يساعد العميل على 
أن يتكامل داخل نموذج حياته في سياق الاعتقادات الإيجابية في حياته. 


الفصل الحادی عقر د ٣۹‏ 


(rv) 
O علم النفس والدين والقيم عند المرشد النفسي‎ 
جلبرت فرين‎ 
(جامعة مينسوتا)‎ 


تقوم الدراسة الحالية على مبدأ أساسي مؤداة أن الدين وعلم النفس 
يكملان أحدهما الآخر. علم النفس يسهم في فهم «طبيعة» الذات وعلاقات 
الفرد بالآخرين: أما الدين فيسهم في فهم المعنى والغرض من الحياة. وفي 
إدراك «مغزى» هذه العلاقات ذاتها . وكلاهما قد يسهم في جعل الحياة أكثر 
فاعلية واستحقاقاًء وأهدافهما متناظرة: ومتعاضدة وليست متعارضة. ينظر 
عالم النفس إلى النضج الاجتماعى على أنه يتضمن Ley‏ بالآخرين. ونموا 
يتعدى «النرجسية الطفلية»- التعلق الطفلي بالذات (infantile Narcissism)‏ 
إلى الانفتاح على المجتمع. ويتناول المرشد الديني اهتمام الفرد بالآخرين 
كامتداد لحب الله له. فأحدهما يهتم من حيث المعنى البراجماتي بالنمو 
الاجتماعي الذي يسهم في تكامل الشخصية, والآخر يركز على الاهتمام 
Last gll‏ لأولئك الذين يكونون إخوة في العائلة الإنسانية. ويعني ذلك أن هدف 
تنمية الشخصية لدى الشخص ينطوي على الكثير من التشابه بينهما. 


إن علم النفس (من حيث معناه العلاجي) يمكن أن يكون أكثر فاعلية إذا 
كان له أن يضع في الاعتبار مكانة القيم الدينية والعلاقات الدينية لدى العميل 
طال ما أن هذه الاتجاهات والقيم حقيقة واقعة شأنها شأن القدرات والمهارات. 
فهي لا يمكن أن تكون موضعا للإغفال والإهمال. لا شك أن علم النفس» 
بالإضافة إلى ls‏ يستطيع مواجهة بعض الحاجات الإنسانية التي لا يمكن 
مواجهتها بواسطة الدين. ففهم «الذات» يتضمن ربما نظاماً مختلفاً عن فهم 
«الحياة». ويستخدم المرشد O‏ معارفه ومهاراته السيكولوجية والمهنية الخاصة 
C. G. Wrenn: Psychology, religion, and values for the counseler, (Symposium:‏ )*( 
The counselor and his religion, Part III). Personnel and Guid. J., 1958, 36, 331-334.‏ 
)1( الاخصائى في الإرشاد النفسي counseling psychologist‏ هو عالم نفس تلقى في تعليمه المهني وفي 
تدريبه اهتمام خاص بالارشاد وتأكيد عليه. وهو يولى. كما يتميز عن غيره من علماء النفس. aaa]‏ أوليا 
بالإرشاد النمائى developmental counseling‏ بتقدير الإمكانات والطاقات. وبفهم العميل لواقعه الاجتماعي 
وتكامله ممه وبالأدوار المختلفة التي يلعبها المميل في مجالات الحياة المختلفة. وبوعى العميل بدينامياته الخاصة 
وبطبيعة دفاعاته النفسية. والمرشد بهذا هو شخص على الأقل ذو معرفة ودراية سيكولوجية متعمقة.. 








وم عم النفس الإنساني 


في مساعدة الشخص على فهم نفسه على نحو أفضلء وعلى فهم حقائق 
حياته. وسلوكه اليومي. وإمكانات شخصيته. 


وفي بعض الحالات حينما يتمرس المرشد بمهامه المهنية عن جدارةء 
يتناول المشاعر والخبرات المكبوتة: ويحاول أن يس تخلص تقبلاً أفضل للذات 
من جانب العميلء ويتوصل إلى بعض الحل للصراع والقلق الداخليين. ذلك 
هو ميدان علم النفس - أي تطبيق ما هو معروف عن السلوك على حاجات 
العميلء واستخدام إجراءات العلاقة والاتصال بطريقة تعكس الأسلوب الفريد 
المميزلمهنية المرشد . وقد يذهب المرشد أو لا يذهب (وهذا القرار على درجة 
كبيرة من الأهمية) إلى ما وراء هذاء ويساعد العميل على فهم الأهداف في 
الحياة ومعنى الحياةء ويبصره بالأساليب الملائمة التي يربط بها نفسه بما هو 
لا نهائي. 


المرشد والدين: 


قد يتقبل معظم المرشدين ما أسميه بالوظائف النفسية للمرشد . ولكن هل 
يستطيع أن يقوم بأي وظائف دينية؟ هذا السؤال قد يبعث على الازعاج لدى 
أي مرشد - وكذلك في نفسي آنا . فلا أعرف بالضبط كنه هذه الوظائف. 
لكني على يقين بأن المرشدين لا يستطيعوا بعد أن يعملوا كما لو أن الجانب 
الديني لا وجود له لدى العميل والمرشد . والحق؛ أن ثمة مخاوف تتملكنا بشأن 
الاعتراف بالدين في تفكيرنا المهني لأسباب عدةء مثل: عدم التوازن الانفعالي 
الموجود في بعض الديانات» التصنع البادي في بعضها الآخرء الاهتمام الفائق 
في الإعداد المهني للمرشد بالجوانب الإمبيريقية والعقلية مع إغفال الجوانب 
الروحية والجماليةء عدم الاستقرار الديني لدى المرشد وإخفاقه في تحويل 
العقيدة والطقوس الدينية إلى سلوك واقعي.. هذه التهديدات التي تنتقص من 
سلام العقل لدى المرشد لا تزال لا تنكر حقيقة المشكلات الدينية بين العملاء 
أو تبعده عن المزيد من المخاوف بأن يتجاهل مصدراً ينطبع في اهتمامات 
عميله . 


يشير «ماورر» بوضوح إلى خطورة تجاهل الدين كمصدر لأننا خضعنا 

















— Av te gst القضل‎ 


كثيراً لتأثير ele‏ النفس الموضوعي والتحليلي في تطور ele.‏ النفس كميدان 
للدراسة. ولقد LL las i‏ كلا من علماء النفس الموضوعيين والتحليليين - كما 
يقول ماورر - في جعل العقل نتاجا للجسم أو خادما له على افتراض أنه 
ليس للعقل gf)‏ الروح) وظيفة أو وجوداً مستقلين ذاتياً. وليس الحال بأفضل 
من ذلك بالنسبة للعلماء السلوكيين والمحللين النفسيين الذين يتعلقون بهذه 
الصخرة الجدباء حيث توجت دراستهم عن الدين إلى اختزاله إلى شكل من 
أشكال علم النفس المرضي. فبالأحرى ينبغي أن Soe‏ للدين اعتباراً وتقديراً 
كافيين كشيء له «قيمة البقاء النفسيء «(psychological survival value)‏ 
لهذا ينبغي دراسته كمصدر وكبقاء لأنه قد تطور وتعاظم كاس تجابة لحاجات 
الشخصية الفريدة لدى الإنسان. 


وإنه لمن الصعب على المرشد أن يُقصي جانبا أهمية هذا المصدر حينما 
يصغى بعمق إلى ما يصدر عن أطباء نفسيين جادين ومقتدرين «بالأكاديمية 
القومية للدين والصحة النفسية» © National Academy of Religion and)‏ 
(Mental Health‏ من تصريحات تقرر: «أن ما يعتقد فيه الإنسان Male fies‏ 
في صحته الانفعالية. وتنطوي مشكلات المرض العقلي على اختلال تنظيم 
الفرد لفاس فته في الحياة. وينس حب ذلك على اتجاهات المريض نحو العالم. 
ونحو الأشخاص الآخرين.. لقد لعب الدين دائماء في أوقات كثيرة وأماكن 
كثيرة: دوره في العلاج. فالقيم المطلقة أو الغائية (ultimate values)‏ للإنسان 
هي «قيم روحية». ويتأكد ذلك في تقريرات أخرى كهذه: «إن الأكاديمية لا تؤيد 
العلاج الطبي النفسي بواسطة الكهنوت, أو التعليم الديني بواسطة الأطباء 
النفسيين. وهي تسعىء لصالح الناس والأخصائيين: إلى الكشف عن المصادر 
الطبية النفسية والدينية التي يمكن توفيرها واستخدامها في تنمية الاتجاهات 
الانفعالية السليمةء وفي الوقاية من المرض العقليء وفي العلاج». 


ولا يحتاج المرشد إلى معرفة اهتمام الطبيب النفسي بالدين أو إلى أن 
تخول له الساطة لإقناعه. فكل ما يحتاجه هو تأمل عاقل لكانة الدين في 
أفكار ومشاعر الناس. وبإمكانيته الهائلة للصالح الاجتماعي» وبحاجة الشباب 


(1) The National Academy of Religion and Mental Health. The National Academy. 
New York, Academy of Medicine Bld., 2E. 103rd St., N. Y. 29, 1956. 











Yi‏ سد طم النفس الإنساني 


والصغار إلى نظام e Slo‏ ومتكامل من القيم» وبما تستدعيه ذاكرة العملاء 
والطلاب الذين تعرضوا لمتاعب بشأن مكانتهم في الحياةء وبأهميتهم ككائنات 
إنسانية. وكل ما يحتاج إليه المرشد أن يفعله هو أن يتأمل في متاعبه الخاصة 
حينما يواجه بمشكلات الدين مع عميله. فهذه cae ll‏ قد تنبع من عدم 
نضجه الديني أو من تشككه في صلاحية توصيل ما يعتبر بالنسبة له lux‏ 


الكثير منا لا يعرف كيف نوجه «أنفسنا» في الإرشاد حينما يبدي العميل 
حاجة إلى الدين. هل نستطيع أن نستمر في التقبلء أو هل نعرض ونقدم 
عقيدتنا5 هل يمكن أن نكون متعاطفين وأن نتحفظ في إصدار الأحكام ونظل 
محتفظين بالاعتقاد في عقيدتنا؟ يتناول «آربوكل al”)‏ هذه المشكلة برقة في 
مناقشته لأولئك الذين يعتبرون الإرشاد (المتمركز = على = العميل) Client-)‏ 
Lats (centered counseling‏ للإرشاد الديني الذي ينبغفي أن يكون (متمركزا 
— على — .(God-centered) (ail‏ ويقرر أن (التمركز — على - العميل) ليس 
هو (التمركز — على - الذات) (Self — centered)‏ وبأنه إذا ما لاقى الفرد 
صعوبة بالنسبة للارشاد الديني بهذا المعنى؛ فإن ذلك يتوقف على مفهومه عن 
الله وعلى مفهومه عن عملية الإرشاد. 

والسؤال: ما الذي يمكن أن يفعله المرشد بشأن الدين — دينه ودين 
الآخرين؟ الإجابة على الأقل فيما يلي: 

-١‏ دراسة أهمية الدينء إيجابيا وسلبياًء في نمو الشخصية. 

؟- أن يكون مستعداء بالفكر مقدمًاء لتناول المشكلات الدينية بسماحة 
وببصيرة كأي خبرة أخرى لدى العميل مشحونة انفعالياً - مثل مشكلات 
العلاقات الزوجية: والعلاقات الوالدية: والخبرات والمخاوف الدينيةء ومشاعر 
الذنب المكبوتة, والآمال والأحلام التي يتم التعبير عنها خجلاً. 

-Y‏ عند استيضاح خبرته الدينية لا يساعد على تدخل تأثير عدم النضج 
والاضطراب في العلاقة الإرشادية. 


(1) D. Arbuckle. Student Personnel Services in Education. McGraw-Hill Book Co., 
Inc., New York, 1953, pp. 170-177. 




















القضل 43023 Y46 nite‏ — 
القيم والأخلاق والدين : 


لما كانت الحياة قد أصبحت أكثر تعقيداً وغدت علاقاتا بالأجزاء 
الأخرى من العالم أكثر تبايناًء فإن الحاجة إلى المعاني والأغراض تصبح PST‏ 
إلحاحاء كما يصبح التمكن من نسق قيمي واع مطلباً أساسياً. ونجد في 
مقالة للسيكولوجي «كورنر» Korner‏ مناقشة لعالم نفسي إكلينيكي عن علاقة 
القيم بالصحة النفسية: بما في ذلك alls‏ ة «الفجوة القيمية» (value lag)‏ . 
وفيها يبرز كيف كان العالم الاجتماعي في الماضي يبدي نفوراً وتبرما من 
قضية القيم» ويتكلم عن نسق القيم الذي في داخله تعمل آليات التوافق على 
حماية الأنا من الصراع القيمي ومن الفجوة القيمية - وهو في ذلك يتلمس 
الفروق بين «القيم قصيرة المدى» (Short-term values)‏ «والقيم الثابتة» 
oL 155... (stable values)‏ ما يستحق الاهتمام: ولكن ما يعنيني في هذا المقام 
ما يقرره»كورنر» بشأن القيم الثابتة نسبيا وعلاقتها بالدين. 


لقد حاولت أن أكشف عن الصراع الأخلاقي الأساسي الذي غالبا ما 
يواجه المرشدينء بين ولائه لتكامل العلاقة بين المرشد والعميل في مقابل 
الولاء للمجتمع وللمؤسسة الاجتماعية التي يعمل تبعا لها - بين تكامل الفرد 
أو تكامل الدولة؟ هل أظل محتفظأ بثقة عميليء أو أخبر رئيسي bee‏ يريد 
معرفته؟ وهنا تقوم المعايير الأخلاقية التي تتبناها «الجمعية الأمريكية لعلم 
النفس» (APA)‏ والتي استمديت منها أخلاقيات المرشد النفسيء على النسق 
القيمي للثقافة الأمريكية. 


لكن هذا الدستور الأخلاقي يحدد المشكلة فحسب. ولكنه لا يحلها. 
فحينما يواجّه شخص بصراع الولاءء فإنه يرتطم بقيمه الشخصية- تلك 
القناعات والمعتقدات فيما هو «أكثر صحة» والتي هي جزئياً على الأقل نتاج 
خبرته الدينية. «فلكل إنسان نموذجه الخاص من القيم» ولكن يكمن وراء هذه 
القيم Ayar iil‏ والتي قد تتعارض أحياناً مع قيم مجتمعه: مجموعة أخرى 
من القيم. تلك هي القيم التي تكون جزءاً من الإرشاد الإنساني العظيم 
والمبادئ العظيمة الخاصة بالحق والرحمة والعدالة التي لا تزال غير مفهومة 
بعمق وبحق». فالتفكي ر الديني المنظم والمشرق هو المصدر للكثير من نس Ux‏ 























—- ۳۹ عل oil‏ الإنساني 


القيمي الناضج. وفي Lal‏ أن الإيمان الديني العميق هو أفضل المصادر التي 
تمد منها المرشد عوناً وسنداً حينما تنشاً مشكلات خاصة بالأخلاق. 


وفي الخاتمةء اسمحوا لي أن أبدي تعليقاً على ما يبدو لي على أنه 
الصلاحية النفسية للكثير من التقريرات القيمية: القيم هي ناتج الخبرة كما 
Gah‏ للاختبار والتمحيص. وكما أثبتت فائدتها وجدواهاء فهي بالضرورة 
انعكاسات للسلوك. لكن غالباً ما يتنكر علماء النفس للاعتبارات القيمية. 
بحيث أنه ليبدو من المرغوب أن نشير إلى أن القيم لا توجد بالضرورة في 
«عالم لا نفسي». يذهب منذ عدة سنوات كينيث براون» مدير مؤسسة دانفورث 
Danforth Foundation‏ إلى التأكيد على تنظيم هرمي للقيم ينطوي على 
ine‏ سيكولوجي عظيم» ولكن ثمة نقاط ثلاث تحتل قمة التنظيم الهرمي 
للقيم في ثقافتنا: 


.١‏ الإنسان مخلوق متميز عن كل المخلوقات الأخرى بطلبه اللانهائي للغايات 
القصوى» وبسعيه الدائم لما هو مطلق في الحق والخير والجمال. 


-Y‏ ينبغي أن يلقي كل كائن حي إنساني احتراماً من أجل ذاته. 


LY‏ المعيشة elles‏ والحياة خدمة: والنمو يتأتي من خلال بذل الذات والإقبال 
والعطاء لا بالمنع أو الصد. 


ولا شك أن هذه تقريرات قيميةء ولكنها تنطوي كذلك على تكامل نفسي 
براجماتي. 


ولقد حاولت في الفترة الأخيرة أن أقرر عن وعى بعض المبادئ الخاصة 
بالعلاقات الإنسانية: "T‏ استخدمها في الأعمال الاستشارية التربوية 
والصناعية» وهي مبادئ يمكن أن تتأيد من الناحية النفسية. وإذا ما قرأ 
شخص هذه المبادئء فإنها تبدو أيضا كتقريرات قيمية. ومن ناحية أخرى؛ قد 
تكون ذات فائدة بالنسبة للمرشد في تعامله مع زملائه وأسرته وكذلك مع 
عملائه. وأهداف سلوكية مثل هذه تعتبر اختباراً قاسيا للتصور السيكولوجي 
للفرد وكذلك لنضجه الديني - وهذه المبادىء القيمية هي: 

















٣۹۷ pte الفصل الحادی‎ 


أن أسعى لرؤية الجانب الإيجابي في الشخص الآخر وتقديره على 
الأقل بقدر ملاحظتي غالبا لما يمكن تصحيحه. 


إذا كان لي أن أصحح أو انتقد أفعال وتصرفات بعض الأشخاص 
ينبغي أن أتأكد obs‏ الآخر يراه على أنه نقد موجه لسلوك معين لا 
كنقد موجه لشخصه ذاته. 


أن أفترض أن كل شخص يس تطيع أن يرى بعض المعقولية في سلوكه. 
ويسأن سلوكه ينطوي على معني بالنسبة له إن لم يكن بالنسبة لي 
كذلك. 


حينما أسهم في احترام الذات لشخص آخر إنما أزيد من مشاعره 
الإيجابية نحوي واحترامه لي. 


أن أكون على الأقل بالنسبة لشخص معين. وربما لكثيرين: شخصا 
ذات أهمية وتقديرء وهو يتأثر بعمق باعترافي به وتقديري له وبنواياي 
الطيبة نحوه. 








الفصل الثائئى pte‏ #88 — 
الفصل الثاني عشر 
إنسان ال مستقيل 


كيف يتلاءم الإنسان داخل نموذج St‏ 3 منظم؟ هل هو النتيجة aa gill‏ 
لعملية إبداعية مستمرة: أم أنه رمية جامحة جنحت إلى إحباط وجوده 
ذاته؟ وإذا وضعنا في الاعتبار تاريخ الإخفاق الإنساني وهلا إنسانية الإنسان 
لالإنسان» فما الذي يخبئه القدر له لآلاف السنين القادمة؟ قد يبدو للوهلة 
الأولى أنه من الملائم أكثر توجيه هذه الأسئلة لفرد معين يدعي معرفة خارقة 
بأحداث المستقبل أو بمجيئ يوم الدين. وهل للعلم أن يهتم إطلاقاً بتلك المشكلة 
الغامضة؟ . 


ورغم أنه من المستحيل أن نتنباً عن يقين بمسار التقدم الإنساني عبر 
القرون القادمة: فإن الاتجاهات التطورية والسلوكية في المستقبل قد تثبت 
أنها ذات قيمة في التعرف على هذا المسار وتحديده بطريقة علمية. وليس 
هذا بموضوع لشغف خامل. فالتخطيط الذكي من أي نوع هو أشبه بالتطلع 
داخل كرة بللورية. لقد وصل الإنسان إلى مرحلة من التقدم فيها قد يتمكن 
من الاضطلاع بدور فعال في تطوره مستقبلاً. وأدى استخدام الأدوات إلى 
جعل المزيد من التخصص في أيديه وأطرافه غير ضروريء ونتج عن الطعام 
المطبوخ تجويفاً للفك الأسفل. وقد تبشر الاتصالات الحديثة ومنظمات مثل 
الأمم المتحدة بعهد من تأصيل الإنسان بعمق لطبيعته الاجتماعية مصحوبة 
بتغيرات هائلة سوف تنعكس على اهتماماته العقلية وعلاقاته البينشخصية. 


وقد تثبت التنبؤات قصيرة المدى أنها ذات نفع أكبر. خاصة وأن ما توفر 
من معرفة عن ديناميات المجتمع يعتبر كافيا لكي يحقق الرجاء في شيوع 
ثقافة عالمية أكثر ملاءمة لأذواق وحاجات الإنسانية . ولم تعد مظاهر التخلف 
الثقافي المؤلم أكشر حتمية مما هو متوقع من التدهور الخلقي. ويعبر عن 
ذلك «جون Gayle‏ بقوله :«أننا نفهم أفضل من أي وقت مضى كيف ولماذا 


(1) J. W. Gardner. Self-renewal: The indicidual and the innovative society. New York 
Harper and Row, 1964, p. XIV. 





— غ هم الققس الإنساني 


يفقد المجتمع الكهل قابليته على المواءمة والتكيف ويُخْمد الإبداع في كيانه. 
وإننا لفى سبيلنا إلى فهم الشروط والظروف التي بموجبها قد يجدد المجتمع 


نفسه». 


ومن المحتمل أن يمضي تغي ر الشخص الفرد واضطراد نموه على نحو 
أسرع. قفي كل يوم يتجمع قدر هائل من البيانات العلمية عن الشروط المواتية 
للسلوك» لم تكن ميسورة للأجيال السابقة. وتم التوصل إلى إجابات لأسئلة 
هامة بشأن المناخ الذي يجري فيه تدريب الطفل على نحو يربي فيه التلقائية 
والموهبة والإبداعء ونوع صورة الذات القائمة على الثقة بالنفس والإحساس 
uli lly‏ والتأثيرات السارة أو الحمقاء للتتافس» واستخدام السلطة في 
تعضيد ودفع النمو الداخلي بدلاً من قمعه. وغير ذلك من الجوانب المماثلة 
في نمو الشخصية. في أحد الدراسات التي يتضمنها الفصل الحالي يشير 
«روجرز» إلى مرغوبية استخدام معرفتنا بعلم النفس في مساعدة «... الأفراد 
على أن يصبحوا أكثر تحملاً للمسئولية ABIL‏ وعلى أن يحرزوا Le‏ في 
تحقيق الذات» وعلى أن يصبحوا أكثر مرونة, وأكثر تفرداً وتميزأء وأكثر Lass‏ 
مصحوباً بالإبداع». 


إلى أين سوف يؤول التطور بالفرد في النهاية؟ إذا تتبعنا تاريخ الحضارة 
الإنسانية منذ بزوغ فجر المدنية حتى الوقت الحاضرء فلن يكون من الصعب 
Los‏ أن نمد منحنى نمو الإنسان لبعض الآلاف من السنين في المستقبل. 
وعلاوة على ذلك» يمكن أن نتأمل «تييلارد دي تشادين iO)‏ في أن «عالمنا 
الحديث» قد LS‏ في أقل من ٠٠٠١‏ سنة وأنه في ال ٠٠١‏ سنة الماضية قد 
تغير لأكثر مما قد تحقق في كل آلاف السنين السابقة. هل فكرنا فيما يمكن 
أن يكون عليه كوكبناء سيكولوجياء في فترة مليون سنة 18 


(1) P. Teilhard de Chardin. The future of man. New York: Harper and Row, 1964, p. 71. 











الفصل الثانى مشر بات £43 — 


إذا كان لنا أن نستخرج المقام العام الأدنى للدافعية الإنسانية: فمن 
المحتمل أن يكون هو وظيفة التأثير في الناس. وليس هناك من شك 
كبير بشأن الدافع الإنساني إلى القوة. وقد نتعجب قليلاً أن التجارب 
الحديثة التي تفرض Lille‏ ضغطا غير محدد على الناس قد خلفت 
الكثير من عدم الارتياح. وتكشف العقاقير واستثارة مراكز المخ والاقتران 
الشرطي عن إمكانية جعل الناس تأتي تقريبا بما نرغبه بينما يظلوا 
راضين بحالة من العبودية. وما تذخر به كتب الأطفال من شخصيات 
خيالية ذات قوة خارقة تمثل خطرأ مهدداً قد يصبح حقيقة واقعة. كيف 
يمكن أن GAS‏ عن أسرار طبيعة الإنسان؟ هل يمكن أن نتناول الإنسان 
منذ الميلاد لجعله سعيداً وفقا لخطة محددة سلفا؟ أو كيف ندفع الفرد 
إلى مستويات عالية جديدة من الحرية والعزة؟. 

يذهب «كارل روجرز» إلى إعادة التأكيد على افتراضه بأن «العلم» 


البارد اللاشخصي لا يستطيع أن يتوصل إلى قرار في هذا الشأن: وإنما 
الناس» و«الناس فحسب». 








ey‏ عم النفس الإنساني 


(FA) 
مكانة الشخص في عالم جديد للعلوم السلوكية‎ 
کارل روجرز‎ 


(معهد العلوم السلوكية: لاجولاء كاليفورنيا — وجامعة وسكونسن) 

لقد حقق ale‏ النفس» رغم نقص نضجه وصلابة عوده» تقدما هائلاً 
على مدي تاريخه القصير. فلقد انتقل اهتمامه بصورة زائدة من الملاحظة 
والقياس إلى أن يصبح Lele‏ يسير على قاعدة «لو — إذن» (if — then)‏ وأعني 
بذلك أنه قد أصبح أكثر اهتماماً بتبين وتكشف العلاقات القانونية: «لو» 
توفرت شروط أو ظروف معينة: «إذن» يمكن أن نتنباً بوقوع سلوك معين. وقد 
أدى ذلك إلى زيادة هائلة في عدد المجالات أو المواقف التي يمكن أن يقال فيها 
أنه لو توفرت ظروف أو شروط معينة يمكن وصفها وقياسهاء إذن فإن سلوكاً 
قابلاً للتحديد وللتتبؤ به يمكن تعلمه أو الإتيان به. 


ويعي بذلك كل شخص متعلم بمعنى واحد. لكن يبدو أن قلة على وعي 
بسعة وعمق ومدى هذا التقدم في علم النفس والعلوم السلوكية. ولا يزال 
هناك فئة أقل تبدو واعية بالمشكلات الاجتماعية والسياسية والأخلاقية 
والفلسفية العميقة التي فرضها هذا التقدم. وأود في هذا الصدد أن أركز 
على بعض مضامين هذا التقدم. 


دعني أغامر منذ البداية باستعراض أمثلة قليلة مختارة Lec‏ أعنيه بالقدرة 
المتزايدة لعلم النفس على السلوك والتنبؤ به وضبطه. ولقد اخترت هذه الأمثلة 
لكي أوضح النطاق الواسع من الأنماط الس AS gL‏ المتضمنة في هذه القدرة. 
وسوف أعرض بإيجاز وتبسيط لكل إيضاح من هذه الإيضاحات» مع إشارة 
لبعض البيانات عنها. وكقضية dele‏ يمكنني القول أن كل إيضاح سوق أعرض 
له هو مدعم ببحوث رصينة وملائمةء رغم أنه - مثل كل النتائج العلمية - عرضة 
للتعديل أو التصحيح بواسطة دراسات أخرى أكثر إتقاناً وتصورية. 


ماهي إذن بعض الأنماط الس لوكية أو «التعلمات» (Learnings)‏ التي نعرف 
الآن كيف نوفر لها الشروط أو المقدمات السابقة؟ وأود أن أؤكد LAT‏ نعرف كيف 





ee LLLL—— ——————— فون‎ 45i pty 


نخلق هذه المؤثرات بنفس الطريقة: رغم أنه ليس بنفس الدقة التي يعرف بها 
عالم الفيزياء كيف يحدد الظروف التي بناءً عليها سوف تدخل مواد معينة في 
عملية انقسام أو انصهار ذريين. وهي أمثلة عما نعرف كيف نحققه أو ننجزه: 


# نحن نعرف كيف Gags‏ الظروف أو الشروط التي بموجبها يقررأفراد كثيرون 
أحكاما حقيقية تكون مناقضة للبيانات التي تتوفر لهم من خلال إحساساتهم. 
فقد يقررونء على سبيل المثالء أن «الشكل أ» يغطي مساحة أكبر من «الشكل 
ب» حينما توضح بيانات إحساساتهم بجلاء أن العكس هو الصحيح. تبين 
تجارب «آخ» Asch‏ كما عدلها وطورها «كرتش Crutchfield «dà‏ أنه حينما 
يساق شخص إلى أن يعتقد أن كل شخص آخر في المجموعة يرى «أ» أكبر من 
«ب» فإنه يكون لديه ميل قوي إلى الأخذ بهذا Sot‏ وفي حالات كثيرة يفعل 
هكذا عن اعتقاد حقيقي في تقريره الزائف. 


ولا نستطيع فحسب أن Lazi‏ بأن نسبة معينة من الأفراد سوف تسلم 
بذلك ولا تعتقد في إحساساتهاء ولكن «كرتش فليد» قد حدد خصال شخصية 
أولئك الذين سوق يدون استسلافاً ومسايرة: وذلك بواسطة انتقاء الإجراءات 
التي بها يمكن اختيار مجموعة من الأشخاص تذعن للمسايرة في ظل هذه 
الضنوظ: 1 


# ونحن نعرف كيف نغيرآراء الفرد في وجهة معينة نختارهاء بدون أن 
يصبح واعيا أبدأ بالمثيرات التي غيرت من وجهة نظره. لقد عرض «سبنس» 
و«كلاين» على شاشة صورة ثابتة غير معبرة لإنسان: وطلبا من المفحوصين أن 
يلاحظوا كيف تغير تعبير الصورة. ثم عرضا كلمة «غاضب» على الشاشة من 
وقت لآخرء ولفترات قصيرة للغاية بحيث لم يكن المفحوصين غير واعين تماما 
برؤيتهم للكلمة. ومع ذلك» فقد أبدوا ميلاً إلى رؤية الوجه على أنه يصير 
أكثر غضبا. وحينما عُرضت كلمة «سعيد» على الشاشة بنفس الطريقة أبدوا 
ميلا إلى رؤية الوجه على أنه قد صار أكثر سعادةٌ. وهكذا كان المفحوصون 
متأثرين بوضوح بالمثيرات التي سجلت على «مستوى دون الوعي» subliminal)‏ 
(level‏ وهي مثيرات لم يكن الفرد. ولن يكون. els‏ بها . 








سي تكلم النفس y]‏ — 


» ونحن نستطيع أن نتنباً؛ من الطريقة التي يدرك بها الأفراد حركة بقعة 
من الضوء في حجرة مظلمة: ما إذا كانوا متعصبين أو غير متعصبين. لقد 
أجريت دراسات عديدة حول العنصرية والتعصب العنصريء وحول الميل إلى 
التمييز الجامد والمجحف بين «الجماعات المقيدة» (ingroups)‏ و«الجماعات 
المفتوحة» (Outgroups)‏ مصحوبآ باتجاه عدائي نحو الجماعات المفتوحةء 
واتجاه تسامحي تفضيلي نحو الجماعات المقيدة واعتقاد في حقوقها وإنكارها 
على الأخرى. وتؤكد إحدى النظريات التي تطورت في هذا الصدد أنه بقدر 
ما يكون الشخص أكثر ميلاً إلى العنصرية والتعصبية» بقدر ما يبدي عجزاً 
على «تحمل الغموض» (ambiguity)‏ أو«اللايقين» (uncertainty)‏ في موقف 
من المواقف. وفي ضوء هذه النظرية طلب «بلوك وبلوك» من المفحوصين أن 
يقرروا درجة الحركة التي يدركونها في بقعة خافتة من الضوء في حجرة 
مظلمة تماماً. ) وفي الحقيقة ليس هناك أية حركة تحدث. إلا أن كل الأفراد 
تقريياً يدركون الحركة في هذا الموقف). ثم طبقا أيضا على نفس هؤلاء 
المفحوصين اختباراً في قياس التعصبية والعنصرية. 


ولقد وجدواء كما توقعاء أن المفحوصين الذين - في محاولات متتابعة 
- وضعوا بسرعة معياراً لدرجة الحركة التي أدركوهاء كانوا أكشر ميلا إلى 
العنصرية والتعصبية من أولئك الذين استمرت تقديراتهم للحركة لكي تكشف 
عما فيها من تنوع وتغير. 

ولقد تكررت هذه الدراسة:؛ مع تغيير طفيف» في استرالياء ولقيت نتائجها 
تأييداً وتوسيعا. فلقد وُجد أن الأفراد الأكثر عنصرية وتعصبية كانوا أقل قدرة 
على تحمل الغموضء وكانوا يرون الحركة أقل من غير المتعصبين. وقد كانوا 
أيضا أكشر اعتمادية على الآخرين. وأنهم حينما كانوا يأتون بتقديراتهم في 
صحبة شخص آخر.ء كانوا يميلون إلى مسايرة حكم ذلك الشخص. 

ومن ثم ليس كثيراً أن نقول أنه بدراسة الطريقة التي يدرك بها الشخص 


حركة بقعة خافتة من الضوء فى حجرة مظلمة: يمكننا أن نقرر الكثير عن 
الدرجة التى بها يكون شخصاً جامداً. متعصباًء عنصرياً. 











الفصل الثانى ce‏ $46 — 


* نحن نعرف الاتجاهات التي؛ )13 قدمها مرشد أو معالج نفسي؛ سوف 
يعقبها على أساس من التنبؤ تغيرات معينة بناءة في شخصية وسلوك العميل. 
هذه التفيرات تلقى تأييداً من الدراسات التي اضطاعنا بها في ميدان العلاج 
النفسي. ونستطيع أن نعرض بإيجاز لنتائجها على النحو التالي: 


إذا كان المعالج يوفر علاقة يكون فيها )1( صادقاًء ومتسقاً داخلياًء (ب) 
متقبلاًء ومقدرأ للعميل على أنه شخص ذو جدارة: (ح) متفهماً ومدركاً بتعاطف 
لعالم العميل الخاص من المشاعر والاتجاهات» فإن ثمة تغيرات معينة في 
العميل لابد وأن تحدث. بعض هذه التغيرات: أن العميل يصبح )١(‏ أكثر واقعية 
في إدراكاته لذاتهء (ب) أكثر ثقة في نفسه وتوجيها لذاته. (ح) أكثر تقييما 
لنفسه بطريقة إيجابية: (د) أقل Shae‏ إلى كبت بعض خبراته» )2( أكثر نضجاً 
واجتماعية وتوافقا في سلوكه؛ (و) أقل تأثراً بالضغوط وقلقاً بشأنها وأسرع 
استعادة لحالته الطبيعية: (ر) أكثر شبهاً بالشخص السوىء المتكامل» جيد 
التوظيف لشخصيته. هذه التغيرات لا تحدث في جماعة مقيدة ولكنها ترتبط 
تماما بانضواء الشخص في سياق من العلاقات التي تدعم هذه التغيرات 
الإيجابية في بنائية ووظيفية الشخصية. 


» ونحن نعرف كيف نزود الحيوانات في تجارينا بخبرة أكثر إرضاءاً تتألف 
كلية من استثارة كهربية. لقد وجد «أولدز» أنه يستطيع إدخال أقطاب كهربية 
دقيقة في منطقة الحجاب الحاجز Septal area‏ بالمخ لدى الفيران الخاضعة 
لتجارب معملية. فحينما يقوم أحد هذه الحيوانات بالضغط على رافعة 
موجودة في قفصء فإنها تحدث تياراً Lids‏ يمر خلال هذه الأقطاب. ويبدو 
هذا كخبرة مُثيبة تجعل الحيوان يستمرئ اللهو بالضغط على الرافعةء إلى 
أن يتمكن منه التعب غالباً. وبصرف النظر عن الطبيعة الذاتية لهذه الخبرة, 
فإنها تبدو باعثة على الاعتبار بحيث أن الحيوان صار يستمرؤها ويفضلها 
على أي نشاط آخر. ولن نتأمل فيما إذا كان هذا الإجراء قد ينطبق على 
الكائنات الإنسانية: ولا في إمكانية الأخذ بنتائجه في هذه الحالة. 


* ونحن نعرف كيف نوفرا لظروف النفسية التي تستدعي هلوسات واضحة 
وغيرها من ردود الأفعال المرضية لدى الشخص السوي في حالة اليقظة. لقد 














ساي e‏ الثقس الإنساني 


اتضحت هذه كنتيجة غير متوقعة من البحوث عن «الحرمان الحسي» بجامعة 
ماك جيل Mc Gill‏ لقد اكتشفوا أنه إذا تعرضت كل قنوات الاستثارة الحسية 
للتعطيل أو الإعاقة: فإنه ينتج عن ذلك ردود أفعال غير سوية. فإذا جعلنا 
المفحوصين الأصحاء نفسياً يرقدون بلا حركة حتى تختزل المثيرات الحركية 
إلى الحد الأدنى» مع حجب العين عن البصر بواسطة نظارات معينة لا تسمح 
OSM y LoL‏ عن السمع بواسطة مخدات من المطاط الرخوي وبالوجود 
في مكان fale‏ فإنه يترتب على ذلك ظهور هلوسات وأوهام عليهم: ويبدون 
غريبي الأطوار بما يحمل بعض التشابه بتلك المظاهر والأعراض التي تتضح 
لدى الذهانيينء ويحدث هذا في غضون فترة قصيرة نسبياً لدى معظم هؤلاء 
المفحوصين. وما قد يترتب من نتائج إذا استمر هذا التعطيل الحسي ليس 
OY Lay yee‏ الخبرة البادية في هذه التجارب قد تنطوي على مخاطر ضارة 
بهم بحيث أن الباحثين قد عزفوا عن الاستمرار فيها. 


من هذه الأمثلة الإيضاحية القليلة أرجو أن أكون قد كشفت عن بعض 
المعاني المحددة التي تنطوي عليها القضية بأن العلوم السلوكية قد أنجزت 
خطوات هائلة في فهم السلوك والتنبؤ به وضبطه. وفي ذلك نعرف كيف 
نختار الأفراد الذين سوف يبدون سلوكاً Ligne‏ وكيف نوفر شروطاً معينة في 
الجماعات تؤدي إلى أنماط سلوكية جماعية مختلفة يمكن التنبؤ بهاء وكيف 
نوفر شروطأ تؤدي بالفرد إلى نتائج سلوكية معينة. وبالنسبة للحيوانات تزداد 
قدرتنا على الفهم والتنبؤ والضبط إلى ما هو أبعد من ذلك وبما يحتمل أن 
يفضي إلى خطوات بالنسبة للإنسان. 

وإذا كان رد فعل القارئ مماثلاً لرد فعلى. فإنه سوف يجد أن لهذه 
الصورة جوانبها الباعثشة على الخوف وكذلك جوانبها الإيجابية بقوة. فمع 
كل نقص نضج هذا العلم اليافع: وقصوره الشديدء فإن حالته الراهنة من 
المعرفة تتضمن بعض الاحتمالات الباعثة على القلق. ولعل هذا يوضح السبب 
الذي جعل «روبرت أوبنهايمر». أحد المبرزين في العلوم الطبيعية: ومن مجال 
تخصصه وخبراته في علم الفيزياء. يصدر صيحات الحيطة والحذر في 
هذا الصدد. فهو يذهب إلى القول بوجود بعض التشابه بين الفيزياء وعلم 
النفس, وأحد جوانب التشابه هذه «هو الحد الذي يخلق معه تقدمها مشكلات 











الفصل الثانى عشر دد ل۷س 
عميقة. فلقد تملك علماء الفيزياء انزعاج شديد إزاء إسهاماتهم في القرون 
الماضية: وقد يأتي الوقت كلما اكتسب علم النفس نطاقاً موضوعياً سديداً 
من المعرفة بشأن السلوك الإنساني والمشاعر الإنسانيةء الذي فيه تفرض قوى 
الضبط الميسورة عندئذ مشكلات أكثر حدة من أي مشكلة قد فرضها slale‏ 
الفيزياء(2. 
ويشيع بين العلماء السلوكيين تصور يأخذونه كقضية مسلمة بأن نتائج 
العلوم السلوكية سوف تستخدم في التنبؤ بالسلوك الإنساني وضبطه. لكن قد 
أبدى معظم علماء النفس وغيرهم من العلماء تحفظاً ضئيلاً بما يعنيه ذلك. 


وسوف أحاول أن أقدم» قدر استطاعتيء: صورة مبسطة للنموذج الثقافي 
الذي ينشا إذا سعينا إلى تشكيل الحياة الإنسانية في ضوء العلوم السلوكية. 
وهذا واحد من وجهتين محتملتين أود أن أنوه إليه. 


يتبدىء أولا وقبل كل شيءء الاعتراف. أو إن شئنا في الغالب الافتراض» 
بأن المعرفة العلمية تتمثل في قوة التناول للظاهرات والأحداث وغيرها. يقرر 
سكنر»: «ينبغي لنا أن نتقبل الحقيقة بأنه لا مفر من توفر نوع ما من الضبط 
للأفعال الإنسانية. ولا نستطيع أن نس تخدم الإحساس الجيد بالأفعال الإنسانية 
إلا إذا اشترك أحدنا في تصميم وبناء الشروط والظروف البيئية التي تؤثر في 
سلوك الناس. 


دعنا ننظر في بعض العناصر المتضمنة في مفهوم «ضبط السلوك 
الإنساني» كما تحدده العلوم السلوكية. ما هي الخطوات الواجب اعتبارها في 
العملية التي بها قد ينظم المجتمع نفسه لكي تصاغ الحياة الإنسانية في ضوء 
ele‏ الإنسان؟. 


أولاً - ينبغي أن يأتى اختيار الأهداف في مقدمة هذه الخطوات. في 

دراسة عن «الحرية وضبط الناس» يقترح «سكنر» aa‏ لفن «تكنولوجيا 

(1) R. Oppenheimer, “Analogy in Science:, American Psychologist, 11, 127-135, 
1956. 


(2) B. F. Skinner, “Freedom and the Control of Men". American Scholar, 25, 47-65, 
1955-1965. 








سد ep‏ عم النفس الإنساني 


السلوك» (behavior technologg)‏ هو : «ليكن الإنسان سعيداًء pals atia‏ 
حسن السلوك. ومنتجاً». وفي كتابه (Walden Two)‏ حيث يستخدم اسلوب 
القصة الخيالية في التعبير عن وجهات نظرهء يصبح أكثر توسعاً. في هذه 
القصة يقول؟ «حسناًء ماذا تقول عن تصميم الشخصيات5 هل ذلك يهمك؟ 
ضبط المزاج؟ أعطني المواصفات. وسوف أعطيك الإنسان! ماذا تقول عن 
ضبط الدافعية: وعن بناء الاهتمامات التي سوف تجعل الناس أكثر إنتاجية 
وأكثر ST ss‏ هل يترائى لك ذلك على أنه خيالي؟ ومع AUS‏ فإن بعض 
الطرق الفنية ميسورء إلا أن أكثرها يمكن إجراؤه تجريبياً. فكر في الاحتمالات 
والإمكانيات.. Lies‏ نضبط حياة أطفالنا ونرى ما الذي نستطيع أن نفعله 


On 


ما يقوله «سكنر» أساسا هنا هو أن المعرفة الحالية في العلوم السلوكيةء 
بالإضافة إلى ما سيأتي به الممستقبل. سوف تمكنناء إلى درجة قد تبدو اليوم 


غير مصدقةء من تعيين نوع النتائج السلوكية والمتعلقة بالشخصية التي نرغب 


ثانياً- العنصر الثاني في هذه العملية مألوف GY‏ عالم يعمل في ميدان 
العلم التطبيقي. بعد تحديد الغرض أو الهدف نمضي بواسطة الطريقة العلمية 
— بواسطة الخبرة المضبوطة - إلى اكتشاف الوسائل لتحقيق هذه الغايات. 
فطريقة العلم تقوم على التصحيح الذاتي بحيث تتوصل إلى أساليب متزايدة 
الفاعلية في تحقيق الهدف الذي اخترناه. 


ثالشا - يتضمن العنصر الثالث في ضبط السلوك الإنساني بواسطة 
العلوم السلوكية قضية القوة. فحينما تكتشف الشروط أو الطرق التي بها 
نحقق هدفناء يحصل شخص أو جماعة على القوة التي بها يوضر هذه الشروط 
أو يستخدم تلك الطرق. ومع ذلك لا يوجد إلا اعتراف ضئيل للغاية بالمشكلة 
المتضمنة في هذا الصدد. فما ننشده من أن القوة التي توفرت بواسطة العلوم 
السلوكية سوف يمارسها العلماء أو جماعة معروفة؛ يبدو لي أملاً لن يلقى إلا 
تأبيداً ضئيلاً في المستقبل. 
(D B. F. Skinner, Walden Two, The Macmillan Co., New York, 1948, (Walden Two).‏ 

















— £44 LLL — 2s الفصل الثانى‎ 


ويبدو من المحتمل تماما أن العلوم السلوكية: بتمسكها باتجاهاتها الحالية, 
سوف تكون في موقف علماء الصواريخ الأ مان الذين تخصصوا في القذائف 
الموجهة؛ فقد تكرسوا أولاً للعمل من أجل «هتلر» على تدمير روسيا والولايات 
المتحدة. والآنء استناداً إلى من قام ea tabs‏ يتكرسون للعمل من أجل روسيا 
بهدف تدمير الولايات المتحدةء أو sioa‏ ل الولايات المتحدة بهدف تدمي 
روسيا. ويبدو من المحتمل أكثرء إذا توفر العلماء السلوكيون على الاهتمام فقط 
بتقدم علمهم: أنهم سوف يعملون لخدمة أغراض من تكون في يده القوة فرداً 
أم جماعة. 


لكن هذا ينطوي على انحراف وزيغ هائلين. النقطة الأساسية في هذه 
النظرة هو أن شخص أو جماعة ما سوف تكون له القوة ويستخدمها لكي يهيء 
الطرق التي اكتشفت لتحقيق الهدف المنشود موضع التنفين. 


رابعا - الخطوة الرابعة في هذه العملية التي بها ينبغي أن يسعى المجتمع 
إلى تشكيل حياته في ضوء العلوم السلوكية. هي تعريض الأفراد للطرق 
والشروط المذكورة. وبتعريض الأفراد لهذه الشروط « فإن هذا يؤديء بدرجة 
كبيرة من الاحتمالية؛ إلى السلوك المرغوب. وبالتالي يصبح الناس منتجين إذا 
كان هذا هو الهدف أو خانعين مستسلمينء أو غير ذلك من الخصائص التي 
تقرر تشكيلهم وفقا لها. 


ولكي نتدبر هذا الجانب من العملية كما رآها أحد دعاتهاء دعني مرة 
أخرى أسوق بعض الاشتقاقات عن بطل قصة (Walden Two)‏ فهو يقول 
تعليقاً على الطريقة التي يدعو إليها: «والآن فإن ما نعرفه عن كيف يعمل 
التعزيز الإيجابي» ولماذا لا يعمل التعزيز السلبيء فإننا يمكن أن نكون PST‏ 
تبصراً وإرادية وبالتالي أكثر LS‏ في نموذجنا الثقافي الذي نصممه. إننا 
نستطيع أن نحقق Leg‏ من الضبط يشعر معه الأفراد المضيوط سلوكهم مع 
ذلك. بالحريةء رغم الأخذ بنظام أكثر مدعاة للشك مما كان في حالة النظام 
القديم. إن العلماء يفعلون ما يبتغون ced‏ وليس ما هم مجبرون عليه ومساقون 
إليه. ذلك هو مصدر القوة الهائلة للتعزيز الإيجابي - فليس هناك من قيد أو 
منع ولا من تمرد أو عصيان. فبواسطة نموذج ثقافي مصمم A lies‏ فإننا لا 











—— y) عم النفس‎ ssi ye — 


نتمكن من ضبط السلوك النهائى فحسبء ولكن أيضا من ضبط «النزعة» إلى 
السلوك - الدوافع: الرغيات. الآمال. والشيء الذي يدعو للغرابة هو أنه في 
تلك الحالة لن تثار أبداً قضية الحرية!© . 


الصورة ومضامينها: 


دعني أرى إذا كنت أستطيع أن ألخص بإيجاز صورة تأثير العلوم السلوكية 
على الفرد والمجتمع» كما أرتآها «سكنر» صراحة وكما هي متضمنة في 
اتجاهات وأعمال الكثير من العلماء السلوكيين: إن لم يكن معظمهم. ele‏ 
السلوك يمضي بوضوح قدماً إلى الأمام» فما يعطيه من قوة متزايدة للضبط 
تلقى تأييداً من الفرد والجماعةء وكلاهما سوف يختار ولا شك الأغراض أو 
الأهداف التي يحققها. والكثير Lie‏ سوف ينضبط بصورة متزايدة بواسطة 
وسائل متقنة بدقة بحيث أننا لن نعي بها كضوابط. ومن ثم؛ فمهما يكن 
هناك من قوة لمجلس يتألف من علماء نفس حكماء (إذا لم يكن هذا تناقضا 
في المصطلحات) أو ل «ستالين» أو «الأخ الكبير» ومهما كان الهدف هو السعادة 
أو الإنتاجية أو حل عقدة أوديب أو التسامح أو حب «الأخ الكبير» فإننا مع 
ذلك سوف نجد أنفسنا ولا شك متحركين نحو الهدف المختار. وقد نعتقد UAT‏ 
أنفسنا ننشده ونسعى إليه. ومن ثم إذا كان هذا الخط من التفكير صحيحاء 
فإنه يبدو أن ثمة »9 Lines‏ لمجتمع مضبوط كلية — مثل شكل Walden‏ 
Two‏ - قريب المنال. والحقيقة التي تقرر بأن مجتمعاً مثل هذا سوف نتوصل 
إليه ولا شك بالتدريج وليس AUS‏ طفرةٌ واحدةٌ لا تفير كثيراً من القضايا 
الأساسية. فالإنسان وسلوكه سيصبحان نتاجاً مخطط أ لمجتمع علمي. 


وقد نتساءل: «ولكن ماذا عن الحرية الفردية؟ ماذا عن المفاهيم 
الديمقراطية لحقوق الفرد؟ هنا أيضا يبدو «س كنر» محدداً تماماً. فهو يقرر 
بقوة أن «الفرض الذي يذهب إلى أن الإنسان ليس حرا ضروري بالنسبة 
لتطبيق الطريقة العلمية على دراسة السلوك الإنساني. أما الإنسان الحر من 
الداخل inner free many‏ الذي يكن مسولا عن سلوکه» فهو فحس ب بديل 


(1) B. F. Skinner, Walden Two, p. 218. 














الفصل الثانى عشر .د 499 — 


ابق للعلم مما يعزى إلى أنواع الأسباب التي تكتشف في سياق التحليل 
العلمي. كل هذه الأسياب البدائلية تقع خارج الفرد» 2. 


لقد سعيت» حتى هذه النقطةء إلى أن أعطي صورة موضوعية عن بعض 
مظاهر التطور في العلوم السلوكيةء وصورة موضوعية عن نوع المجتمع الذي 
ينبغي أن ينبشق من تلك التطورات. وفي ذلك أحمل ردود أفعال شخصية 
قوية بشأن نوع العالم الذي أعرض له بالوصفء وهو عالم يتوقعه «سكنر» 
ويرنو إليه صراحة في المستقبل. هذا النوع من العالم: بالنسبة لي؛ من 
شأنه أن يدمر الإنسان كما أعرفه في أعمق لحظات العلاج النفسي. ففي 
تلك اللحظات أنخرط في علاقة مع شخص يكون تاقائياء يكون حرا عن 
مسئولية: أي Lael y‏ بحريته في اختيار من سيكون هو due‏ وواعياً أيضا 
بنتائج اختياراته. ولكن أن نعتقدء كما يذهب سكنرء بأن كل هذا R5‏ وبأن 
التلقائية والحرية والمسئولية والاختيار ليس لها وجود حقيقي» فإن ذلك يبدو 
مستحيلاً بالنسبة لي. 


وأشعر أنه في حدود قدرتي أني قد اضطلعت بنصيبي وأوفيت بالتزامي 
في تقدم العلوم السلوكية: ولكن إذا كانت نتيجة جهودي وجهود الآخرين هي 
أن الإنسان يغدو Lats‏ آليا (Robot)‏ يُخّْق ويُضْبَط بواسطة علم من صنعهء 
فأنا في الحقيقة غير سعيد للغاية. وإذا كانت الحياة الطيبة للمستقبل قوامها 
«أفراد (conditioning individuals) diligi‏ بواسطة ضبط بیئتهم» 
وبواسطة ضبط ما يتلقونه من إثابات» بحيث أنهم سيكونون منتجينء ذوي 
سلوك حسن» سعداء أو غير ذلك. عندئذ لا أريد شيئاً منها.. فهذا بالنسبة 
لي شكل كاذب للحياة الطيبة التي تتضمن كل شيء عدا ذلك الشيء الذي 
يجعلها طيبة ARI ey‏ 


وهكذا أسأل نفسيء هل يوجد أي dis‏ في منطق هذا التطورة هل توجد 
أية وجهة نظر بديلة لما قد تعنيه العلوم السلوكية بالنسبة للفرد والمجتمع؟ 
ويبد لي أني أدرك ذلك الخللء وأني أستطيع إدراك النظرة البديلة. وهذا ما 
أود أن أعرضه. 


(1) B. F. Skinner: Science and Human Behavior. The Macmillan Co. 























essay —‏ عم النفس | qiii‏ — 
الغايات والقيم في علاقتها بالعلم: 


يبدو لي أن وجهة النظر التي أقدمها تقوم على إدراك خاطى للأهداف 
والقيم في علاقتها بالعلم. وأعتقد أن أهمية «الغرض» من التناول العلمي قد 
لقيت تقديراً أقل مما تس تحقه بكثير. وأود أن أقرر فكرة ذات شقين تس تحق 
الاعتبار في تقديري. ثم سأحاول تكشف معنى هاتين النقطتين: 


-١‏ في أي نشاط علمي - سواء كان ale‏ «بحتا» أو تطبيقيا - يوجد 
اختيار ذاتي شخصي قبلي للفرض أو القيمةء على أساسهما يدرك العمل 
العلمي على أنه يخدمهما. 


cox الذي‎ (subjective value choice) هذا «الاختيار القيمي الذاتي»‎ -Y 
النشاط العلمي إلى حيز الوجود. ينبغي دائماً أن يبقى خارج ذلك النشاط؛ ولا‎ 
يستطيع أبداً أن يصير جزءاً من العلم المتضمن في ذلك النشاط.‎ 


دعني أوضح النقطة الأولى من كتابات «سكنر». فحينما يفترض أن مهمة 
العلوم السلوكية هي جعل الإنسان» منتجا»» دحسن السلوك» الخ» فمن الواضح 
أنه يقوم باختيار ما. فقد يختار أن يجعل الناس» مثلاً. خانعين. معتمدين» 
قطيعيين ( أي كأعضاء في قطيع). إلا أنه يقرر في موضع آخر أن «مقدرة 
الإنسان على الاختيار» ol‏ حريته في اختيار طريقه وفي دفع عمله — هذه 
القوى لا توجد في الصورة العلمية للإنسان. هناء كما أعتقد. التناقض المبين 
أو المفارقة الهائلة. دعني اتكشفها بوضوح قدر استطاعتي. 


لا شك أن العلم يقوم على الافتراض ob‏ السلوك عَرضَي» مُتسبب - أي 
أن Lies Lie‏ يتبعه حدث ناتج. وبالتالي يكون كل شيء محتوماً؛ وليس هناك 
من شيء > فالاختيار مستحيل. لكن ينبغي أن نتذكر أن العلم ذاته وكل 
نشاط علمي نوعي» وكل تغير في مجرى البحث العلميء وكل تفسير لمعنى 
النتيجة العلميةء وكل قرار بش أن كيفية تطبيق النتيجة العلمية - كل ذلك يقوم 
على اختيار شخصي ذاتي. ومن ثم يوجد العلم بصفة عامة في نفس الموقف 
المتناقض الذي يوجد فيه الدكتور سكنر. فالاختيار الشخصي الذاتي الذي 
يقوم به الإنسان يدفع ويحرك عمليات العلمء الذي قد يدعي في وقت من 











opts القظى‎ d— ail 


الأوقات أنه لا يمكن أن يوجد شيء كالاختيار الشخصي الذاتي. وسوف أقوم 
ببعض التعليقات بشأن هذه المفارقة المستمرة في نقطة لاحقة. 


لقد أكدت على الحقيقة بأن كل اختيار من هذه الاختيارات: الذي يدفع 
أو يحرك المغامرة العلمية. هو اختيار قيمي. فالعالم يبحث في هذه بدلاً من 
تلكء لأنه يشعر أن للبحث الأول قيم ة أكبر CARNE Sa wb‏ ار طريقة 
معينة لدراسته بدلاً من طريقة أخرى لأنه يُقّدّرها على أنها ذات قيمة كبيرة. 
وهو يفسر نتائجه بطريقة معينة بدلاً من طريقة أخرى لأنه يعتقد أن الطريقة 
الأولى أقرب إلى الحقء أو أكثر صدقا - بقول آخر لأنها أقرب إلى معيار 
قيمي يقدره. هذه الاختيارات القيمية الآن ليست على الإطلاق جزءاً من 
المغامرة العلمية ذاتها. فالاختيارات القيمية المرتبطة بمشروع علمي معين تقع 
Lasts‏ وبالضرورة خارج هذا المشروع. 


وأود أن أوضح بأني لا أقول بأن القيم لا يمكن تضمينها كموضوع للعلم. 
وليس صحيحا أن العلم يتناول فحسب فئات معينة من «الحقائق» وأن هذه 
الفئات لا تتضمن قيماً. وتلك قضية أعقد من AS‏ وهذا ما نحاول إيضاحه. 


فإذا كنت أقدر قيمة معرفة القراءة والكتابة والحساب (SR S)‏ كهدف 
للتربيةء فإن طرق العلم تستطيع أن تعطيني معلومات دقيقة بصورة متزايدة 
عن الكيفية التي يمكن بها تحقيق هذا الهدف. وإذا كنت أقدر قيمة القدرة 
على حل المشكلات كهدف للتربية: فإن الطريقة العلمية تستطيع أن تقدم لي 


نفس النوع من المساعدة. 


والآن إذا كنت أود أن أحدد ما إذا كانت القدرة على حل المشكلات «أفضل» 
من المعرفة بالقراءة والكتابة والحسابء عندئذ تستطيع الطريقة العلمية أيضا 
دراسة هاتين القيمتين» ولكن فحسب - وهذا مهم للفاية - في ضوء قيمة 
أخرى اختارها على نحو ذاتي. وربما أقوم بتقدير قيمة النجاح في الكليةء 
à ade‏ أستطيع أن أحدد ما إذا كانت القدرة على حل المشكلات أو المعرفة 
العلمية أكثر laa]‏ بذلك المعيار. وربما أقوم بتقدير قيمة التكامل الشخصي 
أو النجاح المهني أو المواطنة المسئولةء عندئذ أستطيع أن أحدد ما إذا كانت 




















iyi‏ سس سد طلم النفس الإنساني 


القدرة على حل المشكلات أو استيعاب المعرفة العلمية «أفضل» من تحقيق أية 
قيمة من هذه القيم. ولكن القيمة أو الفرض الذي يعطي معنى لنشاط علمي 
cp ee‏ ينبغي دائمآ أن ex‏ خارج ذلك النشاط. 


وعلى الرغم من أن اهتمامنا هنا هو بالعلم التطبيقي» فإن ما أعرض 
له يصدق أيضا على ما يعرف بالعلم البحت. في العلم البحت يكون الاختيار 
القيمي الذاتي السابق عادة هو اكتشاف الحقيقة. لكن هذا اختيار ذاتي؛ ولا 
يستطيع العلم أبداً أن يقرر ما إذا كان هو الاختيار الأفضلء إلا إذا كان ذلك في 
ضوء قيمة معينة أخرى. فعلماء الوراثة في روسياء مثلاء كان عليهم أن يتخذوا 
اختيارا Lats‏ بشأن ما إذا كان من الأفضل البحث عن الحقيقة: أو الكشف عن 
عن الحقائق التي تناصر أيديولوجيا الدولة. أي اختيار «أفضل وقد نستطيع 
القيام ببحث علمي عن هذين البديلينء ولكن فحسب في ضوء قيمة معينة 
أخرى مختارة ذاتيا. وإذا كان لناء We‏ أن نقيّم بقاء ثقافة Le‏ عندئن علينا أن 
نبدأ ببحث المشكلة واستناداً إلى طرق العلم عما إذا كان الكشف عن الحقيقة 
أو تأييد عقيدة الدولة هو الأكثر ارتباطأ بالبقاء الثقافي. 





وجهة نظري إذن هي أن أي نشاط pale‏ بحت أو تطبيقيء يتم لصالح 
غرض أو قيمة يختارها أشخاص بطريقة ذاتية. ومن الأهمية بمكان أن يكون 
هذا الاختيار صريحا وواضحاً طالما أن القيمة الخاصة التي نسعى إليها لا 
iy Se‏ أن تخضع للاختبار أو التقويم: للتأييد أو الرفض. بواسطة النشاط 
العلمي الذي يستمد منها تطوره ومعناه. فالغاية الأولية أو القيمة الأولية تقع 
دائماً وبالضرورة خارج نطاق الجهد العلمي الذي يستهلمها Lads‏ وحركة. 


وفي رأيناء أن الجهد العلمي المستمر سوف يؤدي إلى خلق أهدافه 
وتطورهاء وأن النتائج الأولية سوف تغير من الوجهات التي ينحوها العلم. 
والنتائج اللاحقة سوف تغيرها إلى ما هو أبعد وبحيث يطور العلم على نحو 
ما من الغاية المنشودة منه. وييدو هذا وجهة نظر يؤيدها ضمناً علماء كثيرون. 
وهذا ولا شك وصف معقولء ولكنه يغفل عنصراً واحداً في هذا التطور 
الممستمرء وهو أن الاختيار الشخصي الذاتي يدخل فيه في كل نقطة تتغير 
عندها الوجهة التي ينحوها العلم. ولا تستطيع نتائج علم ماء أو نتائج تجربة 











— £36 LL E الفصل‎ 


Le‏ أن تخبرنا على الإطلاق بالغاية العلمية التالية التي ينبغي أن نسعى إليهاء 
وحتى في العلم البحت الخالصء ينبغي أن يقرر العالم ما الذي تعنيه النتائج» 
وأن يختار بطريقة ذاتية ما هي الخطوة التالية التي سوف تكون أكثر فائدة 
في سبيل تحقيق غايته المنشودة. وإذا كنا نتكلم عن تطبيق المعرفة العلمية 
المتزايدة عن تركيب الذرة, فإنه لا يحمل معها اختياراً ضرورياً بالنسبة للغاية 
التي توضع لهذه المعرفة. وهذا يكون اختياراً شخصيا ذاتياً ينبيغي أن يقوم به 
أفراد كثيرون. 


ومن ثم أعود إلى الافتراض الذي بدأت به هذا الجزء من ملاحظاتي - 
والذي أكرره الآن بكلمات أخرى. العلم له colina‏ فهو السعي الموضوعي لتحقيق 
غرض يختاره شخص أو أشخاص بطريقة ذاتية. هذا الفرض أو القيمة لا 
يمكن أبداً أن يخضع للبحث بواسطة التجربة العلمية الخاصة أو البحث فيما 
أدى إليه الغرض أو القيمة من خلق التجربة أو إعطاء معنى لها . ومن ثم فإن 
أي مناقشة بشأن ضبط الكائنات الحية الإنسانية بواسطة العلوم السلوكية, 
ينبغي أن تهتم أولاً وبعمق أكبر بالأغراض أو الغايات المختارة ذاتيا التي ينشد 
تحقيقها من تطبيق العلم. 
مجموعة بديلة من القيم: 

إذا كان الخط الفكري الذي أقدمه صادقاء فإنه عندثذ يفتح لنا أبواباً 
جديدة. وإذا كان لنا أن نواجه بصراحة الحقيقة بأن العلم ينطلق من مجموعة 
من القيم مختارة ذاتياء عندئذ نكون أحراراً في اختيار القيم التي نسعى 
إلى تحقيقها. Lily‏ محدودين بأهداف حمقاء مشل خلق حالة مضبوطة من 
السعادة والإنتاجية:؛ وما شابه ذلك؛ وأود أن أقترح بديلاً مختلفاً تماماً. 


ولنفترض أننا نبدأ بمجموعة من الغايات والقيم والأغراضء تختلف تماما 
عن نمط الأهداف التى نضعها فى الاعتيار. ولنفترض أننا نفعل هذا بصراحة 
Linke à a‏ أن نضعها أمامنا على انها اختيار قيمي ممكن أن نقبله أو نرفضه. 
ولنفترض Lil‏ نختار مجموعة من القيم تركز على عناصر جارية للعملية العلمية, 
أكثر مما تركز على خصائص ثابتة. عندئذ ينيفي أن نقدر: 





تت gy‏ :طم اقفن ly)‏ 
- قيمة الإنسان كعملية صيرورةء في حالة من السعي إلى تحقيق جدارته 
وكرامته من خلال نمو إمكاناته. 
- قيمة الكائن الحي الإنساني الفرد كعملية تحقيق للذات» متحركة نحو 
خبرات أكثر تحدياً وإثراءاً . 


- قيمة العملية التي بها يتوافق الفرد بطريقة إبداعية مع عالم جديد 
ومتغير باستمرار. 


- قيمة العملية التي بها ترقى المعرفة ذاتهاء مثلما أدت نظرية النسبية 
إلى ترقية الفيزياء النيوتينية, وهذه المعرفة ذاتها قد ترقى مستقيلاً بواسطة 


إدراك جديد. 


وإذا انتقينا قيماً مثل ote‏ فإننا ننتقل إلى علم وتكنولوجيا السلوك 
بمجموعة مختلفة تماما من الأسئلة. وسوف نبتغي معرفة أشياء. مثل: 


.. هل يستطيع العلم أن يساعدنا على اكتشاف أساليب جديدة لحياة 
مجزية بثراء؟ أساليب أكثر إشباعا وأكثر غنى بالمعاني للعلاقات المتبادلة بين 
ERR‏ 


..هل يستطيع العلم أن يبصرنا كيف يمكن أن يصير الجنس البشري 
Lag tue‏ أكثر ذكاءًا في تطوره ذاته — تطوره الجسمي» والنفسيء والاجتماعي5. 


.. هل يستطيع العلم أن يعرفنا بطرق تحرير وإطلاق القوي الإبداعية 
للأفرادء التي تبدو هكذا ضرورية إذا كان UI‏ أن نبقى في هذا العصر الذري 
والإلكتروني المتسع بطريقة خيالية؟ يشير «أو بنهايمر» إلى أن المعرهةء التي 
تضاعفت في قرون أو في ملايين السنين» تتضاعف OM‏ في غضون جيل أو 
عقد. وييدو أننا سوف نحتاج إلى اكتشاف أقصى ما يمكن تحريره للإبداعية 
إذا كان لنا أن نتمكن من التواضق بفاعلية. 

o aig.‏ هسل يستظيع p lal‏ أن يكت ف do dall‏ التي بها يس تطيع 


الإنسان أن يصير بالفعل عملية مستمرة في نموهاء ومتسامية بذاتهاء في 





الفصل الثانى عشر _ د ٤(۷‏ 


سلوكه. وتفكي ره» ومعرفته؟ هل يستطيع العلم أن 
بها» أساساء ويطلقها ويحررها؟. 





با بحرية Y»‏ يمكن nl‏ 


ذلك واحد من فضائل العلم كطريقة يتمكن بها من العمل على تقدم 
وتحقيق الأهداف. وغاية من هذا النوع تفيد قيماً ثابتة مثل الحالات التي 
يكون فيها الإنسان جيد التعليم» سعيداء مبدعاً. وفي الحقيقة لدينا بعض 


الأدلة على هذا. 


مثال: 


Ley‏ استأذن القارىء في أن أحاول توثيق بعض الاحتمالات على طول 
هذا الخط بالانتقال إلى العلاج النفسيء وهو الميدان الذي أعرفه على نحو 
أفضل . 


العلاج النفسيء كما أشار «ميرلو» Meerlo‏ وآخرون» يمكن أن يكون واحداً 
من أكثر الأدوات دقة وفراهة في ضبط سلوك شخص بواسطة شخص آخر. 
فالمعالج يستطيع بحذق ومهارة تعديل أو تغيير الأفراد في محاكاتهم له ذاته. 
وهو يستطيع أن يدفع الفرد إلى أن يصبح LIS‏ مستس لما ومسايراً . وحينما 
تستخدم مبادئ علاجية معينة على نحو متطرفء نطلق على ذلك مصطلح 
غسيل المخ» وهو مثال عن عدم تكامل الشخصية وإعادة صياغة الشخص 
وفقا لخطوط موجهة يتحكم فيها الفرد الذي يضبط هذه العملية.إذن يمكن 
أن تستخدم مبادئ العلاج كوسيلة أكثر فاعلية للضبط الخارجي للش خصية 
الإنسانية والسلوك الإنساني. ألا يمكن للعلاج النفسي أن يكون أي شيء آخر 
غير ذلك؟ 


هنا أجد أن مظاهر النمو التي تتحقق في «العلاج النفسي المتمركز على 
العميل» (client-centered psychotherapy)‏ مؤشراً حقيقياً لما تستطيع العلوم 
السلوكية أن تفعله في تحقيق أنواع القيم التي ذكرتها. ولهذا التطور. بجانب 
كونه منحي جديداً في العلاج النفسي» مضامين هامة بشأن علاقة العلم 
السلوكي بضبط السلوك الإنساني. وسوف أحاول وصف خبرتي كما تتعلق 
بالقضايا المثارة في هذه المناقشات. 





لالم( sess‏ عم النفس | qiii‏ — — 


في العلاج المتمركز على العميلء ننخرط بعمق في التنبؤ بالسلوك 
وفي التأثير ale‏ ونضع. كمعالجين. شروطاً اتجاهية معينة attitudinal‏ 
conditions‏ ويكون للعميل صوت ضئيل نسبياً في إقرار هذه الشروط. 
وباختصار تام» وكما أوضحت من قبلء: قد وجدت أن المعالج يكون أكثر فاعلية 
إذا كان: )1( صادقاء متكاملاً. جاداً في A BL‏ (ب) متقبلاً للعمل كشخص 
مستقل ومختلف. ومتقبلاً لكل جانب متقلب يعبر عنه العميل؛ (ج) متعاطفاً 
بحساسية في فهمه ورؤيته للعالم من خلال أعين العميل. وتسمح بحوثنا UI‏ 
بأن Las‏ بأنه إذا كانت هذه الشروط الاتجاهية قد وضعت وتقررت» فسوف 
يترتب على ذلك نتائج سلوكية معينة. ووضعها بهذه الطريقة يبدو وكأننا نعود 
من جديد إلى المسار المألوف الذي به نتمكن من التنبؤ بالسلوك. وبالتالي 
نتمكن من ضبطه. ولكن هنا على وجه الدقة يوجد خلاف حاد. 


فالش روط التي اخترنا إقرارها تتنباً بنواتج سلوكية: مثل: أن العميل سوف 
يصير أكثر توجيها لذاتهء وأقل جموداًء وأكثر انفتاحاً على ما تقدمه حواسه 
من بيانات ودلائلء وأفضلها تنظيما وتكاملاً. وأكثرها تشابهاً مع النموذج الذي 
اختاره لنفسه. بقول آخر. لقد وضعناء عن طريق الضبط الخارجيء الشروط 
التي بها نتنبأ أنها سوف تتمخض عن ضبط داخلي لدى الفردء سعياً إلى 
تحقيق أهداف مختارة داخلياً. لقد أقررنا الشروط التي بها Lats‏ بأنواع 
مختلفة من السلوك - السلوك ذاتي التوجيهء الحساسية للحقائق الموجودة 
داخل الفرد وخارجه» التكيف المرن = وغير ذلك مما لا يمكن وفقا لطبيعتها 
التنبؤ بها من حيث نوعياتها . فالشروط التي أقررناها تتنبأ بالسلوك الذي 
يكون في أساسه «حرأ» . وتوضح بحوثنا أن تنبؤاتنا قد لقيت تأييداً إلى درجة 
كبيرة: وأن اعتمادنا على الطريقة العلمية قد أدى بنا إلى أن نعتقد أنه يمكن 
التوصل إلى أكثر الطرق فاعلية في تحقيق هذه الأهداف. 

وتذخر مجالات أخرى - كالصناعة: والتعليم؛ وديناميات الجماعة- ببحوث 
تبدو أنها تدعم نتائجنا. وأعتقد أنه من الممكن أن نقرر بتحفظ أن التقدم 
العلمي قد بدى في تحديده في إطار علاقة بينث خصية لتلك الشروط التي 
إذا توفرت في «ب» فإنها تتبع في «أ» بنضج أكبر في «sla‏ باعتماد أقل 
على الآخرين: بزيادة في تعبيريته عن نفسه كش yak‏ وبزيادة في المغايرة 




















الفصل الثانى —À £34 =n‏ 
والمرونة وفاعلية التوافق: وبزيادة في تحمل المسئولية الذاتية والتوجيه الذاتي. 


ومن ثم نجد أنفسنا في اتفاق أساسي مع ما يقرره «جون ديوي» بأن 
«العلم قد اتخذ طريقه بواسطة إطلاق وتحريرء وليس بواسطة قمع ومنع. 
عناصر التغير والتباين: وعناصر الاختراع والتجديد» وعناصر الخلق الجديد 
في الأفراد a0‏ ونعتقد أن التقدم في حياة الفرد وحياة الجماعة قد تم بنفس 
الطريقة: بواسطة إطلاق وتحرير المغايرة والحرية والإبداعية. 


نحو مفهوم ممكن عن ضبط السلوك الإنساني: 


من الواضح أن وجهة النظر التي أعبر عنها تتناقض تماماً مع التطور 
المألوف عن علاقة العلوم السلوكية بضبط السلوك الإنساني» كما ذكرت من 
قبل. ولكي نجعل هذا التناقض أقل حدةء سوف أقرر هذه الإمكانية في شكل 
يتوازى مع الخطوات التي وضعتها من قبل: 


-١‏ من الممكن بالنسبة لنا أن نختار تقدير قيمة الإنسان كعملية صيرورة 
لتحقيق الذات, وأن نختار تقدير قيمة الإبداعية, والعملية التي بها تصير 
المعرفة هادفة إلى التسامي بالذات. 


-Y‏ نستطيع» بواسطة طرق العلم: أن نكتشف الشروط التي تسبق 
بالضرورة هذه العمليات» وأن نكتشف» من خلال استمرار التجريب» الوسائل 
الأفضل لتحقيق هذه الغايات. 


-T‏ من الممكن بالنسية للأفراد أو الجماعات وضع وإقرار هذه الشروط» 
بأقل قدر ممكن من القسر أو الضبطء وتكون الس لطة الوحيدة اللازمةء وفقا 
للمعرفة الحاليةء هي سلطة إقرار خصائص نوعية معينة للعلاقات البينث خصية. 


-٤‏ تفترض المعرفة الحالية: بتبنيها لهذه الشروط. أن الأفراد يصبحون 
أكثر تحملاً للمسئولية الذاتية. ويحققون تقدماً في تحقيق الذات» ويصبحون 
أكثر مرونة, وأكثر تفرداً وتنوعاً. وأكثر توافقا على نحو إبداعي. 


(1) J. Ratner (Ed.), Intelligence in the Modern World: John Dewey’s Philosophy. 
Modern Library, New York. 











لابج لح alil e‏ الإنساني 


76 ومن شأن هذا الاختيار الأولي o3‏ أن Gag‏ بدايات لنظام اجتماعي 
أو لنظام فرعي تكون فيه القيم والمعرفة ومهارات التوافق وحتى مفهوم العلم 
متغيرة باستمرار ومؤدية بذاتها إلى الارتقاء المضطرد . هنا يكون التأكيد على 
الإنسان كعملية صيرورة. 


وأعتقد أنه من الواضح أن هذا التصورء كما أصفه. لا يؤول إلى أية 
«يوتوبيا» يمكن وصفها وتحديدها . وقد يبدو من ال مس تحيل التنبؤ بناتجه 
النهائي؛ وهو يتضمن نموا خطوة بخطوة: يقوم على اختيار ذاتي مستمر 
للغايات التي تقررها العلوم السلوكية. ويتفق هذا مع وجهة «المجتمع المفتوح» 
كما حدد «بوبر» Popper‏ هذا المصطلح: حيث يتحمل الأفراد المسئولية بشأن 
قراراتهم الشخصية. ويتعارض هذا تماماً مع مفهوم»المجتمع المغلق» الذي 
تعتبر قصة (Walden Two)‏ مثالا له. 


ca Xie,‏ عن ثقةء أنه من الواضح أيضا أن التأكيد الكلي يكون على «العملية» 
(process)‏ وليس على «الحالات النهائية للوجود» (end states of being)‏ واقترح 
أنه باختيارنا لتقدير قيمة عناصر كيفية معينة لعملية الصيرورة؛ يكون في مقدورنا 
أن نجد طريقاً نساكه إلى المجتمع المفتوح. 


الاختيار: 


ورجائي أن أكون قد ساعدت على إيضاح مدى الاختيار الذي سوف 
يُطرح أمامنا وأمام أطفالنا فيما يتعلق بالعلوم السلوكية. فقد يمكننا أن 
نختار استخدام معارفنا المتطورة بهدف استعباد الناس بطرق لم نتخيلها على 
الإطلاق من قبلء أو بهدف الإخلال بشخصياتهم, أو بهدف ضبطهم بواسطة 
طرق منتقاة بعناية بحيث لا يكونوا على وعي إطلاقا بفقدانهم لهويتهم. 
ويمكننا أن نختار استخدام معرفتنا العلمية لجعل الناس سعداء أساساً جيدي 
dl al‏ ومنتجين كما يفترض «سكنر». ويمكنناء إذا أردناء أن نختار أن نجعل 
الناس خانعة: مسايرةء مطيعة: أو على الطرف الآخر من مدى الاختيارء 
يمكننا أن نختار استخدام العلوم السلوكية بطرق تؤدي إلى إطلاق الحرية: لا 
الضبط والتقييد؛ طرق تؤدي إلى المغايرة البنائية. لا الممسايرة؛ طرق تؤدي إلى 








٤١١ oe الفصل الثانى‎ 


نمو الإبداعية. لا القناعة والرضا؛ طرق تؤدي إلى دعم وتمكين كل شخص 
في عملية الصيرورة وتنامي تقدمهء وهي عملية موجهة ذاتياً- طرق تساعد 
الأفراد والجماعات وحتى مفهوم العلم أن يصبحوا في حالة من التسامي 
بالذات بأساليب توافقية بجدة لمواجهة الحياة ومشكلاتها. 


وإذا اخترنا استخدام معرفتنا العلمية لتحرير الناس. عندئذ سوة 
تتطلب أن نعيش بانفتاح وصراحة مع المفارقة الهائلة للعلوم السلوكية. وسوف 
ندرك أن السلوك حينما SRS‏ > علمياء نفهمه على نحو أفضل ولا شك إذا 
تحدد على أساس عليه قبلية. تلك هي الحقيقة الكبرى للعلم. لكن الاختيار 
الشخصي المسئول الذي هو العنصر الأكثر أساسية في إنسانيتناء والذي هو 
«الخبرة المحورية» (core experience)‏ في العلاج النفسيء والذي يوجد قبل 
أي جهد علمي» هو الحقيقة البارزة أيضا في Lhe‏ . وما قد يبدو به هذان 
العنصران المهمان لخبرتنا من تناقض ربما يكون له نفس دلالة التناقض بين 
النظرية الموجية wave theory‏ والنظرية الجسيمية corpuscular theory‏ 
ce s nU‏ وكلاهما يمكن إثبات صدقه» رغم تناقضهما . وإذا كنا لا نستطيع 
أن ننكر الحرية التي توجد في حياتنا الذاتيةء فإننا لا نستطيع أكثر إنكار 
الحتمية التي تتجلى في الوصف الموضوعي لتلك الحياة. وعلينا أن نعيش مع 
تلك المفارقة. 











— — qiii | عم النفس‎ esses — 


لا تتجلى تفاؤلية «بيير تييلارد دي تشاردين» في أي موضع أكثر مما 
تتجلى حينما يتكلم عن مستقبل الإنسانية. وتبدأ القصة بنشأة الكونء 
ويعتقد أن كل ذرة من المادة كما لو أنها مرتبطة بعملية الصيرورة - ذلك 
التطور الحتميء الذي يركز على الوعي أكثر مما يركز على بنية الجسم 
ويمضي أبداً في اتجاه تحقيق مستويات أفضل. والإنسان على قمة هرم 
الحياةء هو المفتاح إلى فهم كل ما كان يجري في العصور الجيولوجية 
السابقةء وهو المفتاح إلى التنبؤ بوجهة التقدم في المستقبل. فالإنسان 
يتربع قمة قصة هذا العالم وهو موجود على قاعدتها وفي مركزها. ولا 
يعتقد «دي تشاردين» أن العملية قد اس تكملت:«.... فبين عالمنا الحديث 
والعالم المطلق تمتد فترة فسيحة: تتميز لا بالتباطؤ الإنتكاسي ولكن 
بالإسراع الإرتقائيء وبالازدهار المحدد لقوى التطور على خط الإنطلاق 
الإنساني». 


ومن الأسئلة التي تغامر الدراسة الحالية بإثارتها: لماذا يبدو النوع 
الإنساني على أنه لا يزال في مرحلة طفولته الأولى؟ كيف تغير مسار 
التطور منذ ظهر الإنسان على الأرض؟ ما هي مظاهر النمو الإرتقائية 
التي يمكن توقعها في الإنسان في العصور المقبلة؟ كيف ستغير من 
الإحساس بوحدة الجنس الإنساني؟ وماذا سيكون صدى ذلك على العلم؟ 
وبامتداد أعمال التحليل؛ وبتركيز العلم أكشر وبقصد على البنائية. فما 
الذي سوف نحتاجه أكشر للوصول إلى نظرة شمولية للكون؟ . 





الفصل الثانى pte‏ 48# — 
)۴4( 
erar‏ الغائي © 
بييرتييلارد دي تشاردين 
الوجهات: 
يمكننا gall‏ بدون أن نتخطى حدود الاحتمالية العلميةء أن الحياة لا يزال 
أمامها فترات طويلة من الزمان الجيولوجي الذي نتقدم فيه. وبالإضافة إلى 
ذلك فإنها في شكلها الفكريء لا تزال تظهر كل الأدلة على وجود طاقة في 
كامل إنطلاقها. فمن ناحيةء ومقارنة بالطبقات الحيوانية التي سبقتها والتي 
يقدر متوسط فترتها على الأقل بحوالي ۸٠‏ مليون سنةء تعتبر البشرية في 
مراحلها العمرية الأولى بحيث يمكننا غالبا أن نعتبرها Iib‏ حديث الولادة. 
ومن ناحية أخرىء إذا حكمنا على أساس التطور السريع للفكر في الفترة 
القصيرة التي تصل إلى عشرات قليلة من القرون. فإن هذه الحداثة تحمل 
في داخلها مؤشرات وبشائر عن دورة بيولوجية جديدة تماما. وهكذاء ومع كل 
الاحتمالات» تمتد بين Lille‏ الجديد والعالم المطلق أو الغائي فترة فسيحةء 
تتميزلا بالتباطؤ التقهقري ولكن بالإسراع الارتقائي- «الازدهار» القائم على 
إمكانات التطور على خط الإنطلاق الإنساني. 


وإذا افترضنا النجاح - الذي هو الافتراض المقبول الوحيد - فبأي شكل» 
ووفقا لآية خطوط يمكننا تخيل التقدم المتسارع خلال هذه الفترةة 


أولا وبالدرجة الأولى: يكون النجاح والتقدم في الشكل الجمعي والروحي. 
لقد لاحظنا dif‏ منذ قدوم الإنسان. كان هناك تباطؤ تقهقري معين في 
التحولات السلبية والجسمية للكائن الحي (الأورجانزم) في صالح التغيرات 
التحولية metamorphoses‏ الواعية والنشطة للفرد التي تتمثل في المجتمع: 
وحيث يتواصل الاستمرار في تطور الأساليب التي بها يعمل الإنسان مع 
الطبيعة: والتحول إلى ثقافة شفهية أو مكتوية بعد أن كانت أشكالاً سلالية 


(*) The Ultimate Earth: P. Teilhard de Chardin: The Phenomenon of Man. Harper and 
Row, Pub., Inc., New York, 1959, pp. 276-285. 





سي عم النفس الإنسساتي —— 


للوراثة (الكروموزومات). وبدون أن ننكر إمكانية أو حتى احتمالية حدوث 
امتداد معين فى أطرافناء ولا يزال يحدث الأكثر فى جهازنا العصبى» ارتباطاً 
بالعمليات التطورية العميقة «orthogenetic processes‏ فإني أميل إلى الاعتقاد 
بأن تأثيرها يميل إلى التضاؤل AST‏ من ذلك. 


تبدو طاقات الحياة: كما لو كانت تخضع لنظام وفقا لنوع من قوانين 
الكم غير قادرة على الانتشار في منطقة واحدة أو تأخذ شكلاً جديداً فيما 
عدا على حساب التضاؤل في مناطق أخرى. ومنذ وصول الإنسان. يبدو 
الضغط التطوري كما لو كان قد هبط في كل الفروع غير البشرية من شجرة 
الحياة. والآنء وبعد أن أصبح الإنسان راشداًء وبعد أن فتح لنفسه مجال 
التحولات العقلية والاجتماعية: لم تعد الأجسام تتغير بصورة ملحوظةء ولم 
تعد تحتاج إليها في الكائن الإنساني؛ أو إذا كانت لا تزال تتغير. فسوف تكون 
فحسب خاضعة لضبطنا الواعي. وربما يكون قد تخطى الدماغ الإنساني من 
حيث إمكاناته وفراهته. حدوده العضوية. ولكن الحركة لا تتوقف هنا. فمن 
الغرب إلى الشرقء يحتل التطور من الآن فصاع داً كل مكانء في مجال أكثر 
غنى وتعقيداً وبنائيةء ومع ارتباط كل العقول ببعضها - ونعني بذلك تطور 
العقل. فلقد بدأ بالفعلء خارج كل الأمم ulin Wy‏ التكامل الكلي الحتمي بين 
البشرية. 

ومن هناء علينا الآن أن نتساءل: وفقا لأية خطوط للتقدم» من بين غيرهاء 
يكون مقدراً لنا أن نتقدم من المستوى التطوري النفسي الذي تحقق لنا؟ . 

أستطيع أن أميز ثلاثة خطوط رئيسية تتضح فيها التنبؤات التي توصلنا 
إليها بالفعل وفقا لتحليلنا لاآراء المتعلقة بالعلم والإنسانيةء وهي: تنظيم 
البحث العلمي» تركيز البحث العلمي على موضوع الإنسان: وارتباط العلم 
بالدين. تلك ثلاث مقاريات طبيعية تتعلق بحقيقة التقدم: 


-١‏ تنظيم البحث العلمي: 


لنا أن نفخر بعصرنا على أنه عصر العلم. ويتضح ذلك إذا ما وضعنا في 
ذهننا فجر العلم مقارنة بالظلام الذي ساد قبله. لقد ولد ثمة شي هائل في 

















الفصل الثانى مشار — با £Y8‏ — 


الكون مع اكتشافاتنا وأساليبنا في البحث العلمي. بدأ شى ولن يتوقف أبداً. 
فقد نيجل البحث ونس تخلص منه فوائد جمةء ومع ذلك نسعى إلى الحقيقة 
في عالم اليوم بضحالة في الروح وبفقر في الوسائل وبالمصادفات العامة! هل 
لدينا فكر جاد عن الحالة التي نحن عليها الآن؟ . 


لقد ولد العلم كالفن - أو كالفكر ذاته - بكل ما يدل على الفيض 
والخيال. لقد ولد من خصوبة النشاط الداخلي الذي تعدى الحاجات المادية 
للحياة: لقد ولد من شغف وفضول الحالمين والكسالى. وصار بالتدريج نشاطاً 
هاماً؛ فأدت فاعليته إلى حرية الحياة المدنية. لقد اكتسب مكانة اجتماعية 
في عالم يعيش في 1253555( مكانة تلقى تقديساً في بعض الحالات. ومع 
ذلك لا زلنا نتركه ينمو كأفضل ما يستطيع: ومن الصعب الاقتراب منهء مثل 
تلك النباتات البرية التي يلجأ الناس البدائيون لقطف ثمارها في غاباتهم. 
لقد أصبح كل Guid‏ يخضع للزيادة في الإنتاج الصناعي وللتسليح. فالعلماء وما 
وراءهم من ale‏ ووسائل وأدوات» الذين يضاعفون من قواناء ما زالوا لا يتلقون 
شيئا Ly pa‏ ونسلك كما لو أننا نتوقع أن الاكتشافات تهبط Lig‏ جاهزة من 
السماءء كالمطر أو أشعة الشمس. بينما يركز الناس على مهام خطيرة تهدف 
إلى قتل بعضهم الآخر. 

ويمكن أن نتوقف لنفكر لحظة في نسبة الطاقة الإنسانية المتكرسة للبحث 
عن A Bal‏ أو بعبارة أخرىء دعنا نلقى نظرة على النسبة المخصصة من 
الدخل القومي لأغراض البحث العلمي لمشكلات ملحة يؤدي حلها إلى نتائج 
حيوية بالنسبة للعالم. إذا فعلنا فسوف نصدم بحقيقة مؤلمة. فكل ما ينفق 
سنوياً على البحث العلمي في كل العالم أقل من ثمن سفينة فاخرة. ولا شك 
أن أحفادنا سوف لا يكونوا مخطثين إذا اعتبرونا همجيين؟. 


والحقيقة أنناء مثل الأطفال في مرحلة انتقاليةء لا نكون واعين تماما ولا 
متحكمين كلية في القوى الجديدة التي قد انطاقت وتحررت. ولا زلنا بتعلقنا 
بعادات بالية. نرى في العام وسيلة جديدة فحس ب نتناول بها نفس الأشياء 
القديمة ولكن 2 FEM‏ ر. لكن سوف يأتي الوقت عندما يضطر الإنسان 
وفنا لتباين مهامه أن يعترف بأن العلم ليس مهنة ثانوية ولكن نش اطا أساسياء 

















— ع التقس الإنسسائي‎ ge 


مظهراً طبيعيا لتحرير الطاقة الإنسانية الهائلة بواسطة طرائقه وأدواته 
وعملياته ونواتجه. 


ونستطيع أن نتصور Ule‏ فيه يتزايد الفراغ والاهتمام الشديدان باستمرارء 
ليجد أن مهمته الحيوية تتمثل في استقصاء كل شيء ومحاولة كل شيء وتوسيع 
كل شىء وهو ele‏ تمتص فيه التليسكوبات العملاقة والتكنولوجيات المتقدمة 
والتجارب الذرية مزيداً من الأموال وتثير مزيداً من الإعجاب والدهشة أكثر 
مما تثيره جميع القنابل والأسلحة مجتمعة. ذلك تقدير القوى الجاريةء وهو 
ما يجري من حولنا. 


في بعض الكائنات الدنيا تنتشر «شبكية العين» على كل سطح الجسم. 
وبنفس الطريقة تقريباً لا زالت الرؤية الإنسانية مشتتة في عملهاء مختلطة 
بالنشاط الصناعي وبالحرب» وبالإشعاع والتلوث. وتحتاج» من الناحية 
البيولوجية» إلى تفريد نفسها بطريقة مستقلةء بأعضائها المحددة. ولن يطول 
الوقت قبل أن يجد العالم الجديد عيونه. 


ب- اكتشاف الموضوع الإنساني: 


حينما تحقق الإنسان من أن وظيفته الأولى هي إدراك الطاقات المحيطة 
به» وتوحيدها ذهنياء والتحكم فيهاء بهدف المزيد من فهمها والسيطرة عليهاء 
لم تعد هناك خطورة في الوصول إلى الحد الأعلى من ازدهارها. قد تصل 
السوق التجارية إلى حد التشبع Legs‏ ماء وقد نستهلك كل مناجمنا وآبار النفط» 
رغم أنه قد توجد بدائل لذلك. ومع ذلك» لن يكون هناك شيء على الأرض 
يشبع رغبتنا من أجل المعرفة أو يبدد قوتنا من أجل الإبداع والاختراع. 


ولا يعني ذلك أن العلم ينبغي أن ينشر نفسه بلا مبالاة في كل مكان وفي 
أي اتجاه في نفس الوقت. فبقدر ما ينظر GUI‏ بقدر ما تزداد رؤيته. 
وبقدر ما يرى الإنسان: بقدر ما يعرف أن ينظر على نحو أفضل. وإذا كان 
للحياة أن تتقدم: فإن هذا بسيب أنهاء بواسطة البحث الدائب» قد توصلت 
بنجاح إلى النقاط التي تتضاءل فيها المقاومة: وبالتالي توصلت إلى الحقيقة. 
وعلى هذا النحوء إذا كان للبحث العلمي أن يتقدم: فإن هذا يكون متمركزاً 





٤۷ oe الفصل الثانى‎ 


على المجالات الرئيسية: المجالات الحساسة (الحية). التي يؤدي ارتيادها إلى 
السيطرة على المجالات الباقية. 


ومن وجهة النظرهذه؛ إذا كنا نمضي نحو «حقبة إنسانية للعلم» فإنها 
سوف تكون حقبة العلم الإنساني. وعلى SBN‏ سوف يدرك الإنسان - 
الشخص العارف, أن الإنسان - موضوع المعرفة- هو المفتاح إلى العلم الكلي 
عن الطبيعة. 


وإذا كان «كاريل» Carrel‏ قد أشار إلى الإنسان على أنه ذلك «المجهول» 
فإن الإنسان هو الحل لكل شيء يمكن أن نعرفه. 


وحتى وقتنا الحالي يبدي illl‏ سواء بسبب التعصب أو ag SI‏ تبرماً 
وإحجاماً عن النظر إلى الإنسان في وجهه»ء إلى حقيقته؛ وإنما يلجأ باستمرار 
إلى أن يحوم من حوله بدون أن يتجرأً على مواجهته. فأجسامناء من الناحية 
الماديةء تبدو غير age‏ عَرّضيةء وقتية. وهشة- فلماذا نقلق بشأنها؟ أرواحناء 
من الناحية النفسيةء تنطوي على الدهاء والخبث؛ ومركبة بطريقة معقدة. 
فكيف نستطيع مواءمتها في عالم من القوانين والمعادلات؟. 


ومع ills‏ بقدر ما نحاول تجنب الإنسان في نظرياتناء بقدر ما يعن لنا 
فهمه» كما لو أننا مقيدين بدوامته. علم الفيزياءء مثلاء لم يعد متأكداً مما إذا 
كان ما تبقى في يديه هو طاقة خالصةء أو على العكس 1,53 خالصا. ولقد 
وجدت البيولوجيا في خاتمة المطاف نفسها مضطرة إلى أن تعترف بالكائنات 
الإنسانية المفكرة على آنها الشكل النهائي الحالي للتطور. ونحن نجد الإنسان 
عند القاعدة: والإنسان عند Zeal‏ والأكثر من ذلك: الإنسان عند المركز 
- الإنسان الذي يعيش ويسعى ويجتهد بلا أمل فينا ومن حولنا.. علينا أن 
نتشبث به إن آجلاً أو عاجلاً. 


الإنسان هو موضوع دراسة ذات قيمة فريدة للعلم لسببين: 


.١‏ يمثل الإنسان» فرديا واجتماعياً. أعظم حالة مركبة بها تتيسر لنا عناصر 
الكون المختلفة. 








e ge‏ التقس الإنساني 


.Y‏ وه وأعظم نقطة متحركة من هذه العناصر في سياق التحول والتطور 
الحضاري. 


بهذين السببين الحقيقيينء ولكي نحل لغز الإنسان: علينا أن نحاول 
بالضرورة أن نكتشف كيف تطور العالم وكيف ينبغي أن يمضي قدما. ele‏ 
الإنسان هو العلم العملي والنظري لدراسة حقيقة الإنسان. ويعني ذلك دراسة 
عميقة للماضي ولأصوله» ولكن يعني أيضاً دراسة للتجربة البناءة التي تهدذ 
إلى موضوع متجدد وآفاق متفتحة باستمرارء ويكون البرنامج في هذا المسار 
هكذا هائلاً وغايته هي المستقبل. 


نحن بحاجة» ومنساقين بطريقة لا تقاوم» إلى خلق «علم الطاقات الإنسانية» 
(Science of human energetics)‏ وذلك بواسطة:؛ وما وراء؛ كل الفیزیاءء وکل 
البيولوجياء وكل علم النفس. 


في سياق ذلك الإبداع» سوف يجد العالم» بتركيزه على الإنسان؛ نفسه 
Lang‏ لوجه مع الدين وبصورة متزايدة. 


الارتباط بين العلم والدين: 


لقد ولد العالم الحديث» من حيث المظهر الخارجي» من حركة مضادة 
للدين: الإنسان يصير مكتفياً alo‏ والعقل يحل مكان العقيدة. لقد سمع جيلنا 
وأجيال سابقة قليلاً عن العلم GL ay‏ ولكن تكلموا عن الصراع بين العلم 
والإيمان. وفي الحقيقة أن ذلك قد ترائى في لحظة كنتيجة مقدرة بأن العلم 
سوف يأخذ مكان الدين. 


ولكن» بقدر ما استمر التوترء بدى الصراع بوضوح على أنه بحاجة إلى 
حل في إطار مختلف تماما من التوازن - ليس بالإقصاء والإلغاء؛ وليس 
à BLL‏ ولكن بالتركيب والتآلف. فبعد قرنين من النزاع الدائب» لم ينجح 
العلم ولا الإيمان في أن يجب أحدهما الآخر. وعلى العكس؛ لقد صار من 
الواضح أن كلاهما لا يستطيع أن ينمو نمواً سويا بدون الآخر. وسبب ذلك 
بسيط, أن الحياة ذاتها تُحيي كلاهما وتزدهر بهما. ولا يستطيع العلم بقوته 

















الفصل | سه 


الدافعة ولا بمنجزاته الإبداعية أن يصل إلى مداه بدون أن يصبح مصطيغاً 
بالباطنية ومشحونا بالعقيدة: 


أولا: من حيث القوة الدافعة للعلم» فإننا نستطيع أن نطرق هذه النقطة إذا 
تناولنا مشكلة العمل والأداء. فالإنسان سوف يستمر فقط في العمل والبحث 
طالما ظل مدفوعاً باهتمام شديد . هذا الاهتمام الآن يعتمد كلية على الاعتقاد 
بأن للكون وجهة وبأنها لابد وأن تؤدي - إذا US‏ مؤمنين - إلى نوع من الكمال 
المستمر. ومن هنا يأتي الاعتقاد في التقدم. 


ثانياً: من حيث بنية العلم؛ يمكن أن نتخيل علمياً تحسناً هائلاً في الكائن 
الحي الإنساني وفي المجتمع الإنساني. ولكن حالما نحاول وضع أحلامنا موضع 
العمل نتحقق من أن المشكلة تظل غير محددة أو حتى بلا حل إذا لم نعترف 
بالخصائص المتقاربة للعالم الذي ينتمي إليه. ومن هنا يأتي الاعتقاد في 
الوحدة- وحدة العلم والدين. 


وأكثر من ALIS‏ إذا اتخذنا قراراً. تحت ضغط الحقائق. لصالح التفاؤل 
بالوحدة بين العلم والدين: فإننا نسير تبعاً لما تقتضيه الضرورة الفنية 
لاكتشاف - بالإضافة إلى القوة الدافعة اللازمة لدفعنا إلى الإمام وبالإضافة 
إلى الهدف الخاص الذي يحدد طريقنا - الرابطة الخاصة التي تربط حياتنا 
Line‏ وبحيويةء بدون ما تقليل منها أو تشويه لها. ومن هنا يأتي الاعتقاد في 
مركز جذب هائل» وهو «الشخصية». 

وباختصار ء حالما يتجاوز العلم البحوث التحليلية التي تؤلف مراحله 
الأولية: وينتقل إلى التركيب والتآلف — ذلك التركيب (synthesis)‏ الذي يبلغ 
الذروة بطبيعة الحال في تحقيق حالة سامية من الإنسانية - يؤدي به هذا على 
الفورإلى بصيرة ثاقبة؛ ويرنو إلى «المستقبل» وإلى «الكلء .. وهو بهذا يتقدم 
العلم وينطلق في ضوء الاختيار والعبادة. 

لذا لم يخطئ «رينان» ومفكرو القرن التاسع عشر حينما تكلموا عن 
«ديانة العلم» Religion of science‏ وكان خطؤهم أنهم لم يروا أن إيمانهم 
بالإنسانية يتضمن إعادة تكامل. في شكل متجدد» لتلك القوي الروحية التي 
كانوا يزعمون أنهم قد تخلصوا منها. 








alil e ge‏ الإنساني 


العلم والدين: هما الوجهان المجتمعان للمعرفة الكاملة - تلك المعرفة 
التي تستطيع أن تحيط بماضي وبمستقبل التطور من أجل التأمل فيه وقياسه 
وتحقيقه» وتقدمه وازدهاره „Laga‏ 


ضفي التعزيز المتبادل لهاتين القوتين اللتين لا تزالا متعارضتين. وفي 
ارتباط العقل بالباطنية: تكون الروح الإنسانية موجهة. بحكم طبيعة نموهاء 
إلى أن تجد الدرجة القصوى لتغلغلها بأقصى قوتها الحيوية في كافة أنشطة 
حياتنا. وإذ تمضي الإنسانية في هذه المسارات الثلاثة (تنظيم البحث العلمي» 
اكتشاف الموضوع الإنساني» الارتباط بين العلم (gully‏ وتفيد منهاء تتفتح 
أمامها إمكانات هائلة بلا حدود أو قيود. 











قراءات مقترحة مار[ £Y Y‏ — 
قراءات مقترحة 

Ainslie, G. (2001). Breakdown of will. Combridge, England: 
Combridge Univ. Press. 

Aspinwall, L. G., & Staudinger, U. M. (Eds.). (2003). A psychol- 
ogy of human strengths: Fundamental questions and future direc- 
tions for a positive psychology. Washington, DC: American Psycho- 
logical Association. 

Brandt, A., & Rozin, P. (Eds.). (1997). Morality and health. New 
York: Routledge. 

Bandura, A. (1997). Salf- efficacy: The exercise of control. New 
York: Freeman. 


Bruner, J. (1990). Acts of meaning. Cambridge, MA: Harverd 
University Press. 


Baumeister. R. F., & Exline, J. J. (2000). Self- control, morality, 
and human strength, Journal of Social and Clinical Psychology, 19, 
29-42, 

Bok, S. (1995), Common values. Columbia: University of Mis- 
souri Press. 

Branden, N. (1994), The six pillars of self- esteem. New York: 
Bantam Books. 

Brandsford, J. D., Brown, A. L., & Cocking, R. R. (1999). How 
people learn: Brain, mind, experience, and school. Washington, DC: 
National Academy Press. 

Bronfenbrenner, U. (1986). Ecology of Human development: 
Experiments by nature and design. Combridge, MA: Harvard Uni- 
versity Press. 

Bryk, A. S., & Schneider, B. (2002). Trust in schools: A core 
source of improvement. New York: Sage. 


مي gl]‏ التقس الإنساني 
Buckingham, M., & Clifton, D. O. (2001). Now, discover your‏ 
strengths. New York: Free Press.‏ 
Burrell, B. (1997). The words we live by. New York: Free Press.‏ 


Cawley, M. J., Martin, J. E., & Johnson, J. A. (2000). A virtues 
approach to personality. Personality and Individual differences, 28, 
997-2103. 

Chordon, P. (1991). The wisdom of no escape and path of loving 
- kindness. Boston: Shambhala. 


Chordon, P. (2001). The places that scare us. Boston: Shambhala. 


Collins, J. (1996). Level five leadership: The triumph of humility 
and fierce resolve. Harvard Business Review, 79, 66-76. 

Convington, M. V. (1999). Caring about learning. Educational 
Psychologist, 34, 127-136. 

Csikszentmihalyi, M. (1990). Flow: The psychology of optimal 
experience. New York: Harper & Row. 

Deci, E. L., & Ryan, R. M. (1985). Intrinsic motivation and self- 
determination in human behavior. New York: Plenum Press. 

Chang, E. C., & Sanna, L. J. (eds.). (2003). virtue, vice, and per- 
sonality: The complexity of behavior. Washington, D C: American 
Psychological Association. 

Di Paula, A., & Campbell, J. D. (2002). Self- esteem and per- 
sistence in the face of failure. Journal of Personality and Social Psy- 
chology, 83, 711-724. 

Donnelly, D. (2017). Relentless optimism. New York: Shamrock 
New Media, Inc. 


Eisenberg, N. (1986). Altriustic emotion, cognition, and behav- 
ior. Hills dale, N J: Erlbaum. 


Emmons, R. A., & Crumpler, C. A. (2000). Gratitude as human 


— £ i Ls قامات عق‎ 
strength: Appraising the evidence. Journal of Social and Clinical Psy- 
chology, 19, 56-69. 

Enright, R. D., Gassin, L. A., & Wu, C. (1992). Forgiveness: A 
developmental view. Journal of Moral Education, 21m 99-114. 

Ferrari, M. (Ed.). (2002). The pursuit of excellence through edu- 
cation. Mahwah, N J: Erlbaum. 

Gardner, H. (1983, 1993). Frames of mind: The theory of multi- 
ple intelligences. New York: Basic Books. 

Gardner, H. (2000). The disciplined mind. New York: Penguin 
Books. 

Gardner, H., Csihszentmihalyi, M., & Damon, W. (2001). Good 
work: When excellence and ethics meet. New York: Basic Books. 

George, L. K., Larson, D. B., Koenig, H. G., & Mc Cullough, M. E. 


(2000). Spirituality and health: What we know, what we need to know. 
Journal of Social and Clinial Psychology, 19, 102-116. 


Gergen, K. (1991). The saturated self: Dilemmas of identity in 
contemporary life. New York: Basic Books. 

Gillham, J. E. (Ed.). (2000). The science of optimism and hope: 
Research essays in honor of Martin E. P. Seligman. Randor, PA: 
Templeton Foundation Press. 


Glantz, M. D., & J. L. Johnson (Eds.). (1999). Resilience and develop- 
ment: Positive life adaptations. New York: Kluwer Plenum. 


Goldberg, C., & Simon, J. (1982). Toward a psychology of cour- 
age: Implications of the change (healing) process. Journal of Contem- 
porary Psychotherapy, 13, 107-128. 


Goleman, D. (1995). Emotional intelligence. New York: Bantam 
Books. 


Goleman, D. (2006). Social intelligence. New York: Bantam Books. 


يجي ل عم التقس الإنساني 

Harter, 5. (1999). The construction of the self: A developmental 
perspective. New York: Guilford Press. 

Kendall, P. C. (1992). Healthy thinking. Cognition and Emotion, 
17, 297-314. 

Keyes, C. L., & Haidt, J. (Eds.). (2003). Flourishing: Positive 
psychology and the life well-lived. Washington, DC: American Psy- 
chological Association. 

Klee, M. B. (2000). Core virtues: A literature- based program in 
character education. Redwood City, CA: Link Institute. 


Klen, 5. (2006). The science of happiness. Philadelphia, PA: De 
Capo Press. 


Kramer, D. A. (2000). Wisdom as a classical source of human 
strength: Conceptualization and empirical inquiry. Jowrnal of Social 
and Clinical Psychology, 19, 83-103. 


Larson, R. W. (2000). Toward a psychology of positive youth de- 
velopment. American Psychologist, 55, 150-183. 


Leahy, R. (1986). Educating for authenticity. Counseling and Val- 
ues, 30, 175-182. 


Maslow, A. H. (1964). Religions, values, and peak experiences. 
New York: Penguin. 


Maslow, A. H. (1970). Motivation and personality. New York: 
Harper & Row. 


Markus, H. R., & Nurius, P. (1986). Possible selves. American 
Psychologist, 4, 954-969. 


May, R. (1983). The discovery of being. New York: Norton. 


Mayer, J. D., & Salovey, P. (1993). The intelligence of emotional 
intelligence. Intelligence, 17, 433-442. 


Mayer, J. D., Salovey, P., & Caruso, D. R. (2000) Models of emo- 


— £ Y 6 —— ees مفو‎ ig | — 
tional intelligence. In R. J. Sternberg (Ed.), Handbook of intelligence. 
Cambridge, England:Cambridge Univesity Press. 

Mc Callum, M., & Piper, W. T. (Eds.). (1997). Psychological mind- 
edness: A contemporary understanding. Mahway, N J: Erlbaum. 

Mc Combs, B. L. (1991). Motivation and lifelong learning. Educa- 
tional Psychologist, 26, 117-127. 


Miller, M.E., & Cook- Greuter, S. R. (Eds.). (2000). Creativity, 
spirituality, and transcendence: Paths to integrity and wisdom in 
the mature self. Stamford, C T: Ablex. 


Miller, W. I. (2000). The mystery of courage. Cambridge, MA: 
Harvard University Press. 


Myers, D. G. (1993). The pursuit of happiness. New York: Avon 
Books. 


Paulus, P.B., & Nistad, B. A. (Eds.) . (2003). Group Creativity. 
New York: Oxford University Press. 


Peterson, C., & Seligman, M. E. (2004). Charactor strengths and 
virtues. Washington, D C: American Psychological Association. 


Putman, D. (1997). Psychological courage. Philosophy, Psychia- 
try and Psychology, 4, 1-11. 


Raskin, V. (1985). Semantic mechanisms of humor. Dordrecht, 
Netherlands: D. Reidel. 


Richards, N. (1992). Humility. Philadelphia: Temple University 
Press. 


Ruch, W. (Ed.). (1998). The sense of humor: Explorations of a 
personality characteristic. Berlin, Germany: Mouton de Gruyter. 


Runco, M. A., & Pritzker, S. (Eds.). (1999). Encyclopedia of cre- 
ativity. San Diego, C A: Academic Press. 


Rutter, M. (1999). Resilience concepts and findings: Inplications 


— ١٣ي‏ طم التقس الإنساني 
for family therapy. Journal of Family Therapy, 21, 119-144.‏ 

Ryan, R. M., & Deci, E.L. (2000). Self- determination theory and the 
facilitation of intrinsic motivation, social development, and well - being. 
American Psychologist, 55, 68-78. 

Ryff, C.D. (1989). Happiness is everything, or is it? Explorations 
of the meaning of psychosocial well- being. Journal of Personality 
and Social Psychology, 57, 1069-1081. 

- Ryff, C.D., & Singer, B. (1998). The contours of positive mental 
health, Psychological Inquiry, 9, 1-28. 





Saarani, ©. (1999), The development of emotional competence. 
New York: Guilford Press. 


Sansone, C., & Harackiewiewicz, J.M. (Eds.). Intrinsic and ex- 
trinsic motivation: The search for optimal motivation and perfor- 
mance, New York: Academic Press. 


Schaps, E. (2001). Community in school: The Key to violence pre- 
vention and more. Safe Learning, 1, 20-21. 


Schwartz, B. (2000). Self - determination: The tyranny of freedom. 
American Psychologist , 55, 79-88. 
Seligman, M. E. P. (1990). Learned optimism. New York: Knopf. 


Seligman, M. E. P. (2002). Authentic happiness. New York: Free 
Press. 


Seligman, M. E. P., & Csikszentmihali, M. (2000). Positive psy- 
chology: An introduction. American Psychologist, 55, 5-14. 


Shelton, C. M. (2000). Achieving moral health. New York: Cross- 
road. 


Snyder, C. R. (Ed.). (2000). Handbook of hope: Theory, mea- 
sures, and applications. San Diego, CA: Academic Press. 


Snyder, C. R., & Lopez, S. J. (Eds.). (2002). Handbook of positive 


٤۷ قراءات مقترحة سس‎ 
psychology. New York: Oxford University Press. 
Steen, T. A., Kachorek, L. V., & Peterson, C. (2003). Character 
strengths among youth. Journal of Youth and Adolescence, 32, 5-16. 
Sternberg, R. J. (Ed.). (1990). Wisdom: Its nature, origins, and 
development. New York: Cambridge University Press. 
Templar, R. (2015). The rules of life. New York: Pearson. 


Unell, B., & Wyckoff, J. (1995). 20 teacheable virtues: Practical 
ways to pass on lessons of virtue and character to your children. 
New York: Penguin Books. 

Uslaner, E. M. (2002). The moral foundations of trust. Cam- 
bridge, England: Cambridge University Press. 


Vaillant, G. E. (1993). The wisdom of the ego. Cambridge, M A: 
Harvard University Press. 


Vaillant, G. E. (2000). Aging well. Boston: Little, Brown. 


Zagzebski, L. (1996). Virtues of the mind: An inquiry into the 
nature of virtue and the ethical foundations of knowledge. New 
York: Cambridge University Press. 


ale ۳۸ —‏ النفس الإنساني 

الفصل الأول : 

Bugental, J. F. (1963). Humanistic psychology: A new break- 
through. Amer. Psychologist, 18, 563-567. 


Cantril, H. (1995). Toward a humanistic psychology, Etc, 12, 
278-298. 


Chein , I. (1962). The image of man. J. Soc. Issues, 13(4), 1-35. 

Harlow , H.F. (1953). Mice, monkeys, men and motives. Psychol. 
Rev., 60. 23-32. 

الفصل الثاني : 

Boring E. G. (1957). When is human behavior preder- 
mined? Sci Monthly, 84, 189-196. 

May. R. (1961). Will, decision and responsibility: Summary re- 
markms, Rev. Existent . Psychol . psyciat., 249 — 259, 


Muller, H. J. (1960) Issues of freedom. (World perspectives series. 
VOI. 23). New York : Harper and Row, part I. 


Zavalloni, R. (1962). Self-determination: The psychology of 

personal freedom. Chicago: Forum Books. 
: الفصل الثالث‎ 

Allport, 0. W. (1940). The psycologist’s frame of reference. Psy- 
chol Bull, 37-1-28. 

Katz, D. (1937). Animals and men :Studies in comparative psy- 
chology. London: Longmans. 

Kellogg, W. N., & Kellogg. L. A. (1933). The ape and the child. 
New York: McGraw-Hill. 

Matson, F. W. (1964). The broken image: Man, Science, and so- 
ciety. New York: Braziller, 53-81. 


Moore. T. V. (1941). Human and animal intelligence In H. S. Jen- 


— £ Y 4 is قراءات‎ 
nings, et at. (Eds.), Scientific aspects of the race problem. London: 
Longmans, 93-158. 


: الفصل الرابع‎ 
Burt, C. (1961).The structure of the mind : A reply. Brit 
J. statist. Psychol., 1961, 14, 145-170. 


Buytendijk. F. (1961). The body in existential psychology. Rev. 
Existent Psychol Psychiat. 1, 149-172. 


Feigl, H. (1958). The «mental» and the «physical». In H. Feigel, et 
al (Eds), Minnesota studies in the philosophy of science. Vol 2. Con- 
cepts, theories and the mind-body problem. Minneapolis: University 
of Minnesota Press, 370-397. 


Luijpen, W. A. (1960). Duquesne Studies, Philosophical series. 
Vol. 12. Existential Phenomenology. Pittsburgh: Duquesne Universi- 
ty Press, 181-192, 


Olds, J. (1956). Pleasure centers in the brain. Scient. American., 
19, 105-116. 
Penfiel, W. (1961). The physiological basis of the mind. In S. M. 


Farber and R. H. L. Wilson (Eds.), Control of the mind: Man and 
civilization. New York: McGraw-Hill. 


Sinnott, E. W. (1957). Matter, mind, and man: The contribution 
of biology toward a solution of mind-body relationships. Main Curr. 
Mod. Thought., 13, 75-80. 

Von Holst, E., & U. von Saint Paul. (1962). Electrically controlled 
behavior. Scient. American, 206, 50-59. 


: الفصل الخامس‎ 
Murray, H. A., et al., (1961). Cultural evolution reviewod by psy- 
chologists. Daedalus, 1961, 90, 570-586. 


Oppenheimer, R. (1960). Some reflections on science and cul- 
ture. Chapel Hill, N C : University of North Caroline Press. 


عي عم النفس الإنساني 

Rogers, C. R. (1963). Toward a science of the person. J. Human- 
ist. Psychol., 3 (2) 72-92. 

Toulin, S. (1961). Foresight and understanding: An inquiry into 
the aims of science. London : Hutchison, . 99-115. 

Waters, R. H. (1958). Behavior : Datum or abstraction ? Amer. 
Psychologist., 13, 278-282. 

الفصل السادس: 

Burt C. (1960). Logical positivisn and the concept of conscious- 
ness. Brit J. Statist. Psychol., 13, 55-70. 

Caldin, E. F. (1949). The power and limits of science. London: 
Chapman and Hall. 

Heisenberg, W, & E. Schrodinger . et al. (1961). On modern phys- 
ics. New York: Collier, 1-66. 

Matson, F. W. (1964). The broken image. New York : Braziller, 
31- 45. 


Tamm, T.W. (Ed) (1964). Behaviorism and phenomenology: 
Contrasting bases for modern psychology. Chicago: University of 
Chicago Press. 

Weaver, W. (1964). Scientific explanation. Science, 143 (3612), 
1297-1300. 


الفصل السابع : 


Ginsberg, A.(1955). Operational definitions and theories. J. Gen. 
Psychol., 52, 223-245. 


Scheerer, M. (1958). On the relationship between experimental and 
non- experimental methods in psychology . psychol Res., 8, 109-116. 


Valois, A. J. (1960). Study of operationism and its implications for 
educational psyhchology. Washington, D C: Catholic University Press. 


قراءات مقترحة ل لييدم ££ — 


: الفصل الثامن‎ 
Holt, R. R. (1964). Imagery: The return of the ostracized. Amer. 
Psychologist., 19, 254-264. 
Johnson, E. P. (1956). On readmitting the mind. Amer. Psycholo- 
gist., 11, 712-714. 


Koch, S. (1961). Psychologiclal science versus the science-human- 
ism antinomy: Intimations of a significant science of man, Amer. Psy- 
chologist, 16, 629-639. 


Kuenzli, A. E. (Ed). (1959). The phenomenological problem. 
New York: Harper and Row, Chaps. 1, 2, 5,12. 
Morris, C. (1956). Varieties of human values. Chicago: Universi- 
ty of Chicago Press. 
: الفصل التاسع‎ 
Dukes, W. F. (1955). Psychological studies in values. Psychol 
bull., 52, 24-50. 
Maslow, A. H. (1963). Fusion of facts and values. Amer J. Psy- 
choanal., 23, 117-131. 
Watson, G. (1958). Moral issues in psychotherapy. Amer. Psy- 
chologist, 13, 574-576. 
: الفصل العاشر‎ 
Allport, 0. W. (1961). Pattern and growth in personality, New 
York: Molt, 275-307. 
Frankl, V. E. (1962), Existential humanics and neurotic escapism. 
Universitas, 273-286. 
Kimball, W. L. (1962). Mental health and selective detachment 
from culture. J. Humanist . Psychol., 2 (1), 80-88. 


Szasz. T. S. (1960).The myth of mental illness. Amer. Psycholo- 
gist, 15, 113-118. 


iíY —‏ اس ل طم النفس ity)‏ 


الفصل الحادي عشر: 

Allport, 0. W. (1962). Models for guidance. Harv. Educ. Rev., 32, 
373- 381. 

Curran, C. A. (1963). Counseling, psychotherapy and the unified 
person. J. Relig. Hlth., 2, 95-111. 

Frankl, V.E. (1961). Dynamics, existence and values. J. existent. 
Psychiat., 2, 5-16. 

Mowrer, O. H. (1964). Science, sex and values. Personnel Guid. 
J., 42, 746-753. 

Murphy, G. (1955). The cultural content of counseling. Personnel 
Guid. J., 34, 4-9. 

Rychlak, J. F (1964). Control and prediction and the clinician. 
Amer. Psychologist, 19, 186-190. 

Schneider, A. A. (1961). Religion and psychological health — A 
new approach. J. Existent . Psychiat., 5, 93-104. 

Williamson, E. G. (1961). Value commitment and counseling. 
Teachers Coll. Res., 62, 602-608. 

الفصل الثاني عشر : 

Gardner, J. W. (1963). Self-renewal: The individual and the in- 
novative society. New York: Harper and Row. 

Huxley, A. (1932, 1946). Brave new world. New York: Harper 
and Row. 

Luijpen, W. A. (1960). Duquesne studies, philosophical series, 
Vol. 12 Pittsburgh: Duquesne University Press, 260-355. 


Maslow, A. H. (1961). Existential Psychology — What's in it for 
us? In Rollo May (ed), Existential psychology. New. York: Random 
House, 52-60. 

Teilhard de Chardin, P. (1964). The future of man. New York: 
Harper and Row.